الربيع العاري للإماراتي عادل خزام
صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط - إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر الإماراتي عادل خزام، بعنوان "الربيع العاري"، وفي هذا الكتابِ تتوالى الرؤى الشعرية والحياتية للشاعر الذي راهنَ منذ بدءِ تجربته الغنيّة والمتعدّدة على اللُّغة. لغةٌ ينحتها بإزميل متوارث لا تُتقنُ استعماله إلَّا يدٌ خبرت التوليفَ بين المادة والفراغ، بين عنفِ المطرقةِ ونعومة ملمسِ الصَّخرة، وبين تلك وذاك، نكتشفُ ذواتنا الممزَّقة بالحروب والدمار وضياع البوصلة، تظهرُ الجغرافيا كنتوءٍ لأحلامٍ لم تكتمل، لآلام صاعدة، لمدنٍ على وشكِ الفناء، وأخرى تحاولُ الصمودَ في مواجهة المعدنِ والنار. هكذا ندخلُ عالم الشاعر عادل خزام وقد استعادت ذاكرتُنا لغة المتصوِّفة والمنتمين إلى لحظتهم الإنسانية عبر تاريخٍ من القلقِ الوجودي، والتساؤل عن القدرة التي يمتلكها الآدميون لتدمير أنفسهم:
أيُّها المُتأمِّلُ من على جبلٍ في مَشيئَةِ اللهِ
تَرى الرُّؤُوسَ الفَارِغةِ تُناحِرُ بعضَها
وتُراقِبَ نهرَ الدَّمِ يجري صَامِتاً، ولا تَنطِق؟!
لكن صاحب "60 رسالة إلى شاعر"، نطقَ بأكثر أشكالِ الكلامِ عمقاً وتوثيقاً لمساراتِ الزمن المتكسِّر في المرايا التي تملأ الجهات؛ إنَّهُ الشِّعرُ مسلَّحاً بإسمنتِ لغةٍ متينةٍ وليّنةٍ في آن، متعالية وممزوجة بترابِ الحقيقةِ، غير مقَنَّعَة كما هو حالُ كلّ شيء في هذا العالمِ المتهالك، رغم ادعاءاته بعكس ذلك. إنَّها مكاشفةٌ مؤلمة للذَّات، تبدأ من الأنا بكلِّ شظاياها، بين الحب والمرأة والسياسية والتاريخ، وحيثُ نتركُ قطعةً منّا ونمضي في مجاهيلِ الخطوات؛ ولا تنتهي، تلك المكاشفةُ، إلا بالإمعانِ في فضحِ ما يُحاولُ التستُّر وراء مسمّياتٍ واهية، فالشّرُّ والبشاعةُ في محكياتِ العصر الحديث، ليسا بالضَّرورة نقيضا الخيرِ والجمال:
تعالَ خفيفاً قبلَ ظِلِّكَ، كَي نختلِفَ
أيُّها المُتأمِّلُ مِنْ على جبلٍ في مشيئةِ اللهِ
اجلسْ أمامَ الرّواياتِ لتَرى انتحارَ أبطالِها
انفُخْ في نايِ المُسدَّس
وراقبْ كيف سيختفي المُهرِّجُون من الوزارات
واقرأْ، ولا تقرأْ غيرَ الذي يُمْحَى
اسمعْ، ولكنْ، قُلْ لعينَيْكَ: لا مَدَى، لا مَدَى
دُسْ على كتابِ الصَّبرِ، فإنَّه عَتَبَةٌ
ولا تطرُقْ بابَ مِرآةٍ،
نخافُ أن يخونَكَ ماؤُها، فتغرق.
ليس الشاعرُ في هذا الكتابِ إلَّا رائياً، يتمسَّكُ بلغةٍ تنطقُ عن الأشياء الصامتة من حوله، وتقولها بكلماتهٍ في كتابٍ آثر أن ينفتح على بابينِ، أوَّلُهما الربيع العاري، كنصٍّ طويلٍ مُجزَّأ، والثَّاني: العتباتُ الصُّوفِيَّة فوق مَمْشى العدَم، حيث لكلِّ معنى أو اسمِ أو شيءٍ عتبته، كما جاء في "عتبة (الجرحِ)":
يُبجِّلُ الساهونَ فُقاعةَ الوَهْمِ، ويظنُّ سيِّدُهُم أن التَّمدَّدَ في سرحانِ الفراغِ حُرِّيَّةٌ تُستَطابُ. وأن الحُرِّيَّةَ معبدٌ لخاصِ الضَّاجِّين من العَتْمَةِ التي في الروحِ، ومن قصبِ الكلامِ المكسورِ في خاطرِ العقلِ، ومن فزُّورةِ الوُجُودِ، وقد تشجَّرَ لُغزُها في بَدَنِ الشُّعوبِ. فإذا قامت الحربُ، جلسَ الأبرياءُ القُرْفُصَاءَ، وبذَرُوا الشُّمُوعَ في خُصُوبةِ أحلامِهم. وإذا نامت الحربُ، كالَ الشُّعراءُ مديحَهم للأشجارِ، وعادوا يهزُّونَ أغصانَها المحروقةَ بأغاني الوَنَسِ. وورقةٌ بعد ورقةٍ، سينبتُ جناحُ الخيالِ في صُدُورِ مَنْ غَصُّوا بعطشِ الندَى. وسنرى الشوارعَ مَكسوَّةً بحمَّالي فروٍ للنساءِ المستلقياتِ في شَبَقِ القصيدة. وعلى الرصيفِ، كلابُ الزينةِ تبولُ في كُؤُوسِ الشَّحَّاتين، وسعرُ القميص رصاصةٌ في القلبِ، وجرحُ العاشقِ أن تُقطَّع يدُهُ حين يمدُّها لِلْوردةِ المحشورةِ بن نهدٍ ونهدٍ.
"الربيع العاري" مجموعة شعرية جديدة للشاعر عادل خزام، جاءت في 136 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
عادل خزام:
شاعرٌ وأديبٌ. ينتمي إلى جيل الثَّمانينيَّات في الإمارات.
صَدَرَ له: "تحتَ لساني"، ديوان شِعْر- الإمارات 1993، "الوريث"، ديوان شِعْر - بيروت1997، "في الضَّوءِ والظِّلِّ وبينهما الحياة"، دراسة عن الفُنُون البصريَّة في الإمارات - الشارقة 2000، "الستارة والأقنعة"، دراسة عن المسرح في الإمارات - الشارقة 2002، "السُّعالُ الذي يتبعُ الضحكَ"، ديوان شِعْر - بيروت 2006، "مَسكنُ الحكيم" نُصُوص وتأمُّلات - أبو ظبي 2010، "الظِّلُّ الأبيض" رواية - دبي 2013، رواية "حياة بعين ثالثة" دبي 2014، "رفيفُ الظِّلِّ" كتاب نُصُوص مشتركة مع قاسم حدَّاد (البحرَيْن) وسعد الدُّوسري (السُّعُوديَّة) دار مدارك 2015، تحرير كتاب عن الفنَّان التَّشكيليِّ الإماراتي حسن شريف 2016 ، "ريش الكلمات المسافرة" - شذرات - الإمارات 2017، "60 رسالة إلى شاعر" الشارقة 2018، "طريقٌ قديم .. سُحُبٌ بيضاء" ترجمة من الإنجليزية لسرة حياة البوذا وتعاليمه، الشارقة 2019.
صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط - إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر الإماراتي عادل خزام، بعنوان "الربيع العاري"، وفي هذا الكتابِ تتوالى الرؤى الشعرية والحياتية للشاعر الذي راهنَ منذ بدءِ تجربته الغنيّة والمتعدّدة على اللُّغة. لغةٌ ينحتها بإزميل متوارث لا تُتقنُ استعماله إلَّا يدٌ خبرت التوليفَ بين المادة والفراغ، بين عنفِ المطرقةِ ونعومة ملمسِ الصَّخرة، وبين تلك وذاك، نكتشفُ ذواتنا الممزَّقة بالحروب والدمار وضياع البوصلة، تظهرُ الجغرافيا كنتوءٍ لأحلامٍ لم تكتمل، لآلام صاعدة، لمدنٍ على وشكِ الفناء، وأخرى تحاولُ الصمودَ في مواجهة المعدنِ والنار. هكذا ندخلُ عالم الشاعر عادل خزام وقد استعادت ذاكرتُنا لغة المتصوِّفة والمنتمين إلى لحظتهم الإنسانية عبر تاريخٍ من القلقِ الوجودي، والتساؤل عن القدرة التي يمتلكها الآدميون لتدمير أنفسهم:
أيُّها المُتأمِّلُ من على جبلٍ في مَشيئَةِ اللهِ
تَرى الرُّؤُوسَ الفَارِغةِ تُناحِرُ بعضَها
وتُراقِبَ نهرَ الدَّمِ يجري صَامِتاً، ولا تَنطِق؟!
لكن صاحب "60 رسالة إلى شاعر"، نطقَ بأكثر أشكالِ الكلامِ عمقاً وتوثيقاً لمساراتِ الزمن المتكسِّر في المرايا التي تملأ الجهات؛ إنَّهُ الشِّعرُ مسلَّحاً بإسمنتِ لغةٍ متينةٍ وليّنةٍ في آن، متعالية وممزوجة بترابِ الحقيقةِ، غير مقَنَّعَة كما هو حالُ كلّ شيء في هذا العالمِ المتهالك، رغم ادعاءاته بعكس ذلك. إنَّها مكاشفةٌ مؤلمة للذَّات، تبدأ من الأنا بكلِّ شظاياها، بين الحب والمرأة والسياسية والتاريخ، وحيثُ نتركُ قطعةً منّا ونمضي في مجاهيلِ الخطوات؛ ولا تنتهي، تلك المكاشفةُ، إلا بالإمعانِ في فضحِ ما يُحاولُ التستُّر وراء مسمّياتٍ واهية، فالشّرُّ والبشاعةُ في محكياتِ العصر الحديث، ليسا بالضَّرورة نقيضا الخيرِ والجمال:
تعالَ خفيفاً قبلَ ظِلِّكَ، كَي نختلِفَ
أيُّها المُتأمِّلُ مِنْ على جبلٍ في مشيئةِ اللهِ
اجلسْ أمامَ الرّواياتِ لتَرى انتحارَ أبطالِها
انفُخْ في نايِ المُسدَّس
وراقبْ كيف سيختفي المُهرِّجُون من الوزارات
واقرأْ، ولا تقرأْ غيرَ الذي يُمْحَى
اسمعْ، ولكنْ، قُلْ لعينَيْكَ: لا مَدَى، لا مَدَى
دُسْ على كتابِ الصَّبرِ، فإنَّه عَتَبَةٌ
ولا تطرُقْ بابَ مِرآةٍ،
نخافُ أن يخونَكَ ماؤُها، فتغرق.
ليس الشاعرُ في هذا الكتابِ إلَّا رائياً، يتمسَّكُ بلغةٍ تنطقُ عن الأشياء الصامتة من حوله، وتقولها بكلماتهٍ في كتابٍ آثر أن ينفتح على بابينِ، أوَّلُهما الربيع العاري، كنصٍّ طويلٍ مُجزَّأ، والثَّاني: العتباتُ الصُّوفِيَّة فوق مَمْشى العدَم، حيث لكلِّ معنى أو اسمِ أو شيءٍ عتبته، كما جاء في "عتبة (الجرحِ)":
يُبجِّلُ الساهونَ فُقاعةَ الوَهْمِ، ويظنُّ سيِّدُهُم أن التَّمدَّدَ في سرحانِ الفراغِ حُرِّيَّةٌ تُستَطابُ. وأن الحُرِّيَّةَ معبدٌ لخاصِ الضَّاجِّين من العَتْمَةِ التي في الروحِ، ومن قصبِ الكلامِ المكسورِ في خاطرِ العقلِ، ومن فزُّورةِ الوُجُودِ، وقد تشجَّرَ لُغزُها في بَدَنِ الشُّعوبِ. فإذا قامت الحربُ، جلسَ الأبرياءُ القُرْفُصَاءَ، وبذَرُوا الشُّمُوعَ في خُصُوبةِ أحلامِهم. وإذا نامت الحربُ، كالَ الشُّعراءُ مديحَهم للأشجارِ، وعادوا يهزُّونَ أغصانَها المحروقةَ بأغاني الوَنَسِ. وورقةٌ بعد ورقةٍ، سينبتُ جناحُ الخيالِ في صُدُورِ مَنْ غَصُّوا بعطشِ الندَى. وسنرى الشوارعَ مَكسوَّةً بحمَّالي فروٍ للنساءِ المستلقياتِ في شَبَقِ القصيدة. وعلى الرصيفِ، كلابُ الزينةِ تبولُ في كُؤُوسِ الشَّحَّاتين، وسعرُ القميص رصاصةٌ في القلبِ، وجرحُ العاشقِ أن تُقطَّع يدُهُ حين يمدُّها لِلْوردةِ المحشورةِ بن نهدٍ ونهدٍ.
"الربيع العاري" مجموعة شعرية جديدة للشاعر عادل خزام، جاءت في 136 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
عادل خزام:
شاعرٌ وأديبٌ. ينتمي إلى جيل الثَّمانينيَّات في الإمارات.
صَدَرَ له: "تحتَ لساني"، ديوان شِعْر- الإمارات 1993، "الوريث"، ديوان شِعْر - بيروت1997، "في الضَّوءِ والظِّلِّ وبينهما الحياة"، دراسة عن الفُنُون البصريَّة في الإمارات - الشارقة 2000، "الستارة والأقنعة"، دراسة عن المسرح في الإمارات - الشارقة 2002، "السُّعالُ الذي يتبعُ الضحكَ"، ديوان شِعْر - بيروت 2006، "مَسكنُ الحكيم" نُصُوص وتأمُّلات - أبو ظبي 2010، "الظِّلُّ الأبيض" رواية - دبي 2013، رواية "حياة بعين ثالثة" دبي 2014، "رفيفُ الظِّلِّ" كتاب نُصُوص مشتركة مع قاسم حدَّاد (البحرَيْن) وسعد الدُّوسري (السُّعُوديَّة) دار مدارك 2015، تحرير كتاب عن الفنَّان التَّشكيليِّ الإماراتي حسن شريف 2016 ، "ريش الكلمات المسافرة" - شذرات - الإمارات 2017، "60 رسالة إلى شاعر" الشارقة 2018، "طريقٌ قديم .. سُحُبٌ بيضاء" ترجمة من الإنجليزية لسرة حياة البوذا وتعاليمه، الشارقة 2019.