الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البناء اللفظي في ديوان جنوب المراثي مسلم الطعان بقلم: رائد محمد الحواري

تاريخ النشر : 2019-09-11
البناء اللفظي في ديوان جنوب المراثي مسلم الطعان  بقلم: رائد محمد الحواري
البناء اللفظي في ديوان
جنوب المراثي
مسلم الطعان
العمل الخصيب هو الذي يمتع المتلقي ـ بصرف النظر عن الموضوع ـ ويفتح آفاق المعرفة أمام القارئ، ينهل منها حيث يشاء، وحيثما اتجه تكون المتعة والمعرفة حاضرة، رغم (قسوة) العنوان ورغم قتامة المضمون إلا أن الشاعر "مسلم الطعان" قدم ديوان محكم البناء، تتدخل وتتواصل فيه الألفاظ فيما بينها لتخدم فكرة الألم والوجع الذي يعانيه الشاعر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن قصائد الديوان تتشارك في هذا البناء، فالقصيدة الواحدة رغم وحدة بنائها إلا أنها جزء/وحدة تساهم في بناء أكبر هو ديوان "جنون المراثي".
سنأخذ بعض القصائد لنرى كيف تم بناء الألفاظ لخدمة الفكرة، يقول في قصيدة "غني يا سنبلة الروح..!":
" دمع في جفن الموال
يطرق ذاكرتي
بأصابع إيقاع ملحمي الوقع
وكذئب مجروح يقعي
ويجول كخيل تصهل في وجعي
تجلب لي
إيقاع وصايا الجد
بمضيف ينسج أضلعه
قصب البردي
كأجداد يصوغون قواربهم
من أجل الحلم
والحلم يشاطرني الحلم
الآن يذكرني
والشطآن تثير مراياها أسئلة
عمدها كف الفرات يدوي الموج
يجعلني أشعل ناري
ويكون أزاري
ملاذا لصبايا الهور
غني يا سنبلة الروح
فزرازير الوادي أفرادا وجماعات
حملن لنا كحلا أسطوري النبع" ص74و75.
ثلاث مرتكزات تتعلق بالعنوان، الغناء" غني"، وحضور للطبيعة "سنبلة"، والزمان "الوقت"، نبدأ بما هو متعلقة بالغناء فنجد ألفاظ: "موال، يطرق، بأصابع، إيقاع، الوقع، قصب، يدوي، الصبايا، غني" وإذا ما تقدمنا من القصيدة نجد هذه الألفاظ منثورة ولم (تتركز/تتجمع) في ناحية محددة.
المرتكز الثاني الطبيعة "سنبلة" فنج ألفاظ تخدم "السنبلة:" كذئب، جخيل، تصهل، تجلب، قصب، البردي، والشطآن، تثير، فرات، الموج، أزاري، الهور، سنبلة، فزرازير، الوادي، النبع".
المرتكز الثالث الزمن "الوقت": ذاكرتي، ملحمي، وصايا الجد، أسطوري".
والآن نستعرض طريقة البناء في المقطع الأول من القصيدة:
"دمع في جفن الموال
يطرق ذاكرتي
بأصابع إيقاع ملحمي الوقع
وكذئب مجروح يقعي
ويجول كخيل تصهل في وجعي".
"الموال" مرتبط بالزمن، "ذاكرتي" وهناك تركيز على العناصر المتعلقة بالغناء/الموال تتمثل في: "بأصابع، إيقاع، الوقع، يقعي" فحرف العين حاضر في اربعة ألفاظ، والقاف في ثلاثة ألفاظ، وهذا يشير إلى الوحدة الحرف واللفظ في القصيدة، لكن هناك لفظ "ملحمي" المتعلق بالمرتكزات الثلاث "الغناء، الطبيعة، الزمن" وهنا تأخذنا القصيدة إلى موضوع آخر الزمن الملحمي، والذي نجده حاضر في الألفاظ "كذئب، مجروح، يجول، كخيل، تصهل" وإذا علمنا أن الطبيعة أيضا حاضرة وتتشارك في الملحمي: "يجول، كخيل، صهيل، الذئب، مجروح" يمكننا القول أن القصيدة مغزولة بطريقة تتداخل وتتواصل فيها الألفاظ والحروف لخدمة المضمون، الفكرة.
قبل الانتقال إلى المقطع الثاني نذكر بالألفاظ:" إيقاع، الوقع، يقعي" والذي نجده في بداية المقطع التالي:
"تجلب لي
إيقاع وصايا الجد
بمضيف ينسج أضلعه
قصب البردي
كأجداد يصوغون قواربهم
من أجل الحلم"
"إيقاع وصايا الجد" متعلقة بالمقطع الأول، وهي تفتح آفاق/عالم جديد متعلق بالماضي "الزمن" ومرتبط بالطبيعة: "قصب، البردى، قواربهم" وهذه الألفاظ لها علاقة وارتباط مع "الحلم" فالأجداد والطبيعة " قديما، في الماضي توحدها وتعانوا من أجل حلم، وهناك يدخل الشاعر من جديد إلى قلب الحدث/الفعل ويشرك نفسه في الحلم:
"والحلم يشاطرني الحلم
الآن يذكرني
والشطآن تثير مراياها أسئلة
عمدها كف الفرات يدوي الموج
يجعلني أشعل ناري
ويكون أزاري
ملاذا لصبايا الهور" إذن "الحلم" اللفظ الذي جمع بين الماضي/الأجداد والحاضر/الشاعر، لهذا نجد ياء المتكلم حاضرة في:" يشاطرني، يذكرني، يجعلني، ناري، أزاري" وتستوقفنا لفاظ "يشاطرني، والشطآن، فرات الموج، حيث تتشارك "يشاطرني والشطآن" في حروف الشين والطاء، والألف والنون، والتي تقود الشاعر إلى عالم الفرات والمياه والموج، وهذا التوصل والتكامل في الألفاظ والحروف والمعنى يؤكد على وحدة بناء القصيدة.
وإذا توقفنا عند هذا المقطع:
"ملاذا لصبايا الهور
غني يا سنبلة الروح
فزرازير الوادي أفرادا وجماعات
حملن لنا كحلا أسطوري النبع" نجده مرتبط بوحدة القصيدة: "غني" بالغناء، فزرازير، الوادي النبع" متعلقة بالطبيعة، كما أن "النبع" له ارتباط بالماء والشطآن والموج" كل هذا يأخذنا إلى أن الشاعر يتماهي مع القصيدة وتأخذه الكلمات والألفاظ بحديث تكون جزء من الشاعر قبل أن تكون بنية في القصيدة.
وهنا لنا وقفة مع المقطع السابق إلى نجده خال من الألفاظ السوداء والقاسية، فهو أبيض بالمطلق يجتمع فيه اللفظ والمعنى في البياض: "ملاذا، لصبايا، غني، سمبلة، الروح، فزرازير، الوادي، حملن، كحلا، أسطوري، النبع" هذا (التحول) في مجرى القصيدة حدث بفضل حضور "الصبايا" والطبيعة، الفن/الغناء/أسطوري وكلها عناصر تخفيف أحدثت هذا التحول الجميل في الشاعر والذي انعكس على القصيدة.
في قصيدة "مروق على حرمة الحلم" يأخذنا الشاعر إلى الأسطورة، إلى أوراك وإلى الذي رأى:
"أعني يا جنون أوراك
أعني على استرجاع عشبتي
أنا الذي عبثت به
رباح الخديعة
وأقامت على جسر ضلوعي
مآتم أهلي
عتقتني جرار الفرات
وارتشفت دمي كؤوس كثار
أعني يا جنون نهري
أعني على حراسة حروفي
لكي لا يسرقها المارقون
آه...
كم أساءوا لحرمة حلمي
أولئك المارقون
يا جنون أوراك
ما زالت أحفر على جداران روحي
مراثي جنوب ذبيح"ص82و83.
بداية نتحدث عن وحدة القصيدة: "أعني" هي الجامع لوحدة القصيدة والتي تكررت أربع مرات، وفي فاتحة وخاتمة القصيدة نجد "يا جنون أوراك" وإذا ما توقفنا عن ياء المتكلم في "أعني، عشبتي، ضلوعي، أهلي، عتقتني، دمي، نهري، حروفي، حلمي، روحي" يتأكد لنا أن هناك نسيج واحد للقصيدة.
ملحمة جلجامش حاضرة في القصيدة بأكثر من موضع: " أوراك، عشبتي، أنا الذي، مآتم أهلي، كؤوس، نهري، حراسة، لا يسرقها، مراثي، الذبيح/القتيل" كل هذا الألفاظ نجدها في أحداث الملحمة، لكن الشاعر يغرب بعضها:
"هو الذي رأى/ أنا الذي عبثت،
" لمن يا أورشنابي، لمن سفحت دم قلبي؟،لحية الأرض فزت بالنعمة/تعبت يداي/أعني استرجاع عشبتي، أعني على حراسة حروفي، إذا تقدمنا من الملحمة نجدى أن جلجامش استسلم لموت/لفناء البشر، لكن الشاعر ما زال متشبثا باسترجاع العشبة وحراسة حروفه، وبهذا التغريب يظهر الشاعر رفضه للموت واصراره على الحياة، لهذا نجده يقول:
"آه...
كم أساءوا لحرمة حلمي"
فهو ينشد الخلود، كما نشده جده "جلجامش" الذي أخفق، لكن الشاعر يجدد هذا الحلم الإنساني من خلال القصيدة، هذا على صعيد القصيدة بشكلها المجرد، فهناك أسطورة، زمن/وقت: "سنينا" ومكان/طبيعة: "أوراك، الفرات، نهري"، وهناك شيء متعلق بالغناء: "حروفي" كل هذا له علاقة بوحدة الديوان، وإذا ما توقفنا عند: " مراثي جنوب ذبيح" الذي له علاقة بعنوان الديوان يتأكد لنا أننا امام قصيدة تخدم المرتكزات الثلاثة.
هناك أربع قصائد معنونة بالأب: "تخاذلت يا أبي، اعتذار أول لأبي، اعتذار ثاني لأبي، اعتذار ثالث لأبي" وهناك قصيدة بعنوان "نبوءات جدي" وهذا يعطي دلالة إلى العلاقة الوثيقة التي تربط الشاعر بأسرته، يقول في "اعتذار أول لأبي":
"...
أحرق بذلة الخاكي التي حملت رؤاك..!
عذرا لوجهك يا أبي...،
إذ لن أساق جنديا كما القطيع مع الجنود
واخترت جيشا من صور
القي بها صوب الصبايا العاشقات
وأخوض حرب الشعر جنديا
تكلل رأسي الريفي
تيجان القوافي الصادحات كما المطر
وأغني للكسر الجميل
وأصير لحنا من ضياء سومري
داعبته يد القدر..!" ص52و53.
وحدة المقطع في القصيدة جاءت من خلال "أحرق، بذلة، الخاكي، أساق، جنديا، الجنود، جيشا، حرب، تكلل، رأسي" كلها تشير إلى موضوع الحرب، وإذا ما توقفنا عند بداية المقطع نجده قاسي: "أحرق، الخاكي، لن، أساق، جيشا، القطيع، الجنود" لكن هناك تحول ايجابي حدث بعد "صور، الصبايا العاشقات" فجاءت الألفاظ بيضاء كثيرة: "الشعر، تكلل، رأسي، الريفي، تيجان، القوافي، الصادحات، المطر، وأغني، الجميل، وأصير، لحنا، ضياء، سومري، داعبته" وهذا التحول في الألفاظ والفكرة يشير إلى أن العقل الباطن هو الذي يسير الشاعر، وهو الذي يتحكم في مسار القصيدة، ويشير ايضا إلى لهفة ورغبة الشاعر إلى الفرح والحياة السوية/الجميلة، لهذا نجده يتخلى عن الألم وما يتعلق به عندما يذكر "الصبايا"، وهذا الأمر وجدناه في قصيدة "غني يا سنبلة الروح..!" عندما قال: "ملاذا لصبايا الهور" وحدث التحول في مسار الألفاظ والمضمون، فالشاعر ـ في العقل الباطن ـ ويؤكد على انسجامه مع الألفاظ، لهذا نجد عين الأثر الذي يتركه الحرف عليه، وما كان هذا ليحصل لو أن الشاعر كان يكتب القصيدة بوعيه، لهذا أسهم ـ الا لوعي ـ في استمرار وحدة القصيدة واستمراريتها على الوحدة البناء اللفظي والمضمون.
أما على صعيد التكامل مع الديوان، فالغناء حاضر في: "الصادحات، أغني، لحنا، داعبته" والطبيعة في: "الريفي، المطر، الجميل، ضياء"
القصيدة الأطول في الديوان قصيدة " جنون المراثي" وفيها يتناول ويستخدم الشاعر كل ما جاء في القصائد السابقة، في القصيدة الجامعة للقصائد، لهذا جاءت أول قصيدة في الديوان، والملفت للنظر أن الشاعر يستخدم أحيانا عين الأبيات، يقول في قصيدة تخاذلت يا أبي:
"تخاذلت يا أبي
لكني لم أخذل العشيرة
ولم أخن سيف جدي
ولم أبع رأس أختي
لعهر نخاستهم" ص47،
ويقول في قصيدة "جنوب المراثي" عين المقطع السابق في الصفحة 102،دون أي تغيير، ويقول في عين القصيدة:
" تكلل رأسي الريفي
تيجان القوافي الصادحات
وتصير لحنا من ضياء سومري" ص 105 وهي عين المقطع في قصيدة تخاذلت يا ابي، كل هذا يجعلنا نقول أن الديوان نسج بغزل محكم ومتراص وجميل، وما التماثل في الأبيات إلا تأكيدا على جمالية الغزل وجودة النسيج المستخدم في القصيدة/الديوان.
الديوان من منشورات دار الكرمل للنشر والتوزيع، الأردن، عنان، الطبعة الأولى 2004.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف