الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأنا في ديوان ذاك هو أنا سعادة أبو عراق بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-11-11
الأنا في ديوان ذاك هو أنا سعادة أبو عراق بقلم: رائد الحواري
الأنا في ديوان
ذاك هو أنا
سعادة أبو عراق
عندما يتحدث الشاعر عن نفسه فهذا دلالة على علاقته الوطيدة بالقارئ، فهو يعرفنا بنفسه، ويحدثنا عن مشاعره/احاسيسه، عن ثقافته/معرفته، وهو يستخدم مجموعة من التناصات في ديوانه تشير إلى تأثره بالآخرين، وتأكد على أنه كقارئ/كإنسان لا بد أن يتأثر بالقراءة وبالثقافة التي يطلع عليها، إن كان من خلال اللغة أو من حلال الأفكار، لكنه يصيغها بالغته هو، وبطريقته الخاصة، فهو يهضم المعرفة/الثقافة ويقدمها بشكل جديد، غير ذاك الذي كانت عليه، واللافت في ديوان "ذاك هو أنا" تناول الشاعر للمرأة، فهو يتحدث عنها بمضمون ايجابي، لكن بألفاظ قاسية، وهذا يستدعي التوقف عنده، لأنه مغاير لما ألفناه عند الشعراء الآخرين.

سنحاول اضاءة ما جاء في الديوان، قول الشاعر في قصيدة "فضاء":
"بين الربيع والخريف
مسافات حزن وانتظار
وشباك تذرع القاع بحثا عن محار
ونعال فتت قاعها حشف الرصيف
وانت على الضفة الأخرى
تمارس جلسة العابثين
تطارد حلما جميلا وهوى دفين
يقتلك الدفء والظل وترجمات العيون
سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت
وسوم تفتش من حولك عن شيء
لا ترى غير السكون" ص7،
الشاعر يتعامل مع الحياة بواقعية، كما هي، لهذا جاء البياض والسواد، "الربيع والخريف، يوم ولدت ويوم تموت" متوازيين في القصيدة، وإذا ما قارنا الألفاظ البيضاء: "الربيع، محار، الضفة، جلسة، حلما، جميلا، وهوى، الدفء، العيون، العيون، سلام، يوم، ولدت، ترى، السكون" مع السوداء: "خريف، حزن، انتظار، شباك، تذرع، القاع، بحثا، نعال، الرصيف، العابثين، تطارد، دفين، يقتلك، ترجمك، تمون، تفتش، لا" سنجدها متقاربة في عددها، وهذا التوازن يقدمنا من رؤية/فكرة الإنسان الهلالي عن الطبيعة، التي وجد فيها الخير والشر، الخصب والجذب، من هنا نجد فكرة (الصراع) السرمدي بين الخير/البعل والشر/موت في ملحمة البعل، وكأن طبيعة/جغرافية الهلال الخصيب تُبقى محافظة على أثرها في الإنسان الهلالي رغم الزمن، والمسافة الهائلة بين كتابة ملحمة البعل وكتابة ديوان "ذاك هو أنا".
وفي هذه القصيدة نجد تناص مع القرآن الكريم: "سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت"، وتناص مع قصيدة "موال" لمحمود درويش والتي جاء فيها:
"خسرت حلما جميلا " وهذا الأثر الأدبي والثقافي والديني يشير إلى حيوية الشاعر، وعلى قدرته على التفاعل الايجابي بالثقافة والمعرفة،
ونجد حالة التوازن في قصيدة "مفاجأة" لكن بطريقة أخرى:
"حين شاخ القلب مني وانثلم
طفأت مصباحي
غلقت أبوابا علي، وقلت نم
جئت يا أيها الطير المخفى
تنقر شباكي وتدعوني قم
أيقظت أجزائي التي نامت
والتي ماتت والتي فيها صمم
أشعلت نبض الروح في
أخمدت الكآبة والسام
يا أيها الشيء الذي يعطي السرور
بقدر ما يعطي الألم
إلا تدري بأن العيش على شفير السيف
هو العيش في ذرو القمم" ص8، التوازن/الصراع بين الخير والشر نجده في "طفأت وأشعلت، أشعلت وأخمدت، غلقت وتنقر، أيقظت نم/نامت، لكآبة/السام/الألم والسرور، قم ونامت، والجميل في هذه القصيدة ان ألفاظها متماسكة ومترابطة، فهناك ما يجمع "الطير، تنقر، شباكي" فكلها متربطة ومتعلقة الطير، وهناك ترابط بين "أيقظت أجزائي وأشعلت نبض الروح" ففي الأول تحدث عن الجسد/الأعضاء، وفي الثانية عن الروح، ويجمع العيش على حد السيف وفي ذرو القمم" كل هذا يشير إلى وحدى القصيدة، وانسجامها، واعتقد ان الحكمة الأخيرة في القصيدة:
"إلا تدري بأن العيش على شفير السيف
هو العيش في ذرو القمم" جاءت تجمع بين ذروة الابداع، ورفعة الفكرة، وروعة الشكل، ف "القمم، ذرو" ألفاظ ومعاني تخم فكرة جميلة، وأيضا جاءت من ضمن نسق البيت، وبهذا جمع الشاعر بين الألفاظ والمعنى/المضمون بطريقة جميلة وسلسة.
إذن هناك ثنائية ما (تهيمن) على الشاعر، فيبدو وكأنه (أسير) لها دون أن يدري/دون أن يعي، هذا ما وجدناه في قصيدة "اختلال":
"بيني وبينك خطوتان
آلاف الفراسخ، أمواج خنان
قد كنت أعلم أن مسافة الشبر شبر
والساعتين ساعتان
وأعلم أن نطقي سليم وأني ملك البيان
وأني مثل كل الرجال
أعشق باتزان وبلا اتزان
وأرى الأمور كما يراها ويألفاها المكان
لكن تحت عرشك يا سيدة القلب
تعاد صياغة الكون
ومنطق العقل
ويعاد تنظيم الزمان" ص11، الثنائية هنا تأخذ شكل (تكرار) اللفظ "بيني وبينك، الشبر شبر، الساعتين ساعتان، باتزان وبلا اتزان، أرى، يراها، تعاد ويعاد" وهناك ثنائية تناظرية: "الكون/المكان والزمان، العقل وتنظيم، الفراسخ ومسافة، نطقي والبيان، وسليم وملك"، وهناك ثنائية لفظية "خطوتان، الساعين، ساعتان" كل هذا يؤكد على أن الشاعر متأثر بالثقافة الهلالية التي ترى أن الكون يعمل ضمن (زوج) الخير والشر، الحياة والموت.
والشاعر يقدم المرأة بطريقة غير معهودة، فهو يتحدث عنها بمضمون أبيض، لكنه يستخدم ألفاظ سوداء، على النقيض من الشعراء الآخرين، الذين يقرنونها بمضمون وألفاظ بيضاء، فتبدو القصيدة مطلقة البياض، يجتمع فيها المعنى والألفاظ لتقديم فكرة جميلة وبلغة ناعمة.
جاء في قصيدة "حضور":
"حين يأتي الحزن
تأتين كالمزن من صهيل الذاكرة
ترشين الملح في أعين الكوابيس
وتوصدين أبواب العناكب والثعابين الماكرة،
وحين ترمين لي خطافك، تطفو الروح
وتأسيرين الموت وتنثرين على الحلم ألوان عطرك الفاخرة
إن كنت لا تدرين فأني أشهد أني مدين إليك
وأن القلب لا يفتأ يدفع حبا
ويسحب من رصيد النفس التي ما عادت قادرة
إني أحبك رغم الغيم واللقاءات القليلة
وغرفة الأشباح ومهما كنت
غائبة، حاضرة" ص15، الأفعال المتعلقة بالمرأة/الحبيبة هي: "تأتين، ترشين، ترمين، توصدين، تأسرين، تنثرين" منها أفعال بحاجة إلى جهد" تأتين، ترمين، توصدين"، وأفعال قاسية "ترمين، تأسرين، توصدين" وافعال ناعمة "ترشين، تنثرين" وهذه الأفعال لها تماس وتماثل مع حضور المرأة في الملاحم الهلالية، فهي تأتي مقرونة بأفعال قاسية وشديدة وأيضا بأفعال ناعمة وسلسة، جاء في ملحمة "البعل" الكنعانية:
"وضعت عناة على النار قدرا
هيأت زادا
أعدت هدايا
أخذت مغزلها، سارت إلى اشيرة
فما أن رأت اشيرة البعل حتى اضطربت
ما أن رأت عناة قادمة حتى خافت
شعرت بوهين في مفاصلها
تصبب على وجنتيها العرق
لكن عناة حملت هدايا
إذن عناة لا تريد الشر" أنيس فريحة، ملاحم واساطير، ص123، وفي الملحمة أيضا نجد أفعال بحاجة إلى جهد "وضعت، هيأت، سارت، أعدت، أخذت، حملت" وافعال قاسية "اضطربت، تصبب" ورغم أن القصيدة والملحمة يتحدثان عن فعل (خير، جميل) إلا أن الألفاظ جاءت شديدة وأحيانا قاسية، وهذا يعود إلى تأثر الإنسان الهلالي بالطبيعة، التي تأتي فيها الظواهر القاسية والشديدة "البرق والرعد والريح العاصفة" بالخير "المطر/الماء" أساس الحياة النمو والخير.
مرة أخرى نتقدم من القصيدة لننعرف على الألفاظ السوداء والقاسية التي استخدمها الشاعر: "الحزن، الكوابيس، توصدين، العناكب، الثعابين، الماكرة، ترمين، خطافك، تأسرين، الموت، لا، مدين، يدفع، يسحب، الاشباح، غائبة" كل هذا يجعل القصيدة متماثلة مع الطريقة التي تناولت بها الملاحم الهلالية المرأة، والتي نجد ما يوافقها في ملحمة عشتار ومأساة تموز".
وهناك تناص مع قصيدة "يا رجلا" لنزار قباني، التي يقول فيها: "أنا احبك فيوق الغيم اكتبها" وهذا يفتح أبواب أمام القارئ ليتقدم من شعراء أخرين أثروا على الشاعر، وبهذا يقدم ويحث "سعادة أبو عراق" المتلقي لمعرفة وللاطلاع على من سبقوه من الشعراء، لكن بطريقة غير مباشرة.
ولم يقتصر أثر نزار قباني على هذه القصيدة، بل نجده في قصيدة "وعد" التي يقول فيها:
"...سوف تمارس طقس الاستحمام وفن العوم" ص 10، فالشاعر متأثرا بقصيدة "قارئة الفنجان"، وهذا يأخذنا إلى قصائد نزار قباني المغناة، حيث يبقى حضورها وأثرها على المستمع/الشاعر أكثر من غريها.
ولكن، رغم البداية (غير المنسجمة) بين اللفظ والمضمون في تناول المرأة/الحبيبة، إلا "سعادة أبو عراق" في القصائد الأخيرة يتخلص من هذا الأمر، ويقدم قصائد ذات مضمون أبيض وبألفاظ ولغة بيضاء، يقول في قصيدة "كلام":
"من أين ابتدئ الكلام؟
حين يسترخي على الزهو الندى
ويطير عن قلبي اليمام
حين القمير يباسمني على حجل
كما يداعب جفنه خدر المنام
حين المسافة تمحي بين روحينا
ويفجأني السنا ويأسرني البكام
من أين أبتدئ الكلام
من أي عهد كان قد بدأ الكلام؟
من طريقة الرمش الأخيرة
أم من مليون عام؟
هات انظري نحوي
ففي لحظ عينيك تختزل اللغات" ص32و33،

غالبية الألفاظ المستخدمة جاءت بيضاء: "الكلام، يسترخي، الزهر، الندى، يطير، قلبي، اليمام، القمير، يباسمني، يداعب، روحينا، السنا، بدأ، طرفة، الرمش، انظري، عينيك، اللغات" ورغم وجود بعض الألفاظ القاسية: "خدر، تمحي، يأسرني، البكام، الأخيرة" وهذا التباين في تناول قصيدة المرأة/الحبية، يعود إلى أن الشاعر عاش في بداية عمره في ريف القرية، وشاهد في أعين الناس الخوف والفرح الذي يواكب البرق والرعد وصرير الريح، فبقى متأثرا بالطبيعة، لكنه بعد أن عاش عقود في المدينة أخذت لغته تتماثل مع لغة العصر، فكتب ما يتلأم ولغة زملائه الشعراء ولغة عصره.
يستوقفنا اسم "أروى" الذي يذكره الشاعر في أكثر من قصيدة، في قصيدة "أخبار":
"...
في سنة لا أدريها تدعي في ذلك الوقت أروى
في زمن تصبح فيه المرأة دمية جبصين
باردة كالطين
والنسوة أكوام للتصدير
أما أروى
ستعلمُ في ذلك الوقت المرأة كيف تكون" ص45.

وفي قصيدة "أنا يوسف":
"لكن زلخية لا ترقى
أن تصبح في كل الأحوال
في مرتبة تقرب من أروى" ص49،
وفي قصيدة "قرون":
"في القرن الثاني والعشرين
تتلى قصة حب نبتت يوما في الزرقاء
ذاعت فوق جناح الشعر
يقرأ عمن كانت تدعى أروى
...
من منكم شاهد أروى" ص51و52.
اللافت في هذه القصائد ان الشاعر يذكر اسماء أخرى في القصائد، وكأنه ـ في العقل الباطن ـ تأثر بذكر اسم "أروى" فجعله يتجه نحو استخدام الاسماء، فنجد في قصيدة "أخبار" مجموعة من الأسماء:
"... والجاحظ والمقري في كتب الأخبار.
في سند مروي عن عبد الله بن عبيد الله
... تبعث ليلى في رأس المائة والعشرين" ص 44،
وفي قصيدة "أنا ويوسف" يذكر موسى وزليخة:
" ... فاحضر معك عصا موسى
... قادتك زليخة"ص47،
وفي قصيدة "قرون" يذكر روميو وليلى:
"مغتاظا من قرن أنجب روميو
من قرن أنجب ليلى والمجنون" ص51، كل هذا يشير إلى أن العقل الباطن للشاعر هو الذي يسير القصيدة، وليس الوعي، فأسم "أروى" جعله يذهب إلى أسماء أخرى تتماثل معه في هيامه وحبه، بحيث كان (أسيرها وأسير أثر اسمها).
غالبية قصائد جاءت تحمل ياء المتكلم باستثناء قصيدتي "قصة شحرور، برقية" حيث بدت وكأنهما خرج وحدة الديوان، حيث لا نجد حضور ياء المتكلم أو وجود الشاعر فيهما، فجاء الكلام من الخارج، ولم نرى/نسمع صوت الشاعر.
الديوان منشور عام2011.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف