الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لما نحب ؟! عشوائيات في الحب - الثانيه بقلم:د. سمير محمد ايوب

تاريخ النشر : 2019-10-22
كتب الدكتور سمير محمد ايوب
لِمَ نُحِبُّ ؟!
عشوائيات في الحب – الثانية
إنها تباشير الشتاءِ في قريةِ الحِمَّةِ حيث كنا في الصباح ، غيمٌ عاقرٌ ، صوتُ رعدٍ في البعيد صداه ، ووميضُ برقٍ ذابلٍ . بعدَ شاي الغداء المبكر ، قالت هيا بِنا إلى أعماقِ هذه الأرض ، عَلَّنا نجدُ فيها رُكناً لا يتوقفُ فيه المطر ، ولا ينضب منه عطرُ التراب . إتّجهنا الى الجنوب من اربد ، باتجاه مدينة جرش ، حيث الطابع اليوناني ما زال يعانق الروماني بانسجام . عبر اشجارها الكثيفة ، دلفنا بوابة جرش الشمالية ، مرورا بشارع الأعمدة ، إلى سبيل الحوريات ونوافيرِه . ومن هناك إلى المدرج الشمالي ، حيث تقام فعاليات مهرجان جرش كلَّ عامٍ . غمسنا أوجهنا في تراتيلِ مطرٍ نشِطٍ ، كطفلينِ راقصنا زخاتَه . ومنْ ثمَّ لاهثين جلسنا نرقبُها ، وننصتُ لصوتِها ، وهي تغسلُ المدرجات الحجرية من حولنا .
وهي تحاولُ بيديها ، لَمْلَمَةَ شعرها وتجفيفَ وجهها ، إلتفتت إليَّ مُرافِقتي الرَّبْداويَّة ، وأكمَلَت أسئلتَها التي ابتَدأتْها قبلَ الظُّهرِ في قريةِ الحِمَّة : يا شيخنا ، يقولون أنَّ الحبَّ ليلُ الحياةِ الجميلة . وأنَّ الحياةَ بلا حُبٍّ ، أضيق منْ أن تكونَ حِصناً أو ملاذاً ، نؤوبُ إليه من قسوةِ نهارٍ طويل . ولكنْي بداية ، دعني أسألك ما الحب في الأساس ؟
أهوَ طائرُ النعيمِ المُقيم ، دربُ مِنْ مرُّوا إلى الزواج ، أو بابٌ خلفيٌّ للتَّفَلُّتِ مِنهُ ومِنْ مٌقتضياتِه ومِنْ تَبعاته ؟ أهوَغيتو مُحاصِر ؟ موجُ شكٍّ يُعانقُ موجَ ظنٍّ ، هَبَّاتُ غيرةٍ وقلقٍ ، أم ألف أوٍّ وَأوْ؟
قلت وأنا أُحاولُ إعادةَ ترتيبِ هِندامي : ألحبُّ رزقٌ مُشتركٌ حلالٌ . الشريك فيه أمانة ٌ تُصانُ ولا تُهان . إنَّه طُمأنينة تَعشقُ الجنونَ وغيابَ العقل . مشاعرٌ حيّةٌ مُستبدَّة ٌ، تتلفعُ بعقلٍ بلا قلب ، أو بقلبٍ بلا عقل . إنّه نظامُ حياةٍ مُتكاملٍ ، وليسَ سوقاً ننتقي منه ما يعجبنا . نظامٌ متقدٌ له مصفوفةٌ أخلاقٍ ، يمتلكُ عشراتَ الحواسِّ السيادية الكامنة ، يقتضي إيقاظُها وإنطاقُها بفصاحةٍ ، والعيشَ فيها ، مهاراتٌ مُستدامة تجعلُ كلَّ شيءٍ في الحبِّ مُمكنا ، وتُبقي فضاءاتَه بخير .
سالَت وهي تناولني فنجان قهوتي : لِم نُحبُّ في الأساس ؟
قلت بعد أن تناولت اول رشفة من قهوتي الحجازية مع حبة تمر عراقي : كلَّما ضاقت بنا الطُّرقات ، وضِقنا ذرعا بصمتٍ غيرَ مألوفٍ ، وصقيعٍ غيرَ أنيسٍ نتسولُ فيه دفئا ، يكون الحبُّ فسحة أمل تُريحُنا من وجع الغربة ، تُمكنُّنا منِ امتلاك عصا موسى ، للتسلل إلى رياضِ وطنٍ آمنٍ يقيم بين كتفي شريك ، أو في صدره . نتسلّلُ لنُطَوِّقَهُ ونستفزَّ كلَّ تضاريسه ، ولتُبقينا تلك العصا وراءَ سواتره ، نُعيد به من هناك ، هندسة كل إيقاع مشترك .
إنْ جاءَ وأبكرَ ، وضرَبَتْكُم زلازِلُه ، أومسَّتْكُم أعاصيرُه ، قِفوا على أبواب قلوبكم وانظروا ، لا تعانِدوا ما قد تجدوه بدواخلها . أحبّوا ولا تتلفَّتوا إلى حيرة الظن ووساوسِ القلق ، ولا تقهروا أنفسكم بالتنبيش عن أسباب ومنطقٍ وتعليلٍ وتبريرٍ وتحليلٍ وتفاسير . فليسَ لَكم في الحبِّ يداً ، عكس الرحيل الذي لكم فيه الفُ سببٍ وسبَب . ففي القلب ما لايوجد في العقل . المحبَّة لا تُؤخذ من كتابٍ ، إنّما تُشرقُ مِنْ قلبٍ وتفيضُ على قلب . عندما تُحبّوا خُذوا قراراتِكُم بقلوبكم ولا تبالوا كثيرا بالعقل . فَجُلُّ العقولِ تُجارُ مصالحٍ مادّية . فكروا بهدوء قبل الحب . فإن جاء ، أقبِلوا بكلِّ ما فيكم منْ جنونٍ حَنون . فهو صدقةٌ جاريةٌ ، أدّوها أكثرَ مِما ينبغي ، وفوق ما تَحتملون .
قالت وهي تدور حول نفسها واقفة : كيف نفكك أبجدياته ؟
قلت : الحب قبائل وعشائر ، له أبجديات منطوقة متناسلة ومتشظية . تلد كلٌّ منها أشباهها. لا تخبئوا الكلام عن المشاعر ، قولوها باي لهجة ، ولو لَمْسا أو إشارة كالعُميِ أو كالخُرس ، فلن يرِثَها بعدَكم أحد ولا يَصح عليها وقف . ولا تؤجّلوا رسائلكم فقد تتغيرُ العناوين .
ولكن ، تذكّروا أن مئات الكلمات وأفصحها ، لن تُجيدَ وحدها صياغة مشاعر القلب ولهفته . الحب الذي لا يأخذكم إلى جنونٍ لمْ تَعهدوه مِن قبل ، إستقيلوا منه ، فهو أبكمٌ لا يَحكي وإن نَطَق أو تأتأ . إستقيموا واعتدلوا في كلّ شيءٍ إلا في الحبِّ ، فتمادوا .
قالت وقد عادت الى مجلسها : ولكنَّ العقل والقلب متشاكسان .
قلت : هنا ، لا تسألوا مُجربا ولا خبيرا ، إعتصموا بما أوتِيتُم منْ حِكمةٍ فِطرية وبِما اكتسبتُم من مهاراتٍ مُستدامة ، لتُنْصِتوا لهما معا . لا تَخشوا منَ الخطأ . عِيشوا بِهما بلا مُحقِّقين ، وبلا قضاة أو وعَّاظ أو سجّانين . فالحب إن مسَّ قلوباً ألهمها نورها وتقواها ، وأوْقَدَ نارَها وهَداها .
قالت وهي تقف قبالتي : ولكن ، وقد تأتي أيام يكون التنفس فيها بحبٍّ بطولةٌ بحدِّ ذاتِها . يا شيخنا ، ما العمل إنِ احترقَ شيءٌ في القلب وتباعدت الطرق أو خانَ الشراعُ ؟!
ساعتَها ، حاصرتُ خدِّيَ الأيمن بأصابع يدي ، وقلتُ وأنا أحاول الوقوف : هيا بنا يا سيدتي ، ولندع جوابي حكايةَ العشوائية القادمة ان شاء الله .
( ملحوظة : لوحة النص للصديقة الفنانة التشكيلية شروق العبكي ).
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف