الأخبار
الاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوعنعيم قاسم: لن نكون جزءاً من شرعنة الاحتلال في لبنان ولن نقبل بالتطبيعفتوح: تهجير عشرات العائلات من عرب المليحات امتداد مباشر لسياسة التطهير العرقي والتهجيرالنيابة والشرطة تباشر إجراءاتهما القانونية في واقعة مقتل شابة في مدينة يطا
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أنا يا سُعادُ بقلم: صلاح بوزيّان

تاريخ النشر : 2019-10-26
أنا يا سُعادُ بقلم: صلاح بوزيّان
أنا يا سُعادُ ..

قصّة قصيرة بقلم الكاتب : صلاح بوزيّان / تونس 

بلغتْ الزّقاق بشقّ الأنفس ، الزّقاق طويلٌ و مشرق و وقورٌ ، أركانه مضيئة ، واجهات البيوت بيضاء سمحة ، همستْ :{ آه يا دنيا ، نشوف في روحي نلعبْ أنا و مفيدة بنت عمّي الشاذلي و رقية بنت عمّي التيجاني وكثير من بنات الزَّنقة ، و هايْ أمّي تنادي : أبوكي  سيعود بعد شويَّا نخافْ يتغشّش عليك يعيّشْ بنتي هيّا روّحْ } وأراني أبوس البنات بوسات وأدخلُ ، ذكريات ، كلّ شيء مرّ في لمح البصر} وسالت الدّموع على خدّيها ، فمدّت من جيبها منديلا ومسحت آثار الحُرقة على الأيّام الخوالي . النّوافذ مفتوحة ورائحة البخور ترتفع في سماء الزّقاقْ ، مذياعٌ يبثُّ أخبار الرّئيس الجديد سعد الدّين ،وصوت نسوانيُّ يهتفُ :{ يا ربّي فرّج علينا رانا تعبنا من السرقة والكذب و الفقر والغلاء ، يا ربّي ، العبد ُ المسكين لشكون يشكي غيرك أنت ، يا ربّي} دعاء ودعاء ومناجاة العُبّاد الخفيّة ، وأدعية أخرى تنطلقُ من دهاليز ومن الأسطح و من مَرَمَّاتِ بعض البيوت ومن شقوق الجُدران و من جَوف قبور ظنّها بعض النّاس رفات أموت ، يعجُّ الزّقاق بالآهات و الشكايات إلى الله حاله كحال أرجاء القيروان .هي ابتهجت بالزّقاق تلوح فيه العربات و الباعة المتجوّلون و الصبية يتلاعبون ، و كانت تلثمُ أبواب الجيران وتهمسُ:{ آه يا دنيا }. تبدو القباب والصّوامع ناصعة البياض مُبهجة ، هي عوّلتْ على ذكريات الصّبا لتصل إلى دار الجدّ ، لم تركب سيّارة أجرة ، بل خيّرت السّير من ربط الرنّان إلى حيّ الجامع ، اقتربت من الدّار ، دلفت  ثمّ وقفت على عتبة الباب ، دفعت مصراعه فانفتح ، دخلت ونادت:{عواطف يا عواطف ، أين أنت ؟} أجاب صوتٌ:{ أختي سعاد مرحبا مرحبا ، يا النّهار السّعيد} و أطلّت عواطف من غرفة في البيت الشاسع ، و أتت مسرعة فاتحة ذراعيها ، وطوّقت سعاد ، و راحت تقبّلها طويلا و تضمّها إليها ، وهي تشمّ رائحة الكُحل العربي المنبعثة من عينيها الكبيرتين ، ورائحة الحنّة في أصابعها البيضاء الجميلة ، نزعت سعاد السّفساري وأخذته عواطف فطبّقته و وضعته في خزانة ، ودخلتا سويّا إلى قاعة الجلوس ، وجلستا على الأريكة ، وعواطف تطوّق سعاد بين الفينة والأخرى وتلثمها ، و تعيد الأسئلة :{ كيف حال سي صالح والأولاد ؟ أين هي بثينة أفي تونس أم عادت إلى سويسرا ؟ } وسعاد تجيب وتستردُّ أنفاسها وتمسحُ العرق المتصبّب على الوجه الجميل الخالي من التّجاعيد و جراح الأيّام : { قُلّي وقتاش ها الرّاجلْ مِش يبطّل شُرب الخمر ؟ راهي سنين وتوّا أولادو  كبرو وعمرو قريب السبعين ؟ } ، فقالت عواطفُ:{ هُو حبّْ يفهم ، وحاجة أخرى راهو يأخذ الرشوة في خدمتو } ، خيّم سكاتٌ قصير عليهما ، ثمّ أردفت سعاد: { نعمْ ، رشوة هذي رجولية ، هذي أفعال معملهاش لا الأب و لا الجدّ ، أشبيه خشّ الخلاء } وأضافت عواطفُ :{و راهو ناوي يبيع الهنشير ويطلّقني ويتزوّج الكاتبة متاعو ، راهو ضايع ، لا يتلها بأولادو ولا بالدّار ، يخرج الصباح للخدمة ميرجع كان في اللّيل ، و قالو لي نساء يخدمو معاه راووُهْ في سوسة مع شابة تخدم معاه الّي ناوي يتزوّجها ، شايب و عاشق والعياذ بالله } استأذنت عواطف و غابت برهة ، ثم عادت

و هي تمسكُ طبقا نحاسيًّا بيديها النّاعمتين ، وتحاذر من التعثّر ، في الطبق منديل مطوي على الجانب الأيمن ، وفي الوسط فنجانا قهوة يتصاعد منها بخار أبيض شفّاف ، وصحن بلوري متوسط الحجم فيه مقروض و بقلاوة و كعك ورقة وغُريِّبةُ حمص ، وضعت الطبق على طاولة من خشب الأبنوز ، ومدّ الفنجان إلى سُعاد وهي تهمسُ :{ بربّي أشرب قهوتك ، يفرّجها ربّي} ضحكت كبيرة قومها وشرعتْ تشرب وتأكل البقلاوة ، مضى الوقت مسرعًا ومالت الشمس إلى المغيب والمرأتان تسردان قصص الزّقاق و الأجوار و الذّكريات ، انطلق الأذان من مسجد أبي لقاطة ، وفجأة دخل رجلٌ مسرعًا ، أسبغ الوضوء و فرش السجّادة وسط البيت ، وأقام الصّلاة وكبّر ، تعجّبتا وبقيتا مذهولتين أهذا عاشق الفتاة وشاربُ الخمر ؟

أفشى السّلام و أسرع إلى سعاد :{ أهلا بأختي ومرحبا متى أتيتي لقد اشتقت إليك وإلى الأولاد } ضمّها إلى صدره و همس في أذنها :{ أنا ولدتُ من جديد ، والأسبوع القادم سأذهبُ للاعتمار } سالت دموع سعاد ووضعت رأسها على كتف زكرياء فقال :{ الليلة تبات عندنا سأكلّم سي مصطفى وفي الصباح أوصلك إلى الدّار} ، سحب هاتفه الجوّال وانزوى يسلّم ويفسّر القصّة وهو يضحك ويقسم بأغلظ الأيمان ، وراحت زوجته تستقبلُ أبناءها العائدين من المدرسة وهي في فرحة لا توصف . ثمّ تحلّق الجميع حول مائدة العشاء ، أطباق الدّجاج المشوي و صحون المرق و الهريسة الخضراء ، شرعوا يأكلون وهم يضحكون و يلعبون ويتندّرون ، مضت ساعة ثمّ تسلّل زكرياء إلى غرفته وهو يردّد :{ أمّي سعاد في الثامنة صباح نمشيو ، ليلة سعيدة } ، راجع الأطفال دروسهم في غرفتهم الفسيحة الدافئة ، دخلت إليهم عواطف وتفقدتهم واطمأنّت ، عادت إلى الغرفة و ألقت بجسمها المتعب قرب سعاد وتمدّدت ، وتقاسمت الغطاء والفراش معها ، وبقيتا تسامران  إلى حدّ منتصف اللّيل ، و تصغيان إلى صوت التّلفاز ، و تتحدّثان عن أمور الانتخابات وغلاء المعيشة ، و في الصّباح ملأت عواطف كيسا بلاستيكيا بقوارير عطر مختلفة ودسّتها في حقيبة  سعاد ، والأخرى تتساءلُ : { شنوا هذا ؟ } فردّ عواطف:{ اسكتي ، شويا برفان ، قدّاش من مرّة تهديلي أنت الدبش و البرفان } ، قبّلتها في خدّها بحرارة و وعدتها بالعودة في العطلة المدرسية ، ثمّ لحقت أخاها إلى طرف الزّقاق .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف