الأخبار
سيناتور أمريكي: المشاركون بمنع وصول المساعدات لغزة ينتهكون القانون الدوليالدفاع المدني بغزة: الاحتلال ينسف منازل سكنية بمحيط مستشفى الشفاء38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ليلى الطرش تكمل راعيتها الفلسطيني بقلم:السيد الهبيان

تاريخ النشر : 2019-09-16
ليلى الطرش تكمل راعيتها الفلسطيني بقلم:السيد الهبيان
ليلى الأطرش تكمل رباعيتها الفلسطيني ب
ترانيم الغواية
في كتابها "الحياة في بيوت فلسطين"عرضت السيد الانجليزية"مارى اليزا روجز" ماعايشته وشاهدته في حياة المجتمع الفلسطينى..الذى تنقلت في معظم مناطقه..خلال فترة أربع سنوات..من 1855 إلى 1859..التى قضتها في "حيفا" مع شقيقها ..بعد أن تم تعيينه بها نائيا للقنصل الريطانى ..فى فترة تفشى فيها الجهل والمرض..وفساد مؤسسات الدولة العثمانية.. والمدن التى غيبتها السياسة الإسرائيلية..لطمس ذاكرتها الفلسطينية..ويحتسب هذا الكتاب مشاهدات حية لواقع بكل مافيه..دونتها كانبته بدافع شخصى..لتسجيل ماعرفته..من أحداث ووقائع تاريخية..مما ينفى عنه وصفه كرواية..رغم أن شكله يوحى بذلك.
طفا هذا الكتاب على سطح ذاكرتى..بعد أن قرات رواية"ترانيم الغواية" للكاتبة الفلسطسنية الأردنية"ليلى الأطرش"..التى نالت عنها جائزة الدولة التقديريةالفلسطينية..وجاء في تقرير اللجنة.. أنها"تتيح من منظور أدبى إمكانية الإطلالة على حزء هام من تاريخ القدس..وواقعه الحيوى في بتاء روائى محكم..وشخصيات ذات بعد نفسانى نابض بالحياة..بلغة تحمل الكثير من عنصر المجاز والبلاغة المميزة..مستندة إلى عناصر من التاريخ القريب والبعيد"..وتعد هذه الرواية هى الثامنة من حيث إصداراتها الروائية.. التى تم ترجمة بعضها لعدة لغات.. ونالت عنها جائزة الدولة التقدرية الأردنية.. وغيرها من الجوائز..كما حظيت بالإشادة من مختلف الفاعليات الأدبية..التى شاركت فيها.. وبصدور هذه الرواية عام 2014 أتمت "ليلى الأطرش" رباعيتها الفلسطينية..التى بدأتها برواية"وتشرق غربا" 1987 ثم رواية "امرأة الفصول الخمسة"1990وبعدهما رواية "رغبات ذلك الخريف"2010..تناولت من خلالها تاريخ القدس.. بعد أن وقعت حسب قولها أسيرة إغواء ألتاريخ.. فاهتمت بالاطلاع على كل ماطتب عن القدس..المدون في الكثير من المراجع التاريخية..والمذكرات الشخصية..والحياة الاجتماعية..والوثائق العثمانية .. و أوضحت أنها قصدت بالغواية..غواية السلطة والنزاع عليها..وتحالف الحكام مع دول أعداء..وإغواء بعضهم بالفاتنــات..وأن غواية الحب والشهوة بين رجال الدين..لا تبدو فى الرواية توصيفا لحالة خاصة.. لأنها تقــدم المعرفة وتكشف المسكوت عنه..كما أن الرواية تعرض للواقع الدينى لمدينة "القدس".. التى لاتقول لأحــد لا..فللغرباء مكانا فيها..وبها أديرة وحارات للجميع..وجامعة بين الإســـــلام والمسيحيـــــة واليهودية.. وكل من يعيش فيها يعتقد ان الله يحميه فيبقى..فيها رب الملل الثلاث..قاسية على أهلها..وعائلاتها.. منذورة لله..أنوار أنبيائها تشع السماء..وسواد ليلها غواية ورغبات دفينة..وفى عيون قاصديها نرانيم وصلاة وسجود..ومهوى فؤاد المبعد منهم قسرا أو اختيارا.. كما زارت القــدس ثلاث مرات.. لرؤية الأماكن التي تغيّرت فيها..وقامت أيضًا بعدة رحلاتٍ إلى أوروبا للاطلاع على عددٍ من الوثائق.. ثم كتبت الرواية دون أيدولوجية مسبقة..فى ثلاث سنوات..مؤكدة أنه" ليس سهلا أن تقاوم إغواء التاريخ..وأنت تكتب رواية عاش أبطالها في زمن مضى..وأبدت أن مشروعها الروائي..هو الهم الوطني العربي عامة.. والفلسطيني خاصة.

افتقدت ثمة مقارنة بين كتاب"مارى روجز" والرواية..بحسبان أن الكاتبة الإنجليزية تحتسب شاهد رؤيا..بينما الرواية انبنت على اطلاعات وثائقية..وأقوال مؤرخين..ومشاهدات حديثة..ولا يعيبها هذا..لأنها في الأخير يستخدم الخيال لخدمة المضمون..لكن الكتاب والرواية جمعتهما بوتقة واحدة..لكونهما يعرضان لحياة الفلسطينيين في ظل الاحتلال الأجنبى..دون أن ينفى عن الرواية كونها رافد أدبى.
استبقت"ليلى الأطرش" أحداث روايتها بكلمات ارتأت أنها تعبر عن مضمونها.. "ومن هو ضعيف فى الإيمان فاقبلوه..لا لمحاكمة الأفكار"..وأنهتها بهوامش تفسر بعض ماجاء بها..من شخصيات وتواريخ حقيقية..وبين البداية والنهاية نسجت فصولها التسع والعشرين بسميات مختلفةـ مدينة الملك العظيم ــ حوش ابو نجمة ــ كاسات الهوى ــ صفقة البرتقال ــ إبن العم ينزل عن الفرس ــ العشق الحرام ــ الحاكم بامر الله ــ مسيا المنتظر ــ عام الجراد ــ الآباء يأكلون الحصرم ــ سانتياغو ــ مكتبة الاسرار ــ مدينة القسوة ــ قصة عادية ــ العشق المحرم ــ بنت اليهودية ــ ندى بنت حبيب ــ قيس ويمن ــ باب الهوى ــ شعرات الرسول ــ شمشون ودليلة ــ خصام الكفرــ حياة ثانيةــ وسبعة فصول من أوراق "الخورى مترى الحداد"..وتنوعت هذه الأسماء..بين مدن وأماكن ..وشخصيات معروفة..وقصص حب قديمة..وأوضحت أنها "وقفت على مسافة واحدة من أبطال روايتها وهم كثر..ومن سيرة المدينة المقدسة ..بحسبان أن "إغواء التاريخ الموثق مما لم يكتب أو يصرح به..يحتاج إلى الحياد وإلا سطا التاريخ على فنية الرواية".. ومن ثم كان تنوع شخصياتها..التى أبدتها تباعا.. وحملتها عبء رواية ليس من السهل كتابتها كما تقول.. واستكمالا للتأريخ الاجتماعيّ لفلسطين.. في مرحلة لم أقترب منها.. من نهاية القرن التاسع عشر وحتى ما قبل الانتفاضة الأولى..وارتأت أن تقدمها في شكل فيلم سينمائى.. عرضت من خلاله لمجموعة من الشخصيات:

"راوية بنت عيسى".. صحفية..عازبة,,تخطت الأربعين من عمرها,,لهاثها خلف حلمها الأكبر فى انتاج فيلم عن القدس..اضاع عليها فرص حب واعدة..عاشقة للحكايا تمارس لعبة الخلق من سطور الآخرين.. تتخيل الشخصيات وتتقمصها,, لكن انتباه النقاد إلى أعمالها ظل دون طموحها,,فقررت تحقيق حلما راودها..بإنتاج فيلما عن القدس..وضعت له تصورا "يوقظ بشر المدينة من عباءة التاريخ"..تحصل به على جائزة عالمية,,ويتم الاعتراف بمسيرتها الصحفية,, وتحاول أن تعود بأوراق "الويركو"(صك الملكية فى القانون العثمانى).. التى تثبت بأن المرج فى عين كارم..كانت إرثا لعائلة"أبو نجمة"..قبل أن يصادرها متصرف سنجق..(الحاكم العثمانى)..قبل أن تسجيلها "وقف ثم تنازل عنه الأجداد تهربا من الضرائب.. يتوارثه الخلف من السلف..واذا انقرضت العائلة..يعود إلى الكنيسة..فتحقق حلم عائلتها.. رغم أنها تعرف أن مهمتها مستحيلة..بسبب واقع البلاد..التى غادرتها منذ سنوات..وعندما عادت إليها..اتستيقظت لديها ذكريات"طفولة غارت فى الزمان"..تزامنت مع بدء تصوير فيلمها ..الذى رتبت له مع شركة إنتاج..واستأجرت كاميرا..وفريق عمل..واستخرجت التصاريح اللازمة للتصوير..وقامت بتحضير لقاءات مع مؤرخين وباحثين..ثم وجدت أن وسيلتها الوحيدة لدخول القدس.. طلب زيارة العمة"ميلادة أبو نجمة".. التى لم تكن شقيقة لأبيها.وتحتسب جدة لكل أفراد العائلة..لكن السلطات الإسرائيلية رفضت طلبها..فتوسطت لها البطريركية الأرثوذكسية..بادعاء أن عمتها مريضة وتعانى من النسيان..وفى حاجة إلى قريب يدبر مابقى من حياتها"..فسمحوا لها بالبقاء شهرا.. فتحملت صعاب الطريق من بهدلة الجسور والتدقيق والمساءلة,, حتى وصلت إليها.
بدا لها أن العمة"حاضرها ينساب إلى ظلمة نسيانها"..لكنها لو تكلمت "ستعود بحكايا لايعرفها غيرها"..تستخرجها من ذاكرة امراة تراوح الثمانين من عمرها.. وتتوهج ذاكرتها الحية بالتفاصيل إلى حد الإدهاش.. رغم طول عمرها.. لكنها تقول ماتريد وما تسمح للآخرين أن يعرفوه..و شغل مشروع الزيارة العائلة .. القاصى منها والدانى وربط المقيم والمهاجر وأعاد صلات أضاعها الشتات.

نزلت من سيارة استأجرتها.. فى ساحة غاصة بالسياح والعسكر.."فبدا التاريخ يفرض حضوره الطاغى على مدن ولدت معه"..فى سنوات مضت..وحال عنوانه المأساة..لم ينل من كون القدس"مدينة الأديان والأدراج والأقواس"..ترددت وهى تقترب من دارالعائلة.. بدت فى سباق مع النسيان على ذاكرة امرأة..يفصل بينهما"البعد والاغتراب وأوضاع المدينة.. عندما رأتها بدت لها تدخل كهولتها..عانقتها بجسها النحيل..لكن طال وقوفها بالباب دون أن تدعوها لدخول الدار التى تغيرت عن ماكانت عليه فى ذاكرة الطفولة..وقبل أن يداهم جيش الاحتلال القدس..ولم تبتسم لرؤيتها..ثم سمحت لها بالدخول بعد اعتذارها لها عن ازعاجها..وتركتها تشاهد محتويات البيت..و تحكى لها عن الأحداث التى عاصرتها..وعن اسرار عائلتها..وعرضت لها بعض الصور التى تحتفظ بها.."يموت الناس وتبقى صورهم".. وفتحت لها صندوق عرسها الذى يبدو كمفارة على بابا..وحكت لها عن والدها "سالم أبو نجمة"..وأمها"مريم الضاوى"واخويها..ابراهيم وحبيب..وأدخلتها مكتبة إبراهيم..التى كانت تحلم فى طفولتها بأن تراها.. بدت لها الكتب التى دفن عمره فيها..تغطى الجدران إلى السقف..مرصوصة ومصنفة..كأن صاحبها رتبها للتو..رغم أن غبار الزمن وشى بغيابه عنها.. جمع فيها نفائس الكتب..لولعه بالتراث العربى..وفوق المكتب بدت علبة قطيفة زرقاء..بها مصحف بحجم الكف..وتوراة أثرية بعهديها القديم والجديد..نسخت باليد قاومت إهمالها.وفى ادراج مكتبه أوراق العائلة..ومذكرات الخورى مترى الحداد..الذى استأمن عليها العمة التى أحبها..وحكت لها عنه..وعن رجالات ذلك الزمان..الذين رووا سيرهم وأوضاع البلاد..وتجارب الرحيل والمهجر..وأضافت الجدة أنها كانت تنتظر من يأتى إليها ليسمع منها.. وتوهجت ذاكرتها اثناء التحضير للفيلم.. فرحت بعدم اعتراض السلطات على زيارتها.. وصادقت فريق العمل واحتفت به ..بعد أن قام بتصوير صلاة الجمعة فى الاقصى واغلاق البوابات والتدقيق فى اوراق المصلين ومنع الشباب..وشاركت فى اقتراحات حول تصويره.. بأن يكون جزءا منه يروى اعتداء البشر على مدينة السماء..كما بدا فى أوراق شقيقها إبراهيم التى تعزز انتهاك التاريخ.. أو تصور بنتا مع حبيبها وهو يمسك يدها..أو يبدأ الفيلم بمناظر من القدس..وصبيتين فى السوق لاتعرفان بعضهما..يتصادقان..الأولى مسلمة كبرت فى حارتها..والثانية مسيحية كبرت فى عين كارم..أو قصة صبية جميلة زوجها يحبها..لاتنجب ويعايرها الناس بانها لاتحمل..وبأن يكون إعادة إحياء وبناء المدينة روائيا..حفاظا على مكانتها التاريخية والدينية التي تقترب من حد التقديس في الديانتين الإسلامية والمسيحية،.لكن شركة الإنتاج أرادت ان ننتهى منه بسرعة خوفا من الاشكالات مع السلطات الاسرائيلية فتصادر الاشرطة والترخيص وتحاكمهم .. وليس معها ترخيص بالتصوير والحصول على إذن مستحيل..وتضمن الفيلم عرض وثائق كارثية تدين أشهر تلك العائلات وقيادات ما عرف ب "جيش الإنقاذ العربي"..وعائلات باعت الأراضي للوكالة اليهودية..وبعد الانتهاء منه..بحثت عن وسيلة تمكنها من المرور به بلا تفتيش..حتى لاتتم مصادرته..وهى اخف اجراء اسرائيلى..أو تسحب ترخيص الشركة المنتجة..ولم يساعدها إلا "أبو عيسى" جار العمة.. وسائق سيارة المطران ..اكد لها أنها تمر دون تفتيش..فاعطته العنوان..وطمأنها"لايمكن ان تخسرى تعبك كله لكن اريد ان ارى هذا الفيلم" ..ثم أعطتها العمة ملفا به قصة الخورى مترى وابنه..وطلبت منها ان تعملها فيلما لو كانت تصلح..لأن حكايته حكاية القدس كلها..فوعدتها ان فيلمها القدم سيكون عن حياته,,كما طلبت أن تخفى أوراق أبيها عن عائلة ابونجمة..ليظلوا فى بلادهم ولا يهاجروا.."قولى لهم ان ميلادة حرقت الاوراق|..حتى لاينتهى اسم عئلة ابو نجمة ..ويروح منهم بيت الوقف..ثم راففتها الى ساحة عمر بن الخطاب وودعتها....دفنت الصحفية بكائها فى صدرها..وغادرت القدس فى صباح يوم جمعة مبكرا..بدت لها شوارعها خالية متوجسة..وخيالة وعسكر وحواجز تفتيش..سابقت المصلين إلى دروب الأقصى وأبوابه..

"العمة ميلادة أبونجمة ",,بنت سالم ابو نجمة,, تبدل اسمها الى "ميلاده الحنش" بعد ان أشاعت انها قتلت حنشا هاجمها ..لم يصدقها أحد..وسخرت منها النساء..ولدت في حوش ابو تجمة.. في البلدة القديمة.. والقدس تخلع عهدا وتعيش آخر.. وتشابكت فى أيامها خطوط السياسة والدين وتغير المجتمع وتبدل الأحوال والأفكار ونمط الحياة,, ولدت مع الحرب الكونية الأولى.. ولا أحد يعرف عمرها على وجه اليقين..دلالة اسمها اكدت يوم مولدها الذى كان ليلة الميلاد..عندما كانت المناسبت والاحداث والاعياد هى السجل الوحيد للمواليد .. وميلادة يعنى انها رات النور في ليلة الميلاد.. كان يحلو لها ربط سنة مولدها باحداث البلاد الكبرى.. جذابة تتابعها عيون النساء قبل الرجال,,مختلفة عن بنات جيلها,,قوية وكاسرة,, تقول ماتريد بما تسمح للآخرين أن يعرفوا.. تعودت الجلوس على كرسى يلازم بابها..ترمق العابر بعبوس صامت..فيرتد نظره عن خصوصيتها..تؤمن الأمهات بقدرتها على شفاء المرضى..بينما الكبار يتبارون فى السخرية من طقوس علاجها وتقاليدها..لم ترد قاصدا تعرف حاجته ..تختزن ذاكرتها الأحداث التى شهدتها..وتتماثل لها حال وقوعها فى الماضى من السنين التى عاشتها,,فبدت ذاكرتها حبلى بها..كانت على صدر امها يوم أعدم الاتراك خالها لهروبه من الجندية.. سجلت حياة عائلة "سالم ابو نجمة" التى أصابها هوس الهجرة..وحفظتها.. تذهل سامعيها بمعرفة سياسية والمام بالتاريخ وانساب العائلات..طلاوة حديثها اشعلت غيرة النساء منها..لا أحد يعرف عمرها يفينا.. تربت يتيمة الأم مع اخويها في بيت خالها .."يوسف الضاوى".. قبل أن يموت الأب.. تبرمت منهم زوجة خالها وتحملوا شتائمها وتبرمها..لأن الأب المهاجر لم يكن يرسل مايكفى لأكلهم..وبعد ان كانت تخدم ابنها الوحيد "صارت خدامة لثلاثة معه يقاسمونه لقمته"..لكن أنفق على تعليمها حتى اعلى درجة..تزوجت من "عوض "ابن خالها.. كانت موعودة له..وتزوجا صغارا في عرس بسيط..لاتذكر اذا كنت طفلة ام صبية لكنها بلغت قبل العرس بقليل.. وعاملتها امه كخادمة كما كانت تعاملها قبل الزواج..قبل الزواج وبعده..لكن عوض قتلته امه بجهلها.. فترملت "الجدة"قبل العشرين..وعادت الى القدس ارملة شابة..جمع الحب بينها..وبين "الخورى مترى الحداد"..وهو يباشر مراسيم إكليلها مع عوض..لكن ظنت أن الشيطان يريد أن يوقعها في الخطيئة.."خورى وأكبر منك حرام أن تفسرى نظراته بأنه يقوم بواجبه"..هربت من طريقه واختفى بعدها..لكنه بعد سنين اعترف لها كامرأة خاطئة بأنها تعيش في خياله منذ أن رآها..وكان سيترك الكهنوت بعد موت زوجته..لولا مصلحة الكنيسة..وسألها هل تقبل ان كانت تقبل بزواجه..أجابته كيف وأنت أبونا وأرمل..قال ببركة البطريرك..ولن نغضب الله..فقبلت..ومعه كانت تصير طفلة وصبية قديسة وخاطئة..لكن شروط حياتهما الصعبة..حرمتها الفرحة البسيطة.. لم تدخل داره للعزاء في وفاة ابنه ..خوفا من زوجته لتطردها.. وعندما مات وقف يمينه بينها وبين تابوته..وحرمها أن ترتمى فوقه كأرملة..لم تفترب من نعشه..ووقفت فى اخر الكنيسة حتى انتهاء الجنازة دون ان تذرف دمعة..ثم تخطت فجيعتها الى مجاماة الاخرين فى احزانهم..وبقيت شامخة ..رغم أن الزمن ترك اثره على حركتها..

"سالم ابو نجمة"..والد العمة.. تعلم التركية واليونانية والروسية فى مدرسة الروم..ثم ترك المدرسة وغادر البلاد.. وعندما عاد من المهجر تسابقت عائلته على الاحتفاء به.. وتزوج من قريبته "مريم بنت خالد الضاوى" وبعد موتها ارتبط بعلاقة مع فتاة حانة .. عاش معها متعة مسروقة وعشق محرم..شارك فى مشروع سكة حديد يافا القدس بضمان رهنية المرج..واكد للعائلة بان الربح مضمون..لأن رئيس المهندسين شريكه من الباطن..ووعده بارساء العطاء عليه..لكن تغير المشروع وأصيب بكارثة..لم يتحملها..وأصابته بالحسرة حتى الممات..وبعد ان ضيع المرج ادار ظهره للعائلة.

"مريم الضاوى"..والدة العمة.. صبية لماحة علمت نفسها القراءة والكتابة لهجت البلدة من جمالها وحسن معشرها تطوعت مع جمعية تعود المرضى وتجمع التبرعات وترتب الجنازات ورئيسة لفرقة كشافة البنات عندما انتقلت مع زوجها إلى القدس .. انجبت له اولادها الثلاثة ابراعيم وحبيب وميلادة وعندما هاجرة للمرة الثالثة تركها على وعد اللحاق به بغد ان يتدبر اموره وليلة الرحيل اوصاها باولاده الا انها تعرضت لمرض شديد اودى بحياتها وماتت وهى تحلم بالسفر إليه.. وأقيمت لها جنازة لم تشهد القدس مثلها وصلى عليها البطريرك والقى الخورة كلمة عن ورعها وتبرعاتها.

"ابراهيم أبو نجمة"ـ شقيق العمة ــ عمل مع المندوب السامى..كبعض رجال الملاك الذين لهم أصدقاء فى الوكالة اليهودية..تاجر فى اصناف مختلفة وتعلم من الانجليز ان الصفقات السريعة شطارة..تزوج من "المعلمة وردة"بعد أن وجد أنها تناسبه.."متعلمة وترطن لغاة وتعزف بيانو وترقص تانغو"..وستشرفه فى حفلات المندوب السامى..وقفت العمة فى وجهه.."كبيرة ولن تخلف".. عمل لها عرسا لم تشهد القدس مثله.. لم تعجبه دار العيلة..فاشترى أرضا وبنى عليها طابقين..". فعل مثل المقادسة القادرين..الذين هجروا الحارات ..وعمروا قصورا خارج السور.. لكن أخذها يهوديا وزوجته..فمات من الحسرة عليها.

"المعلمة وردة"..جميلة..وحيدة لأب حلف ان تكون احسن من الرجال..وتعوضه عن خلفة الأولاد..فأدخلها المدارس.. واعطاها حريتها..عملت مديرة بالمدارس..ثم مفتشة على عموم فلسطين..ماهرة فى العزف على البيانو..وبعد أن ضاعت البلاد أغلقته ولم تعد إليه..

"حبيب ابو نجمه".. الأخ الأصغر لإبراهيم.. عمل مديرا لمحلات بريطانية..وانتخب رئيس لجنة النشاط الاجتماعى..فى النادى العربى الأرثوذوسكى..أحبه الأعضاء ..لكنه حين تزوج فجأة المفتشة جميلة شحادة..مفتشة معارف عموم فلسطين.. تحسرت عليه الصبايا لأنها تكبره بعشر بسنوات وتفتقر إلى الجمال.. "قصيرة وسمينة وعمشاء بنظارة".. وهو مقطع السمكة وديلها..عللوا ذلك بالطمع فى ثروتها ..التى ورثتها عن والدها.

"ندى بنت حبيب"..حلفت امها ..أن تكون أحسن من بنات العائلة..تعلمت ولبست أغلى الثياب..أحسن الشباب تقدموا لها..لكن تم رفضهم حتى تكمل تعليمها..وبدت المشكل حول نسبها..,,بسبب فشل الأم التى زارت الحكماء من اجل علاجها لتحمل دون جدوى..لم تصدق العمة رغم محولات أخيها التأكيد بأنها ابنته..رغم كل الشواهد التى تنفى ذلك..وعندما عرفت ماأثير عن نسبها..اختفت..وضاع أثرها فى البلاد.

"الخورى مترى الحداد"..ابن "عيسى ابراهيم الحداد"..فيلسوف بالفطرة..وتمسك بتجارته رغم عمله بالمحكمة الكنسية..اتقن العربية واليونانية والروسية والتركية..ولد عام 1892 الذى ولد فيه سيد درويش الاسكندرانى.. مناضل وطنى.. حرمه ثوب الكهنوت من هوايته..لأن أمه نذرت وهى حامل به .. أن يكون كاهنا خادما للرب.. ووافق أبيه على دخوله الكهنوت رغم أنه وحيده..لكن انتهت احلامه بكاهن صغير فى بيت وقف..أحب "العمة ميلاده"..عندما أمسك بيد زوجها لإعلانهما زوج وزوجة..تزعزع إيمانه....هرب منها إلى التعبد..فتغلغلت فى جوانحه..فأقر بأن الحب كالموت لاقدسية له..أمام المذبح ارتكب المعصية..واشتهى امرأة وهو مالايليق بخادم الرب..لكن وقف حبها بينه وبين الله..عندما صارحها فاستجابت له..طلب تحلله من الكهنوت.. ووافقوا على زواجه حماية للكهنوت ومنع خطيئة الزنا شرط ان يظل الزواج سرا لايعرفه احد ..ولا ينجب منها درْا للفضيحة..كان متزوجا قبلهامن امرأة أشبه بملاك.. قانعة لاتغضب ولا تثور..ابنة عائلة..لم يحبها ألا بعد ولادتها لابنه رفيق..لكن ملاك الموت سرق سعادته وهرب بها..بعد أن قضت عليها حمى النفاس.. لم يقع فى الخطيئة الجسدية.. وقاوم اغواء الشيطان حتى استرد الله وديعته..كانت على خلق..و ميلادة نقيضها.. لكن وافقوا على زواجهمنها حماية للكهنوت.. ومنع خطيئة الزنا شرط ان يظل الزواج سرا لايعرفه احد وعليه بالحيطة من الانجاب مادامت لم تحمل من زوجها الاول دراءا للفضيحة.. مات فى الأربعين من عمره..وصلى عليه البطريرك..وشيعته القدس بجنازة حاشدة .

"عيسى ابراهيم الحداد"..والد "الخورى مترى الحداد"..قبل مولده بعامين حدثت الهبة الأولى عام 1820.. عمل فى المحكمة الكنسية..العين السرية للجالس على كرسى البطريرك ..واذتهى بين الرهبان المكلفين بانتخاب البطريرك.. احتوى معارضيه.. تبرع بالمال ليشترى الجاه والسلطة..يختسب نفسه من الرعية..لأنه بشر مثلهم ومثقل بالهموم والخطايا..ويبتسم فى احتقار اا اذا نادوه ابونا.. استاجر الارض من البدو بليرات قليلة لحاجة اصحابها لزواج او طهور ثم سجلها لنفسه فى غفلة منهم وصار دليلهم فى غزوات اللهو والمتعة .
الحاج "امين الحسينى".. شاب وطنى,,عاش يتيما وعرف بالحاج منذ صغره لأنه حج يافعا مع عائلته ..أسس الحزب العربى الفلسطينى عام 1935.. وترأس جمعية مسيحية في القدس.. له حظوة كبيرة عند المسيحيين.. اتكا على ارث عائلته ومكانتها..فى هبة العشرين هاجم الانجليز عند حائط البراق فاعتقلوه لكن الشباب خلصوه .. اختبا فى مكتبة ابراهيم ابو نجمة ورفيقاه من عسكر الانجليز قبل ان يتسلل الى الحرم ثم خرج من البلاد..اثناء هبة العشرين حكم الانجليز عليه غيابيا بالسجن 51 عاما ثم اسقطوا الحكم بعد سنوات فعاد الى القدس اقام فى مصر ثم عاد ليعلن الحرب المقدسة عام 1936 وسانده الشباب.. بدا قائد شعب وصاحب قضية وتم اختياره مفتيا للبلاد بدلا من من الشيخ موسى البديرى عام 1931 وايدت الطوائف قرار تعيينه رغم حصوله على اقل الأصوات ورجحت كفته لانه لأنه أقدر على حماية الطوائف ومصالحها سياسى محنك لكنه فشل امام لجنة بيل عام 1947 لانه معروف بعدائه للسامية .

"زهرة الأنصارى".. من الاشياء الحلوة فى حياة العمة انيقة متحفظة هادئة تبتسم في كبرياء وبترفع تفتقد حيوية العمة واندفاها..رغم تقارب العمر بينهما.. حمعتهماصداقة غريبة..رغم أنهما تنتميان.. لعائلات متدينة..وملل مختلفة..كانت عائلة العمة متعصبة..ولا تسمح للبنات والنساء بالخروج..أو الاختلاط..رغم هذا تصادقتا..لم تحمعهما مدرسة..رغم اجتماع المسيحيات والمسلمات واليهوديات فى مدرسة واحدة..تعلمت العمة فى الكتاب حتى ختمت القرآن..فاحتجزت فى دارها حتى تزوجت..رغم هذا التفيتا..عانت من تأخر الحمل بعد زواجها..ولم تنجح كل المحاولات فى تحقيق حلمها بالإنجاب..فالتجأت إلى السيدة مريم العذراء..طمعا فى معجزة من معجزاتها..ساعدتها على زيارة الحرم .. تمتمت بصلاتها كمسلمة..بكت وخشعت..ثم طافتا الحرم...وانتهت صداقتهما فى الهجرة والنكبة.

بالإضافة إلى هذه الشخصيات الفاعلة فى الرواية..والتى حملت عبء مضمونها..وبدت من خلال حديثها مع الصحفية"راوية"..يجمع بين بعضها ارتباط عائلى متشعب..فعائلة "أبو نجمة"..إلعمة ووالديها وأخويها إبراهيم وحبيب..وزوجتيهما..وأبنائهما..وعائلة"الخورى مترى الحداد"..ووالده..وزوجته وابنه"رفيق".

ثمة وحوه أخرى..تواجدت على مسرح الأحداث..وشاركت فيها..تنتسب جميعها إلى العوائل المقدسية..التى بدت فى الرواية..و شاركت فى النضال الملحمى ..الذى قامت به..ضد تهويد القدس.. ورغم الخلاف بين العائلات..التى تحالف بعضها مع الغزاة والمحتلين .. قاد رجال منهم المقاومة لكن صراعهم على السلطة اضر بالقضايا..وباع بعض ابناء عائلات معروفة.. دورهم لليهود وانكر البعض هذا البيع لكن صحف اسرائيل نشرت وسائق البيع.. كما تنازل البعض عن دورهم نتيجة للاحتيال..قال باحث ودارس لحياة القدس الاجتماعية نهاية العهد العثمانى..قال احد المؤرخين: "هبة العشرين بداية وعى الفلسطينيين الذين غضبوا وخافوا بعد بعد نشر وثائق الكرملين السرية ومنها معاهدة سايكس بيكو.

وفى مذكرات طبيب اسنان مقدسى وصف حريق كنيسة نورتدام ومخازن مجمعها..و مؤرخ عرض وثائق الاستانة ..عندما حلم السلطان بدولة فى بلاد الشام مثلما فعل محمد على فى مصر..وتحدث عن سجن المسكوبية ..الذى خصصته حكومة الانتداب للرجال والنساء المعارضسن لحكومة الانتداب ووعد بلفور..وتدفقت الاسلحة وبنيت المستوطنات لليهود وعن هزة صربت البلاد عام 1927 تمركزت بين نابلس والقدس فاضرت القدس كثيرا ردمت البيوت وقتلت وجرحت المئات وتصدعت واجخة القيامة ومسجد عمر وتشققت قبة الصخرة

لايف بالقطع هذا الاجتزاء لأحداث الرواية..الكثيرة والمتشعبة..فثمة الكثير من الوقائع والأحداث التاريخية..التى بدت من خلال المضمون..وحياة الشخصيات بسلبياتها..وايجابياتها..تتشكل منها صورا قاتمة لتاريخ ..وأخرى تحمل فخارا لمن تمسك بوطنه..رافضا التنازل عنه..حال قراْتها يتم التعرف على عادات وتقاليد شعب يجاهد فى سبيل الاحتفاظ بأرضه..وطرد المحتل منها..رغم آفة الخيانة التى منى بها..ولا زالت تحت دعاوى وطنية هى والعدم سواء..رغم أنها تلبس مسوحات مختلفة..تتقاسمها القومية والدين.

إذا ماتجاوزنا الكشف التاريخى..الذى كان الهدف الأصلى للرواية..يبدو أنه ينبثق منه..التعبير عن العاطفة الإنسانية..بمقولات عن الحب والعشق..والولوج فى حياة الشخصيات الدينية..التى تضعف أمام الرغبة البشرية..وتحيد إليها..بحسبان أنها من التفاعلات الطبيعية..التى يعيشها الإنسان..دون التقيد بموقعه وانتماؤه فى الحياة.

من ثم يمكن القول ببساطة..أن "ليلى الأطرش"..نسجت مضمون روايتها من وقائع تاريخية موثقة..بالرغم من شبح الخيال الذى يحتمه النسج الروائىوهذا يعزز قولها: "أنها استخدمته بما يخدم الرواية..ولا يجعلها سردا تاريخيا"..وعرضته بلغة تتناسب معه..لكن مهما أوضحت وقررت..وأماطت اللئام عن أنها غير تاريخية..رغم أنها تستبعد ذلك.. لا تبدو بعيدة عن المنحى التاريخى..كشفت فيها عن التزوير الذى طاله..ومازال وتتم كتابته بتعمد لصالح الحاكم..بلتعتيم على ما كان قبله..ليبدو التاريخ السابق على حكمه كأن لم يكن..محاولا ترسيخ بداينه.. مع اعتلائه سدنة الحكم..ويجعله بداية له..وكان اختيار إسم "راوية"..الأديبة والروائية..والتى لم تكن باحثة فى التاريخ..وذهبت لتصوير معالم القدس القديمة والحديثة,التى تشبه سنتياغو عاصمة التشيلى ..التى تغض بالأعراق المختلفة ,ولا تشذ عن فلسطين رغم أن بها كنيسة القيامة وقبة الصخرة..لكنها فوجئت بقصص وحكايات إانسانية.. كشخصية رئيسة فى الرواية مناسبا..لكونها محور سرد أحداثها..التى تقاطعمت معها قصص العشق والحب..دون تفريق بين البشر.. بمختلف طبقاتهم..وجامعة بين الحب المحرم وغير المحرم..وكشفت الاقتراحات حول تنفيذ الفيلم..عن التطلعات التى ترصد حياة الفلسطينيين قبل الاحتلال وبعده.,عندما كان يعسش العرب مع اليهود..الذين استغلوا طيبة العرب..فكان من السهل عليهم خداعهم..حتى انتهت الأمور لصالحهم.

السيد الهبيان
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف