الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

خمسة عشر عاماً على استشهاد الرئيس ياسر عرفات رحمه الله بقلم:د.تيسير رجب التميمي

تاريخ النشر : 2019-11-16
خمسة عشر عاماً على استشهاد الرئيس ياسر عرفات رحمه الله بقلم:د.تيسير رجب التميمي
هذا هو الإسلام

خمسة عشر عاماً على استشهاد الرئيس ياسر عرفات رحمه الله

الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

في فجر يوم 11/11/2004م ارتقت الروح إلى بارئها عز وجل ، ففقدت فلسطين والأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم وشرفاؤه قائداً مميزاً ، وفارساً نذر نفسه للدفاع عن حقوق أبناء شعبه ، وكرس حياته مجاهداً في سبيل ربه ووطنه ومقدساته ، وحمل آمالهم وطموحاتهم في قلبه وضميره ، وعينه ترنو دوماً إلى مدينة القدس ومسجدها الأقصى المبارك .

افتقده شعبه في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى حكمته وعزيمته وإرادته ، فقد قضى عمره في خدمة قضيته والجهاد من أجلها والدفاع عنها من على كل المنابر ، ونحسب أن قد أحسن الله خاتمته : فقد مات ولم يتنازل عن القدس والمسجد الأقصى المبارك أو عن هويتهما الإسلامية ، ومضى غير مبالٍ بالملاحقة والمطاردة والحصار ومحاولات الاغتيال العديدة ، رافضاً كل الإملاءات والإغراءات للتنازل عن القضية والهوية ، متشبثاً بالسيادة الكاملة على القدس ومقدساتها .

فمن ينسى رفضه المساومة على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك وعودة اللاجئين ؟ من ينسى اتخاذه موقف الند للند أمام رئيس أكبر دولة في العالم عام 2002 في كامب ديفيد بقوله [ المسجد الأقصى المبارك جزء من عقيدة مليار ونصف المليار من المسلمين لن أعترف إلا بما يعترف به كل هؤلاء ] فهدده كلينتون بقوله : إذا لم توافق فستحدث تغييرات في المنطقة وستكون أنت من ضمنها ، فرد عليه فوراً [ أدعوك من الآن لحضور جنازتي ] فحوصر وقتل دفاعاً عن الأرض المباركة ومقدساتها كمن سبقوه من قادة الأمة ومجاهديها الشرفاء عبر التاريخ .

تعتصر قلوب أبناء شعبه أسى على رحيله ، وتذرف عيونهم الدمع حزناً على مصابهم به ، فهو الذي بدأ أول ثورة للشعب الفلسطيني وأنشأ أول كيان له ، وحّوله من مجموعة لاجئين مشردين إلى شعب مجاهد في سبيل حقوقه وقضيته التي اكتسبت بفضل مواقفه التأييد والمناصرة في جميع أنحاء العالم .

كان بقيادته التاريخية مثالاً للزعيم الحقيقي الذي يعيش المعاناة مع أبناء شعبه ، ويضرب بصموده الأسطوري أروع الأمثلة في مواجهة الحصار الذي استهدفه واستهدف شعبه ووجوده وأرضه ، وفي الدفاع عن شرف وكرامة الأمة ، أبقى بابه مشرعاً لاستقبال أبناء شعبه يستمع إليهم في شكواهم ومعاناتهم ، ويجتهد في تلبية احتياجاتهم وإغاثة لهفاتهم ، فخسروا برحيله الوالد والقائد والرائد والراعي .

خسرت البشرية برحيله رمزاً مدافعاً عن الشعوب المقهورة ، وأحد قادة حركات التحرر في العالم ، لم يبكه شعبه وحده فقط ، بل بكته ملايين في مشارق الأرض ومغاربها ، بكوْا فيه الرجل الثابت على مبادئه المتمسك بحقوق شعبه ، الصامد أمام أعتى قوى الظلم والطغيان في هذا الزمان ، كان قدوة ومثالاً للقادة والحكام ، شيعه العالم في باريس والقاهرة ، وشيعه شعبه في رام الله بصورة لم يحظّ بها أي زعيم من قبل ، حتى ألدّ أعدائه وصفوه يوم وفاته بأنه آخر القادة العمالقة ، يكفيه شرفاً ورفعة أنه استشهد مدافعاً عن ثوابت قضيته التي عاش ومات من أجلها، ونحسب أن قد صدق فيه قوله تعالى { مِنَ المؤْمِنينَ رجالٌ صّدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فمِنهُم مَنْ قَضى نَحْبَهُ ومِنهُم مَنْ ينتظِرْ وَمَا بَدْلُوا تَبديلاً } الأحزاب 23 .

أما عن اللحظات الأخيرة التي قضيتُها معه فأقول : زرتُه في المقاطعة في شهر رمضان المبارك قبل نقله إلى باريس بأيام ، وكان صائماً على الرغم من مرضه فنصحته برخصة الفطر ، وألح الحاضرون عليه بذلك وبالأخص الأطباء ، فأصر على مواصلة الصيام وقال لي [ هل تريد مني أن أفطر بعد العمر ده ؟ ] فقلت له إن حياتك ليست ملكك بل ملك الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، فقال لي [ إنهم يريدون قتلي بسبب عدم خضوعي لهم ] ، وراجعتُ له يومها 25 جزءاً من القرآن الكريم التي يحفظها ، فقد كان يكثر من حفظه وتلاوته أثناء الحصار فيجد فيه الراحة ، ويستمد منه القوة في مواجهة العدوان ضده وضد قضية شعبه وحقوقه ، وأوصاني بأن أدفنه في مدينة القدس .

وبعد نقله إلى مستشفى بيرسي في باريس آثرت أن أكون إلى جانبه ، عندما دخلت عليه رأيت شيئاً مذهلاً : رأسه متضخم ثلاثة أضعاف حجمه والدم ينزف من كل جزء في وجهه نتيجة تميع الدم جراء التسميم الذي تعرض له ، ومع ذلك شعرتُ بمهابة القائد ، قضيتُ ساعات طويلة إلى جانب سريره أتلو القرآن وأدعو له، وقبل ارتقاء روحه إلى بارئها صفا وجهه وعلت الابتسامة محياه ، ثم أسلم الروح ، قال تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلَى رَبِّها نَاظِرَةٌ } القيامة 22 ـ 23 .

وبعد استشهاده أشرفتُ على تغسيله وتكفينه ، توقعتُ أن أرى جسداً مترهلاً لشيخ عجوز هرم ، ففوجئتُ بجسدٍ مليءٍ بالحيوية والعنفوان يدل على خلوه من الأمراض ، وما ذاك إلاَّ لأنه كان حريصاً على العناية بصحته وممارسة الرياضة رغم الحصار الطويل المفروض عليه .

وعند دفنه في المقاطعة لم أتمكن من فتح التابوت الذي نقل فيه جثمانه من باريس نظراً لتدافع الجموع الحاشدة من المواطنين القادمين من كل حدب وصوب لإلقاء نظرة الوداع على قائدهم ورمز نضالهم رغم إجراءات الاحتلال الإسرائيلي القاسية ، ولم أتمكن من ذلك إلاَّ بعد منتصف الليل بفتح القبر وإخراجه من التابوت ولحده ودفنه حسب أحكام الشريعة الإسلامية ، وجدت وجهه منيراً ، ورأسه بحجمه الطبيعي .
ووفاء بحقه فالواجب في ذكراه المتجددة سنوياً إكمال مسيرته والمضيّ على عهده ، والتمسك بالقضية ومبادئها كما تمسك ؛ والمحافظة على ثوابتها كما حافظ ، فهو لم يتنازل عن القدس وعروبتها رغم ضغوط الجبابرة ، بل ظل يردد دوماً [ لم يولد القائد الذي يمكن أن يفرط بالقدس ، ليس فينا وليس بيننا وليس منا من يفرط بذرة من تراب القدس ] وأما حق العودة عنده فخط أحمر لا يجوز الاقتراب منه أو تجاوزه فقال [ إن عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم حق مقدس كبقية المقدسات ] .
إن قتل ياسر عرفات كان مؤامرة دولية شاركت فيها عدة أطراف ، وهناك دلائل كثيرة على ذلك لمن أراد البحث والاستقصاء والاستقراء وإعمال النظر ، فلا بد من العمل الجاد للكشف عن منفذي هذه الجريمة النكراء وتقديمهم إلى المحاكمة الحقيقية حسب الأصول والقوانين الدولية النافذة ، لأن من حق أبناء الشعب الفلسطيني أن يعرفوهم إذ إن اغتياله كان بهدف التمهيد لاغتيال وتصفية القضية الفلسطينية وإنهائها .
ووفاء صادقاً بحقه يجب كذلك تجسيد الوحدة الوطنية ، فوحدة الشعب الفلسطيني وفصائل عمله الوطني هي القوة الضاربة والسلاح الأمضى في مواجهة الأعداء ، هي الصخرة الصلدة التي تتحطم عليها المؤامرات والمخططات والأخطار المحدقة بقضيتنا وحقوقنا ومقدساتنا ، فالمطلوب من الجميع نبذ كل أسباب الخلافات الحزبية والفئوية والفصائلية والشخصية ، والاتفاق على برنامج عمل وطني أساسه إنهاء الاحتلال ؛ فهذا هو الهدف الذي لأجله أنشئت كافة تلك الفصائل أصلاً فلا يجوز تغيير هذه البوصلة ، هكذا نحترم دماء الشهداء الأبرار التي سفكت غيلة وغدراً ، هكذا نثمّن معاناة الأسرى الأماجد الذين سلبت حرياتهم غيلة وغدراً ، هكذا فقط نسير على الطريق الوحيد الموصل لغايتنا بنيل الحرية والاستقلال وإقامة دولتنا المستقلة ذات السيادة الكاملة على كامل أرضنا ووطننا وعاصمتها مدينة القدس المباركة . قال تعالى { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يوسف 21
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف