قصة قصيرة / اليتيمان ترجمة : حماد صبح
مات رب أسرة ، وترك ابنا اسمه داودا ، وابنة اسمها آيساتا ، وكانت هذه بديعة الحسن حتى إن شقيقها خاف عليها من خطف الملك لها ، فعمد إلى بناء كوخ ، وأسكنها فيه ، وهجر القرية وأقام قرب آيساتا لحمايتها من الخطف إن دعت الحاجة للحماية . وقدم _ في اليوم الذي كان فيه داودا يحاول صيد فيل _ راعي بقر إلى الكوخ ، وطلب شربة ماء ، فقدمتها له آيساتا ، وقال بعد أن شرب : ما أحلاك ! سأتزوجك إن رضيت بي ، وسأدفع مائة ثور مهرا لك .
فردت : انصرف مسرعا ! لن يتأخر أخي ، وستموت إن لقيك هنا .
فحمل تهديدها محمل الجدية ، وفر من لحظته دون أن يأبه بقطيع أبقاره الذي كان يرعى على مَدناة من الحقل الذي توجد فيه مزرعة ذرة لليتيمين .ولما رجع إلى القرية بادر بالذهاب إلى الملك ، وقال : مولاي ! أعلم المكان الذي تعيش فيه شابة لا نظير لها في حسنها ، وأنا قادر على الإتيان بها إليك على شرط أن تزودني برجال لخطفها ؛ لأن لها أخاً يحميها حماية تامة ، وهو عاتي القسوة . فزوده الملك بثلاثين فارسا ، مضوا إلى كوخ داودا ، وحين صارت قوتهم الصغيرة على مبعدة يسيرة منه تذكر البقار التهديد بالانتقام الذي أنذرته به آيساتا ، فخاف على حياته ، وتوقف
وخاطب الفرسان : طوقوا هذا الكوخ ! ستجدون فيه الحسناء التي يجب أن نعود بها إلى الملك ، أما أنا فسأمضي للبحث عن قطيعي الذي شرد صباح اليوم .
وتقدم الفرسان إلى الكوخ ، ورأتهم آيساتا من بعد ، فصاحت بشقيقها : أولئك فرسان قادمون لخطفي !
فتوقف من فوره عن العمل ، ورجع إلى الكوخ ، وأخذ سلاحه ، وخرج موترا قوسه ، ومدليا كنانة سهامه من كتفه ، وقال لأخته : سأقتلهم كلهم إلا واحدا حتى يذهب وينعى رفاقه لمن أرسلهم إلينا .
وكان الفرسان تلك اللحظةَ دنوا من الكوخ ، وأطلقوا صيحات داوية حادة لإرهاب داودا حامي آيساتا إلا أنه كان بدأ يرشقهم بسهامه فيخترق السهم الواحد من ثلاثة إلى أربعة ، وبهذا قتل تسعة وعشرين ، ولم يُبقِ إلا واحدا ، هرب وأخبر الملك بالمصيبة التي نزلت بجنوده ، فحنق حنقا عظيما ، وأمر مائة فارس ومائة محارب راجل بالذهاب وخطف آيساتا الحسناء ، فلم يعد منهم إلى القرية سوى واحد بعد أن قتل داودا الآخرين . وأتبع الملك الكارثة الثانية بإرسال مزيد من أرتال الجنود ، فقتلهم داودا رتلا رتلا . وفي يوم ، قدمت إلى الملك عجوز ، وقالت : إنك تهلك محاربيك دون فائدة ، وإذا وعدتني بجائزة قيمة سيكون في قدرتك من الغد أن تحوز الغادة الحسناء أخت الذي قتل نصف محاربيك .
فقال : هاتي وسيلة تجلبها إلي ، وسأزوج ولدك بإحدى بناتي !
فحيته ورجعت إلى منزلها ، وهناك غلت بعض أوراق النبات المخدرة ، ثم أخرجتها ، وأضافت إليها دقيق ذرة ، وصنعت من العجين اللدن فطائر ، ومضت إلى حقل اليتيمين مرددة خلال سيرها : فطائر ! فطائر ! من يشري فطائر لذيذة ؟
فنادها داودا الذي لم يذق هذه الفطائر منذ أن بارح القرية ، وشرى منها قطعتين التهمهما ملتذا لهما ، وما أن التهم آخر لقمة حتى هوى في سبات عميق . ولم تُضِع العجوز وقتها ، وأسرعت تخبر الملك بأن في وسعه الآن دون خوف إرسال فارسين لخطف آيساتا ؛ لأن شقيقها الذي يحميها لن يصحو إلا في الغد .
فأرسل الملك فارسين لهذه المهمة ، رأتهما آيساتا ، فحركت شقيقها قائلة : اصحُ ! فارسان يريدان خطفي !
فغمغم : ناوليني كنانتي وقوسي !
دون أن تنبعث منه أي حركة لاستغراقه في النوم . وأخذ الفارسان آيساتا ، وعادا بها إلى الملك الذي تزوجها . وحين استعاد داودا وعيه ، وعلم باختطاف شقيقته صار شبه مجنون من الغضب ، وغاص في الغابة لا يريد أن يرى أحدا من الناس ، وعاش فيها يصيد الحيوانات مع جنها ، ويأكل وينام في صحبتهم ، وتوحش تماما حتى نمت النباتات فوق رأسه ! وفي يوم ، بعد أن أعياه السير ، انطرح في ظل شجرة ، فرآه بعض الحطابين ، وانقضوا عليه وقيدوه وساروا به إلى القرية حيث سلموه إلى الملك ، فقطع النباتات التي نمت فوق رأسه ، وحلقوا شعره حلقا خالصا ، وسلموه إلى آيساتا ليرعى الطفل الذي نسلته للملك . ولم تعرف أن الأسير هو شقيقها بينما عرف هو من فوره أنها شقيقته ، فحمل الطفل بين ذراعيه ، وراح يغني له : يا بن أختي ! افرح ! افرح ! يا بن التي تغذيت معها بحليب بقرة أبينا ، افرح !
فصرخت آيساتا حين سمعت غناءه ، وجرى إليها الملك فزعا جزعا .
قالت : أيها الملك ! أسرت شقيقي ، وجعلته راعيا لابني !
فسأل الملك داودا إن كانت آيساتا تقول الصدق ، فحكى له كل قصته ، ولما ختمها وهبه ثروة كبيرة من الذهب والمال : جواهر وخيل وبقر ، ووهبه سلطانا على نصف القرية ، وسلمه قيادة الجيش لما برهنه ضد الملك نفسه من شجاعة وبراعة فذة في الرمي بالقوس .
*موقع " قصص وأساطير قصيرة " الفرنسي .
مات رب أسرة ، وترك ابنا اسمه داودا ، وابنة اسمها آيساتا ، وكانت هذه بديعة الحسن حتى إن شقيقها خاف عليها من خطف الملك لها ، فعمد إلى بناء كوخ ، وأسكنها فيه ، وهجر القرية وأقام قرب آيساتا لحمايتها من الخطف إن دعت الحاجة للحماية . وقدم _ في اليوم الذي كان فيه داودا يحاول صيد فيل _ راعي بقر إلى الكوخ ، وطلب شربة ماء ، فقدمتها له آيساتا ، وقال بعد أن شرب : ما أحلاك ! سأتزوجك إن رضيت بي ، وسأدفع مائة ثور مهرا لك .
فردت : انصرف مسرعا ! لن يتأخر أخي ، وستموت إن لقيك هنا .
فحمل تهديدها محمل الجدية ، وفر من لحظته دون أن يأبه بقطيع أبقاره الذي كان يرعى على مَدناة من الحقل الذي توجد فيه مزرعة ذرة لليتيمين .ولما رجع إلى القرية بادر بالذهاب إلى الملك ، وقال : مولاي ! أعلم المكان الذي تعيش فيه شابة لا نظير لها في حسنها ، وأنا قادر على الإتيان بها إليك على شرط أن تزودني برجال لخطفها ؛ لأن لها أخاً يحميها حماية تامة ، وهو عاتي القسوة . فزوده الملك بثلاثين فارسا ، مضوا إلى كوخ داودا ، وحين صارت قوتهم الصغيرة على مبعدة يسيرة منه تذكر البقار التهديد بالانتقام الذي أنذرته به آيساتا ، فخاف على حياته ، وتوقف
وخاطب الفرسان : طوقوا هذا الكوخ ! ستجدون فيه الحسناء التي يجب أن نعود بها إلى الملك ، أما أنا فسأمضي للبحث عن قطيعي الذي شرد صباح اليوم .
وتقدم الفرسان إلى الكوخ ، ورأتهم آيساتا من بعد ، فصاحت بشقيقها : أولئك فرسان قادمون لخطفي !
فتوقف من فوره عن العمل ، ورجع إلى الكوخ ، وأخذ سلاحه ، وخرج موترا قوسه ، ومدليا كنانة سهامه من كتفه ، وقال لأخته : سأقتلهم كلهم إلا واحدا حتى يذهب وينعى رفاقه لمن أرسلهم إلينا .
وكان الفرسان تلك اللحظةَ دنوا من الكوخ ، وأطلقوا صيحات داوية حادة لإرهاب داودا حامي آيساتا إلا أنه كان بدأ يرشقهم بسهامه فيخترق السهم الواحد من ثلاثة إلى أربعة ، وبهذا قتل تسعة وعشرين ، ولم يُبقِ إلا واحدا ، هرب وأخبر الملك بالمصيبة التي نزلت بجنوده ، فحنق حنقا عظيما ، وأمر مائة فارس ومائة محارب راجل بالذهاب وخطف آيساتا الحسناء ، فلم يعد منهم إلى القرية سوى واحد بعد أن قتل داودا الآخرين . وأتبع الملك الكارثة الثانية بإرسال مزيد من أرتال الجنود ، فقتلهم داودا رتلا رتلا . وفي يوم ، قدمت إلى الملك عجوز ، وقالت : إنك تهلك محاربيك دون فائدة ، وإذا وعدتني بجائزة قيمة سيكون في قدرتك من الغد أن تحوز الغادة الحسناء أخت الذي قتل نصف محاربيك .
فقال : هاتي وسيلة تجلبها إلي ، وسأزوج ولدك بإحدى بناتي !
فحيته ورجعت إلى منزلها ، وهناك غلت بعض أوراق النبات المخدرة ، ثم أخرجتها ، وأضافت إليها دقيق ذرة ، وصنعت من العجين اللدن فطائر ، ومضت إلى حقل اليتيمين مرددة خلال سيرها : فطائر ! فطائر ! من يشري فطائر لذيذة ؟
فنادها داودا الذي لم يذق هذه الفطائر منذ أن بارح القرية ، وشرى منها قطعتين التهمهما ملتذا لهما ، وما أن التهم آخر لقمة حتى هوى في سبات عميق . ولم تُضِع العجوز وقتها ، وأسرعت تخبر الملك بأن في وسعه الآن دون خوف إرسال فارسين لخطف آيساتا ؛ لأن شقيقها الذي يحميها لن يصحو إلا في الغد .
فأرسل الملك فارسين لهذه المهمة ، رأتهما آيساتا ، فحركت شقيقها قائلة : اصحُ ! فارسان يريدان خطفي !
فغمغم : ناوليني كنانتي وقوسي !
دون أن تنبعث منه أي حركة لاستغراقه في النوم . وأخذ الفارسان آيساتا ، وعادا بها إلى الملك الذي تزوجها . وحين استعاد داودا وعيه ، وعلم باختطاف شقيقته صار شبه مجنون من الغضب ، وغاص في الغابة لا يريد أن يرى أحدا من الناس ، وعاش فيها يصيد الحيوانات مع جنها ، ويأكل وينام في صحبتهم ، وتوحش تماما حتى نمت النباتات فوق رأسه ! وفي يوم ، بعد أن أعياه السير ، انطرح في ظل شجرة ، فرآه بعض الحطابين ، وانقضوا عليه وقيدوه وساروا به إلى القرية حيث سلموه إلى الملك ، فقطع النباتات التي نمت فوق رأسه ، وحلقوا شعره حلقا خالصا ، وسلموه إلى آيساتا ليرعى الطفل الذي نسلته للملك . ولم تعرف أن الأسير هو شقيقها بينما عرف هو من فوره أنها شقيقته ، فحمل الطفل بين ذراعيه ، وراح يغني له : يا بن أختي ! افرح ! افرح ! يا بن التي تغذيت معها بحليب بقرة أبينا ، افرح !
فصرخت آيساتا حين سمعت غناءه ، وجرى إليها الملك فزعا جزعا .
قالت : أيها الملك ! أسرت شقيقي ، وجعلته راعيا لابني !
فسأل الملك داودا إن كانت آيساتا تقول الصدق ، فحكى له كل قصته ، ولما ختمها وهبه ثروة كبيرة من الذهب والمال : جواهر وخيل وبقر ، ووهبه سلطانا على نصف القرية ، وسلمه قيادة الجيش لما برهنه ضد الملك نفسه من شجاعة وبراعة فذة في الرمي بالقوس .
*موقع " قصص وأساطير قصيرة " الفرنسي .