الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في قصيدة "طرّزت عمري..فصولا على يديك" بقلم:محمد المحسن

تاريخ النشر : 2019-09-12
قراءة في قصيدة "طرّزت عمري..فصولا على يديك" بقلم:محمد المحسن
قراءة في قصيدة”طرّزت عمري..فصولا على يديك” للشاعرة التونسية المتألقة زكية الجريدي


ليست سهلة على الإطلاق مهمة الغوص في معاني قصائد الشاعرة التونسية المتألقة: زكية الجريدي. فهي لاتكتب لمن يظن أن ظاهر النص وحده كفيلا بأن يجعله متذوقا وقارئا عاشقا لما تنثره من قصيد..فلابد لمن يريد بلوغ مرتبة التآلف والإنسجام مع نصوصها التي تتسم بالقوة من أن يتسلح بمهارة غواص عليم بفن تأويل الرؤى الأدبية التي ترفض أن تكون مجرد جمل عابرة بين رواق القول الشعري،ببراعة وقداسة تتعامل شاعرتنا مع فن تمرير الرسائل وكأنها برديات كنوز ثمينة ،لإيمانها الأكيد أن للشعر كرامة لاتقبل أن ينتقص من قدرها،عزيز الغاية صانع مجد وحياة وليس وسلية ترفيه وتسلية،فهو رمز الهوية وهو لغة الوجدان،وتاريخ الإنسانية ..لذلك نلحظ وبوضوح ومن خلال تتبعنا لتجربتها الشعرية المشهودة ،ترفعها عن المواضيع المستهلكة التي تستهوي الكثير من الشاعرات ،وعامة القراء الذين ينأون بأنفسهم عن كل خطاب مسؤول يحتاج عمقا وإنصاتا شديدا لمعاني الحياة ..وقد استطاعت الشاعرة التونسية زكية الجريدي أن تحقق التوازن النفسي اللغوي وفق صيغة الحاضر الغائب حيث بقى الانزياح يثبت الاستعارة مع البقاء على حركة الصورة الشعرية المتنقلة،وهذا جعل الصورة الشعرية مركبة على قدر المشاعر النفسية داخل النص.أي أن بؤرة النص بقيت تشع منها وتنسق شتات الرؤى..قصيدتها الأخيرة والمعنونة ب”طرّزت عمري..فصولا على يديك”عميقة ومدهشة وبإيقاع لغوي تصويري يداعب الذائقة الفنية للمتلقي..

وأنا أهم بالكتابة عن القصيدة النثرية المتفردة (طرّزت عمري..فصولا على يديك ) للشاعرة المبدعة والمطربة الفذة زكية الجريدة،لم أخطط كثيرا لما سأقوله عنها فلست من عشاق الاوراق المسودة ،سواء تعلق الأمر بقراءة كهذه او قصيدة او نص قصصي،مسوداتي داخل رأسي ،وقلمي غربال افكاري،وطرقي في الحديث نفعية القصد، أكره اجترار الأحاديث ،وأنأى بنفسي عن الغموض،وكثرة الاستشهادات ،ولقد أعلنت هذا مرارا فيما سبق وكتبته ،فالغاية عندي تقريب النصوص وتدليلها من عامة القراء،ولست أضع نفسي موضع الإنابة عن أحد،ولا ألزم قلمي بأكثر مما يطيق،ولا أرغمه على تقليد غيري،إنما أدندن حول النصوص التي تستفزني،بما أعلم وما أراه مجديا،حتى أنني لا أتخير بين طول وقصر ما سأكتبه ،فإن النص الاصلي هو من يمنح أسباب الحديث،فلا يكون التوقف إلا بإحساس خالص بالكفاية،ورب جملة واحدة يتفجر من خلالها مجلد عملاق ،ومجلد عملاق تعصره فلاتخرج منه إلا بجملة ،كما أن طريقة التقسيم الشكلاني الثابت للدراسة لاتوافق رؤيتي،لاعتقادي أنها ترغم النص الاصلي على الخضوع إلى قوالب ، منها ما يؤدي إلى التكرار ومنها ما يفرض السكوت عن أمر ما يظلمه السكوت عنه،كما أن النصوص الأدبية حين تخضع لموازين وترسيمات شكلية تعاني تباينا في توهج النص يختلف بين القوة والضعف عاطفيا ،فإذا الحشو شبه مفروض حتى وإن تم المعنى،فيكون وجوب الالتزام بالشكل المرسوم مسبقا،مكلفا على حساب نفس المبدع ،فيأتي بما يبدو اضافة لاطائل من ورائها،فيكون فعل التمديد او التقليص ظالما للقول مؤذيا للإحساس،وماينطبق على الإبداع ينطبق على النقد،فكلاهما أدب ومن شروطهما جمال العبارة وجدية الخطاب،ولا ألزم أحدا بهذا ،بيد أني مصر أنه إذا قال بيت القصيد كل شيء ،كان كافيا للإستدلال على قصدية النص أو حتى فنيته ،بيد أن هذه الأخيرة في غالب الوقت تتطلب فعلا نوعا من التتبع والدراسة الكلية للإبداع ،خاصة فيما يتعلق باللغة والتجنيس والشكل

وإذن؟

الكلمة الشعرية إذا ليست مجموعة حروف مجموعة مع بعضها البعض لتشكل كلمة ؛إنها مجموعة من الأرواح المتشابكة تبعث فينا الروح و الثورة .‏

إن الكلمة الشعرية كالينابيع التي تتفجر في سطح الارض ،تتشكل و تتخمر عبر سنين طويلة ثم تشق وجودها الى حيز الوجود .‏

والشاعرة التونسية المتميزة -زكية الجريدي-التي تقف أمام ذاتها،وتحاول الكشف عن القيم النبيلة في الانسان باستخدام لغة لها اتجاهان:واحد للاشارة،والآخر للتعبير عن انفعالها بما حولها.وإذا صحت المقابلة، فإننا أمام صورة فنية تحتم الالتفات إليها والتمعن فيها،كمثل ما تحتم ذلك الأسئلة في الرياضيات والفيزياء وسواهما من العلوم بمعنى آخر،فإنه يجب علينا إذا ما رغبنا في تحليل هذه القصيدة،تقديم تحليل شامل يوجب البحث عن الانسجام بين أجزائها جميعها،دلاليا وتركيبيا وجماليا،وذلك لاكتشاف المعنى الحقيقي ومعرفة آلية تمظهره في اللغة الشعرية..

و قبل أن أنهي هذه القراءة خلف كلمات “طرّزت عمري..فصولا على يديك”لا بد أن أشير الى أن الشعر هو عمل لغوي بالأساس و من لا يكون له حس مرهف باللغة و عشق لها لا يمكن أن يتعاطى فعل الكتابة و الشاعرة زكية الجريدي تسعى دوما الى الإنفتاح على أفاق تعبيرية جديدة تفصح من خلالها عن تجربتها الإبداعية و تقول غائر مشاعرها بأناقة لغوية لافتة .

لنستمتع بهذه القصيدة التي تحمل إمضاءها:” طرّزت عمري..فصولا على يديك”

الإهداء: إلى ذاك الذي أبرقت إليه أوجاعي..وحين تصفّحها..أسرج دمه إلى شهقة العاصفة..

(كلما لاح بين المرايا..شاعرة متعَبة..عانقني..ليس بين المرايا..سوايَ”)

..منذ خمس عجاف..أبحث عنك

أكاد أصيح:ترى أين أنتَ!؟

ويتوه الصّوت سدى في الدروب

وفي غمرة الغيب أهذي:

لِمَ.. أسقطتني القوافل من دربها

ِلمَ.. لمْ تصل ومضتي للمرايا

لِمَ..بعثرتني الفصول..بين شتيت المدى

والوصايا..؟

وأظلّ أمارس وهمي..وأرسم على صهوة الرّوح

ملامحَ جرحي

إلى أن يعبرَ القلبُ بوابةَ العمر

لكنّني..أبدا لا أراك..!

* * *

هاهنا يجترح الغيم أحزانه

تجيء البروق وتمضي

تبحث في أعين العاشقين

عن غرّة الفجر..

وتستطلع الصّبح في شهقة العابرين..

وأعيد السؤال:تُرى..هل أضعتكَ.؟!

أم أراني أسافر خارج الظل

ليهجع القلب في صمته

ريشة في مهب الهلاك..

* * *

إلى أين تمضي في مثل هذا الفراغ العظيم..؟!

وكيف أظلّ وحيدة أتهجّى..همس خطاكَ

وكيف لي أن أحتفي بالماء في لجّة البحر

وكل النوارس تسرج أشواقها للرحيل..؟!

..ههنا يبحث الغيم عن دمع زيتونة أهملتها..

الحقول

ويطرّز من أدمع العاشقين وشاحا

للذي سوف يأتي..

كما لو تجيء الفصول بما وعدته الرؤى

لكن..ترى..ماذا سأقول إذا جاءني الماء والملح

بأشرعة مزقتها السيول؟!

-ربّما لن يكون الذي ينبغي أن يكون-

وربّما لن أضيء زمانا جديدا..على شرفة في يديكََ

وربّما قد أرشف من مهجة العمر..كأس المساء الأخير..

أو قد أظلّ

أبحث عنكَ في ما اعتراني من العشب

والطين

والدّمع

وأطرّز عمري فصولا على راحتيْكَ..

ويغفو الوجْد في غربة الغيب

يهفو إلى عطر صداك..

وتمرّ غيومك جذلى..تلامس نرجسَ القلب

لكنّني..أبدا لا أراك..

الشاعرة التونسية زكية الجريدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن-عضو في إتحاد الكتاب التونسيين-
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف