الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بين الحاجة والرغبة (قُتل الإنسان ما أكفره) بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2019-09-01
بين الحاجة والرغبة (قُتل الإنسان ما أكفره) بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
بين الحاجة والرغبة
( قُتل الإنسان ما أكفره )
لعادل بن مليح الأنصاري

الإنسان البدائي وفي بداية تقبله لمعنى المجتمع البسيط والمتكون من عدة أسر كانت في البداية تربطهم صلات تقارب ونسب , بداية من الأسرة الصغيرة التي وجدت نفسها مرغمة على التواجد بالقرب من بعضها لظروف التزاوج والحاجة لخلق نوع من الحماية الذاتية ضد الطبيعة بمختلف أشكالها , والإحساس الفطري برغبة الأب والأم على الحفاظ ورعاية تلك المخلوقات الصغيرة التي نتجت عن لحظات الرغبة الجسدية البدائية الفطرية دون تفكير أو دراسة أو فلسفة , هذا التجمع البدائي هو المكون الأولي للمجتمعات حتى اليوم , وتطورت العلاقات والحاجات لتلك الأسر مع توسعها وتمددها والشعور بالانتماء والتقارب والحميمية بين بعضها البعض , وخاصة وهم يراقبون هذا التمدد والانتشار الذي بدأ من محيطهم الضيق وحتى أخر إنسان في تلك المجموعات , وفي ظل الحاجة لتكوين قوة تقف ضد قسوة الطبيعة البدائية من زلازل وبراكين وفيضانات وأمطار وحيوانات متوحشة , والحاجة الملحة لتأمين الطعام والمسكن والأمان لتلك المجموعات , نشأت مع كل هذا أنظمة بدائية لما يُعرف اليوم بالدولة , تطورت تلك الأنظمة مع تكاثر المجتمع وزيادة التحديات أمامهم , وتطورت ثقافاتهم وبدأت ما تُعرف بالفروق الفردية , وظهر من بينهم من يُفكر في تنظيم تلك المجتمعات والرغبة في السيطرة على تلك الجموع , ثم تبلورت فكرة الزعامة ورغبة القيادة وحب السلطة وشهوة الجاه .
ربما كانت تفاعلات وحياة الناس البسيطة في تلك المجتمعات البدائية هي الحافز الأكبر لولادة تلك الأفكار عند البعض , فتمتع بعض أولئك الأفراد بالذكاء الفطري قادهم دون غيرهم لخلق الأفكار الجديدة والخلاقة , ثم بدأوا يخططون ويطرحون أفكارهم للجميع أخذين زمام المبادرة واستقطاب الجماهير بما يملكون من (كريزما) القيادة , انتزعوا الدهشة والقبول من عقول الجميع , وخلقوا مكاناتهم بتفوقهم الفطري , وربما وصل البعض لتلك المكانة لمجرد كونه يتمتع بالسيطرة على مجموعات أسرية بحكم السن أو العلاقة الأسرية المترابطة , ثم ظهرت مع الوقت ما يعرف بالقبيلة ثم القبائل ثم ظهور التعقيدات بينها في العلاقات والرغبات والسيطرة وحب التملك , صاحب ذلك توسع المجتمعات وزيادة الحاجة للطعام ومساحة أرض أكبر وحب تملك وسلطة أكبر , وبدأت الأطماع ترسم بدايات الاقتتال والحروب والغزو بينهم .
تطورت بعض المجتمعات بعدها لتنتقل نقلة نوعية في النظام البشري , فظهرت الأفكار في إنشاء الدول والممالك على أساس الحكم المطلق الذي هو نتيجة طبيعية لتطور نظام الأب الأكبر للأسرة أو شيخ القبيلة , وكلما تطور النظام البشري وتعقدت حاجاته ورغبات وربما نزوات قادته زادت أنظمته تعقيدا وربما عنفا وتسلطا , وكذلك صاحبة زيادة في أطماعه التوسعية ولو على حساب مجتمعات أخرى .
والآن , نقلب صفحة تحتوي على صورة لإنسان بدائي يتخذ من الكهوف والأشجار مسكنا وملاذا , يرتعد لمرور حيوان مفترس , ويتقوقع لصوت رعد , ويرتجف لظهور البرق الذي لا يعرف ماهيته , ذلك البدائي الذي يبحث عن قوته ويحمي وجوده ولو بالقتل , بل ربما كان القتل هو الملجأ الأول لكل تلك الرغبات , هذا الإنسان كان يشبع رغبته الفطرية البدائية نحو الأنثى بقوة ساعديه , فربما اختطفها من رجل أخر أو من بين أفراد أسرتها ليذهب بها بعيدا نحو كهف أو بين كومة أشجار , ومع الوقت أصبح يشعر بالارتباط نحو تلك المخلوقة لشعوره باللذة والرغبة في ممارستها كل حين , ثم تطور الأمر وأخذ ينظر لتلك التغيرات في تلك الأنثى وما تقذفه من مخلوق صغير تتسلل محبته والرغبة في رعايته بشكل فطري لقلبه , ربما راقب الحيوانات وهي تداعب مخلوقاتها الصغيرة تلك بكل محبة وفرح , وربما لاحظ استماتتها في الدفاع عنها وجلب الطعام لها ومراقبتها لها وهي تأكل , هذه المشاعر ربما اختبرها في بداياته وشكلت تغيرا جذريا في محيطه وبيئته ومشاعره واهتماماته , وعرف معنى المسؤولية لأول مرة نحو تلك المخلوقة وما نتج عنها , ربما هذه هي قصة تكون الأسرة البدائية كما يقبلها المنطق .
وما بين تلك الصفحة وبين الصفحة التالية التي تصور ذلك الإنسان بعد تكون المجتمعات وتنظيماتها المعقدة , وما تلاها من صفحات لتكون الدول وظهور القادة والملوك والنظم السياسية بمختلف أوجهها , وتفجر الفلسفات السياسية والاجتماعية والثقافات والتنظيرات لكل ما يتغلغل في تفاصيل حياتنا اليوم , هناك سؤال يختصر بطريقة ما كل تلك المتغيرات بين إنسان الأمس وإنسان اليوم وربما الغد .
لماذا تحولت تصرفات ذلك المخلوق البدائي من حاجة تخضع لرغبته في البقاء إلى مجرد رغبة في التملك تتجاوز حاجته للبقاء بمراحل لا حصر لها ؟
كان الإنسان البدائي يقتل ليعيش واليوم هو يعيش ليقتل !
ذلك الوجه الشيطاني المخيف لعالم اليوم القائم على الرغبات المجردة والأطماع الشخصية والبحث عن حاجاته بما يفوق احتياجاته بمراحل لا نهائية أصبحت سياسات إنسانية مرغوبة , وتطرح لها النظريات والخطط ويشار إلى متبنيها بالبنان والفخر , إنسان اليوم والذي كان بالأمس يخشى المطر والبرق ويبحث عن قوته كي يعيش فقط , تحول لآلة تزرع لتتلف المزروعات , وتصنع ما يجب أن يتلف في أسرع وقت , وتقذف الطعام في البحر رغم وجود أخرين يبحثون عن فتات .
لم يعد العالم قبيلة وشيخ يحرص على أمنها وطعامها , بل أصبح عوالم آلية , كل عالم يبحث عن رخائه ولو على حساب هلاك الآخر .

إن الحاجات الإنسانية الأساسية من طعام وسكن وأمن تحولت من حاجات إلى رغبات , تخضع للنظريات الاقتصادية والفلسفية والاجتماعية المجردة من الإحساس البشري والتعاطف مع الآخرين !
تحولت الأسرة والقبيلة من فم واحد وجسد واحد يحكمه حكيم القوم , إلى دول وملايين الأفواه والأجساد التي تصارع بأنانية مطلقة لتلبية رغباتهم قبل حاجاتهم , وتحول حكامها لأشخاص يطرحون نظريات وخطط في كيفية جلب الرخاء لدولهم ودفع البلاء نحو الآخرين , تحولوا لتجار بشر في ملابس عصرية ومظاهر براقة وكلام هم أول من يعلم بكمية الكذب الذي يتفوهون به , أصبح فرسان الأمس وشيوخ المجتمعات القديمة مجرد دجالين يدوسون رقاب البشر لمجرد صناديق تسمى صناديق الاقتراع تمنحهم الحق في تدمير الآخر .
ربما كانت الدول قديما تستمر ألاف ومئات السنين لأنها كانت تُحكم بالحاجات , واليوم صارت الحكومات تعيش سنوات قليلة ثم تفشل وتأتي غيرها ثم تفشل وهكذا لأنها تحكم بالرغبات .

وربما انتهاء الممالك القديمة بعد صمودها لعشرات ومئات السنين لم يكن إلا لتحول سياساتها من الحفاظ على الحاجات إلى السعي خلف الرغبات ( تحتاج لتامل عميق ) .

وكذلك تغير رؤساء اليوم بعد فترات حكم قصيرة يعود سببه الرئيس لبناء تلك الأنظمة على تأمين الرغبات قبل تأمين الحاجات ( تحتاج لتامل عميق ) .

بين الرغبة والحاجة قُتل الإنسان ما أكفره .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف