الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بول نيزان وشيخ ورطة بقلم:يوسف حجازي

تاريخ النشر : 2019-11-14
بول نيزان وشيخ ورطة

يوسف حجازي
تحتفل الأمم المتحدة في 21 أيار من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية ، اعترافا بدور الثقافة كوسيلة في تحقيق التعايش السلمي ، والازدهار والتنمية ، خاصة وان معظم الصراعات في العالم ومنذ انتقال البشرية من مرحلة الإنسان الجزء إلى مرحلة الإنسان المجتمع لها أبعاد ثقافية وحضارية وفلسفية ودينية وإيديولوجية ، ولأن التنوع الثقافي ضروري للجنس البشري وتطور الجنس البشري ، كما ضرورة التنوع البيولوجي في الحفاظ على النوع البشري والكائنات الحية ، ولذلك كان الاحتفال باليوم العالمي من اجل التنمية والحوار ليس فقط احتفالا بالثراء الثقافي العالمي ، ولكنه ايضا احتفالا بالدور الأساسي الذي يلعبه الحوار العابر للثقافات في تحقيق السلام والتنمية ، حلم السلام في زمن الحروب ، وحلم التنمية في زمن الرأسمالية المتوحشة ، كان شيخ ورطة يتصفح بعض الصحف والجرائد ، وبعض الوثائق ، والتقارير السرية التي تزوده بها أجهزة الأمن عن الحالة الأمنية في ورطة والورطات المجاورة والعالم ، وفي هذه الأثناء دخل سكرتير شيخ ورطة ، وفال سيدي شيح ورطة كبير الخنازيق يطلب الأمر بالدخول ، فقال له شيخ ورطة دعه يدخل ، وحرج السكرتير وقال لكبير الخنازيق سيدي شيخ ورطة ينتظرك ، ودخل كبير الخنازيق ، وكان كبير الخنازيق ورغم انه لم يكن الأقرب ولا الأهم بالنسبة إلى شيخ ورطة إلا انه كان أكثر من يحظى بالقبول عند شيخ ورطة ، بسبب عاطفته التي كانت تمكنه من الانتقال من النقيض إلى النقيض في المكان المناسب ، والزمان المناسب ، والموقف المناسب ، وبعد تقديم فروض الطاعة والولاء، وكأنه آلة صماء لا يقول إلا ما يرضي شيخ ورطة ، ولا يفعل إلا ما يرضي شيخ ورطة ، وهنا تذكرت فيلم ايس فانتورا (( Ace Venturaالذي مثله جيم كاري الممثل الكوميدي الكندي الأمريكي في عام 1995 ، وتدور قصة الفيلم حول قرية نعبد خفاش أبيض ، اسمه شيكاكا ، وكلما كان احد السكان يذكر اسم الخفاش شيكاكا كان جميع السكان يسجدون على الأرض بدون تفكير ، وقد انتبه جيم كاري إلى ذلك ، فبدأ يقول شيكاكا عدة مرات ليجبر الناس على السكوت والسجود عدة مرات ، وحتى يستمتع أكثر بدأ يغير الكلمة ويقول شيكاشا وكان الناس ايضا يسكتون ويسجدون ، وهذا هو حال كبير الخنازيق مع شيخ ورطة أو شيخ شيكاكا آو شيخ شيكاشا ، وحال الكثير من شعب ورطة والورطات الأخرى ، وحال الكثير من المثقفين في ورطة والورطات الأخرى ، وكان شيخ ورطة من وقت إلى آخر يستدعى كبير الخازيق ، وكان كبير الخنازيق يحضر وهو يحمل معه التقارير الأمنية عن حال الأمن في ورطة والورطات المجاورة والعالم ، وبعد أن استعرض شيخ ورطة التقارير قال لكبير الخنازيق ، نحن نبني إستراتيجيتنا على ثلاث مبادئ ، المبدأ الأول بالنسبة لورطة فرق واحكم ، والمبدأ الثاني بالنسبة للورطات المجاورة فرق تسد ، والمبدأ الثالث بالنسبة للعالم الخارجي ، يقوم على ثلاث استراتيجيات ، الأولى إستراتيجية التحالف مع الدول التي تتفق مع ورطة في المبادئ والمصالح الإستراتيجية ، والثانية إستراتيجية الشراكة مع الدول التي تتفق مع ورطة في المبادئ وتختلف معها في المصالح الإستراتيجية ، والثالثة إستراتيجية التعاون الميداني مع الدول التي لا تتفق مع ورطة في المبادئ وتتفق معها في المصالح التكتيكية . وفي ورطة لا فوق بين المبادئ والمصالح ، المبادئ مصالح والمصالح مبادئ ، والمصالح تتصالح . وهنا قال شيخ ورطة لكبير الخنازيق ، هل لديك شيئا تريد أن تقوله قبل أن تنصرف ، فقال كبير الخنازيق سيدي شيخ ورطة لا شيء إلا الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية ، فقال شيخ ورطة ، ماذا يريد المثقفون ، ماذا تريد هذه النخبة الانتهازية ، هل تريد تنصيب نفسها وصية على حياتنا العامة ، وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها الفئوية الضيقة ، ماذا يريد هؤلاء الذين يحاولون السيطرة على وسائل الإعلام والشاشات ، ويبثون تفاهتهم وترهاتهم على عقول البسطاء من الناس ، والتأثير في قناعاتهم ، ماذا يريد هؤلاء الذين يختفون في خندق الدولة والدفاع الشكلي عنها ، ولكنهم في الحقيقة لا يتورعون في الانقلاب عليها في أول فرصة أو أول قرار يرون فيه تهديدا لمصالحهم ، ومصالح أسادهم الكبار خارج ورطة . وهم في الأساس طبقة غير منتجة وتعيش على فائض قيمة عمل الشعب ، اترك هذا الأمر ، وسوف أعالجه بهدوء ، وخرج كبير الخنازيق ، وغادر شيخ ورطة مكتبه ، وذهب إلى غرفة نومه ، وهو يشعر بالتعب والإعياء وهواجس المثقفين ، وما هي إلى برهة من الوقت حتى استغرق شيخ ورطة في النوم . ولكن ونظرا لأن شيخ ورطة كان يعاني من مرض الهلوسة بسبب الاستعداد الوراثي ، ومشاكل الحياة وأحداثها وضغوطها ، والتغيرات الكيمائية في دماغه ، تصور شيخ ورطة انه يرى بول نيزان .
شيخ ورطة : أهلا بول نيزان .
ٍبول نيزان : أهلا شيخ ورطة .
شيخ ورطة: كيف عرفت أني في حاجة إلى الحديث مع مثقف في موضوع الثقافة والمثقفين . .
بول نيزان : قد يكون بسبب الهلوسة أو بسبب توارد الخواطر .
شيخ ورطة : الهلوسة مرض أسبابة الاستعداد الوراثي ، ومشاكل الحياة ، والتغيرات الميكيائيكية في دماغ الإنسان .
بول نيزان : وتوارد الخواطر ظاهرة روحية ، يجري من خلالها التواصل بين الأذهان ، وهو عمل ذهن شخص على ذهن شخص آخر عن بعد من خلال تأثير عاطفي بدون الاتصال بالحواس ، وهذا التواصل يشمل الأفكار والأحاسيس والمشاعر والتخيلات الذهنية .
شيخ ورطة : وهي ظاهرة قديمة وقد ورد ذكرها في كتاب محاورة فيدون ( خلود النفس ) لأفلاطون ، وهي إحدى المحاورات الثلاثة المخصصة لسقراط .
بول نيزان : والمحاورات تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي ، المحاورات المبكرة ، والمحاورات الإنشائية ، والمحاورات الديلكتيكية .
شيخ ورطة : وهكذا يكون أفلاطون هو أول من ابتكر فن الحوار .
بول نيزان ، والحوار هو الكلام في المجال الفاصل بين المتحاورين ، ولكن على قاعدة الموضوعية والوضوح والمصداقية . .
شيخ ورطة : ولكن المجال الفاصل بين المتحاورين ليس دائما يمكن جسره بالكلام .
بول نيزان : ولكن هذا يتوقف على مساحة المجال الفاصل ودور المثقف في الحوار .
شيخ ورطة : المجال الفاصل أي مجال فاصل ، ومهما كانت مساحته يمكن جسره بالكلام ، وما لا يأتي بالكلام يمكن أن يأتي بالقوة ، وما لا يأتي بالقوة يأتي بالمزيد من القوة .
بول نيزان : وهل يعني هذا أن شيخ ورطة يرى إن الحوار هو فرض إرادة طرف على طرف
شيخ ورطة : نعم .
بول نيزان : ولكن هذه دكتاتورية .
شيخ ورطة : وهل هناك نظام في تاريخ البشرية غير الدكتاتورية .
بول نيزان : الديمقراطية .
شيخ ورطة : الديمقراطية دكتاتورية منتخبة .
بول نيزان / كيف .
شيخ ورطة : لأنها دكتاتورية شخص منتخب أو دكتاتورية حزب منتخب ، وهي نفسها ليست ديمقراطية ، لأنها ضد الطبيعة الإنسانية .
بول نيزان : وكيف تكون الديمقراطية ضد الطبيعة الإنسانية .
شيخ ورطة : لأن البشر في الطبيعة الإنسانية غير متساوون في الجسم والذكاء ، ولأنه ليس من الطبيعة الإنسانية أن يتساوي كل الناس على قاعدة صوت واحد لكل إنسان وهم أصلا غير متساوين في الجسم والذكاء ، ولأنه ليس من الطبيعة الإنسانية أن يكون لكل الناس غير المتساوين في الجسم والذكاء نقس الرأي في الحكم والإدارة والسياسة والعلاقات الوطنية و والدولية .
بول نيزان : ولكن المواطنون كل المواطنون شركاء في الوطن والحياة ، شركاء في الدم ، شركاء في الهم ، شركاء في الهمة ، شركاء في القرار ، شركاء في تحقيق الأهداف المشتركة مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الخاصة لكل شريك .
شيخ ورطة : وشركاء في المصالح والدوافع الإستراتيجية ، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاختلاف في المصالح والدوافع التكتيكية ، شركاء في تحقيق أهداف لا يستطيع أي طرف تحقيقها وحده وبمفرده وبإمكانياته الذاتية ، ولكن تحت راية الحقوق الوطنية ،
والاعتراف بأن الشراكة لا يمكن أن تقوم على التوزيع المتساوي ، لأنه لا وجود لهكذا شراكة مثالية تقوم على مبدأ المساواة المطلقة ، ولأنه في كثير من الأحيان يوجد طرف يأخذ أكثر أو أقل من طرف ، والشراكة لا تقوم على المساواة المطلقة ، لأن الشراكة في جوهرها علافه غير متساوية ، وكل طرف يأخذ ما يتناسب مع إمكانياته وقدراته ، والتقسيم التناسبي بين عدة أطراف أفضل من التقسيم المتساوي بين طرفين .
بول نيزان : ولكن الإنسان بطبعة اجتماعي يحتاج إلى الأخر كما يحتاج الأخر إليه في بناء حياته السياسية والاجتماعية ، وقد أدى غياب نظرية الشراكة السياسية عن الواقع إلى نتائج سلبية على المستوى الدول والأحزاب ، والحركات الوطنية ، والنخب السياسية ، والمجتمع المدني ، وخاصة سياسة التهميش والإقصاء وصولا إلى الثورة والاغتيالات السياسية .
شيخ ورطة : ولكن الشراكة السياسية لا يمكن أن تقوم على قاعدة التوزيع المتساوي ، لأن الشركاء غير متساوون في القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية . .
بول نيزان : ولكن الشراكة السياسية لا يمكن أن تكون شراكة فعلية وحقيقية إلا إذا توفرت لها شروط البيئة الطبيعية الاجتماعية الاقتصادية ، والندية والمساواة ، والتصور المشترك للمصالح المشتركة ، والوحدة الجغرافية والسياسية ، والاتفاق على ميكانيزمات التطبيق .
شيخ ورطة : الفرق بين النظرية والتطبيق كالفرق بين الحلم والواقع ، وطريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة ، وأنت تعرف كيف سرقت الثورة الفرنسية بعد فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في الفترة من ( 1789 – 1799 ) ، وكيف سرقت البرجوازية الفرنسية هذه الثورة التي كانت لها تأثيرات عميقة على أوروبا والعالم الغربي ، وكيف تحالفت هذه الطبقة البرجوازية مع نابليون ، وانتهت بتصدير الأزمة من خلال الاستعمار بالتوسع الاستعماري ، آنت فرنسي يساري وتعرف ذلك ، فرنسا لم تقدم للعالم شعارات الثورة في بداياتها الأولى الآخاء والعدالة والمساواة ، ولكن من سرقوا ثورة فرنسا قدموا للعالم نابليون وحروبه الاستعمارية في ايطاليا وألمانيا ومصر وجنوب سوريا ( فلسطين الحالية المحتلة ) ولولا هزيمته أمام أسوار عكا لواصل حروبه الاستعمارية حتى الهند والى ما بعد الهند .
بول نيزان : سرقة الثورة الفرنسية استثناء والاستثناء يحفظ ولا يقاس عليه .
شيخ ورطة : وما رأيك في قول تشي جيفارا وهو يساري مثلك ، الثورة يخطط لها الأذكياء ، وينفذها الشجعان ، ويقطف ثمارها الجبناء ، هل تريدني أن أقدم ثورتي على طبق من الفضة للجبناء والانتهازيين وأنصاف الموهوبين .
بول نيزان : طبعا لا ، ولكن ما أريده هو الشراكة مع المجتمع المدني .
شيخ ورطة : وهل تعتقد حقيقة بوجود مجتمع مدني .
بول نيزان : نعم ، وهو يتكون من المؤسسات عير الربحية ، وغير الحكومية ، وعير القابلة للتوريث ، والتي أنشئت على يد أفراد أو جماعات ذات طابع أنساني طوعي ، وهو ما يعني أن تكون العضوية في هذه المؤسسات تقوم على أساس الحرية الشخصية ، والوعي الإنساني ، كالأحزاب ، والنقابات العمالية ، والنقابات المهنية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، ومراكز الدراسات والأبحاث ، والمراكز الثقافية ، والأندية الرياضية ، والإعلام والصحافة ، والتي تتميز بالتعددية والاختلاف ، والمساواة والديمقراطية ، والبعد عن السياسة ، والمؤسسات الحكومية .
شيخ ورطة : وهل تعتقد أن الأحزاب بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن الأجهزة الإعلامية والصحافية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن مراكز الدراسات بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وان المراكز الثقافية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية ، وأن النقابات العمالية بعيدة عن السياسية والمؤسسات الحكومية ، وأن النقابات المهنية بعيدة عن السياسة والمؤسسات الحكومية .
بول نيزان : وهي وان لم تكن كذلك لا يمكن أن تكون مؤسسات مجتمع مدني .
شيخ ورطة : هي قولا وفعلا وواقعا وحقيقة كذلك ، وهي قولا وفعلا وواقعا وحقيقة لا يمكن أن تكون مؤسسات مجتمع مدني ، ولا يمكن أن يكون هناك مجتمع مدني ، والمسألة تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ومحاولة أفلاطون إقامة دولة كاليتوس المثالية الأفلاطونية ، أو المدينة الفاضلة السقراطية ، سقراط كان فيلسوف مستقيم ومتواضع ، وملتزم بمبادئ لا يتزحزح عنها ، ولذلك التف حوله بعض أبناء الطبقات الثرية في أثينا ، وكانوا معجبون بأطروحاته وعلمه وفصاحته ، وكان أفلاطون احد هؤلاء الشباب ، ولكن السفسطائيين الذين غاروا من سقراط ، وكادوا له ، واتهموه بمحاولة إفساد الشباب ، والإلحاد وازدراء الآلهة ، حتى حكمت عليه حكومة الطغاة الثلاثين الحاكمة في أثينا والتي قامت بمساعدة الجيش الاسبرطي ردا على الديمقراطية الأثينية بالموت ، وقد نفذ حكم الإعدام عن طريق تجرع السم .، وحتى أفلاطون نفسه كان قد فسم الشعب إلى ثلاث قوى ، القوة العقلية ، والقوة الغضبية ، والقوة الشهوانية ، أي دولة مثالية أو ديمقراطية تستطيع أن توفق بين هذه القوى المتناقضة بيولوجيا وأيديولوجيا ، وقسم الدول إلى ارستقراطية واوليغاركية وديمقراطية واستبدادية ، وكان هو نفسه يميل إلى الدولة الملكية الدستورية ، وفال أن العدالة المطلقة تظل عصية على التحقيق .
بول نيزان : وهل يعني ذلك أن شيخ ورطة لا يؤمن بالحوار ، والشراكة السياسية ، والمجتمع المدني ، والديمقراطية ، والأخلاق الاجتماعية .
شيخ ورطة : قلنا انه لا يوجد حوار في العلاقات الوطنية ولماذا لا يجب أن يكون ، وقلنا انه لا يوجد شراكة سياسية في الحكم ولماذا يجب أن لا تكون ، وقلنا انه لا يوجد مجتمع مدني في السياسة ولماذا لا يجب أن يكون ، وقلنا أنه لا توجد ديمقراطية في السياسة ة ولماذا لا يجب أن تكون ، وكذلك لا يوجد أخلاق في السياسة ولماذا لا يجب أن تكون لأن الأخلاق نفسها هي نفسها ليست أخلاقية ، لأنها ولدت من رحم ة القوة ، ولأنها انعكاس لموارين القوة
بول نيزان : وكيف يمكن أن يحكم العالم .
شيح ورطة : بالقوة ، أنت فيلسوف وشاعر لماذا ذهبت إلى الحرب ، ولماذا قتلت في معركة دنكرك آخر الموانئ المتبقية في يد فرنسا ، والتي امتدت لمدة أسبوع كامل من 26 أيار إلى 4 حزيران 1940 .
بول نيزان : ذهبت لأقاتل من اجل الديمقراطية ضد الدكتاتورية .
شيح ورطة : أي ديمقراطية وأي دكنانورية ، هتلر جاء إلى الحكم في انتخابات ديمقراطية ، وتشرشل جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري ، من الديمقراطي ومن الدكتاتور ، وهل الاستعمار ديمقراطية ، وهل ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية ديمقراطية ، وهل قتل 50 مليون وجرح واسر واعتقال الملايين ، وتدمير مئات ألاف المدن والقري والجسور والصانع ، وملايين الهكتارات الزراعية ديمقراطية ، وهل الأمراض النفسية والإعاقات وملايين الأرامل والثكالى والأيتام ديمقراطية ، نعم هتلر دكتاتور وموسوليني دكتاتور ، ولكن تشرشل وهاري ترومان وروزفلت ايضا دكتاتوريين .
بول نيزان : يعني أنت ترى أن العلاقات الدولية علاقات موازين قوى .
شيخ ورطة : هابيل الطيب مات وقابيل الشرير فاتل أخيه هابيل عاش ، ونحن أبنائه ، والأنبياء غير المسلحين قتلوا وصلبوا ، يحي صلب ، وزكريا صلب ، وارميا صلب ، وعيسى صلب كما في الرواية المسيحية ، أو صلب بدلا منه يوحنا الاسخريوطي الذي خان المسيح ووشا به إلى اليهود كما في الرواية الإسلامية ، والأنبياء المسلحين انتصروا وحكموا ونشروا رسالاتهم .
بول نيزان : هذا يعني أن الحرب هي القاعدة وان السلام هو الاستثناء ، وان الدولة تنين جبار يبتلع في جوفه كل شنئ .
شيخ ورطة : الحرب حيوية ، وهي مسألة حياة أو موت ، والطريق إلى العيش والفناء ، ولذلك لا بد من دراستها وبعمق ، وعلى كل المستويات ، وفي مختلف الأزمنة ، كما قال الجنرال الصيني تسون زو في كتابه فن الحرب ، وان الغاية تبرر الوسيلة كما قال مكيافيللي في كتابه الأمير ، وهذا المبدأ يبرر الاستبداد والفساد الأخلاقي للحكام ، وضرورة استخدام القوة ضد الشعوب ، لأن ذلك يولد الخوف ، والخوف ضروري ، ومن لا يفعل ذلك لا يمكن أن يكون قائدا سياسيا ناجحا ، وان الدولة تنين جبار يبتلع في جوفه كل شيء كما قال توماس هوبز في كتابه التنين ، وان الحياة هي عبارة عن صراع تراجيدي بين حوت وإنسان كما جاء في رواية الكاتب الأمريكي هيرمان ملفيل ، والتي تصور الوضع البشري على ضوء هذا الصراع .
بول نيزان : هذا يعني أن شيخ ورطة يرى أن الإنسان لا إرادة ولا وزن ولا فعل له في صنع قرار حياته .
شيح ورطة : الإنسان الدولة هو كل شيء ، لأن الدولة إنسان اصطناعي ، والإنسان الاصطناعي اكبر قوة من الإنسان الطبيعي ، والسلطة السياسية في الدولة هي الروح الاصطناعية التي تعطي الحياة للمجتمع الطبيعي ، وتحرك كل أجهزة المجتمع الطبيعي ، وان سلوك الدول يتشكل على أساس الطبيعة البشرية التي تتصف بالشر ، لأن الإنسان بطبعه شرير والدولة كمية أفراد .
بول نيزان : ولكن هذا تفكير سلبي جدلي .
شيخ ورطة : وهل رؤية الأشياء غير الموجودة كما هي عليه تفكير سلبي جدلي .
بول نيزان : ولكنك ترى الأشياء الموجود على غير ما هي عليه . فأنت ترى الديمقراطية على غير ما هي عليه ، والشراكة السياسية على غير ما هي عليه ، والأخلاق الاجتماعية على غير ما هي عليه ، والحوار على غير ما هو عليه ، والمجتمع المدني على غير ما هو عليه .
شيخ ورطة : وهل الديمقراطية ، والشراكة السياسية ، والحوار ، والمجتمع المدني ، والأخلاق الاجتماعية أشياء موجود قولا وفعلا وواقعا وحقيقة .
بول نيزان : بعض الشيء خير من لا شيء ، وهي موجودة بشكل نسبي .
شيخ ورطة : لا نسبية في القيم المعنوية ، لا نسبية في الأخلاق ، ولا نسبية في الديمقراطية ، ولا نسبية في الشراكة السياسية ، ولا نسبية في الحوار ، ولا نسبية في المجتمع المدني ، دعنا ندخل في حوار يؤدي إلى نتيجة يجد كل طرف منا نفسه فيه ، وليس جدل بيزنطي ، البيزنطيون كانوا يتجادلون حول فكرة عقيمة ، هل الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة ، وهل الملائكة ذكور أم إناث ، والإمبراطور يقول لهم محمد الفاتح العثماني يحاصر القسطنطينية ، ولكن أعضاء مجلس الشيوخ كانوا يستمرون في جدلهم العقيم ، ولم يتوقفوا إلا بعد أن دخل الغازي مجمد الفاتح المدينة .
بول نيزان : قال ديتريتش بونهوفر إن الأسوأ من فعل الشر هو أن نكون أشراراً ، وأن موقفك من الديمقراطية ، والحوار ، والشراكة السياسية ، والمجتمع المدني ، والأخلاق الاجتماعية وإن كان فعل شر ، إلا أن الأكثر شرا من ذلك هو أن تكون آنت نقسك شرير وصانع الشر ، ولكن أين موقف الثقافة والمثقفين من كل هذا الشر ، ومن صانع الشر .
شيخ ورطة : الثقافة التي تتضمن الإحساس والقناعة الشعورية واللاشعورية بملكية الرجل للمرأة ، وملكية الزوج للزوجة ، وملكية الأب وإلام للأولاد ، وملكية الأخ الأكبر للإخوة الصغار ، الثقافة التي ترى أن المرأة شرف العائلة والوطن ، الثقافة ذات البعد الواحد التي تبرر ارتكاب العنف ضد المرأة والطفل وكل أفراد الأسرة ، الثقافة التي تجعل شعور الرضي والفخر يحل مكان الشعور بالذنب ، ثقافة التعالي وسوء الظن ، ثقافة الإقصاء ونفي الأخر ، ثقافة غياب الحوار ، ثقافة العنف الاجتماعي ، ثقافة بناء الإنسان ذو البعد الواحد ، الثقافة التي تتراجع فيها القيمة الحضارية والثقافية ، والمثل والمثال ، وتتضاءل فيها الشعلة الحضارية حتى تكاد أن تنطفئ ، ولو سألت عن السبب في ذلك لوجدته في الهزيمة العقلية والروحية ، لقد استسلم العقل وغرق في سباته العميق ، سبات آهل الكهف .
بول نيزان : وأين المثقف ودور المثقف .
شيخ ورطة : لم يعد هناك مثقفون عضويون كما قال انطونيو غرامشي ، ولا مثقفون جماعيون كما قال بيار بورديو ، ولكن كلاب حراسة كما وصفتهم أنت ، ومزيفون كما وصفهم صديقك جون بول سارتر ، يجب على الثقافة في بلادنا أن تضبط خطواتها على إيقاع السياسة ، ويجب على المثقفين في بلادنا أن يضبطوا خطواتهم على إيقاع السياسيين ، وان يحملوا المباخر للسياسيين .
بول نيزان : وأنت على أي إيقاع تضبط خطواتك ، ولمن تحمل المباخر .
شيخ ورطة : على إيقاع ولي النعم ، واحمل المباخر لولي النعم .
بول نيزان : الله لا ينعم عليك . قالها وخرج .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف