الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الراحلون الصامتون بقلم: صبحه بغوره

تاريخ النشر : 2019-09-10
الراحلون الصامتون بقلم: صبحه بغوره
الراحلون الصامتون
   صبحه بغوره

استيقظ نسيم قبل آذان الفجر وقد ارتعش وجوده شحنا وسرت بين جنباته هفهفات النبض المتدفق والأصل الممتد عمقا وعبقا ،وبعد الصلاة اضطجع وبقي بين النائم والمستيقظ وكأنه هارب من ليلة جهنمية يعد فيها أنفاسه على مبنى روحه فكان يتحسس نهداته ويراوده شعور دائم بالخطر ، شعور بعبء الأعماق الغائرة فكان يمضغ ويلوك الظلام بما يكفي لتوطين قلبه وهو يحاول أن ينسى كل التفاصيل الحزينة التي سكنت روحه، قصد عمله ببطء شديد لتأدية واجبه في إدارة البلدية بإتقان وإخلاص مقابل تلك الدنانير القليلة ، أنها الأزمة أو هكذا يقولون وعلينا أن نتقشف هذا ما تتداوله الألسنة ، لا يكاد هذا الوطن يخرج من مشكلة حتى يقع في أخرى ، الحياة بالنسبة له غربة جعلته يتأثر بالأحداث في مشاعره ، يتذكر يوم تركته خطيبته لأنه عجز عن أن يوفر لها الحياة الكريمة التي تتمناها أي بنت، لقد صبرت معه كثيرا وطال انتظارها فكانت خيبته كبيرة،مرت عليه الأيام وهو يدور في طاحونة الحياة مثل ثور مغمض العينين ، يعود إلى منزله كعادته فيقضي وقته يصول ويجول بين أركانه بين التفكير والملل ، في مساء أحد الأيام انتفض واقفا مذعورا على وقع دقات على باب منزله التفت حوله نحو الفراغ وفتح الباب وأوصاله ترتعد، انه صديقه الذي هاله ما رأى من ارتباك نسيم، أخبره أن هول الفجيعة لا يزال يلازمه و أدوار الحادثة بتفاصيلها ترويها أركان البيت، لا تزال صورة شقيقه التوأم تلازمه طول الوقت ، اتجه الى النافذة ليتأكد من أن بيوت الحي المثقوبة ما تزال مكانها ، كان الشارع طافحا بالأطفال وهو يدونون على الجدران وعلى غبش النوافذ عبارات الهروب من الوطن وجحيمه الذي لا يريد أن ينتهي ، يحلمون بزمن للحرية وآخر للعزة والكرامة، أطفال ولدوا بسرعة في زمن الرصاص والفوضى في زوايا البيت الرطبة ولا يملكون سوى القليل من الحظ، وجوه باهتة، تهات شخصيتهم في الكثير من الأمكنة الضيقة من عوالمهم ،يتداولون ما يقال في نشرات الأخبار من عدد ضحايا السيارات المفخخة من أموات وجرحى، ربت صديقه على كتفه برفق وسأله إن كان يريد السفر خارج الوطن ، أجابه بل أنه يريد الهروب .. الهروب بعيدا عن صورة من غادره ومات غدرا يوم عاد من ثكنته العسكرية لزيارة أسرته ،يومها ارتجفت أوصال والدتهما ولامت عليه هذه المخاطرة ، ولكن لم يكن هناك من يمنعه من لقاء  من اشتاق لرؤيتها ولو ليوم واحد، كان الوقت شتاءا باردا ممطرا وطاب له دفء حضن أمه وأحس كأنه في جنة النعيم  فاستغرق في النوم العميق بقربها، حتى كانت تلك الساعة الشؤم التي انتفضت الأسرة كلها على  صياح غجري وطرق عنيف على الباب تبعه تكسيره ، دخلوا البيت بأحذيتهم المحملة بالأوحال والطين يريدون سحبه من بين ذراعي أمه المتشبثة به، يتذكر نسيم تلك اللحظات القاسية ومحاولته إيهامهم أنه ليس من يبحثون عنه أراد أ ن يضحي بنفسه ويدعي أنه هو المجند الذين جاؤوا من أجله ، لم يصدقوه بعد أن سلبوا وثائق أخيه ، سحبوه من فراشه بقوة ومن بين ذراعي أمه بعدما دفعها أحدهم بعنف وأخذوه إلى خارج المنزل ونظراته لا تفارقهم حتى أغلقوا الباب وراءهم، وفي صباح اليوم التالي وجد مغتالا ومرميا على قارعة الطريق على مرأى كل ذاهب وآت، من أجل هذا يريد نسيم أن يهاجر خارج الوطن الذي حرمه من كل أهله واحدا واحدا ، لقد ذهب إلى أكثر من طبيب وطرق باب ألف شيخ وشيخ ولكن لا فائدة لم يستطع أي منهم أن يفهم سجن أوجاعه ، ربما لو ترك الوطن بما فيه يستطيع أن يخرج من محنته لأن هنا لن يجد من يخلصه من أطلال المآسي التي لا تبارح أركان هذا البيت الذي تسكنه أشباح الذكريات المميتة تركوه في شرود طويل غير مستعد لمواجهة حريق قد يطرق بابه في أي لحظة، فجأة صاح نسيم  " الفتنة قادمة ، أسرعوا أيها المعذبون في الأرض والمسكنون بالفراغ قبل أن يحرق الأوغاد بيوتكم وتجدوا أنفسكم أمام بوابات جهنم جديدة لا رجعة منها ، أسرعوا ودعوا نبضكم خلفكم ومن تحبون،ستستديرون بين يوم وآخر وربما بعد سنة وأخرى نحو لوعة تلك الأرض تودعنا من فيها إلى أي مكان يطلق جنونكم المستتر بعيدا عن أرض محفوفة بالخطر وغياب الوعي ، هي البقية التي لم يبق منها إلا الملامح والوجوه المفتعلة بضراوة وقساوة لحظاتها، زمن الحرية كان دمويا ومليئا بفصول الكلام الفصيح على الطرقات الملتوية والمتعرجة والمتقاطعة إلى مالا نهاية ."

سافر نسيم إلى اسبانيا لا يحمل أي وثيقة تثبت هويته، غريبا يعيش فيها متهربا بين شوارعها، وطن لا شفاعة فيه لأحد حيث الوسامة والأناقة و" بابا نويل" الذي لا يحرم الأطفال من طلعته البهية ، وفي هذه الليلة بالذات انزوى نسيم في ركن بارد بأحد المستودعات منتظرا هديته وهو جالس القرفصاء ، يتذكر الغمامة التي كانت تعبر منازلهم القصديرية وهو يحملها قصائده الباردة التي أنجبها على عجل ، وأمانيه الجاهزة والرديئة، وفي صباح عام جديد وجد العاملون بالمستودع نسيم متجمدا في ركنه مفارقا الحياة في صمت كئيب نحو كل الأماكن والأمنيات وديمومة الأسرار راحلا بعيدا عن فتح الفاتحين الدين يلفظون أنفاسهم الأخيرة .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف