الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ظل وثلاثة ألوان بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2019-09-03
ظل وثلاثة ألوان  بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
ظل وثلاثة ألوان

لعادل بن مليح الأنصاري

هو الإنسان مرة أخرى , خلقه الله في أحسن تقويم , والإنسان ذاته أحتار في حقيقته , فبين الدين والعلم اختلاف جوهري في كينونته , فالدين يخبرنا أن اصل الإنسان الأول هو آدم الذي خلقه الله من طين ثم خلق منه زوجه ونعرف بقية القصة حيث كاد لهم الشيطان فطردا من الجنة ثم تناسل أبناء آدم حتى اليوم بذات الشكل الذي نعرفه وما نحن عليه ( في أحسن تقويم ) .

ثم هناك الإنسان في العلم الذي يُعرف على أنه :
«هو الكائن الحي الوحيد المتبقي من الإنسان العاقل جنس الهومو (الأناسي)، فرع من قبيلة أشباه البشر، التي تنتمي إلى فصيلة القردة العليا » .

ومما لا شك فيه أن الإنسان باختلاف نظريات وجوده ( والتي لا تخضع لموضوعنا هنا ) , هو المخلوق المسيطر على الأرض (على الأقل) حتى الآن وتفصله مراحل خرافية عن غيره من المخلوقات التي تشاركه هذه الأرض من كل النواحي , ولكن وعلى عجالة هناك دوائر استفهامية تدور حول نظريات وجوده تتطلب قناعة منطقية لتفسيرات العلماء من ناحية تعريفه العلمي , والتي لا يمكن للمنطق من تجاوزها , مثلا , لو أن أول ظهور لهذا الإنسان كما نعرفه اليوم (كما يقول العلماء) 300 ألف عام , وتطور عن مخلوقات مشابهة تسمىو (الهومو) وهي كما يقولون فرع من قبيلة اشباه البشر , والتي بدورها تنتمي لفصيلة القردة العليا , يمكن أن نطرح سؤالا منطقيا مشروعا , بقية الأصناف من فصيلة القردة العليا أو أبناء عمومتنا من (الهومو) , لماذا لم يطالهم سلم التطور ولو قليلا , حسب هذه النظرية فأبناء عمومتنا القردة أو الغوريلات أو الشمبانزي , مازالوا يشاركون هذه الأرض من 300 ألف عام , فلماذا لم يتطوروا ولو 1/1000000من الدرجة مثلنا , هم من نفس فصيلتنا , ويشاركوننا التكوين والجسم وربما حجم الرأس والمخ , فأي قوى منحتنا هذا التطور الخرافي وحرمتهم من أي نسبة ولو ضئيلة من التطور ؟

أبناء فصيلتنا ومنذ 300000 سنة مازالوا موجودين بيننا في أقفاص حديدية يلهو بها صغارنا ويضحكون عليها , ومازالت تقبع في المعامل كمخلوقات تجارب لأبشع النتائج ربما , دون اعتراض أو مقاومة .
هل تلك الفروقات في حجم وتفاصيل المخ بين فصيلة واحدة متشابهة قادرة على خلق هذا الفرق الخرافي الغير منطقي ؟

هنا قد يُطرح سؤال منطقي , وهو ربما كانت اختلافات البشر الأذكياء اليوم نوع من تطور عدة أنواع من فصائل القردة الأولى , فمثلا اختلاف شكل الأوربي عن الإفريقي عن الأسيوي عن الهندي والعربي إلى أخره يدل على تطور أنواع عدة من تلك الفصائل للقردة بينما بقية الأخرى كما نراها اليوم , وهنا ندحضها برؤية منطقية تقول :
لماذا كان التطور متلازما دقيقا متشابها متزامنا بين تلك الأصناف من أبناء القردة بينما ظلت الأخرى التي لم تحظ بنعمة التطور كما هي , بدائية حيوانية ومنذ 300000 سنة , ألا يحق للمنطق أن يتساءل لماذا لم تتطور ولو درجة واحدة كما تطورت نفس الفصائل السابقة والتي تشاركها في كل الخصائص الفسيولوجية الأخرى ؟

ربما كان الأولى للعلم أن يشرك المنطق السليم والمعقول في طرحه لنظرياته العلمية المجردة , ولا يتجنب الرؤية الدينية بالرغم من كونها تؤثر وتتسلل لثقافات أكثر البشر على سطح الأرض ,

هنا يجب أن لا نغفل العداء الشديد الذي صاحب ظهور الطفرة العلمية وبين الكنيسة التي تمثل الدين في بدايات النهضة العلمية , فكلنا يعلم أن النظريات العلمية صاحب ظهورها رفض وتمسك شديد من قبل الكنيسة بالموروثات الدينية حتى وإن أثبت العلم يقينا وقتها بخللها , وما وقوع بعض العلماء تحت مقصلة الكنيسة في بدايات النهضة إلا خير مثال على ذلك .
من هنا لا نعجب لهذا الرفض الشديد من قبل حماة العلم لتدخل الدين أو حتى مجرد الأخذ ببعض النظريات الدينية في تفسير ظواهر الكون أو مكنونات البشر .

والمتأمل لتطور العلم حديثا ربما يتنبه أن بعض أعتى نظريات العلم في التشريح أو الفلك والفيزياء وبقية المكونات العلمية الأخرى , بدأت تقترب كثيرا من الكثير من نظريات الدين والتي ربما سبق الموروث الديني العلم بعقود على طرحها وتفسيرها , بل أن بعض علماء اليوم لم يعد يجد غضاضة في الاعتراف بذلك .

ورغم كل ما سبق , سيظل هذا الإنسان لغزا يستعصي على الإنسان ذاته , فرغم متاهات النظريات التي تدور حول الإنسان وعالمه الخارجي , كيف جاء , وكيف سيمضي , وكيف سيتعامل مع الكون والبيئة التي ما برح يجهزها لتكون أكبر عدو له , ورغم كون الإنسان ذاته هو أكبر عدو للإنسان , فالجراثيم والحوادث والبيئة والكوارث لم تقتل عشر ما قتله الإنسان بعلمه ونظرياته وحبه للسلطة وعبقريته في اختراع أدوات الموت والجوع والتلوث .

سيظل داخل الإنسان , وبالذات ذلك الوعاء الذي يحتل جمجمته وما فيها من عجينة جهنمية فتاكة , قد تُخرج الحياة والأفكار الرائعة لخلق حياة أفضل ومخترعات تسهل تفاصيل حياته من دواء وزراعة وصناعة , وكذلك ما يمكن أن ينتجه من أشكال الموت ونظريات الشقاء والتسلط بكل درجاتها التي تتحكم في تفاصيلنا منذ الولادة وحتى الشيخوخة , هو أكبر لغز وأكبر عقبة ربما تضع حدا لوجوده وغروره .

لم يقل الخالق عز وجل ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) عبثا , بل هو وحي يوحى , فداخل تلك النفس التي خُلقت في أحسن تقويم يكمن السر الأعظم للكون , ووجود هذا المخلوق العظيم ,

الإنسان يجهل الإنسان في أبسط صوره على الإطلاق , هذا الإنسان الذي يعتقد أنه كشف كثيرا من أسرار الفضاء والكون , وأعماق البحار , وعالم الذرة , وعالم الجراثيم , وأصبح قادرا على التنبؤ بالكوارث البيئية , وظواهر الطبيعة والكون , وغاص في أدق أجزاء الجسم البشري , وصور الشرايين ونخاع العظام وكريات الدم وعملية الهضم وتكون الجنين , كل ذلك التقدم الهائل والذي مازال يواصل الركض نحو المزيد , مازال يعجز عن معرفة الآخر الذي يقف أمامه , وحتى في أبسط تفاصيله الداخلية , ربما يغفل الكثير أن معظم المشاكل النفسية والجسدية التي تقع بين إنسان وآخر سببها عدم القدرة أو العجز عن قراءة هذا الآخر , حتى بدايات العلاقات الاجتماعية والأسرية بينهم ربما تبدا بداية خاطئة أو عديمة الجدوى سيدفع ذات يوم ثمنها غاليا قد يصل لحد الحياة ذاتها .
هذا الإنسان ربما يتخذ قرارات ستعود بالدمار والهلاك لشعوب وأمم لمجرد كوننا عجزنا عن قراءات جسده الخارجة والداخلية , فمثلا كل صنّاع الموت عبر التاريخ لو وُجدت طريقة ما لقراءة مخبوءات جسدهم لربما تفادينا أهوال وكوارث ودماء لا حصر لها , أليس هذا فشلا كارثيا ينبني على فشل رئيسي في قراءات أسرار الجسد , ربما يأتي يوما ما على الإنسان إيجاد طريقة لوضع نتائج دقيقة لمعدلات الخير والشر في كل جسد , لوضع الخطط اللازمة وإيجاد جداول بيانات للخصائص الإيجابية والسلبية لكل إنسان ليُوضع في المكان المناسب .

البشر عبارة عن ظلال , وعندما تقابل إنسانا ما فهو عبارة عن ظل , لا لون له , فلا تستطيع أن تعرف هل هو (أبيض) مأمون أو ( أسود ) غير مأمون , و ( هنا نتحدث عن اللون الداخلي وليس لون البشرة ) , ولا حتى نراه بلون (رمادي) يختلط فيه الخير والشر .

إنه (ظل) فقط ونحتاج ربما لوقت طويل و ( بصيرة ) حتى نتعايش معه ونعرف حقيقة ألوانه الداخلية , هل هو (أسود) أم (أبيض) أم (رمادي) .

ربما نجح الإنسان كثيرا أمام الكون والبيئة والحياة بكل اشكالها , ولكنه وبلا شك فشل أمام ذاته ليكتشف ذاته .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف