الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مقهى نسور با ليرمو بقلم:فرج الجطيلاوي

تاريخ النشر : 2019-09-06
قصة قصيرة
مقهى نسور باليرمــــــــــــــــــــــــــــــــو
(1)
"مقهى الياسمين" الذي طل منذ وقت ليس بالبعيد على العاصمة بهذا ألأسم، حيث رميت لافتة اسمه القديمة بعد أن تراكمت فوقها كل أصناف القمامة.
يعتبرهذا المقهى ملتقى لشرائح عديدة من سكان العاصمة ، يلتقي فيه سماسرة العملة الموازية وقليل من تجار الجملة والكثير من مروجي السلع المعنوية كالشعارات السياسية وقلة من العشاق الفاشلين الغارقين في تصفح الذكريات العا لقة في هواتفهم الخلوية ، كما لايخلو من مثقفي النخبة المتذمرين من كل ألأشياء . يعج أحيانا بالمدرسين وضباط الشرطة والقوات المسلحلة المتقاعدين. فيما يقتعد على سوره أعداد غفيرة من الباحثين عن العمل من جنسيات العالم المختلفة .
يتوسد المقهى شاطئ البحر وتغرد نوارسه مشاكسة فارضة حضورها ولا تتوقف أضواء الشمس عن التراقص وسط الخضم الهادرمن حوله في واضحة النهار كما يتلالأ نور القمر في الليالي الصافية.
لا تغادر النسائم العابقة الشاطئ المترامي بينما تحتضنه الحديقة العامرة بأشجار السرو السامقة من الجهة الجنوبية . تضفي تلال صغيرة متناثرة عل إمتداد شرق المقهى طقسا رائعا خاصة حينما تقبل ألأمواج قمم التلال ومن ثم تعود فرحة إلى حضن البحر، غير أن المشهد ألأخر المثير هو العدد الكبير من شاشات ألإستقبال الفضائي التي تزين قاعته المترامية أو المعلقة على جذوع ألأشجار وكأنما لكل مرتاد يمكن أن يشاهد فضائيته المفضلة.
هاهم الصيادون العائدون بمراكبهم الملئ بنعيم البحر يهرعون نحوالمقهى مع إطلالة الصباحات البهية وقد علقت بأسمالهم روائح الأسماك وأوساخها، تلاحقهم اصوات النوارس القمامة. يبتاعون المشروبات الساخنة وعلب الدخان والمأكولات الشعبية التي يتفنن طهاة المقهى في إعدادها.
يرتمون على الكراسي البلا ستيكية المبعثرة هنا وهناك بعيدا عن الشاشات التي تجمهر حولها متابعو المباريات الرياضية وألأحداث السياسية الراهنة .
تدب الحياة الصاخبة من حول المقهى ولم يعد صخبه وحده المهيمن على النبض في شارع الشاطئ .
هذا اليوم يندلع على غير العادة، هرج غير مألوف زعزع ارجاء المقهى الذي كان ينعم بالسكينة ورائحة شواء الأسماك، وكأن إتفاق مسبق قد عقد عبر شبكات التواصل ، أو كأن فكرة ووضعت في الرؤس لنزع طمأنينة ألأشياء. في البدء حصل أشتباك كلامي تقوده مجموعة مارست العبث عنوة دونما سبب حسدا من عند أنفسهم لهذا الثلاثي المنسجم ( المقهى و التلال الصغيرة و البحر).
شرعت العصبة في تقويض صباحات المقهى بنقاشات بزنطية عن الزندقة والهرطقة والعلمانية . يتصدرالعصبة المدعو صبري الجبار في مواجهة كل من عمران القطوس وماهر البسباس، فالمدعو الجبار مدرس لغة عربية وكان قد تقاعد أختياريا يلقب بفقيه المقهى رجل ذو نفس قلقة ، كبر المقت بداخله فلا يتوانى البتة في وصف كل ما حوله ونعته بالفساد والفسق، وحتى كراسي المقهى يبحث عن فتوي لإعادة تنسيقها ، أتعب النادلين في التعامل معه، أما عمران القطوس فهو موظف سابق بالسجل المدني طرد لتزويره الوثائق أما ماهر البسباس فهو يدعي أنه لاعب شطرنج يقولون عنه أنه لايميز بين دورالقلعة ودور الحصان.
سيطر أمتعاض شديد على العاملين بالمقهى وهو يمسحون السوائل المدلوقة فوق المناضد وعلى ألأرضية بشكل متعمد كلما أحتدم جدل.
أبلغت إدارة المقهى الشرطة بتصرفات المجموعة العا بثة حينما أحتدمت المجادلة السياسية حول برنامج "ألأتجاه المعاكس" الذي تبثه اسبوعيا قناة الجزيرة القطرية،انفلتت ألألسنة تقذف التعبيرات الفاضحة والرخيصة. عندما هددهم صاحب المقهى برد حاسم ، علت الضحكات وقد أنبرى البسباس ضاحكا وهو يمسك بزجاجة ماء شعيرمرددا: ماهي العبارة التي نصدقها : "خال من الكحول" " أو مخلوط من الكحول" هــه... هــه .
أستعد القطوس للرد غير أن مجموعة مروجي السلع المعنوية سبقته بضحكات متهكمة . رفع أحدهم زجاجة عصير مانجا : يا بركة هذه الزجاجة كتب عليها " خال من المواد الحافظة ". هــــه......هـــه........هـــــــــــــــــه.
أشاد القطوس بهذه المداخلة من المجموعة التي يبدو أنه يتشاطر معها وأكتفى. لم تتوقف السجالات فهاهو فقيه المقهى (الجبار) والذ ي يلقبونه عمال المقهى"الشيخ المسموم" يخرج لسانه من غمده المهلهل على نحو مغاير: ألم تسمعوا كيف أعرب الطالب الجامعي هذه الجملة والتي بسببها أتجه جاري وزميلي السابق في المهنة إلى بيع الخضار في سوق الحوت؟
أتجهت الرقاب نحوه لسماع حكاية هاربة من مستنقعات النوايا البغيضة . همهم أحدهم :
- بدأ إرسال الشائعات !....هات
أستطرد الفقيه وهو يتقمص دور المعلم في قاعة دراسية يوجه السؤال اللغز: إعرب يا (.....) وأستدرك الفقيه إنه لايعرف إن كان المخاطب طالبا أو لطالبة" يحب الله المدينة الفاضلة"
أجاب الطالب أو الطالبة، أظن أنها طالبة تستعد للتخرج من قسم اللغة العربية بكلية التربية والكلام للفقيه الجبار
يحب: فعل أمر مرفوع بالنصب
لفظ الجلالة:
توقف الفقيه وهو يصرخ تصوروا! أجابت الطالبة " فعل ماضي"
صب الجبارجام غضبه على التعليم وهو يردد:"استغفر الله...أستغفر الله"
سيطرت أنفعالات شديدة منددة بالواقعة، كما عبر احد الحاضرين من سلك الشرطة عن أستيائه من ألأصطياد في الماء العكر من خلال طرق موضوعات تتعلق بالذات ألإلهية.
تسلل صوت من وسط المقهى والذي لم يكن قريبا غير أن صوت الفقيه كان جهوريا كأنما يخطب في الجامع
هذا الصوت توجه مباشرة قائلا: يا شيخ قل هذا الكلام في المؤتمر ألأساسي!. أردف الصوت الذي عرف جل المقربين من الجبار هيئته
- مشاء الله كلكم فلافسة(يقصد فلاسفة) ألأدمي يكون عرضة للخطأ ذكر أو أنثى ، الله وحده منزه عن الخطأ
رد القطوس وهويحاول كتم ضحكة ساخرة
- جماعتكم جعلوه فعل ماضي
تلعثمت السن ،ساد صمت إلا خضم ألأمواج التي ترتطم بالشاطي المترامي ألأطراف تتشعلق بصخور التلال الصغيرة ثم تتبدد بانتظام.
(2)
لم يستمر هذا الصمت طويلا ، لاسيما وأن الكثير من ألأنظار أحتفظت بالريبة إتجاه من زج بالمؤتمر ألأساسي في جدل حول قواعد النحو في اللغة العربية، فيما حذر أحد المحسوبين على مثقفي النخبة من الخوض في هكذا حوار يمس ذات الله وإن كان على سبيل لعن الممارسات السلبية.
لم تتوقف المماحكات خاصة وان شريحة السلع المعنوية لم يرق لهم التوقف عن شتم التعليم . شن احدهم حربا شرسة على من وصفه بأنه أستئصل التربية عن التعليم
- في العالم المتقدم لايفصلون التربية عن التعليم!
تنهد ماهر البسباس مرددا بحسرة وهو يتجه بنظره إلى البحر :
- ما دخل اليهود من حددودنا ! وأردف : رحم الله الشاعر نزار القباني
- وأنما تسربوا كالنمل من عيوبنا
لم يسمح فقيه المقهى بهذه الرحمة ان تلحق بالشاعر. فرد غاضبا ونهض من كرسيه
- شاعر كافرّ!
احد مثقفي النخبة الذي ابتعد للتو عن المعارك التي تدور على فضائيات الشاشات المعلقة
- هل عرفتم لماذا أنتحر البوعزيزي؟
رد أخر: تجرع سماّ!
الثوار لا يشربون السم ، قال المثقف
فيما أنطلقت مجموعة أخرى كانت تتابع ألأخبار العاجلة
- أنشألله تحرقهم النار كلهم!
(3)
انساقت المشاعر المتضاربة نحو الفضائيات .أنكفأ كثير من الجمع نحو هواتفهم النقالة يبحثون عن تغطية لإقتناص ألأخبار العاجلة .
نشبت مشادة إصطدمت فيها اخبار صفحات التواصل ألإجتماعي(الفيسبوك) باخبار شهود عيان مما جعل الخوف والقلق هما سيدا المشهد، فتصاعدت التكهنات عن سريان حريق البوعزيزي إلى أخرين.
حذر عسكري متقاعد من الغوغاء الدعائية.
تجاوز نزع طمأنينة الثلاثي المنسجم (المقهى و التلال الصغيرة و البحر) حده. شرعت ألأنفس تشتبك في مكامنها وعبر صفحات (الفيسبوك) . التعبيرات المفخخة تلاحق الشخص الذي دعا صبري الجبار إلى أن يتحدث فيما يخص تدني مستوى التعليم في المؤتمر الشعبي. كما لم يسلم المثقف الذي وصف الثوار بالنبل بأنه مروج فتنة . الكوابيس هي ألأخرئ طالت العاشق الفاشل الذي كان أكثر مرتادي المقهي صمتا ووجوما. لم يأبه لما يحيط به، أعياه الغوص في ذكرياته فها هو يغط في نوم عميق وقد تدلى رأسه وأرتفع صوت شخيره ، أستلمته فشعريرة وسلمته إلى صدر فتاة حنطية طويلة واسعة العينيين . تدفقت انفعالته الخفية تمارس رجولة زائفة نال منها التدخين والسهد . حاول أن يدافع عن الفتاة من مجموعة مسلحة أقتحمت مضجعه . صرخ أحد المسلحين حانقا وقد سحب اقسام مسدسه مهددا بقتله وخطف الفتاة . انتفض الغارق في كابوسه صارخا: لا....لا انا موش البوعزيزي ! لا ! لا ! . ترتعد فرائصه وسط دوائر من التعويذات . أندفع صوبه وتحلق كل زبائن ومرتادي المقهى. لم يتما لك نفسه، صار يعض على سبابته وهو يصرخ ويلطم وجهه بكلتا يديه
- أين المرأة ؟ أين المجموعة المسلحة؟
راح بعض من الجمع يطبب عليه "الحمد الله على السلامة" وهم يكتمون ضحكاتهم .
(4)
أختفت العفاريت والفتاة الحنطية ، خابت أمنيات العاشق إلا أن هذا الضرب من أضدغاث ألأحلام تصدر على نحو غير مسبوق صفحات التقاطع ألإجتماعي (الفيسبوك) وشريط ألأخبار العاجلة:"مجموعة مسلحة مؤيدة للنظام تقتل شابا ثأيرا وزوجته وسط مقهى الياسمين".
أجتاح طوفان عارم الجموع في إتجاهات متعاكسة ، تسمر الحالم وحيدا ولم يدرك أنه في عداد الشهداء . إنهمك ينفث في سيجارته مشدوها:
- ماذا وقع للناس ياعالم!
صوبت الجموع اللعنات صوب بعضها، طفحت نفس صاحب المقهي بغضب طالما كظمه ، وقف وسط ماتبقى من عمار المقهى
- أسمعوأ ! "هذا المقهي أخذ شرعيته وأسمه من تراب هذا الوطن وعبق نسائم بحر هذه المدينة وأشجارياسامينها وسروها ، وعبر كدح عماله واشواق صياديه العائيدين ،و....
- قاطعه أخر:
- ألناس في هذه المدينة ترفع شعارات الله وتغوص في المنكرات.
أردف صاحب المقهى :
- إسمعوا ! "لا نريد أن يتحول هذا المقهى إلى ميدان البوعزيزي ولا ميدان تقسيم"
- إسمعوا! "لا تقطعوا لقمة عيشنا"
- إسمعوا!" لا نريد أستبدال لافتة الشموخ والأمان بلافتات النكوص والفوضى"
قاطعه كل من المدعو فقيه المقهى وعمران القطوس والبسباس وقد تشابهت قلوبهم في البغض الجاهز
- لا تحدثنا عن شموخك !
هيمنت حالات عصبية عنفية على المكان والزمان . أنطلقت هتافات وعلا تكبير من خارج وداخل المقهى . أرتعدت فرائص . لم تقو أخرى على الوقوف. تعال السباب المقذع والشتائم المستفزة . أشتركت الشاشات المعلقة في إدارة ألصراع قبل أن ينالها التهشيم.
أجتاح المقهى هجوم مباغث أو هي حالة غامضة تجلت في لحظة ما وبشكل فعلي وليس كابوس عاشق اشعل فتيل تحت رماد، كأنما قرارا قد اتخذ من خارج المقهى .أشتدت ألأشتباكات بما تبقى من كراسي . استعرت كالنار في الحطب . هاجت علب المشروبات واقداح القهوة وكؤوس المشروبات . تقطعت أحذية. تهاوت رؤوس . تدخل الرصاص الحي . صار سيد المشهد، سالت بغزارة دماء. علت تفحيرات .اشتعلت حرائق . دمر المقهى. سقطت لافتاتة أسمه "مقهى الياسمين".
لم يعرف أحد فيما بعد كيف استبدلت سريعا بلافتة أخرى، غير ان هذه المرة رشقت وسط بركة م الدماء وليست على مخلفات القمامة. لا فتة كبيرة موأطرة بصور شهداء أحلام الكوابيس ومخالب الطيور القمامة" مقهى نسور باليرمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو"." Coffee Nassor Palermo "
فرج الجطيلاوي طرابلس ليبيا
26-11-2018
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف