الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أيّ إنماء للبنان الجديد؟ بقلم:د. حسن صعب

تاريخ النشر : 2019-11-12
أيّ إنماء للبنان الجديد؟
بقلم الدكتور حسن صعب
بدأت لغة الإنماء تعود الى قاموسنا السياسي، آملين ان تنسخ منه لغة الافناء ! وهي اللغة التي التزمتها ندوة الدراسات الإنمائية، منذ خمسة وعشرين عاماً، وظلت خبزنا كفاف يومنا، حتى في احلك ظروف أزمتنا. وكنا نعتصم دوماً بتصور هيغل الكينونة على انها الصيرورة، وبتصورنا الانسان انه امكان لم يتحقق بعد.
وطريق الصيرورة ليس طريق الورود، بل ان الاشواك تغطي اكثر جوانبه، وتتحدى الانسان ان يجعل من المحنة فرصة لصناعة القدر الجديد الذي يطمح اليه. وعملية الانماء، كما حلمنا بها، هي صناعة انسان جديد، وعالم جديد يتحقق فيه إنماء الانسان كل إنسان وكل الإنسان.
وفي ظل هذه الرؤية الانمائية الكونية، لا بد ان تعني لنا عملية إنماء لبنان صناعة لبنان جديد، وصناعة مواطن لبناني جديد اي إنسان لبناني جديد. وحروب الخمسة عشر عاماً لم تأت على لبنان، لكنها اتت على لبنان القديم، لتتيح لنا فرصة تاريخية لابداع لبنان جديد. وهذه الرؤية الانسانية المستقبلية يجب ان تسود نفس كل منا، ويجب ان تكون الرؤية الهادية لحكامنا، ونحن نتحول من الحرب الى السلم، ونستبدل بلغة الافناء لغة الانماء.
ولبنان القديم، ما هو الآن ؟ ركام من البشر والمؤسسات او الميليشيات والظلمات والعفونات !
ونفايات تزين الطرقات، وخرائب تواكب القطاعات، ورواسب صدا تجتاح النفوس ! وهذا الركام، وهذه العفونات، وهذه الخرائب، وهذه النفايات، لن ينقذنا منها النظام الجديد لمجلس الإنماء والاعمار، الذي يضعه لنا الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي.
ولن ينجينا منها نظام الصندوق الدولي لمساعدة لبنان، الذي تضعه لنا اللجنة الثلاثية العربية. انها رواسب حرب، بل هي رواسب عهود من الاستقلال الزائف، نتحرر منها تحرراً ذاتياً بأنفسنا ولانفسنا، فننهض في مصعد ذواتنا الفانية، او اننا لا ننهض، ولا يكون لنا انماء ولا يكون اعمار ! ولنفكر في ما اوقعنا به أنفسنا من عجز، ونحن نعول على الآخرين في اعادة تنظيم مجلس انمائنا، ونستجديهم تنظيم صندوق مساعدتنا ؟
فهل اصبحت العبقرية اللبنانية عاقرة الى هذا الحد ؟
او انها عاقرة في لبنان وخلاقة خارج لبنان ؟
وماذا نقول عن اللبناني الذي يخطط سياسة البيت الابيض ؟
وكيف نقدر اللبناني الذي يشترك في لجنة في الكرملين، لتطوير الاقتصاد السوفياتي الاشتراكي اقتصاداً حراً ؟ وكيف نخاطب ذلك اللبناني، الذي يشرف من البنك الدولي للإنماء على مشروع التربية لجميع البشر ؟ ان العبقرية اللبنانية لم تمت، لكن ثقتنا بأنفسنا هي التي ماتت وثقة العالم بالذين تولوا امر لبنان هي التي ماتت. ولذلك نتحول من وصاية الى وصاية ! وصاية الاخرين على تحركاتنا العسكرية الميليشيوية في حال الحرب !
ووصاية الآخرين على تحركنا الإنمائي في حال السلم !
ولذلك، فان المستلزم الاول لانمائنا هو ان نستعيد ثقتنا بأنفسنا، وثقة مغتربينا والنازحين بمستقبل لبنانهم، وثقة اخواننا العرب واصدقائنا في العالم، بأننا لسنا عائدين الى لبنان الاقطاع، لكننا مقبلون على ابداع لبنان جديد، لبنان الإنماء، الانماء الحقيقي، الذي يتلازم فيه النمو الذاتي المطرد للجميع مع العدل التوزيعي بين الجميع. ان هذه الاستعاد لثقتنا بأنفسنا ولثقة الآخرين بنا هي مستلزم اولي لإنمائنا يفوق بأهميته كل المستلزمات المالية والاقتصادية والهندسية ! ومن لا يصدق، فليراجع اي كتيب من كتيبات علم النفس الإنمائي.
فكيف نستعيد ثقة قضيتنا خمسة عشر عاماً على الاقل ونحن نهدرها ؟ نستعيدها باعتمادنا رؤية جامعة للبنان الغد، وبتعبئتنا كل طاقاتنا لترجمتها في واقعنا الحي. ومن ليست لديه رؤية فلا تاريخ له. وتاريخ الانسان اصبح تاريخ مستقبله. والإنماء، بمعناه الواسع، وبمفهومه الشامل والمتكامل، هو صناعة المستقبل الافضل. والتخطيط هو اعتماد العقل بديلا من المصادفات في صناعة هذا المستقبل. وهذا هو السياق التاريخي المستقبلي، الذي يجب ان يوضع. الإنمائية انها صناعة تاريخ جديد، وليست صناعة اقتصاد جديد ! وانها صناعة انسان جديد، وليست اقامة مصنع جديد ! وانها صناعة دولة جديدة، وليست انشاء مزرعة جديدة ! ولذلك فان اخطر ما يهددنا الان هو ان نتوهم ان انماءنا هو اختصاص اقتصاديينا ومهندسينا وحدهم. إن على كل مسؤول في الدولة، من صانع القرار التنفيذي الى صانع القرار الاشتراعي، ان ينبعث رائداً إنمائياً ! وان على كل عضو في المؤسسات المستقلة والادارات العامة ان يتصيّر مهندساً إنمائياً.
وان على كل مواطن ان يتطور مشاركاً إنمائياً. تلك هي المستلزمات الكيانية لإنماء لبنان جديد، ولإنماء لبنان إنماءً جديداً.
واما الالفباء الإنمائية، التي بات كل منا يعرفها بالمعاناة، فإنها اسطع من نور الشمس. فبنيتنا التجهيزية الاساسية بهوائها ومائها وكهربائها ومواصلاتها في حاجة الى اعادة بناء.
وبنيتنا الزراعية في حاجة الى اعادة غرس.
وبنيتنا الصناعية في حاجة الى اعادة تركيب.
وبنيتنا الخدمية في حاجة الى إحياء.
اننا نعي هذه الحقائق الالفبائية وعياً مأساوياً .
لاننا نتألم الماً لحظوياً لافتقادنا لها، وافتقادنا نتيجة لذلك ضرورات عيشنا، من الهواء، الى النور، الى الخبز، فالى النقد الوطني. ولكن ما يتوجب علينا ان نعيه، هو ان اعادة إنماء هذه البنيات لن يستقيم ان لم تستقيم بنيتنا القيادية السياسية، وان لم تتحول من بنية الانتهاز الى بنية الابداع. ويدخل هذا في باب الانماء السياسي. وها هي التجارب التاريخية البعيدة والقريبة في العالم الثالث وفي اوروبا الشرقية تعلمنا ان الإنماء السياسي هو اعسر وجوه الإنماء، وان نجاح حركة الإنماء الاقتصادي والاجتماعي يتوقف اول ما يتوقف على عقلانية صانعي القرار السياسي، وعلى عقلانية القرارات التي يتخذونها.
والقرار الإنمائي، مهما غالينا في اقتصاديته وفنيته، الا انه في اول الامر وآخره قرار سياسي. والفارق بين إنماء ناجح وإنماء فاشل هو الفارق بين صناعة القرار الإنمائي في سبيل الخير العام او في سبيل الخير الخاص، وصناعته للارتقاء بالمجتمع من التخلف الى التقدم، وصناعته لإغناء المتفوقين بنفوذهم، والمتخلفين بكفايتهم، والمعوقين في نزاهتهم ! ان لإنماء معايير قيمية تعلو في اهميتها القيم الحسابية. والكومبيوتر هو بطل الحساب الرقمي. واما الحساب القيمي فبطله الانسان وحده.
ولا بد للإنماء من اجهزة الكترونية حديثة. لكن الاهم من ذلك هو العقل الإنساني الإنمائي الحديث، والوجدان الإنساني الإنمائي المستقيم. والعقل الإنمائي الحديث هو الذي يهدينا الى التمييز بين الإنماء التجديدي والإنماء الترميمي. فنحن لا نريد اعادة بنيتنا التجهيزية الاساسية الى ما كانت قبل 1975 بل كما يجب ان تكون سنة 2000 !
ولا نريد البنية الزراعية لما قبل 1975 بل لما بعد سنة 2000 !
ولا نريد مصانع ما قبل 1975 بل مصانع ما بعد سنة 2000 !
ولا نريد الخدمات الكلاسيكية للقرن التاسع عشر بل نريد الخدمات المتطورة للقرن العشرين والحادي والعشرين !
ولا نريد ان نمول كبار رجال الاعمال وحدهم للقيام بالمشاريع الإنمائية، بل نريد تمويل صغار المواطنين قبل كبارهم.
وتباً لمن يقول لنا ان هذا هو اكثر مما يمكن ان نطمح اليه !
وتباً لمن يدعي ان هذا سيكلفنا اكثر مما نطيق ! فإنماء لبنان الجديد، اما ان يكون على مستوى التطور الإنمائي العربي والانساني الجديد، واما ان لا يكون. وقد عشنا في ما مضى على مهزلة التوسط بين الشرق المتخلف والغرب المتقدم، فلنصرف النظر عنها بعد الان ! لان هذا الشرق المتخلف، اعني شرقنا العربي، اصبح الان الصق منا بالغرب، واصبح اوعى منا لحاجته الى علم الغرب وتكنولوجيته، واصبح اسبق منا الى التواصل اللحظوي مع كل مركز من مراكز الابداع في الغرب المتقدم.
فلا بد لنا من نقلة إنمائية نوعية من دور الوسيط الى دور المبدع، اي من دور السمسار الى دور الرائد ! ولا يضير هذا التحول اننا بلد صغير محدود الموارد. فاعظم مورد انمائي في ظل التطور الحضاري هو المورد الدماغي. وهو من حيث الحجم الاصغر جحماً، لكنه من حديث الجدوى الاكبر مردوداً. انه التحول الثوري من الإنماء "الماكروكوسمي" (macrocosmic) الى اإنماء " المايكركوسمي". (microcosmic).
اولم نكن نردد قبل وقوع المحنة ان لبنان هو "الدماغ العربي"؟
اولم نكن نتباهى بأن لبنان هو "مدرسة العرب"؟
اولم نكن نزهو بأن لبنان هو منارة الفكر العربي الحر ؟
ان هذا الدماغ، وان هذه المدرسة، وان هذه المنارة، لابد لها من ولادة علمية جديدة، ولا بد لها من ابتكارية تكنولوجية جديدة، ولا بد لها من فلسفة تربوية جديدة، ولا بد لها من سلوكية مدنية جديدة، لتحقيق التطور من "إنماء التكبيري"، الذي لا نحتاج اليه ولا نقدر عليه، الى "الإنماء التصغيري"، الذي نقدر عليه ونحتاج اليه.
والمعنيون بالكومبيوتر يتابعون الحرب التي تحتدم بين الكبار حول اصغر جزئياته، ويعرفون ان معجزة الكمبيوتر هي انه يزداد فاعلية، ويرخص ثمناً، بمقدار ما يصغر حجماً.
وما ازال اذكر مقابلتنا الرئيس شارل حلو غداة "نكسة" عام 1967، وهو يسألنا ماذا تريدون، فأجيب "التطور من لبنان الزجلي الى لبنان الالكتروني". وقد اتيح لسنغافورة الاصغر منا حجماً ان تحقق هذه المعجزة في ظل استقلالها. واقدر كل الفوارق بين لبنان وسنغافورة.
لكنني اقدر ايضاّ ان اهل لبنان هم بشر، وان اهل سنغافورة هم بشر ايضاً...
وما قدر عليه انسان بارادة خلاقة، وما استطاعه شعب بتصميم مبدع، فمن المتعذر علي ان افهم لماذا لا يقدر عليه انسان اخر يعتصم بمثل هذه الارادة. ولا يستطيعه شعب اخر يتذرع بمثل هذا الابداع.
ثم ان ابناء شعب لبنان هم رواد حضارة الانسان. فلماذا لايعودون الى التحرك في طليعة حضارة الانسان؟ انهم يعودون، اذا عاد صانعو القرارات السياسية، الى وعي السياسة صناعة الحضارة !

* كتب د.حسن صعب هذا المقال بتاريخ 1990/7/20.
* المصدر: مؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف