الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفكر الملحمي في قصيدة "لعلي أعود نهارا" بقلم: رائد محمد الحواري

تاريخ النشر : 2019-09-10
الفكر الملحمي في قصيدة "لعلي أعود نهارا" بقلم: رائد محمد الحواري
الفكر الملحمي في قصيدة
"لعلي أعود نهارا"
كميل أبو حنيش
الشعراء هم أنبياء هذا العصر، لأنهم يمدوننا بالعزيمة والارادة، وبالتأكيد هم لا يقدموننا من المستقبل بطريقة مباشرة، بل يعتمدون على أبداعهم وقدرتهم على تجير اللغة لصالح افكارهم، في الآونة الأخيرة أخذ الشاعر والروائي "كميل أبو حنيش" يكتب الشعر بغزارة، ورغم كمية الانتاج الكبيرة التي ينشرها شقيقه "كمال" على (شبكات التواصل الاجتماعي) إلا أن الفنية بقية حاضرة، وما جلسة النقاش التي عقدها ملتقى بلاطة الثقافي والأجماع على تألق قصيدة "عمت مساء" إلا تأكيد على أبداع الشاعر، فنحن لا نتعامل معه كأسير، بل كشاعر، ونتقدم من شعره بشكل محايد وموضوعي، بعيدا عن التعاطف أو الانحياز لكميل لأنه أسير، فالشعرية هي التي تحكمنا ـ رغم أهمية وضرورة إيصال للآخرين أن لدينا أدباء أسرى في سجون الاحتلال ـ من هنا سنحاول التقدم من القصيدة، لكن قبل التقدم من القصيدة نميل قليلا إلى العنوان الذي جاء بشعرية "لعلي" والبياض الذي يحمله "أعود، نهارا" وهذا كاف لوحده ليجذب القارئ وتوقفه عند القصيدة التي تقدمه من عودة "البعل" المشرقة، فذا كان العنوان عنصر جاذب للمتلقي، فكيف ستكون القصيدة؟.
" أمدُ يدايَ إلى الأمنياتِ التي
خالجتني سألمسُ في الحلمُ ورداً
وأعشقُ هذا العبيرَ المدوي
وأصغي لناياتِ هذا النشيد
وأرنو طويلاً لذاكَ الجمالِ البهيِ"
إذن الفاتحة بيضاء: "أمد، يدي، الأمنيات، سألمس، الحلم، وردا، وأعشق، العبير، وأصغي، لنايات، النشيد، وأرنو، لجمال، البهي" ويفيح منها الأمل والفرح، فكمية ونوعية البياض التي جاءت بها الفاتحة كافية لجعل المتلقي يتحمل (قناطير) من السواد، وإذا ما توقفنا عند الأفعال المضارعة: "أمد، سألمس، وأعشق، وأصغي، وأرنو" والتي بحد ذاتها تعطي الفرح والحيوية لما هو آتي، يمكننا القول أننا أمامك نص ناصع البياض، يتوافق فيه اللفظ مع المعنى في خدمة فكرة الفرح والبياض، وهذا ما يجعل المتلقي يتقدم وبشهية إلى القصيدة، عنوان شعري أبيض، وفاتحة مترعة بالفرح والحيوية.
" أغضُ الخطى والمسيرُ
وأمشي وأمشي بتلك الدروب
التي توهتني فأصنع درباً جديداً
بوقعٍ خُطاي وبعدَ قليلٍ سيولُد
في الأفقِ غيمٌ ويهطُل فوق
اليباب ويروي جفافَ الصحاري"
يبدو للوهلة الأولى أن هناك (تحول) في مسار الفرح الذي جاء في العنوان والفاتحة، فهناك ألفاظ قاسية وسوداء بدأت تتسرب إلى القصيدة: "أغض، الخطى، وأمشي، توهتني، بوقع، اليباب، جفاف، الصحاري" لكن إذا ما أخذنا فكرة الأمل والارادة " أمشي وأمشي، أصنع" التي ركز عليها الشاعر، يمكننا فهم سبب وجود هذه القسوة، فهو يرد إيصال فكرة أن الفرح لا يكون/يحصل/يأتي دون جهد وعمل، لهذا نجد أفعال "وأمشي، فأصنع، سيولد، ويعطل، ويروي وكلها أفعال موصولة، وكأنها بها يمحو القسوة والسواد بسرعة وبصورة متواصلة، وهي تتماثل مع تلك التي جاءت في الملحمة الكنعانية:
رسالة البعل هي:
أوقفي الحرب على الأرض
ازرعي محبة في التراب
اسكبي خمرا في كبد الأرض
صبي عسلا في الحقول" ص153، أنيس فريحة ملاحم واساطير، إذن هناك تماثل بين عودة "البعل" وعودة الشاعر والخصب الذي سيعم الأرض.
" وينمو الربيعُ ويحتلُ هذا المكانَ
جمالٌ بديعٌ فتنمو وتزهرُ تلك الأمانيِ"
اجزم أن هذا المقطع يؤكد على الفرح والبياض الذي يحمله الشاعر، لهذا جاءت الطبيعة بهية: "وينمو، الربيع، جمال، بديع، وتزهر" ومقرونة بالإنسان: "الأماني" وقد قلنا في موضع غير هذا أن الطبيعة أحد عناصر التخفيف والفرح التي يستعين بها الشاعر، كحال المرأة والكتابة، لكن الطبيعة هنا تأخذنا إلى الماضي، وإلى أثرها في الإنسان الكنعاني والأدب والفكر الذي حمله وشكله وطبيعة.
" أحنُ فأصغي إلى الأغنياتِ التي
رافقتني طوالَ الغيابِ الثقيلِ
الذي نالَ مني وأرقص ُ في الوهمِ
فوقَ المروجِ وأذوي وأذوي
سأغدو كبذرةٍ وردٍ تغورُ بقلبِ الترابِ
سأعرفُ أنَ الطريقَ إلى الابداعاتِ الجديدة"
استخدام الشاعر للفعل الماضي: رافقتني، نال" يشير إلى حالة ألم وقسوة، من هنا نجد الألفاظ السوداء: "الغياب، الثقيل، الوهم، فوق، وأذوي، تغور" وهذا التلاقي بين الماضي القاسي والألفاظ يؤكد إلى أن الشاعر يكتب القصيدة بغير وعي، فالعقل الباطن هو الذي يتحكم بالألفاظ والأفكار، وما الشاعر إلا وسيلة تخرج ما يحمله/يشعر به داخليا.
ولأن الفرح حاضر وفاعل، نجد افعال مضارعة: "وأرقص، سأغدو، سأعرف" ويستوقفنا "الابداعات الجديدة، دربا الجديد" الذي يؤكد على حيوية الفرح والأمل الذي يحمله المستقبل، "فالجديد" المستقبل/المضارع سيأتي سريعا وبهيا، لهذا جاءت حروف السرعة والوصل "السين والواو".
" يمرُ بموتٍ جميلٍ ويأتيكَ
فصلُ الحضورِ فيذوي الغيابِ
ويخضرُ هذا الجفافُ ويبعثُ
ذاكَ الحبيبِ كجرحٍ على لحنِ هذا النشيدِ..
الذي سوف يسفرُ مثلَ النهارِ
وترخي جدائلها في الهواءِ الحبيبةِ
فيحيا الحبيبُ الجريحُ ويشدو بتلكَ الأغاني"
يبتعد الشاعر عن ياء المتكلم ويتقدم من صيغة الغائب، وجمالية هذا التجديد في لغة القصيدة تكمن تأكيد فكرة "الجديد/ة" الفرح والأمل الذي تحمله القصيدة، فاللغة الجديدة تقدمنا من الملحمة "البعل" الكنعانية، الذي يتصارع فيها البعل مع الموت، وهذا المقطع كاف ليوصل لنا فكرة الصراع بين الخصب والجذب، "الموت الجميل، الحضور فيذوي الغياب، يخضر الجفاف، الحبيب كجريح" كل هذا المعاني جاءت في ملحمة البعل:
"وكنسر انتفض "الساحق" بيد البعل
فهوى يم إلى الحضيض" ص10
"فيرسل المطر في حينه.
تمطر السماء زيتا، تسيل الأودية عسلا" ص137
"سيفرح البعل، سينزل المطر في حينه
ضياءه كالبرق.
فرحة عناة بالبشرى
رقصت رجلاها ابتهاجا
كبدها امتلأ ضحكا" ص138، مصدر سابق، فتماثل القصيدة مع الملحمة بصيغة الغائب يشير إلى أن الشاعر متأثرا ـ في العقل الباطن ـ بالملحمة الكنعانية، بحيث جعلته يتخلى عن يا المتكلم والانتقال إلى لغة ملحمية جديدة، ويستخدم عين فكرة الصراع في الملحمة لكن بلغة وألفاظ جديدة، وإذا ما عرفنا أن خاتمة الملحمة تناولت انتصار "البعل" على "يم" والذي رافقه الفرح والبهجة:
"البعل يعود إلى الأرض، الناس ينعمون بالحياة
العشب ينجو من الهلاك عطشا
لأنه تحنن عليه، سقاه مطر السماء
سلام أيها الابناء، ليحل السلام
السلام الدائم، ليحل السلام" ص159و 161، المصدر السابق، يمكننا التأكيد أن فكرة الفرح والبياض هي المقصودة في هذا المقطع.
" ألوذُ لصمتي وأبحثُ في الأحجيات
التي حاصرتني وأصغي طويلاً إلى داخلي
كي أرى خارجي وأفتشُ عن مفرداتٍ
تليقُ بهذا النشيدِ..
وأوشكُ أن أتلعثمُ حين أحاولُ
نطقَ الحروفِ التي دوختني
فأمضي إلى حُلمي ساهماً
مثل ظبيٍ صغيرٍ سأخبو وأخبو لكي
أتوارى وراءَ المجازي
وأشرعُ في داخلي بانتهاكِ السؤالِ"
فكرة انتصار الخير على الشر التي أخذها الشاعر من "البعل" نجدها حاضرة في هذا المقطع، فهو يتقدم من جديد من ياء المتكلم، ولم يعد(يهتم) للقسوة والألم والسواد، الم يغيب "البعل" وعم الأرض الخراب، وعاد منتصرا وعادت الحياة والخصب للأرض؟، فلا بأس إذن من تناول/الحديث عن السواد: "لصمتي، حاصرتني، أفتش، أتلعثم، دوختني، سأخبو، وأخبو، أتوارى، بانتهاك" وتأكيدا على حضور فكرة الصراع الملحمي نجد أفعال مضارعة وأخرى ماضية في المقطع، منها ما جاء أبيض: "فأمضي، وأشرع"، وأخرى سوداء: "ألوذ، حاصرتني، أتلعثم، دوختني، سأخبو، وأخبو" وهذا الجمع الأسود والأبيض في الفعل المضارع يؤكد على دخول الشاعر إلى الملحمة حتى أنه أصبح يتكلم من خلالها.
يتغول الشاعر أكثر من الملحمة، متقمصا غياب البعل:
" فأبدو بليداً وأعجزُ
عن فكِ لغزِ الإجابة عن أحجياتي
فتبدو النفوسَ امتثالاً مملاً
بسطوةِ تلكَ الرؤى والأحاجي"
السواد حاضر وبقوة من خلال : "بليدا، وأعجز، مملا، بسطوة" لكن يمكننا فهم واحتواء هذا السواد إذا تقدمنا من ملحمة البعل، خاصة عندما تحدثت عن غاب البعل:
"ذر الرماد على رأسه
لبس المسح
طاف حزينا في الجبال
هام على وجه العراء
خدش وجهه، أدمى ذراعيه
جرح صدره كما يجرح الفلاح
بالمحراث أثلام حقله
ثم رفع صوته، نادى: مات البعل" ص141و142، إذن السواد في القصيدة له جذور في الملحمة، ويمكننا استيعاب وجوده في القصيدة لأنه سينتهي بالبياض الناصع، وهذه المعرفة المسبقة، تجعل من السواد الذي يأتي مجرد (ساحبة صيف) لأن الخصب والبعل سيأتي من جديد.
وهذا ما أكده الشاعر عندما قال:
" أتوق إلى الامسيات التي سهدتني
فأوقدُ شمعاً وأمطرُ شعراً
سينسابُ مثل السيول ويمضي
ويحملُ شوقاً صدىً الذكريات
التي داعبتني لأعرف أن النهارات
ثكلى وأن البلادَ التي عذبتني
بحب تكدس فوق الفؤادِ
وأهدت إليّ الصليبَ"
"فأوقد، شمعا، أمطر، السيول، شوقا، النهارات" كلها تشير إلى الخير الذي سيأتي مع وبعودة البعل، فغلبة الألفاظ البياض: "أتوق، الامسيات، فأوقد، شمعا، وأمطر، شعرا، سينساب، شوقا، داعبتني، لأعرف، النهارات، بحب، الفؤاد، وأهدت" على السوداء: "سهدتني، السيل، يمضي، ثكلى، عذبتني، تكدس، فوق، الصليب" يشير إلى قوة الفرح/الخير وقدومه، لهذا أخذ الشاعر يتقدم من السواد دون أن يأبه به.
يختم الشاعر القصيدة ب:
" فقد لا تجودَ عليّ بقبرِ لقلب
ثراها لكي أتلاشى وأنأى
بعيداً بعيداً لعلي أعود نهارا
فالغياب/الموت سيتبعه الوجود/الحياة:
" وأكتبُ هذا النشيَد الجديد
بلا فاتحينا ولا معتدينا
ليغدو النهارُ الجميلُ
شبيهاً لتلك الأماسي"
" وهذا ما جاءت به ملحمة البعل:
"يوم يمر وينقضي
وعناة تفتش عن البعل الظافر
كما تحن الرنم إلى صغيرها
هكذا يحن قلب عناة إلى البعل.
امسكت موت بطرف ثوبه، جذبته
رد لي أخي" ص145، مصدر سابق، فغياب الشاعر يتماثل مع غياب البعل،
وحضور/عودة الشاعر تتماثل مع البعل أيضا:
"فرح لطفان، امتلأ قلب إله الرحمة سرورا
فتح فاه، ضحك، قال
تستريح الآن نفسي في داخلي
لأن البعل حي، لأن سيد الأرض عاد
قام فتى وسيم يغني ويبتهج
غنى لحنا جميلا، والصنج بيده،
بصوت رخيم غنى
وصعد البعل إلى مسكنه في اعالي صافون" ص147و150، إذن الشاعر استمر في المحافظة على البياض والفرح في القصيدة، لأن فكرتها والفاظها جاءت متوازية ومتماثلة مع ملحمة البعل.
القصيدة منشورة على صفحة "كمال أبو حنيش" على الفيس.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف