الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كفاف البوح هاني أبو انعيم بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-10-02
كفاف البوح هاني أبو انعيم بقلم: رائد الحواري
كفاف البوح
هاني أبو انعيم
جميل أن نجد أدبيات تواكب العصر، والأجمل عندما نستمتع بها وتستوقفنا متأملين بطريقة تقديمها، فرغم حجم القصة القصير جدا، إلا أنها مشوقة، وهذا يعود إلى تأخير الخبر، تفاصيل الحدث، الذي أتقن وضعه القاص، وهنا يكمن الابداع، فهل يمكن لثلاثة سطور أو أربعة ـ كحد أقصى ـ، أن تثير المتلقي وتدهشه؟، اعتقد عندما يتقن الكاتب فن الكتابة بالتأكيد فهو قادر على إحداث الدهشة، وهذا ما تميز به الكاتب "هاني أبو انعيم".
هذه المجموعة الثانية من قصص الومضة للروائي والأديب هاني أبو انعيم، فبعد "وخزات نازفة" بقدم لنا "كفاف البوح" فبدا متمرس في فن الكتاب، والكتابة العصرية التي تنسجم مع عصر السرعة وعالم الفضاء المفتوح، ، يقول في قصة "مؤشر"
"تحرص على حضور دروس الدين بين الفينة والأخرى، استأذنت زوجها بأن تلتقي الشيخة في بيتها، انزوتا في صالة جانبية، طرق سائق اجرة الباب وحذره، من منقبة دخلت البناية، بان على رسغها، عندما دفعت له الأجرة بصمت، شعر كثيف" ص21، القصة عادية، لكن تأخير الخبر المدهش إلى آخر كلمة في القصة هو المثير، والجميل أن القاص لم يفصل لنا تفاصيل العلاقة بين الزوجة و(الشيخة)، فهل هي متآمرة معها ام مخدوعة بها؟، لكن بالتأكيد هي قصة مثيرة وممتعة، وتجعل المتلقي يتابع بشغف دخول سائق الاجرة الذي كشف زيف الشيخة.
وجاء في قصة "شباك":
"لدى ظهور أول قصائدها في الملحق الثقافي، تدافع الهوة والمحترفين على زوايا الصحف لفك طلاسمها الواهية، بالوخز على كلمة يسوق هذا الألمعي حضوره، وعلى ثياب لا ترتديها، يدلق آخر عطوره، تداعوا للاحتفاء بولادة مبدعة، أشاحوا أمام باب المسرح وجوههم، عندما اقتربت، تدفع مقعدها المتحرك" ص25، الجميل في تركيبة القصة أن هناك تفاصيل كثيرة متعلقة بالمحتفيين بالكاتبة، لكن انتكاستهم وتراجعهم جاء من خلال سطر واحد فقط، فعدد السطور والتفاصيل متناسبة مع رغبة المحتفيين، وهذا يتناسب مع الحدث ـ اللقاء بها ـ لكن تراجعهم جاء سريعا، وبسطو واحد فقط، وقدم بصورة خاطفة تتماثل مع حركتهم إلى الخلف، والتشويق جاء من خلال اعطاءنا سبب هذا التراجع "تدفع مقعدها المتحرك" فمثل هذا التركيب للقصة هو الجميل، وهو ما يجعل القارئ يشعر أنه أمام كاتب متمرس يتقن فن الكتابة.
هذا على صعيد فنية وطريقة تقديم القصة، أما إذا أخذنا الفكرة التي تعري (المثقفين) فهذا يضيف جمالية أخرى تحسب للقاص وللقصة.
القاص يركز على فضح وكشف الزيف الاجتماعي، بصرف النظر عن الطبقة/الفئة، فهو يعري ويكشف عيوب المجتمع، لكنه لا يركز على الفكرة فقط، بل يقدمها بطريقة أدبية ممتعة، يقول في قصة "غطاء":
"عقود من العوام في برك الثراء، عصف الكساد وجفف الفقر منابعها، لاحت لها فجأة عينه المعتمة" ص37، قصة من ثلاثة مقاطع، في كل مقع خمس كلمات، في الخمسة الأولى يتناول الوضع (الطبيعي)، في الخمسة الثانية يتناول (حالة طارئة/استثنائية) لكنها عصفت بكل الرفاهية السابقة رغم طول فترتها (عقود)، وفي الخمسة الثالثة نجد حقيقة (الزوجة والزوج) فهو أعور، وهي لا ترى أو تبصر، لأنها لم تعرف "عوره" إلا بعد أن جاء "الفقر" أو أنها ترى وتبصر، لكن المال جعلها (عوراء) وفي كلتا الحالتين كان زواج مصالح، زواج مبني على المال وليس على الحب والتعاون ومواجهة الازمات.
فتقسيم القصة إلى مقاطع متساوية بعدد الكلمات وتقديم فكرة بهذا الحجم يمثل تألق وقدرة القاص على بناء القصة بطريقة فنية جميلة، تمتع القارئ قبل ان تدهشه الفكرة.
وما يحسب لهذه المجموعة ان القصص فيها متتابعة ومتصلة، ففي قصة "زرع" قال:
"بعد انجلاء الموقعة لم يعثر أحد على جثته .. مع حلول الربيع، رأى السيارة في الأرض البور، نبتة زيتون تشق التراب قال المجبر: ساقه الخشبية ما زالت حيه" ص43، قصة قدمت بطريقة الفانتازيا، ونجد الرمز فيها من خلال "نبتة زيتون تشق التراب" والبعد الاسطوري عودة "البعل/تموز" بعد الموت، كل هذا يحسب على شكل تقديم القصة، فهي قصة خصب، والكلمات التي استخدمها القاص تخدم فكرة البياض والاخضرار: "الربيع، الأرض، نبتة، زيتون، تشق، حية" وأيضا نجد فكرة الموت/القحط: "جثته، البور، الخشبية" كل هذا يتوافق ويخدم فكرة الصراع بين بعل/الخصب ويم/الموت، لكن القاص يركز على المعركة والجرحى في الحرب.
وجاء في قصة "تول" التي تليها:
"تدافع الناس للقائه، والكل يمني النفس بأن يصافحه، اقترب رجل على عكازته من بينهم .. همس في أذنه: تستحق ما أنت فيه، فقد كنت أنا في مقدمة الزحف، وأنت في آخر الركب... أقربنا إلى الديار." ص45، الحديث أيضا متعلق برجل يمشي على عكازة، أي أنه مكسور كحال بطل القصة السابقة، لكن القاص يستخدم عين الأسلوب الذي استخدمه في المجموعة، تأخير الخبر/التفاصيل حتى نهاية القصة، التي تبين أن هذا الرجل المُزار والمهم ما هو إلا متأخر/متخاذل في المعركة، والجميل في طريقة تقديم الخبر أنه جاء بشكل ساخر، وهذا يخفف من حدة الألم التي يتعرض لها القارئ، بعد أن يجد هذا الغبن للزوار .
في قصة "استرخاء" يتابع القاص نهج تأخير الخبر ليدهشنا اكثر:
"في صالة الأفراح، الرجال في قاعة، والنساء في الأخرى، السفرجي يوزع الحلوى على الضيوف، استوقفه أحدهم، وطلب منه أن يوصل زوجته معلومة عاجلة، بدأ بوصف لباسها لون الحجاب، قاطعه قائلا: جميعهن سافرات" ص73، إذا توقفنا عند الحدث "حفلة" سنجده عادي، حدث طبيعي ومتداول، وقد (أسهب) القاص في الحديث عنه، لكنه يقطعه فجأة، وبطريقة سريعة وخاطفة، من خلال قول السفرجي: "جميعهن سافرات" وكأن البناء الطويل والكلام (المحتشم) يتم هدمه بسرعة، لأنه بناء غير محكم، بناء يعتمد على الشكل وليس على الجوهر، لهذا تم هدمه وبسرعة ودون معاناة.
وفي قصة "حسم" هناك تناقض في تعامل النظام الرسمي لعربي مع المواطنين:
"مثلا امام رئيس اللجنة الانتخابية، قال احدهم، أنا لست من هنا، وأريد أن انتخب، رد بأدب بأن القانون لا يجيز، تقدم الثاني قائلا، وأنا أيضا غريب أيضا، أتيت لأجدد البيعة للسيد الرئيس، رحب به وقال، تفضل، فكلنا عرب" ص91، أيضا نجد بناء القصة تم بصورة طبيعية، والفكرة عادية، حتى يظهر لنا في الآخر أن هناك ازدواجية المعايير، فمواطن الأول تم تطبيق القانون عليه، وهذا جيد، لكن الثاني لم يطبق عليه القانون، وتم تجاوز القانون، فكان هذا التجاوز للقانون مزعج للشخص الأول الذي وجد التفرقة في تعامل النظام معه ومع زميله، كما تأذى المتلقي للقصة أيضا بهذا التجاوز، تأذى من موقف رجال النظام ومن موقف الرجل الذي يركض خلف المُراءة.
وجاء في قصة "رافعة":
"أنقذهم من الغرق واحدا تلو الآخر، ووضعهم على ظهر السفينة، جاء دوره.. قواه خارت .. تشبث بيديه المنهكتين بدفتها، وهم منهمكون في تبادل التهاني" ص95، الدهشة جاءت في نهاية القصة، عندما وصفهم القاص يتبادلون التهاني ورجلهم الذي نقذهم تنهار قوه ولم يأبه به أحد من الذين أنقذهم، وما يلفت النظر في هذه القصة الألفاظ المستخدمة، ففي البداية استخدم القاص: "أنقذهم، من الغرق، واحد تلو الآخر، وضعهم على ظهر السفينة" فهذه المشاهد تبين ان هناك قوة جسدية وإخلاص في تقديم المساعدة للآخرين، لكن هم الذين تم انقاذهم قدموا بهذه ألفاظ: "منهمكون تبدل التهاني" فالألفاظ بشكلها المجرد تخدم فكرة التناقض بين المنقذ ومن انقذهم، وهذا االبناء اللفظي بحد ذاته يمثل تألق وقدرة القاص على استخدام لفظ/كلمات تخدم فكرة القصة، أضافة إلى المعنى العام الذي تحمله القصة.
دهشة الفكرة والفعل تأتي في قصة "أجيال":
"الزنزانة التي يقضي المحكوم، ليلته الأخيرة فيها تمهيد لإعدامه، دون كل من دخلها على الحائط اسمه كاملا، إلا هذا الاسير، تأنى في قراءتها، ووضع أمام أحدها، اسمه الأول فقط" ص97، (سرد) عادي وطبيعي، لكن النهاية جاءت صادمة، فالأسير، المحكوم بالإعدام أقدم على اقتراف (جريمة) جديدة، متحديا الحاكم/الاحتلال مبدي ارتباطه وتعلقه وتوحده مع من سبقوه، وهنا يكون القاص قدم فكرة وحدث مدهش، متعاكس تماما مع (سلاسة) الحدث/الخبر الذي بدأ به القصة.
في جميع القصص استخدم القاص صيغة القاص، فهو يتحدث عن الآخرين، إلا في قصة "استكانة" استخدم صيغة أنا المتكلم، أنا القاص، ورغم أن العيد من الكتاب عندما يريدون أن يناولوا موضوع قاسي يستخدمون صيغة الغائب، إلا أن "هاني أبو انعيم" قلب هذه المعادلة، واستخدم أنا القاص في قصة تصل إلى حالة القنوط المطلق، اعقد أن هذا الأمر له علاقة بحجم الضغط الذي يمر به القاص، وأيضا له علاقة بالواقع العربي البائس، جاء في قصة "استكانة":
"رسمها على الرمل بإصبعه، وتوعدني، بأن خروجي من الدائرة سيعجل في مماتي، وقفت متسمرا أجاهد في كتم ارتجافي، قهرني الإعياء .. سقطت خارجها .. شج رأسي وقواي خائرة، تلفتت حولي مذعورا خشية أن يراني .. نهضت، وعدت إلى مكاني مغتبطا" ص117، عدد الكلمات المتعلقة بالآخر قليلة ـ أربع كلمات ـ كما أن فعله بسيط جدا "بإصبعه" ومكان الرسم "على الرمال"، كل هذا يؤكد على هشاشة الفعل وسهولته وبساطة الفاعل، وحتى تفاهة الفعل، لكن تلقاه القاص على أنه فعل سماوي/رباني لا يمكن المساس به أو تجاوزه، لهذا نشده متشبث به، ويحافظ عليه فبدت الدائرة وكأنها مكان مقدس، مكان للحياة، وليس مكان للعبودية والخنوع، ورغم أن القصة تراثية وتتعلق بالغزو التتار، إلا أن القاص أعطاها حياة جديدة من خلا تقديمها بصيغة أنا القاص، وهنا يمكن ابداع القص، فقد جدد لنا القصة التراثية وقدمها بصيغة جديدة تجذب القارئ وتمتعه رغم بشاعة فكرتها وقتامة الصورة فيها.
يقمنا القاص من جديد إلى تأخير الخبر/تفاصيل الحدث في قصة " عقوق":
"أصر المسؤول على تجاهلها، تنصل من كل صلة فيها، فند ما روته من أحداث، طفح بها الكيل، وقالت: ويحك، أنا أمك" ص125، كل الكلام الذي سبق "أنا أمك" أخذنا إلى فكرة مواجهة/نزاع بين مسؤول وامرأة، لكن بشاعة وقذارة المسؤول جاءت في نهاية القصة، كما أنها تحمل حجم المعاناة التي تتعرض لا المرأة/الأم، وهذا الشكل هو أحد المميزات التي تميز مجموعة "كفاف البوح".
المجموعة من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، فضاءات للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2018.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف