تاريخ يعبد ...بقلم الكاتب والمؤرخ محمد أبو الفضل
يشغلنى حال أمة أقرأ التى باتت لا تقرأ وتصيبني دوما نوبات من الحسرة والمراره والحزن الشديد وتسكنني مشاعر الألم والأسى الممزوج بالندم على ما بتنا عليه نحن المسلمون أمة محمد صل الله عليه وسلم ، أكثر شعوب الأرض عددا وفخرا ومجدا ، فكان لزاما علينا أن نعيش في وضع مناسب لعددنا وقيمنا ومعتقدنا وديانتنا وأصولنا وحضارتنا ، إلا أن حالنا ينحدر متقلبا من سيئ إلى أسوأ، منهمكين فى مجازر نرتكبها ببعضنا البعض، حروب وصراعات ونزاعات بدأت من أجيال سابقة وستأتي على أرواح أجيال قادمة، مجاعات وأمراض وبلايا، كراهية تهميش وإقصاء للآخر وقسوة واستبداد لا نظير له، وكل هذا نتفنن في تغليفه بأمارات الدين والتدين والفقه التبريري الملتوى
منذ قرون عدة خلت والأمة التي تفتخر بأنها أمة "اقرأ" تعيش حبيسة سجون الجهل والتجهيل والتخلف والأنحطاط والجمود، حيث عطلت دعوات الأجتهاد العقلي وترسخت أدبيات التقليد والنسخ. انقسم المسلمون إلى مذاهب وشيع وطوائف وجماعات متناحره فيما بينها، كل يدعي صواب رأيه وصدق مسعاه "يحسبون أنهم يحسنون صنعا" وطفى اليوم إلى سطح الرأي العام فريقان متناطحان ، الفريق الأول لا يزال واقفا على أطلال الماضي الغابر، ينادي بأن الحل لأنتشال جسد المسلمين من مستنقعات التخلف والجهل والتجهيل يكمن في أتباع وتقليد ما كان يقوم به السلف الصالح ، ولم يستوعب هؤلاء بأن الظروف الزمانية المكانية الآنية تختلف عما كانت عليه زمن أسلافهم كما قال مؤرخ الحضارة ابن خلدون: (من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام).
وعلى الضفة الأخرى الفريق الآخر ويرى بنظرة جامده تشيئية تبخيسية للحضارة والتراث وما يرتبط به، أن الحل لن يتأتى إلا بتبني سياسات الغرب والأنفتاح على ثقافاتهم وانماط معيشهم بكل تفاصيلها ومفاصلها، ولا يدرك هؤلاء المنتقدين لخصومهم بالتقليد، أنهم كذلك تقليديون من حيث لا يعلمون. ووسط خطابات وبيانات الفريقين، ينبري أخرون وهم التوفيقيون من أعلام المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي السديد، أولئك الذين يحملون هم التوفيق بين أفكار الفريقين المتناطحين، حيث ينهجون المنهج الوسط ويسخرون قدراتهم ومؤهلاتهم في سبيل بلورة فكر جديد منتج ومثمر إلا أن المثير في الأمر أنهم يهمشون وتهمش دعواتهم، وتحارب وسطيتهم من كل جهة وبفعل فاعل متعمد متربص بهم
بات من الضرورى توفير تعليم منهجي موضوعي يستثمر كل ما توصل إليه العالم على مستوى التكنولوجيا والعلوم والمعارف المختلفة المشارب، ليقدم تكوينا دراسيا عاليا للعقل المسلم.
وفي رأيي المتواضع، فإن كل تلك النقاشات والاصطدامات الفكرية التي تجتذب الرأي العام المسلم منذ عقود -ولن أكون مبالغا إذا قلت منذ قرون- محورها التأريخ و التاريخ بثقله الكبير وإشكالياته المسيطرة على نسق التفكير لدى المسلمين، وهنا تستحضرني قولة الشاعر الفرنسي بول فاليري: (التاريخ هو أخطر ما أنتجه كيمياء الفكر)، ونحن المسلمين أكثر الأمم كتابة وتدوينا واهتماما بالتاريخ، وفي نفس الوقت أقل الأمم وعيا به. ومرد ذلك ربما إلى الصراع الأبدي بيننا على السلطة والحكم واستماتة كل جماعة منا في الترويج للشرعية التاريخية وتوظيفها لأجندتهم، وهذا ما يجعلنا كمسلمين في حيرة وتيهان عند مطالعة سير التاريخ ودواوينه المختلفة.
أعتقد أننا علينا اليوم يا أمة الأسلام أن نستوعب حقيقة أن سيرورة التاريخ لن تعود بنا للوراء مطلقا وهذا ينطبق كل تلك النظريات اليوتوبية المروج لها منذ عقود، وأنه أي التاريخ هو نتاج تراكم لأفكار وحوادث وعوائد الأمس التي تصنع من خلال تراكمها حاضرنا ومستقبلنا وهو ما يجعله يبلور معادلة تتضمن ثلاث عناصر مرتبطة ببعضها ويصعب الفصل بينها (ماضينا- حاضرنا - مستقبلنا).
نحن نمتلك اليوم العديد من القراءات والتأويلات التي راكمها أعلام المفكرين التنويريين المسلمين حول التاريخ الإسلامي وماهيته، إلا أنها مع الأسف الشديد لم تلق أهتماما وتفاعلا إيجابيا لدى العقل المسلم رغم الضجة التي خلفتها بعض تلك القراءات والتأويلات، ومن أبرزها ما جاء به العظماء أمثال علي شريعتي، علي الوردي، الجابري، حسن حنفي، عبد الرزاق الجبران وغيرهم...
لقد أصبحنا نعيش اليوم على واقع مرير ألا وهو تقديس التاريخ وشخوصه وأخباره، ووصلنا مع عقد النقص الذي تسيطر علينا وتتملكنا إلى درجة التخمة من كثرة تكرار آثار السلف وصنائعهم بشكل يغذي مشاعر الفخر والأعتزاز لدينا، وهو أمر محمود ومقبول، إلا أنه يجب أن نؤمن بأن التاريخ خلق لا ليقدس بل ليصنع ويتجدد ولا يتكرر ويكتب في كل يوم من حياة البشر وليس متوقفا عند زمن من الأزمان أو حقبة من الحقب التاريخية
وبعيدا عن سياسات الأستبداد والأستبلاد والتجهيل والتهميش التي دمرت أوطاننا وجعلتها أراضي خصبة لدعاة التفرقة والإرهاب والكراهية والعنف، نحتاج اليوم أكثر من غيرنا التكالب على تعليم منهجي موضوعي يستثمر كل ما توصل إليه العالم على مستوى المعارف والعلوم التكنولوجيا والثقافات المختلفة المشارب، ليقدم تكوينا دراسيا عاليا للعقل المسلم يستهدف بناء وعي تاريخي ناضج سليم وثقافة إيجابية منتجة مثمرة غير مستهلكة، وفكرا ونبراسا إسلاميا حرا يغترف من بحار القيم النبوية المحمدية الداعية إلى المحبه والرحمة والتسامح والسلام والأعتصام بحبل الله ونبذ الفرقه وتقبل الآخر كيفما كانت درجة الأختلاف معه.
يشغلنى حال أمة أقرأ التى باتت لا تقرأ وتصيبني دوما نوبات من الحسرة والمراره والحزن الشديد وتسكنني مشاعر الألم والأسى الممزوج بالندم على ما بتنا عليه نحن المسلمون أمة محمد صل الله عليه وسلم ، أكثر شعوب الأرض عددا وفخرا ومجدا ، فكان لزاما علينا أن نعيش في وضع مناسب لعددنا وقيمنا ومعتقدنا وديانتنا وأصولنا وحضارتنا ، إلا أن حالنا ينحدر متقلبا من سيئ إلى أسوأ، منهمكين فى مجازر نرتكبها ببعضنا البعض، حروب وصراعات ونزاعات بدأت من أجيال سابقة وستأتي على أرواح أجيال قادمة، مجاعات وأمراض وبلايا، كراهية تهميش وإقصاء للآخر وقسوة واستبداد لا نظير له، وكل هذا نتفنن في تغليفه بأمارات الدين والتدين والفقه التبريري الملتوى
منذ قرون عدة خلت والأمة التي تفتخر بأنها أمة "اقرأ" تعيش حبيسة سجون الجهل والتجهيل والتخلف والأنحطاط والجمود، حيث عطلت دعوات الأجتهاد العقلي وترسخت أدبيات التقليد والنسخ. انقسم المسلمون إلى مذاهب وشيع وطوائف وجماعات متناحره فيما بينها، كل يدعي صواب رأيه وصدق مسعاه "يحسبون أنهم يحسنون صنعا" وطفى اليوم إلى سطح الرأي العام فريقان متناطحان ، الفريق الأول لا يزال واقفا على أطلال الماضي الغابر، ينادي بأن الحل لأنتشال جسد المسلمين من مستنقعات التخلف والجهل والتجهيل يكمن في أتباع وتقليد ما كان يقوم به السلف الصالح ، ولم يستوعب هؤلاء بأن الظروف الزمانية المكانية الآنية تختلف عما كانت عليه زمن أسلافهم كما قال مؤرخ الحضارة ابن خلدون: (من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام).
وعلى الضفة الأخرى الفريق الآخر ويرى بنظرة جامده تشيئية تبخيسية للحضارة والتراث وما يرتبط به، أن الحل لن يتأتى إلا بتبني سياسات الغرب والأنفتاح على ثقافاتهم وانماط معيشهم بكل تفاصيلها ومفاصلها، ولا يدرك هؤلاء المنتقدين لخصومهم بالتقليد، أنهم كذلك تقليديون من حيث لا يعلمون. ووسط خطابات وبيانات الفريقين، ينبري أخرون وهم التوفيقيون من أعلام المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي السديد، أولئك الذين يحملون هم التوفيق بين أفكار الفريقين المتناطحين، حيث ينهجون المنهج الوسط ويسخرون قدراتهم ومؤهلاتهم في سبيل بلورة فكر جديد منتج ومثمر إلا أن المثير في الأمر أنهم يهمشون وتهمش دعواتهم، وتحارب وسطيتهم من كل جهة وبفعل فاعل متعمد متربص بهم
بات من الضرورى توفير تعليم منهجي موضوعي يستثمر كل ما توصل إليه العالم على مستوى التكنولوجيا والعلوم والمعارف المختلفة المشارب، ليقدم تكوينا دراسيا عاليا للعقل المسلم.
وفي رأيي المتواضع، فإن كل تلك النقاشات والاصطدامات الفكرية التي تجتذب الرأي العام المسلم منذ عقود -ولن أكون مبالغا إذا قلت منذ قرون- محورها التأريخ و التاريخ بثقله الكبير وإشكالياته المسيطرة على نسق التفكير لدى المسلمين، وهنا تستحضرني قولة الشاعر الفرنسي بول فاليري: (التاريخ هو أخطر ما أنتجه كيمياء الفكر)، ونحن المسلمين أكثر الأمم كتابة وتدوينا واهتماما بالتاريخ، وفي نفس الوقت أقل الأمم وعيا به. ومرد ذلك ربما إلى الصراع الأبدي بيننا على السلطة والحكم واستماتة كل جماعة منا في الترويج للشرعية التاريخية وتوظيفها لأجندتهم، وهذا ما يجعلنا كمسلمين في حيرة وتيهان عند مطالعة سير التاريخ ودواوينه المختلفة.
أعتقد أننا علينا اليوم يا أمة الأسلام أن نستوعب حقيقة أن سيرورة التاريخ لن تعود بنا للوراء مطلقا وهذا ينطبق كل تلك النظريات اليوتوبية المروج لها منذ عقود، وأنه أي التاريخ هو نتاج تراكم لأفكار وحوادث وعوائد الأمس التي تصنع من خلال تراكمها حاضرنا ومستقبلنا وهو ما يجعله يبلور معادلة تتضمن ثلاث عناصر مرتبطة ببعضها ويصعب الفصل بينها (ماضينا- حاضرنا - مستقبلنا).
نحن نمتلك اليوم العديد من القراءات والتأويلات التي راكمها أعلام المفكرين التنويريين المسلمين حول التاريخ الإسلامي وماهيته، إلا أنها مع الأسف الشديد لم تلق أهتماما وتفاعلا إيجابيا لدى العقل المسلم رغم الضجة التي خلفتها بعض تلك القراءات والتأويلات، ومن أبرزها ما جاء به العظماء أمثال علي شريعتي، علي الوردي، الجابري، حسن حنفي، عبد الرزاق الجبران وغيرهم...
لقد أصبحنا نعيش اليوم على واقع مرير ألا وهو تقديس التاريخ وشخوصه وأخباره، ووصلنا مع عقد النقص الذي تسيطر علينا وتتملكنا إلى درجة التخمة من كثرة تكرار آثار السلف وصنائعهم بشكل يغذي مشاعر الفخر والأعتزاز لدينا، وهو أمر محمود ومقبول، إلا أنه يجب أن نؤمن بأن التاريخ خلق لا ليقدس بل ليصنع ويتجدد ولا يتكرر ويكتب في كل يوم من حياة البشر وليس متوقفا عند زمن من الأزمان أو حقبة من الحقب التاريخية
وبعيدا عن سياسات الأستبداد والأستبلاد والتجهيل والتهميش التي دمرت أوطاننا وجعلتها أراضي خصبة لدعاة التفرقة والإرهاب والكراهية والعنف، نحتاج اليوم أكثر من غيرنا التكالب على تعليم منهجي موضوعي يستثمر كل ما توصل إليه العالم على مستوى المعارف والعلوم التكنولوجيا والثقافات المختلفة المشارب، ليقدم تكوينا دراسيا عاليا للعقل المسلم يستهدف بناء وعي تاريخي ناضج سليم وثقافة إيجابية منتجة مثمرة غير مستهلكة، وفكرا ونبراسا إسلاميا حرا يغترف من بحار القيم النبوية المحمدية الداعية إلى المحبه والرحمة والتسامح والسلام والأعتصام بحبل الله ونبذ الفرقه وتقبل الآخر كيفما كانت درجة الأختلاف معه.