الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

السِّنفاجُ القيرواني بقلم: صلاح بوزيّان

تاريخ النشر : 2019-10-17
السِّنفاجُ القيرواني بقلم: صلاح بوزيّان
السِّنفاجُ القيرواني

قصّة قصيرة بقلم الكاتب الأستاذ : صلاح بوزيّان / تونس

نعم أذكُر ذلك المشهد ، لقد عادت أمّي إلى البيت ، كانت تجمعُ الحطبَ ، كدّسته كومًا ووضعت تحته القشّ وأوراق يابسة ، ثمّ دخلت إلى المطبخ ، أخذت علبة الكبريت ، وعادت خلف البيت ، لا حقتها وبقيتُ أنظرُ إلى السّماء ، أوقدت النّار وبقيت تعالجُ الأعواد . لحظات الغروب ممتعة ، ودفء بيتنا روعة ، أنا سعيد بين إخوتي وأبي وأمّي ، أعدّت أمّي كلّ شيء بينما كنتُ مستلقيا على جلد خروف قربها ، ألعب بسيّارة وأتأمّل السّماء و جبل وِسْلاَتْ والأشجار ، كلّ شيء هادئ ، الطّيور كَنَّتْ في أوكارها ، وأبي توضّأ و أعدّ السجادة وبقي يحوقل ويسترجعُ وهو يبتسم لي . كنتُ متشوّقًا إلى رغيف ساخن من يد أمّي . نضجُ الخبز فناولتني أمّي رغيفا سخونا ، فسحبتُ صحن الزّيت و طفقت أغمّس وآكل ، حدث ذلك دائما ، كانت الحياة حُلوة جدًّا ، وكنتُ أهشّ بعصا جدّي على الخرفان و البقرة والعنزة المشاكسة ، كانت الحركة في بيتنا لا تهدأ ، ولكنّها كانت ثمّة سعادة لا توصف ، والآن هيهات تبدّلت الدّنيا بأسرها ، وها أنّني بعد هذه السنين الطويلة قد انزويتُ بهم في بيتي ، يرافقونني إلى الشغل ، ويركبون معي السّيارة ، كانت بالأمس البعيد عربة يجرّها حصان جدّي . صرتُ أجلسُ في مقهى طقطق بباب الجلاّدين في مدينة القيروان بعد أن غادرتُ ريف قرية الوسلاتية ، وأصبحتُ أدرّسُ في الجامعة ، تغيّر كلّ شيء بعد الحروب العالمية والحروب الباردة ، وتفتّت الميراث ، و استملك أرضنا ناس أغراب . هاهي السّوق العتيقة ممتدّة في جلبة ، وسوق الزّرابي تعجُّ بالوافدين و التُجّار ، ها هو التيجاني ، تاجر قيرواني آته الله سعة من المال ، أزهى من طاوس ، يُناقش  آخر زاده الله بسطة في العلم ، وقور حسنُ السّمت و لا يغضبُ ، كانا جالسين على دكّة أمام المتجر ،  بائعات يمسكن بزرابي و مراقيم صوفية ، لم يتغيّر شيء . خرجتُ من بيتي وهُمْ معي في الرّوح ، ذهبتُ إلى دكّان السّنفاج العزعوزي ، كان مكتظّا ، أهل المدينة يعشقون السّفنج و البيض العربي ، أكياس الدّقيق و الملح و مواعين في الرّكن ، العزعوزي يرتدي منديلا أبيض ، منشرحٌ يستقبل زبائنه بابتسامة عريضة ، يتربّعُ على دكّة أمام المقلاة ،  يكوّرُ العجين كرة إثر كرة ، يفتح الواحدة بخنصره في الوسط ، ثمّ يلقيها في الزّيت الحامي  فترتفع التّشتشة ، ويلاحقها بالسّفود ، يقلّبها يمنة ويسرة حتّى تنضج ، ثمّ يخرجها صفراء ، ويعيد الكَرَّة مع كرة عجينة أخرى  وكانت عيون الزّبائن زائغة ، و أفواههم تتشهّى السّفنج و الفطائر ، وقفتُ أشاهد كلاما كُتب على رخامة ، دخلتُ في الرُّخامة  ما هذا ؟ :{ واعلم أنّ الأيّام دُولة بين النّاس ، وإيّاك و قهرُ الخَلْقِ ، فالظّلمُ ظُلمات ، وعاشر بالمعروف ، و أحْسِنْ فالإحسانُ ربحٌ و هناءُ معاشٍ ، ولا تغرّنك الحياة الدّنيا و زينتها ، و ترفّق بهذا الدّكان ، فقد ورثناه عن الأجداد ، وفيه سرّ من الأسرار ، لا تغشّ و لا تأكل مال اليتيم و الأرملة ، ولا تنهر المسكين ، وتلطّفْ بكبار السنّ ، و اتّق الله في الأمور كلّها } وشيئا فشيئا تحوّلت الرّخامة إلى بستان ورد ، واختفى الدّكان و الزّبائن و السّفنج و الجدران ، وانبسطت الأرض ، تغيّر الهواء ، وانبثق نور شفّاف اخترق المدينة . وضعت الحرب أوزارها . و رأيت أقواما تردّ الحاجات إلى أهلها و تتوارى بعيدا . و تَحَوَّلَ دكّان السّنفاج إلى نبع ماء ، آوت إليه الطّيور الجريحة  ترتوي وتضمّدُ جراحها . صارت المدينة شديدة البياض ، تلفّعتْ بنور سماوي مبهر ، وعمّ الهدوء . انتبهتُ فوجدتني قد أكلتُ السّفنج مرّات ومرّات و أنا شارد الذّهن ألاحقُ بريقُ النّور .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف