بول نيزان وشيخ ورطة
يوسف حجازي
تحتفل الأمم المتحدة في 21 أيار من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية ، اعترافا بدور الثقافة كوسيلة في تحقيق التعايش السلمي ، والازدهار والتنمية ، خاصة وان معظم الصراعات في العالم ومنذ انتقال البشرية من مرحلة الإنسان الجزء إلى مرحلة الإنسان المجتمع لها أبعاد ثقافية وحضارية وفلسفية ودينية وإيديولوجية ، ولأن التنوع الثقافي ضروري للجنس البشري وتطور الجنس البشري ، كما ضرورة التنوع البيولوجي في الحفاظ على النوع البشري والكائنات الحية ، ولذلك كان الاحتفال باليوم العالمي من اجل التنمية والحوار ليس فقط احتفالا بالثراء الثقافي العالمي ، ولكنه ايضا احتفالا بالدور الأساسي الذي يلعبه الحوار العابر للثقافات في تحقيق السلام والتنمية ، حلم السلام في زمن الحروب ، وحلم التنمية في زمن الرأسمالية المتوحشة ، كان شيخ ورطة يتصفح بعض الصحف والجرائد ، وبعض الوثائق ، والتقارير السرية التي تزوده بها أجهزة الأمن عن الحالة الأمنية في ورطة والورطات المجاورة والعالم ، وفي هذه الأثناء دخل سكرتير شيخ ورطة ، وفال سيدي شيح ورطة كبير الخنازيق يطلب الأمر بالدخول ، فقال له شيخ ورطة دعه يدخل ، وحرج السكرتير وقال لكبير الخنازيق سيدي شيخ ورطة ينتظرك ، ودخل كبير الخنازيق ، وكان كبير الخنازيق ورغم انه لم يكن الأقرب ولا الأهم بالنسبة إلى شيخ ورطة إلا انه كان أكثر من يحظى بالقبول عند شيخ ورطة ، بسبب عاطفته التي كانت تمكنه من الانتقال من النقيض إلى النقيض في المكان المناسب ، والزمان المناسب ، والموقف المناسب ، وبعد تقديم فروض الطاعة والولاء، وكأنه آلة صماء لا يقول إلا ما يرضي شيخ ورطة ، ولا يفعل إلا ما يرضي شيخ ورطة ، وهنا تذكرت فيلم ايس فانتورا (( Ace Venturaالذي مثله جيم كاري الممثل الكوميدي الكندي الأمريكي في عام 1995 ، وتدور قصة الفيلم حول قرية نعبد خفاش أبيض ، اسمه شيكاكا ، وكلما كان احد السكان يذكر اسم الخفاش شيكاكا كان جميع السكان يسجدون على الأرض بدون تفكير ، وقد انتبه جيم كاري إلى ذلك ، فبدأ يقول شيكاكا عدة مرات ليجبر الناس على السكوت والسجود عدة مرات ، وحتى يستمتع أكثر بدأ يغير الكلمة ويقول شيكاشا وكان الناس ايضا يسكتون ويسجدون ، وهذا هو حال كبير الخنازيق مع شيخ ورطة أو شيخ شيكاكا آو شيخ شيكاشا ، وحال الكثير من شعب ورطة والورطات الأخرى ، وحال الكثير من المثقفين في ورطة والورطات الأخرى ، وكان شيخ ورطة من وقت إلى آخر يستدعى كبير الخازيق ، وكان كبير الخنازيق يحضر وهو يحمل معه التقارير الأمنية عن حال الأمن في ورطة والورطات المجاورة والعالم ، وبعد أن استعرض شيخ ورطة التقارير قال لكبير الخنازيق ، نحن نبني إستراتيجيتنا على ثلاث مبادئ ، المبدأ الأول بالنسبة لورطة فرق واحكم ، والمبدأ الثاني بالنسبة للورطات المجاورة فرق تسد ، والمبدأ الثالث بالنسبة للعالم الخارجي ، يقوم على ثلاث استراتيجيات ، الأولى إستراتيجية التحالف مع الدول التي تتفق مع ورطة في المبادئ والمصالح الإستراتيجية ، والثانية إستراتيجية الشراكة مع الدول التي تتفق مع ورطة في المبادئ وتختلف معها في المصالح الإستراتيجية ، والثالثة إستراتيجية التعاون الميداني مع الدول التي لا تتفق مع ورطة في المبادئ وتتفق معها في المصالح التكتيكية . وفي ورطة لا فوق بين المبادئ والمصالح ، المبادئ مصالح والمصالح مبادئ ، والمصالح تتصالح . وهنا قال شيخ ورطة لكبير الخنازيق ، هل لديك شيئا تريد أن تقوله قبل أن تنصرف ، فقال كبير الخنازيق سيدي شيخ ورطة لا شيء إلا الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية ، فقال شيخ ورطة ، ماذا يريد المثقفون ، ماذا تريد هذه النخبة الانتهازية ، هل تريد تنصيب نفسها وصية على حياتنا العامة ، وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها الفئوية الضيقة ، ماذا يريد هؤلاء الذين يحاولون السيطرة على وسائل الإعلام والشاشات ، ويبثون تفاهتهم وترهاتهم على عقول البسطاء من الناس ، والتأثير في قناعاتهم ، ماذا يريد هؤلاء الذين يختفون في خندق الدولة والدفاع الشكلي عنها ، ولكنهم في الحقيقة لا يتورعون في الانقلاب عليها في أول فرصة أو أول قرار يرون فيه تهديدا لمصالحهم ، ومصالح أسادهم الكبار خارج ورطة . وهم في الأساس طبقة غير منتجة وتعيش على فائض قيمة عمل الشعب ، اترك هذا الأمر ، وسوف أعالجه بهدوء ، وخرج كبير الخنازيق ، وغادر شيخ ورطة مكتبه ، وذهب إلى غرفة نومه ، وهو يشعر بالتعب والإعياء وهواجس المثقفين ، وما هي إلى برهة من الوقت حتى استغرق شيخ ورطة في النوم . ولكن ونظرا لأن شيخ ورطة كان يعاني من مرض الهلوسة بسبب الاستعداد الوراثي ، ومشاكل الحياة وأحداثها وضغوطها ، والتغيرات الكيمائية في دماغه ، تصور شيخ ورطة انه يرى بول نيزان .
شيخ ورطة : أهلا بول نيزان .
ٍبول نيزان : أهلا شيخ ورطة .
شيخ ورطة: كيف عرفت أني في حاجة إلى الحديث مع مثقف في موضوع الثقافة والمثقفين . .
بول نيزان : قد يكون بسبب الهلوسة أو بسبب توارد الخواطر .
شيخ ورطة : الهلوسة مرض أسبابة الاستعداد الوراثي ، ومشاكل الحياة ، والتغيرات الميكيائيكية في دماغ الإنسان .
بول نيزان : وتوارد الخواطر ظاهرة روحية ، يجري من خلالها التواصل بين الأذهان ، وهو عمل ذهن شخص على ذهن شخص آخر عن بعد من خلال تأثير عاطفي بدون الاتصال بالحواس ، وهذا التواصل يشمل الأفكار والأحاسيس والمشاعر والتخيلات الذهنية .
شيخ ورطة : وهي ظاهرة قديمة وقد ورد ذكرها في كتاب محاورة فيدون ( خلود النفس ) لأفلاطون ، وهي إحدى المحاورات الثلاثة المخصصة لسقراط .
بول نيزان : والمحاورات تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي ، المحاورات المبكرة ، والمحاورات الإنشائية ، والمحاورات الديلكتيكية .
شيخ ورطة : وهكذا يكون أفلاطون هو أول من ابتكر فن الحوار .
بول نيزان ، والحوار هو الكلام في المجال الفاصل بين المتحاورين ، ولكن على قاعدة الموضوعية والوضوح والمصداقية . .
شيخ ورطة : ولكن المجال الفاصل بين المتحاورين ليس دائما يمكن جسره بالكلام .
بول نيزان : ولكن هذا يتوقف على مساحة المجال الفاصل ودور المثقف في الحوار .
شيخ ورطة : المجال الفاصل أي مجال فاصل ، ومهما كانت مساحته يمكن جسره بالكلام ، وما لا يأتي بالكلام يمكن أن يأتي بالقوة ، وما لا يأتي بالقوة يأتي بالمزيد من القوة .
بول نيزان : وهل يعني هذا أن شيخ ورطة يرى إن الحوار هو فرض إرادة طرف على طرف
شيخ ورطة : نعم .
بول نيزان : ولكن هذه دكتاتورية .
شيخ ورطة : وهل هناك نظام في تاريخ البشرية غير الدكتاتورية .
بول نيزان : الديمقراطية .
شيخ ورطة : الديمقراطية دكتاتورية منتخبة .
بول نيزان / كيف .
شيخ ورطة : لأنها دكتاتورية شخص منتخب أو دكتاتورية حزب منتخب ، وهي نفسها ليست ديمقراطية ، لأنها ضد الطبيعة الإنسانية .
بول نيزان : وكيف تكون الديمقراطية ضد الطبيعة الإنسانية .
شيخ ورطة : لأن البشر في الطبيعة الإنسانية غير متساوون في الجسم والذكاء ، ولأنه ليس من الطبيعة الإنسانية أن يتساوي كل الناس على قاعدة صوت واحد لكل إنسان وهم أصلا غير متساوين في الجسم والذكاء ، ولأنه ليس من الطبيعة الإنسانية أن يكون لكل الناس غير المتساوين في الجسم والذكاء نقس الرأي في الحكم والإدارة والسياسة والعلاقات الوطنية و والدولية .
بول نيزان : ولكن المواطنون كل المواطنون شركاء في الوطن والحياة ، شركاء في الدم ، شركاء في الهم ، شركاء في الهمة ، شركاء في القرار ، شركاء في تحقيق الأهداف المشتركة مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الخاصة لكل شريك .
شيخ ورطة : وشركاء في المصالح والدوافع الإستراتيجية ، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاختلاف في المصالح والدوافع التكتيكية ، شركاء في تحقيق أهداف لا يستطيع أي طرف تحقيقها وحده وبمفرده وبإمكانياته الذاتية ، ولكن تحت راية الحقوق الوطنية ،
والاعتراف بأن الشراكة لا يمكن أن تقوم على التوزيع المتساوي ، لأنه لا وجود لهكذا شراكة مثالية تقوم على مبدأ المساواة المطلقة ، ولأنه في كثير من الأحيان يوجد طرف يأخذ أكثر أو أقل من طرف ، والشراكة لا تقوم على المساواة المطلقة ، لأن الشراكة في جوهرها علافه غير متساوية ، وكل طرف يأخذ ما يتناسب مع إمكانياته وقدراته ، والتقسيم التناسبي بين عدة أطراف أفضل من التقسيم المتساوي بين طرفين .
بول نيزان : ولكن الإنسان بطبعة اجتماعي يحتاج إلى الأخر كما يحتاج الأخر إليه في بناء حياته السياسية والاجتماعية ، وقد أدى غياب نظرية الشراكة السياسية عن الواقع إلى نتائج سلبية على المستوى الدول والأحزاب ، والحركات الوطنية ، والنخب السياسية ، والمجتمع المدني ، وخاصة سياسة التهميش والإقصاء وصولا إلى الثورة والاغتيالات السياسية .
شيخ ورطة : ولكن الشراكة السياسية لا يمكن أن تقوم على قاعدة التوزيع المتساوي ، لأن الشركاء غير متساوون في القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية . .
بول نيزان : ولكن الشراكة السياسية لا يمكن أن تكون شراكة فعلية وحقيقية إلا إذا توفرت لها شروط البيئة الطبيعية الاجتماعية الاقتصادية ، والندية والمساواة ، والتصور المشترك للمصالح المشتركة ، والوحدة الجغرافية والسياسية ، والاتفاق على ميكانيزمات التطبيق .
شيخ ورطة : الفرق بين النظرية والتطبيق كالفرق بين الحلم والواقع ، وطريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة ، وأنت تعرف كيف سرقت الثورة الفرنسية بعد فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في الفترة من ( 1789 – 1799 ) ، وكيف سرقت البرجوازية الفرنسية هذه الثورة التي كانت لها تأثيرات عميقة على أوروبا والعالم الغربي ، وكيف تحالفت هذه الطبقة البرجوازية مع نابليون ، وانتهت بتصدير الأزمة من خلال الاستعمار بالتوسع الاستعماري ، آنت فرنسي يساري وتعرف ذلك ، فرنسا لم تقدم للعالم شعارات الثورة في بداياتها الأولى الآخاء والعدالة والمساواة ، ولكن من سرقوا ثورة فرنسا قدموا للعالم نابليون وحروبه الاستعمارية في ايطاليا وألمانيا ومصر وجنوب سوريا ( فلسطين الحالية المحتلة ) ولولا هزيمته أمام أسوار عكا لواصل حروبه الاستعمارية حتى الهند والى ما بعد الهند .
بول نيزان : سرقة الثورة الفرنسية استثناء والاستثناء يحفظ ولا يقاس عليه .
شيخ ورطة : وما رأيك في قول تشي جيفارا وهو يساري مثلك ، الثورة يخطط لها الأذكياء ، وينفذها الشجعان ، ويقطف ثمارها الجبناء ، هل تريدني أن أقدم ثورتي على طبق من الفضة للجبناء والانتهازيين وأنصاف الموهوبين .
بول نيزان : طبعا لا ، ولكن ما أريده هو الشراكة مع المجتمع المدني .
شيخ ورطة : وهل تعتقد حقيقة بوجود مجتمع مدني .
بول نيزان : نعم ، وهو يتكون من المؤسسات عير الربحية ، وغير الحكومية ، وعير القابلة للتوريث ، والتي أنشئت على يد أفراد أو جماعات ذات طابع أنساني طوعي ، وهو ما يعني أن تكون العضوية في هذه المؤسسات تقوم على أساس الحرية الشخصية ، والوعي الإنساني ، كالأحزاب ، والنقابات العمالية ، والنقابات المهنية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، ومراكز الدراسات والأبحاث ، والمراكز الثقافية ، والأندية الرياضية ، والإعلام والصحافة ، والتي تتميز بالتعددية والاختلاف ، والمساواة والديمقراطية ، والبعد عن السياسة ، والمؤسسات الحكومية .
شيخ ورطة : وهل تعتقد أن الأحزاب بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن الأجهزة الإعلامية والصحافية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن مراكز الدراسات بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وان المراكز الثقافية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن النقابات العمالية بعيدة عن السياسية والمؤسسات الحكومية ، وأن النقابات المهنية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية .
بول نيزان : وهي وان لم تكن كذلك لا يمكن أن تكون مؤسسات مجتمع مدني .
شيخ ورطة : هي قولا وفعلا وواقعا وحقيقة كذلك ، وهي قولا وفعلا وواقعا وحقيقة لا يمكن أن تكون مؤسسات مجتمع مدني ، ولا يمكن أن يكون هناك مجتمع مدني ، والمسألة تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ومحاولة أفلاطون إقامة دولة كاليتوس المثالية الأفلاطونية ، أو المدينة الفاضلة السقراطية ، سقراط كان فيلسوف مستقيم ومتواضع ، وملتزم بمبادئ لا يتزحزح عنها ، ولذلك التف حوله بعض أبناء الطبقات الثرية في أثينا ، وكانوا معجبون بأطروحاته وعلمه وفصاحته ، وكان أفلاطون احد هؤلاء الشباب ، ولكن السفسطائيين الذين غاروا من سقراط ، وكادوا له ، واتهموه بمحاولة إفساد الشباب ، والإلحاد وازدراء الآلهة ، حتى حكمت عليه حكومة الطغاة الثلاثين الحاكمة في أثينا والتي قامت بمساعدة الجيش الاسبرطي ردا على الديمقراطية الأثينية بالموت ، وقد نفذ حكم الإعدام عن طريق تجرع السم .، وحتى أفلاطون نفسه كان قد فسم الشعب إلى ثلاث قوى ، القوة العقلية ، والقوة الغضبية ، والقوة الشهوانية ، أي دولة مثالية أو ديمقراطية تستطيع أن توفق بين هذه القوى المتناقضة بيولوجيا وأيديولوجيا ، وقسم الدول إلى ارستقراطية واوليغاركية وديمقراطية واستبدادية ، وكان هو نفسه يميل إلى الدولة الملكية الدستورية ، وفال أن العدالة المطلقة تظل عصية على التحقيق .
بول نيزان : وهل يعني ذلك أن شيخ ورطة لا يؤمن بالحوار ، والشراكة السياسية ، والمجتمع المدني ، والديمقراطية ، والأخلاق الاجتماعية .
شيخ ورطة : قلنا انه لا يوجد حوار في العلاقات الوطنية ولماذا لا يجب أن يكون ، وقلنا انه لا يوجد شراكة سياسية في الحكم ولماذا يجب أن لا تكون ، وقلنا انه لا يوجد مجتمع مدني في السياسة ولماذا لا يجب أن يكون ، وقلنا أنه لا توجد ديمقراطية في السياسة ة ولماذا لا يجب أن تكون ، وكذلك لا يوجد أخلاق في السياسة ولماذا لا يجب أن تكون لأن الأخلاق نفسها هي نفسها ليست أخلاقية ، لأنها ولدت من رحم ة القوة ، ولأنها انعكاس لموارين القوة
بول نيزان : وكيف يمكن أن يحكم العالم .
شيح ورطة : بالقوة ، أنت فيلسوف وشاعر لماذا ذهبت إلى الحرب ، ولماذا قتلت في معركة دنكرك آخر الموانئ المتبقية في يد فرنسا ، والتي امتدت لمدة أسبوع كامل من 26 أيار إلى 4 حزيران 1940 .
بول نيزان : ذهبت لأقاتل من اجل الديمقراطية ضد الدكتاتورية .
شيح ورطة : أي ديمقراطية وأي دكنانورية ، هتلر جاء إلى الحكم في انتخابات ديمقراطية ، وتشرشل جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري ، من الديمقراطي ومن الدكتاتور ، وهل الاستعمار ديمقراطية ، وهل ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية ديمقراطية ، وهل قتل 50 مليون وجرح واسر واعتقال الملايين ، وتدمير مئات ألاف المدن والقري والجسور والصانع ، وملايين الهكتارات الزراعية ديمقراطية ، وهل الأمراض النفسية والإعاقات وملايين الأرامل والثكالى والأيتام ديمقراطية ، نعم هتلر دكتاتور وموسوليني دكتاتور ، ولكن تشرشل وهاري ترومان وروزفلت ايضا دكتاتوريين .
بول نيزان : يعني أنت ترى أن العلاقات الدولية علاقات موازين قوى .
شيخ ورطة : هابيل الطيب مات وقابيل الشرير فاتل أخيه هابيل عاش ، ونحن أبنائه ، والأنبياء غير المسلحين قتلوا وصلبوا ، يحي صلب ، وزكريا صلب ، وارميا صلب ، وعيسى صلب كما في الرواية المسيحية ، أو صلب بدلا منه يوحنا الاسخريوطي الذي خان المسيح ووشا به إلى اليهود كما في الرواية الإسلامية ، والأنبياء المسلحين انتصروا وحكموا ونشروا رسالاتهم .
بول نيزان : هذا يعني أن الحرب هي القاعدة وان السلام هو الاستثناء ، وان الدولة تنين جبار يبتلع في جوفه كل شنئ .
شيخ ورطة : الحرب حيوية ، وهي مسألة حياة أو موت ، والطريق إلى العيش والفناء ، ولذلك لا بد من دراستها وبعمق ، وعلى كل المستويات ، وفي مختلف الأزمنة ، كما قال الجنرال الصيني تسون زو في كتابه فن الحرب ، وان الغاية تبرر الوسيلة كما قال مكيافيللي في كتابه الأمير ، وهذا المبدأ يبرر الاستبداد والفساد الأخلاقي للحكام ، وضرورة استخدام القوة ضد الشعوب ، لأن ذلك يولد الخوف ، والخوف ضروري ، ومن لا يفعل ذلك لا يمكن أن يكون قائدا سياسيا ناجحا ، وان الدولة تنين جبار يبتلع في جوفه كل شيء كما قال توماس هوبز في كتابه التنين ، وان الحياة هي عبارة عن صراع تراجيدي بين حوت وإنسان كما جاء في رواية الكاتب الأمريكي هيرمان ملفيل ، والتي تصور الوضع البشري على ضوء هذا الصراع .
بول نيزان : هذا يعني أن شيخ ورطة يرى أن الإنسان لا إرادة ولا وزن ولا فعل له في صنع قرار حياته .
شيح ورطة : الإنسان الدولة هو كل شيء ، لأن الدولة إنسان اصطناعي ، والإنسان الاصطناعي اكبر قوة من الإنسان الطبيعي ، والسلطة السياسية في الدولة هي الروح الاصطناعية التي تعطي الحياة للمجتمع الطبيعي ، وتحرك كل أجهزة المجتمع الطبيعي ، وان سلوك الدول يتشكل على أساس الطبيعة البشرية التي تتصف بالشر ، لأن الإنسان بطبعه شرير والدولة كمية أفراد .
بول نيزان : ولكن هذا تفكير سلبي جدلي .
شيخ ورطة : وهل رؤية الأشياء غير الموجودة كما هي عليه تفكير سلبي جدلي .
بول نيزان : ولكنك ترى الأشياء الموجود على غير ما هي عليه . فأنت ترى الديمقراطية على غير ما هي عليه ، والشراكة السياسية على غير ما هي عليه ، والأخلاق الاجتماعية على غير ما هي عليه ، والحوار على غير ما هو عليه ، والمجتمع المدني على غير ما هو عليه .
شيخ ورطة : وهل الديمقراطية ، والشراكة السياسية ، والحوار ، والمجتمع المدني ، والأخلاق الاجتماعية أشياء موجود قولا وفعلا وواقعا وحقيقة .
بول نيزان : بعض الشيء خير من لا شيء ، وهي موجودة بشكل نسبي .
شيخ ورطة : لا نسبية في القيم المعنوية ، لا نسبية في الأخلاق ، ولا نسبية في الديمقراطية ، ولا نسبية في الشراكة السياسية ، ولا نسبية في الحوار ، ولا نسبية في المجتمع المدني ، دعنا ندخل في حوار يؤدي إلى نتيجة يجد كل طرف منا نفسه فيه ، وليس جدل بيزنطي ، البيزنطيون كانوا يتجادلون حول فكرة عقيمة ، هل الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة ، وهل الملائكة ذكور أم إناث ، والإمبراطور يقول لهم محمد الفاتح العثماني يحاصر القسطنطينية ، ولكن أعضاء مجلس الشيوخ كانوا يستمرون في جدلهم العقيم ، ولم يتوقفوا إلا بعد أن دخل الغازي مجمد الفاتح المدينة .
بول نيزان : قال ديتريتش بونهوفر إن الأسوأ من فعل الشر هو أن نكون أشراراً ، وأن موقفك من الديمقراطية ، والحوار ، والشراكة السياسية ، والمجتمع المدني ، والأخلاق الاجتماعية وإن كان فعل شر ، إلا أن الأكثر شرا من ذلك هو أن تكون آنت نقسك شرير وصانع الشر ، ولكن أين موقف الثقافة والمثقفين من كل هذا الشر ، ومن صانع الشر .
شيخ ورطة : الثقافة التي تتضمن الإحساس والقناعة الشعورية واللاشعورية بملكية الرجل للمرأة ، وملكية الزوج للزوجة ، وملكية الأب وإلام للأولاد ، وملكية الأخ الأكبر للإخوة الصغار ، الثقافة التي ترى أن المرأة شرف العائلة والوطن ، الثقافة ذات البعد الواحد التي تبرر ارتكاب العنف ضد المرأة والطفل وكل أفراد الأسرة ، الثقافة التي تجعل شعور الرضي والفخر يحل مكان الشعور بالذنب ، ثقافة التعالي وسوء الظن ، ثقافة الإقصاء ونفي الأخر ، ثقافة غياب الحوار ، ثقافة العنف الاجتماعي ، ثقافة بناء الإنسان ذو البعد الواحد ، الثقافة التي تتراجع فيها القيمة الحضارية والثقافية ، والمثل والمثال ، وتتضاءل فيها الشعلة الحضارية حتى تكاد أن تنطفئ ، ولو سألت عن السبب في ذلك لوجدته في الهزيمة العقلية والروحية ، لقد استسلم العقل وغرق في سباته العميق ، سبات آهل الكهف .
بول نيزان : وأين المثقف ودور المثقف .
شيخ ورطة : لم يعد هناك مثقفون عضويون كما قال انطونيو غرامشي ، ولا مثقفون جماعيون كما قال بيار بورديو ، ولكن كلاب حراسة كما وصفتهم أنت ، ومزيفون كما وصفهم صديقك جون بول سارتر ، يجب على الثقافة في بلادنا أن تضبط خطواتها على إيقاع السياسة ، ويجب على المثقفين في بلادنا أن يضبطوا خطواتهم على إيقاع السياسيين ، وان يحملوا المباخر للسياسيين .
بول نيزان : وأنت على أي إيقاع تضبط خطواتك ، ولمن تحمل المباخر .
شيخ ورطة : على إيقاع ولي النعم ، واحمل المباخر لولي النعم .
بول نيزان : الله لا ينعم عليك . قالها وخرج .
يوسف حجازي
تحتفل الأمم المتحدة في 21 أيار من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية ، اعترافا بدور الثقافة كوسيلة في تحقيق التعايش السلمي ، والازدهار والتنمية ، خاصة وان معظم الصراعات في العالم ومنذ انتقال البشرية من مرحلة الإنسان الجزء إلى مرحلة الإنسان المجتمع لها أبعاد ثقافية وحضارية وفلسفية ودينية وإيديولوجية ، ولأن التنوع الثقافي ضروري للجنس البشري وتطور الجنس البشري ، كما ضرورة التنوع البيولوجي في الحفاظ على النوع البشري والكائنات الحية ، ولذلك كان الاحتفال باليوم العالمي من اجل التنمية والحوار ليس فقط احتفالا بالثراء الثقافي العالمي ، ولكنه ايضا احتفالا بالدور الأساسي الذي يلعبه الحوار العابر للثقافات في تحقيق السلام والتنمية ، حلم السلام في زمن الحروب ، وحلم التنمية في زمن الرأسمالية المتوحشة ، كان شيخ ورطة يتصفح بعض الصحف والجرائد ، وبعض الوثائق ، والتقارير السرية التي تزوده بها أجهزة الأمن عن الحالة الأمنية في ورطة والورطات المجاورة والعالم ، وفي هذه الأثناء دخل سكرتير شيخ ورطة ، وفال سيدي شيح ورطة كبير الخنازيق يطلب الأمر بالدخول ، فقال له شيخ ورطة دعه يدخل ، وحرج السكرتير وقال لكبير الخنازيق سيدي شيخ ورطة ينتظرك ، ودخل كبير الخنازيق ، وكان كبير الخنازيق ورغم انه لم يكن الأقرب ولا الأهم بالنسبة إلى شيخ ورطة إلا انه كان أكثر من يحظى بالقبول عند شيخ ورطة ، بسبب عاطفته التي كانت تمكنه من الانتقال من النقيض إلى النقيض في المكان المناسب ، والزمان المناسب ، والموقف المناسب ، وبعد تقديم فروض الطاعة والولاء، وكأنه آلة صماء لا يقول إلا ما يرضي شيخ ورطة ، ولا يفعل إلا ما يرضي شيخ ورطة ، وهنا تذكرت فيلم ايس فانتورا (( Ace Venturaالذي مثله جيم كاري الممثل الكوميدي الكندي الأمريكي في عام 1995 ، وتدور قصة الفيلم حول قرية نعبد خفاش أبيض ، اسمه شيكاكا ، وكلما كان احد السكان يذكر اسم الخفاش شيكاكا كان جميع السكان يسجدون على الأرض بدون تفكير ، وقد انتبه جيم كاري إلى ذلك ، فبدأ يقول شيكاكا عدة مرات ليجبر الناس على السكوت والسجود عدة مرات ، وحتى يستمتع أكثر بدأ يغير الكلمة ويقول شيكاشا وكان الناس ايضا يسكتون ويسجدون ، وهذا هو حال كبير الخنازيق مع شيخ ورطة أو شيخ شيكاكا آو شيخ شيكاشا ، وحال الكثير من شعب ورطة والورطات الأخرى ، وحال الكثير من المثقفين في ورطة والورطات الأخرى ، وكان شيخ ورطة من وقت إلى آخر يستدعى كبير الخازيق ، وكان كبير الخنازيق يحضر وهو يحمل معه التقارير الأمنية عن حال الأمن في ورطة والورطات المجاورة والعالم ، وبعد أن استعرض شيخ ورطة التقارير قال لكبير الخنازيق ، نحن نبني إستراتيجيتنا على ثلاث مبادئ ، المبدأ الأول بالنسبة لورطة فرق واحكم ، والمبدأ الثاني بالنسبة للورطات المجاورة فرق تسد ، والمبدأ الثالث بالنسبة للعالم الخارجي ، يقوم على ثلاث استراتيجيات ، الأولى إستراتيجية التحالف مع الدول التي تتفق مع ورطة في المبادئ والمصالح الإستراتيجية ، والثانية إستراتيجية الشراكة مع الدول التي تتفق مع ورطة في المبادئ وتختلف معها في المصالح الإستراتيجية ، والثالثة إستراتيجية التعاون الميداني مع الدول التي لا تتفق مع ورطة في المبادئ وتتفق معها في المصالح التكتيكية . وفي ورطة لا فوق بين المبادئ والمصالح ، المبادئ مصالح والمصالح مبادئ ، والمصالح تتصالح . وهنا قال شيخ ورطة لكبير الخنازيق ، هل لديك شيئا تريد أن تقوله قبل أن تنصرف ، فقال كبير الخنازيق سيدي شيخ ورطة لا شيء إلا الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية ، فقال شيخ ورطة ، ماذا يريد المثقفون ، ماذا تريد هذه النخبة الانتهازية ، هل تريد تنصيب نفسها وصية على حياتنا العامة ، وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها الفئوية الضيقة ، ماذا يريد هؤلاء الذين يحاولون السيطرة على وسائل الإعلام والشاشات ، ويبثون تفاهتهم وترهاتهم على عقول البسطاء من الناس ، والتأثير في قناعاتهم ، ماذا يريد هؤلاء الذين يختفون في خندق الدولة والدفاع الشكلي عنها ، ولكنهم في الحقيقة لا يتورعون في الانقلاب عليها في أول فرصة أو أول قرار يرون فيه تهديدا لمصالحهم ، ومصالح أسادهم الكبار خارج ورطة . وهم في الأساس طبقة غير منتجة وتعيش على فائض قيمة عمل الشعب ، اترك هذا الأمر ، وسوف أعالجه بهدوء ، وخرج كبير الخنازيق ، وغادر شيخ ورطة مكتبه ، وذهب إلى غرفة نومه ، وهو يشعر بالتعب والإعياء وهواجس المثقفين ، وما هي إلى برهة من الوقت حتى استغرق شيخ ورطة في النوم . ولكن ونظرا لأن شيخ ورطة كان يعاني من مرض الهلوسة بسبب الاستعداد الوراثي ، ومشاكل الحياة وأحداثها وضغوطها ، والتغيرات الكيمائية في دماغه ، تصور شيخ ورطة انه يرى بول نيزان .
شيخ ورطة : أهلا بول نيزان .
ٍبول نيزان : أهلا شيخ ورطة .
شيخ ورطة: كيف عرفت أني في حاجة إلى الحديث مع مثقف في موضوع الثقافة والمثقفين . .
بول نيزان : قد يكون بسبب الهلوسة أو بسبب توارد الخواطر .
شيخ ورطة : الهلوسة مرض أسبابة الاستعداد الوراثي ، ومشاكل الحياة ، والتغيرات الميكيائيكية في دماغ الإنسان .
بول نيزان : وتوارد الخواطر ظاهرة روحية ، يجري من خلالها التواصل بين الأذهان ، وهو عمل ذهن شخص على ذهن شخص آخر عن بعد من خلال تأثير عاطفي بدون الاتصال بالحواس ، وهذا التواصل يشمل الأفكار والأحاسيس والمشاعر والتخيلات الذهنية .
شيخ ورطة : وهي ظاهرة قديمة وقد ورد ذكرها في كتاب محاورة فيدون ( خلود النفس ) لأفلاطون ، وهي إحدى المحاورات الثلاثة المخصصة لسقراط .
بول نيزان : والمحاورات تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي ، المحاورات المبكرة ، والمحاورات الإنشائية ، والمحاورات الديلكتيكية .
شيخ ورطة : وهكذا يكون أفلاطون هو أول من ابتكر فن الحوار .
بول نيزان ، والحوار هو الكلام في المجال الفاصل بين المتحاورين ، ولكن على قاعدة الموضوعية والوضوح والمصداقية . .
شيخ ورطة : ولكن المجال الفاصل بين المتحاورين ليس دائما يمكن جسره بالكلام .
بول نيزان : ولكن هذا يتوقف على مساحة المجال الفاصل ودور المثقف في الحوار .
شيخ ورطة : المجال الفاصل أي مجال فاصل ، ومهما كانت مساحته يمكن جسره بالكلام ، وما لا يأتي بالكلام يمكن أن يأتي بالقوة ، وما لا يأتي بالقوة يأتي بالمزيد من القوة .
بول نيزان : وهل يعني هذا أن شيخ ورطة يرى إن الحوار هو فرض إرادة طرف على طرف
شيخ ورطة : نعم .
بول نيزان : ولكن هذه دكتاتورية .
شيخ ورطة : وهل هناك نظام في تاريخ البشرية غير الدكتاتورية .
بول نيزان : الديمقراطية .
شيخ ورطة : الديمقراطية دكتاتورية منتخبة .
بول نيزان / كيف .
شيخ ورطة : لأنها دكتاتورية شخص منتخب أو دكتاتورية حزب منتخب ، وهي نفسها ليست ديمقراطية ، لأنها ضد الطبيعة الإنسانية .
بول نيزان : وكيف تكون الديمقراطية ضد الطبيعة الإنسانية .
شيخ ورطة : لأن البشر في الطبيعة الإنسانية غير متساوون في الجسم والذكاء ، ولأنه ليس من الطبيعة الإنسانية أن يتساوي كل الناس على قاعدة صوت واحد لكل إنسان وهم أصلا غير متساوين في الجسم والذكاء ، ولأنه ليس من الطبيعة الإنسانية أن يكون لكل الناس غير المتساوين في الجسم والذكاء نقس الرأي في الحكم والإدارة والسياسة والعلاقات الوطنية و والدولية .
بول نيزان : ولكن المواطنون كل المواطنون شركاء في الوطن والحياة ، شركاء في الدم ، شركاء في الهم ، شركاء في الهمة ، شركاء في القرار ، شركاء في تحقيق الأهداف المشتركة مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الخاصة لكل شريك .
شيخ ورطة : وشركاء في المصالح والدوافع الإستراتيجية ، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاختلاف في المصالح والدوافع التكتيكية ، شركاء في تحقيق أهداف لا يستطيع أي طرف تحقيقها وحده وبمفرده وبإمكانياته الذاتية ، ولكن تحت راية الحقوق الوطنية ،
والاعتراف بأن الشراكة لا يمكن أن تقوم على التوزيع المتساوي ، لأنه لا وجود لهكذا شراكة مثالية تقوم على مبدأ المساواة المطلقة ، ولأنه في كثير من الأحيان يوجد طرف يأخذ أكثر أو أقل من طرف ، والشراكة لا تقوم على المساواة المطلقة ، لأن الشراكة في جوهرها علافه غير متساوية ، وكل طرف يأخذ ما يتناسب مع إمكانياته وقدراته ، والتقسيم التناسبي بين عدة أطراف أفضل من التقسيم المتساوي بين طرفين .
بول نيزان : ولكن الإنسان بطبعة اجتماعي يحتاج إلى الأخر كما يحتاج الأخر إليه في بناء حياته السياسية والاجتماعية ، وقد أدى غياب نظرية الشراكة السياسية عن الواقع إلى نتائج سلبية على المستوى الدول والأحزاب ، والحركات الوطنية ، والنخب السياسية ، والمجتمع المدني ، وخاصة سياسة التهميش والإقصاء وصولا إلى الثورة والاغتيالات السياسية .
شيخ ورطة : ولكن الشراكة السياسية لا يمكن أن تقوم على قاعدة التوزيع المتساوي ، لأن الشركاء غير متساوون في القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية . .
بول نيزان : ولكن الشراكة السياسية لا يمكن أن تكون شراكة فعلية وحقيقية إلا إذا توفرت لها شروط البيئة الطبيعية الاجتماعية الاقتصادية ، والندية والمساواة ، والتصور المشترك للمصالح المشتركة ، والوحدة الجغرافية والسياسية ، والاتفاق على ميكانيزمات التطبيق .
شيخ ورطة : الفرق بين النظرية والتطبيق كالفرق بين الحلم والواقع ، وطريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة ، وأنت تعرف كيف سرقت الثورة الفرنسية بعد فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في الفترة من ( 1789 – 1799 ) ، وكيف سرقت البرجوازية الفرنسية هذه الثورة التي كانت لها تأثيرات عميقة على أوروبا والعالم الغربي ، وكيف تحالفت هذه الطبقة البرجوازية مع نابليون ، وانتهت بتصدير الأزمة من خلال الاستعمار بالتوسع الاستعماري ، آنت فرنسي يساري وتعرف ذلك ، فرنسا لم تقدم للعالم شعارات الثورة في بداياتها الأولى الآخاء والعدالة والمساواة ، ولكن من سرقوا ثورة فرنسا قدموا للعالم نابليون وحروبه الاستعمارية في ايطاليا وألمانيا ومصر وجنوب سوريا ( فلسطين الحالية المحتلة ) ولولا هزيمته أمام أسوار عكا لواصل حروبه الاستعمارية حتى الهند والى ما بعد الهند .
بول نيزان : سرقة الثورة الفرنسية استثناء والاستثناء يحفظ ولا يقاس عليه .
شيخ ورطة : وما رأيك في قول تشي جيفارا وهو يساري مثلك ، الثورة يخطط لها الأذكياء ، وينفذها الشجعان ، ويقطف ثمارها الجبناء ، هل تريدني أن أقدم ثورتي على طبق من الفضة للجبناء والانتهازيين وأنصاف الموهوبين .
بول نيزان : طبعا لا ، ولكن ما أريده هو الشراكة مع المجتمع المدني .
شيخ ورطة : وهل تعتقد حقيقة بوجود مجتمع مدني .
بول نيزان : نعم ، وهو يتكون من المؤسسات عير الربحية ، وغير الحكومية ، وعير القابلة للتوريث ، والتي أنشئت على يد أفراد أو جماعات ذات طابع أنساني طوعي ، وهو ما يعني أن تكون العضوية في هذه المؤسسات تقوم على أساس الحرية الشخصية ، والوعي الإنساني ، كالأحزاب ، والنقابات العمالية ، والنقابات المهنية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، ومراكز الدراسات والأبحاث ، والمراكز الثقافية ، والأندية الرياضية ، والإعلام والصحافة ، والتي تتميز بالتعددية والاختلاف ، والمساواة والديمقراطية ، والبعد عن السياسة ، والمؤسسات الحكومية .
شيخ ورطة : وهل تعتقد أن الأحزاب بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن الأجهزة الإعلامية والصحافية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن مراكز الدراسات بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وان المراكز الثقافية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن النقابات العمالية بعيدة عن السياسية والمؤسسات الحكومية ، وأن النقابات المهنية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية .
بول نيزان : وهي وان لم تكن كذلك لا يمكن أن تكون مؤسسات مجتمع مدني .
شيخ ورطة : هي قولا وفعلا وواقعا وحقيقة كذلك ، وهي قولا وفعلا وواقعا وحقيقة لا يمكن أن تكون مؤسسات مجتمع مدني ، ولا يمكن أن يكون هناك مجتمع مدني ، والمسألة تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ومحاولة أفلاطون إقامة دولة كاليتوس المثالية الأفلاطونية ، أو المدينة الفاضلة السقراطية ، سقراط كان فيلسوف مستقيم ومتواضع ، وملتزم بمبادئ لا يتزحزح عنها ، ولذلك التف حوله بعض أبناء الطبقات الثرية في أثينا ، وكانوا معجبون بأطروحاته وعلمه وفصاحته ، وكان أفلاطون احد هؤلاء الشباب ، ولكن السفسطائيين الذين غاروا من سقراط ، وكادوا له ، واتهموه بمحاولة إفساد الشباب ، والإلحاد وازدراء الآلهة ، حتى حكمت عليه حكومة الطغاة الثلاثين الحاكمة في أثينا والتي قامت بمساعدة الجيش الاسبرطي ردا على الديمقراطية الأثينية بالموت ، وقد نفذ حكم الإعدام عن طريق تجرع السم .، وحتى أفلاطون نفسه كان قد فسم الشعب إلى ثلاث قوى ، القوة العقلية ، والقوة الغضبية ، والقوة الشهوانية ، أي دولة مثالية أو ديمقراطية تستطيع أن توفق بين هذه القوى المتناقضة بيولوجيا وأيديولوجيا ، وقسم الدول إلى ارستقراطية واوليغاركية وديمقراطية واستبدادية ، وكان هو نفسه يميل إلى الدولة الملكية الدستورية ، وفال أن العدالة المطلقة تظل عصية على التحقيق .
بول نيزان : وهل يعني ذلك أن شيخ ورطة لا يؤمن بالحوار ، والشراكة السياسية ، والمجتمع المدني ، والديمقراطية ، والأخلاق الاجتماعية .
شيخ ورطة : قلنا انه لا يوجد حوار في العلاقات الوطنية ولماذا لا يجب أن يكون ، وقلنا انه لا يوجد شراكة سياسية في الحكم ولماذا يجب أن لا تكون ، وقلنا انه لا يوجد مجتمع مدني في السياسة ولماذا لا يجب أن يكون ، وقلنا أنه لا توجد ديمقراطية في السياسة ة ولماذا لا يجب أن تكون ، وكذلك لا يوجد أخلاق في السياسة ولماذا لا يجب أن تكون لأن الأخلاق نفسها هي نفسها ليست أخلاقية ، لأنها ولدت من رحم ة القوة ، ولأنها انعكاس لموارين القوة
بول نيزان : وكيف يمكن أن يحكم العالم .
شيح ورطة : بالقوة ، أنت فيلسوف وشاعر لماذا ذهبت إلى الحرب ، ولماذا قتلت في معركة دنكرك آخر الموانئ المتبقية في يد فرنسا ، والتي امتدت لمدة أسبوع كامل من 26 أيار إلى 4 حزيران 1940 .
بول نيزان : ذهبت لأقاتل من اجل الديمقراطية ضد الدكتاتورية .
شيح ورطة : أي ديمقراطية وأي دكنانورية ، هتلر جاء إلى الحكم في انتخابات ديمقراطية ، وتشرشل جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري ، من الديمقراطي ومن الدكتاتور ، وهل الاستعمار ديمقراطية ، وهل ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية ديمقراطية ، وهل قتل 50 مليون وجرح واسر واعتقال الملايين ، وتدمير مئات ألاف المدن والقري والجسور والصانع ، وملايين الهكتارات الزراعية ديمقراطية ، وهل الأمراض النفسية والإعاقات وملايين الأرامل والثكالى والأيتام ديمقراطية ، نعم هتلر دكتاتور وموسوليني دكتاتور ، ولكن تشرشل وهاري ترومان وروزفلت ايضا دكتاتوريين .
بول نيزان : يعني أنت ترى أن العلاقات الدولية علاقات موازين قوى .
شيخ ورطة : هابيل الطيب مات وقابيل الشرير فاتل أخيه هابيل عاش ، ونحن أبنائه ، والأنبياء غير المسلحين قتلوا وصلبوا ، يحي صلب ، وزكريا صلب ، وارميا صلب ، وعيسى صلب كما في الرواية المسيحية ، أو صلب بدلا منه يوحنا الاسخريوطي الذي خان المسيح ووشا به إلى اليهود كما في الرواية الإسلامية ، والأنبياء المسلحين انتصروا وحكموا ونشروا رسالاتهم .
بول نيزان : هذا يعني أن الحرب هي القاعدة وان السلام هو الاستثناء ، وان الدولة تنين جبار يبتلع في جوفه كل شنئ .
شيخ ورطة : الحرب حيوية ، وهي مسألة حياة أو موت ، والطريق إلى العيش والفناء ، ولذلك لا بد من دراستها وبعمق ، وعلى كل المستويات ، وفي مختلف الأزمنة ، كما قال الجنرال الصيني تسون زو في كتابه فن الحرب ، وان الغاية تبرر الوسيلة كما قال مكيافيللي في كتابه الأمير ، وهذا المبدأ يبرر الاستبداد والفساد الأخلاقي للحكام ، وضرورة استخدام القوة ضد الشعوب ، لأن ذلك يولد الخوف ، والخوف ضروري ، ومن لا يفعل ذلك لا يمكن أن يكون قائدا سياسيا ناجحا ، وان الدولة تنين جبار يبتلع في جوفه كل شيء كما قال توماس هوبز في كتابه التنين ، وان الحياة هي عبارة عن صراع تراجيدي بين حوت وإنسان كما جاء في رواية الكاتب الأمريكي هيرمان ملفيل ، والتي تصور الوضع البشري على ضوء هذا الصراع .
بول نيزان : هذا يعني أن شيخ ورطة يرى أن الإنسان لا إرادة ولا وزن ولا فعل له في صنع قرار حياته .
شيح ورطة : الإنسان الدولة هو كل شيء ، لأن الدولة إنسان اصطناعي ، والإنسان الاصطناعي اكبر قوة من الإنسان الطبيعي ، والسلطة السياسية في الدولة هي الروح الاصطناعية التي تعطي الحياة للمجتمع الطبيعي ، وتحرك كل أجهزة المجتمع الطبيعي ، وان سلوك الدول يتشكل على أساس الطبيعة البشرية التي تتصف بالشر ، لأن الإنسان بطبعه شرير والدولة كمية أفراد .
بول نيزان : ولكن هذا تفكير سلبي جدلي .
شيخ ورطة : وهل رؤية الأشياء غير الموجودة كما هي عليه تفكير سلبي جدلي .
بول نيزان : ولكنك ترى الأشياء الموجود على غير ما هي عليه . فأنت ترى الديمقراطية على غير ما هي عليه ، والشراكة السياسية على غير ما هي عليه ، والأخلاق الاجتماعية على غير ما هي عليه ، والحوار على غير ما هو عليه ، والمجتمع المدني على غير ما هو عليه .
شيخ ورطة : وهل الديمقراطية ، والشراكة السياسية ، والحوار ، والمجتمع المدني ، والأخلاق الاجتماعية أشياء موجود قولا وفعلا وواقعا وحقيقة .
بول نيزان : بعض الشيء خير من لا شيء ، وهي موجودة بشكل نسبي .
شيخ ورطة : لا نسبية في القيم المعنوية ، لا نسبية في الأخلاق ، ولا نسبية في الديمقراطية ، ولا نسبية في الشراكة السياسية ، ولا نسبية في الحوار ، ولا نسبية في المجتمع المدني ، دعنا ندخل في حوار يؤدي إلى نتيجة يجد كل طرف منا نفسه فيه ، وليس جدل بيزنطي ، البيزنطيون كانوا يتجادلون حول فكرة عقيمة ، هل الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة ، وهل الملائكة ذكور أم إناث ، والإمبراطور يقول لهم محمد الفاتح العثماني يحاصر القسطنطينية ، ولكن أعضاء مجلس الشيوخ كانوا يستمرون في جدلهم العقيم ، ولم يتوقفوا إلا بعد أن دخل الغازي مجمد الفاتح المدينة .
بول نيزان : قال ديتريتش بونهوفر إن الأسوأ من فعل الشر هو أن نكون أشراراً ، وأن موقفك من الديمقراطية ، والحوار ، والشراكة السياسية ، والمجتمع المدني ، والأخلاق الاجتماعية وإن كان فعل شر ، إلا أن الأكثر شرا من ذلك هو أن تكون آنت نقسك شرير وصانع الشر ، ولكن أين موقف الثقافة والمثقفين من كل هذا الشر ، ومن صانع الشر .
شيخ ورطة : الثقافة التي تتضمن الإحساس والقناعة الشعورية واللاشعورية بملكية الرجل للمرأة ، وملكية الزوج للزوجة ، وملكية الأب وإلام للأولاد ، وملكية الأخ الأكبر للإخوة الصغار ، الثقافة التي ترى أن المرأة شرف العائلة والوطن ، الثقافة ذات البعد الواحد التي تبرر ارتكاب العنف ضد المرأة والطفل وكل أفراد الأسرة ، الثقافة التي تجعل شعور الرضي والفخر يحل مكان الشعور بالذنب ، ثقافة التعالي وسوء الظن ، ثقافة الإقصاء ونفي الأخر ، ثقافة غياب الحوار ، ثقافة العنف الاجتماعي ، ثقافة بناء الإنسان ذو البعد الواحد ، الثقافة التي تتراجع فيها القيمة الحضارية والثقافية ، والمثل والمثال ، وتتضاءل فيها الشعلة الحضارية حتى تكاد أن تنطفئ ، ولو سألت عن السبب في ذلك لوجدته في الهزيمة العقلية والروحية ، لقد استسلم العقل وغرق في سباته العميق ، سبات آهل الكهف .
بول نيزان : وأين المثقف ودور المثقف .
شيخ ورطة : لم يعد هناك مثقفون عضويون كما قال انطونيو غرامشي ، ولا مثقفون جماعيون كما قال بيار بورديو ، ولكن كلاب حراسة كما وصفتهم أنت ، ومزيفون كما وصفهم صديقك جون بول سارتر ، يجب على الثقافة في بلادنا أن تضبط خطواتها على إيقاع السياسة ، ويجب على المثقفين في بلادنا أن يضبطوا خطواتهم على إيقاع السياسيين ، وان يحملوا المباخر للسياسيين .
بول نيزان : وأنت على أي إيقاع تضبط خطواتك ، ولمن تحمل المباخر .
شيخ ورطة : على إيقاع ولي النعم ، واحمل المباخر لولي النعم .
بول نيزان : الله لا ينعم عليك . قالها وخرج .