الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قطارٌ بقلم: صلاح بوزيّان

تاريخ النشر : 2019-10-10
قطارٌ بقلم: صلاح بوزيّان
قطارٌ

كان القطار يلتهم كلّ شيء ، الذكريات ، صور الأصدقاء ، الأشواق ، وأشياء أخرى لا تحتملُ الوصف تغيب وتعود ، تختفي و تصعدُ في العربات و كأنّها تقول لي :{ القطار لا يمحوني } ، كنتُ مرهقًا ، أمضيتُ الصّباح جالسا في مقعد الحافلة خرجنا من باب عليوة باكرا ، عبرنا الحدود ، مررنا بطريق عالية و ممتعة ، النّظر من فوق،  شيء آخر ، الأمر مختلف ، كان الصّيف يرقصُ كما يحلو له على نغمات النّسيم العليل الممزوج برائحة شجر الايكاليبتوس ، ، خامرتني أفكار و تسرّبت إلّي فرحة ، وصلنا عند الساعة الرابعة إلى مدينة عنّابة . كنتُ أتثبّت في الناس ، بدا لي كلّ شيء مختلف ، قاعة المحطّة فسيحة جدا ، المقاعد وثيرة ، المغازات غاية في النظافة و الأناقة ، اشتريتُ شريحة لهاتفي الجوّال ، شغّلتها ، وخرجت من المحطة ، الهواء نقيّ ، و الوجوه طلقة بشوشة ، ولمّا سألت أحد المارّة ابتهج وقال لي :{ تونسي راك بن عمّنا مرحبا ، أرواح نتقهوجو ، ومن بعد روح } فقلت:{ الله يرحم والديك يا بن عمّي ، أنا نحب نسرع ونحجز في القطار} فأردف:{ أوكي أرواح ، شفت هذيك الستاسيون ، روح آقف فيها تو تجي الكار قول للشوفور نزّلني في اللاّقارو أعطيه بياسه بزوج دينار} شكرته وأسرعتُ ، وقفتُ لحظات و الأسئلة تحاصرني ، أقلق أحيانا وأسترجع الهدوء أحيانا أخرى ، جاءت الحافلة نزل ناس ، وصعدتُ ،خاطبتُ الشوفور، الشوفور بشوش قال لي :{ خونا من تونس } فأومأت برأسي ، فقال:{ أقعد حذايانا هنا وين نوصلو للاقار انزّلك ، ارتاح خويا } فابتسمت أحسستُ بالأمان وأدركت أنّني بين أهلي وفي تراب أجدادي ، غمرتني سعادة و بقيتُ مسمّرا في مكاني ، قرأت لافتة ملصقة في قفا كرسي الشوفور:{ بلاغ: ركوب الشيوخ والأطفال في الحافلة مجانا} كانت الكراسي مملوءة ، نسوة وأطفال وشيوخ وأطفال ، كلّ في حاله ، الطرقات فسيحة وحركة المرورة ميسّرة ، و ما إن وصلنا أمام محطّة القطار حتّى أوقف السائق الحافلة وقال لي : { روح في أمان الله هذيك لاقار } نزلت من الحافلة ، دخلت المحطة و استخبرت عن موعد القطار وحجزتُ مقعدا ، ثمّ خرجتُ إلى الساحة المجاورة ، كانت ثمّة دكاكين و مغازات وسيّارات أجرة ينادي أصحابها { تونس ، تونس } اطمأننتُ بعد أن أجريتُ مكالمة مع سي كمال ، فأخبرني أنّه سيلاقيني غدا صباحا في محطة الجزائر ، لأنّ الرّحلة إلى الجزائر تستمرّ ليلة كاملة داخل القطار ، ونصحني أن أحجز غرفة فردية فيها سرير لأنام وأستريح ، ولكنّني فعلتُ ، عندي خبرة في السّفر بالقطار ، ولكنّ القطارات الثلاثة التي سافرتُ فيها تتشابه في توقيت الرحلة اثنا عشرة ساعة ، وتتشارك في البطء و اهتراء العربات و ضخامة صوت الزمّارة ، قطار صفاقس إلى تونس العاصمة ، وقطار الرّباط إلى وجدة ، وقطار عنّابة إلى الجزائر العاصمة ، وحدة عربية حميميّة قطاريّة، جعتُ ، لابدّ أن آكل ، دخلتُ محلّ حلويات ، اشتريتُ الكيك و اليوغرت و البسكويت و علب العصير، و أكلتُ قطعة مرطّبات ، ثمن الطّعام زهيد ، كُلْ ما شئت وادفع ما تستطيع ، خرجتُ وبقيتُ أجوب السّاحة أنثر الوقت وأدعوه ليمرّ بسرعة فأركب القطار وأمضي إلى العاصمة ،رغم أنّني ابتهجتُ بعنّابة و كنتُ أوزّع نظراتي بين النّاس ، النّاس طباعهم مثل وجوههم الحسنة البشوشة ، ما أروع الشوارع  الفسيحة ، روائح العطور تنبعثُ من كلّ مكان ، جاءت السّاعة السابعة ، أسرعتُ إلى المحطّة ، استظهرتُ بالتذكرة وتوجّهتُ إلى العربة ، دخلت العربة و جلستُ على مقعد مريح ، بدأ المسافرون يتوافدون ، و انهالت الحقائب و القفاف على حافظ الأحمال تثقله ، القطار نظيف و محروس ، اشتغل المحرّك على حين غفلة . المسافرون يتكاثرون ، بنتُ تخاطبُ والدها :{ ايجا منّا يا بابا } إنّهما تونسيان . خاطبته :{ مساء الخير خويا } فرد :{مرحبا ، أنت ماشي للجزاير العاصمة } ـ { نعم } ـ { هانا مع بعضنا نتونسو} فشكرته ـ{ شكرا لك ، ومتى يصل القطار إلى محطة العاصمة ؟ } ـ { غدا السابعة صباحا ، يبدو أنّك أوّل مرّة تأتي إلى الجزاير بالقطار ؟ } ـ{ نعم } تبسّم وانغمس ستحدّث مع ابنته . و انشغلتُ بالهاتف . انطلق القطار و دوّت زمّارته فأرعبتني . تركنا عنّابة و بدأت البنايات تتوارى ، و تظهر الأشجار وتتوارى و تبرز البلدات والمدائن و القرى و التقاطعات ، و الزّمرات ما تنفكّ ترعبني بين الفينة والأخرى ، عند اليقظة والمنام . و أتى رجال الدرك الوطني واخترقوا العربات بأحذيتهم السوداء اللّماعة و الرّشاشات على أكتافهم وهم يحملقون في المسافرين و في الحقائب والأمتعة وأسفل المقاعد ، و يزجرون الشبّان المشاغبين ، ويلزمونهم باحترام نظام السّفر و الهدوء . نسيتُ نفسي بين أحضان هذا العالم المختلف . و رأيتُ القطار يخرج السّكة إلى سكّة أخرى ، القطار يسرعُ ، يطيرُ في الفضاء الفسيح و يدخلُ دار عمّي ، يا إلهي لم يهدّم الجدران و لم يطلق زمّاراته المتتالية ، اعترضني ابن عمّي كمال و عانقني مُرحّبا ، أنهكني السّفر ، فألقيتُ بجسدي على كنبة قاعة الجلوس و نمتُ ، و فجأة أفقتُ على صوت مراقب القطار:{ صباح الخير يا الخو رانا وصلنا للجزائر العاصمة هيّا انزل } ففركتُ عينيّن و أخذتُ أمتعتي ونزلتُ  ، كانت المحطّة فسيحة ورائعة ، هاتفتُ ابن عمّي وبقيتُ أنتظر قدومه في المقهى المجاور 
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف