
براءة "ابن تيمية"
هو تقي الدين، أبو العباس أحمد، بن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين بن تيمية الحراني الدمشقيّ، ولد يوم الاثنين وُلد ابن تيمية سنة 661 هـ المُوافقة لسنة 1263م.
واجه ابن تيمية السجن والاعتقال عدة مرات، ومن أشهر من تأثروا بأفكاره في العصر الحديث محمد بن عبد الوهاب، وأسامة بن لادن، وفي مصر محمد عبد السلام فرج وفي العراق أبو مصعب الزرقاوي؛ فقد أصبحت فتاواه هي عمدة الأحكام لجماعات العنف !.
"ابن تيمية"، رحمه الله، كان عالمًا مجتهدًا.. ومجددًا.. مواكبًا لعصره في فتاواه.. وكان عالمًا مجتهدًا، لم يقف على الظاهر من الأحكام الشرعية، ولكنه حاول أن يفهم ما وراء النص من أحكام.. وكل ذلك كان على أرض صلبة من العلم والفقه.
في عام 1260 ميلادي، حدث، بعد هزيمة التتار في عين جالوت، أنهم انسحبوا إلى بلاد فارس. وفي هذه الفترة، وما قبلها كان كثيرون من جنود التتار قد دخلوا في الإسلام، وبعدها بنحو 40 سنة، جاء ملك تتاري اسمه "قازان"، على رأس جيش كبير
من التتار الفُرس لكي يغزو الشام ويدخل دمشق.
وكان "قازان" هذا داهية، فأراد أن يفرق جيش المسلمين الذي يضم جنودًا مصريين وشاميين؛ فلجأ إلى حيلة ماكرة.. فأعلن إشهار إسلامه، وسمى نفسه "محمود غازان"، وبعث برسالة للخليفة العباسي الموجود في القاهرة يعلن له أنه سيحارب تحت راية خلافته، وباسمه.. واستمر "محمود غازان" بالزحف والتقدم نحو دمشق لغزوها.
وطبعًا، أعلن جنود التتار دخولهم الإسلام بأمر من قائدهم "محمود غازان". ولم يكن إعلان "غازان" إسلامه سوى حيلة لتشتيت معسكر المسلمين وإضعافه.
وقد أتت تلك المؤامرة الخبيثة ثمارها، وبدأت حماسة المسلمين للجهاد تتراخى، والتبست الأمور على أفهامهم، حيث رأى معظمهم أنه لا داعي لمقاومة التتار لأنهم صاروا إخوة لهم في الدين، وأنه لا فرق بين التبعية للمماليك أو التتار، خصوصًا
أن "محمود غازان" بدأ يشن حربًا نفسية ودعائية.
وحتى تكتمل خيوط مؤامرة "قازان"، الذي سمى نفسه محمود غازان، بعث بجواسيس له يخدِّمون على حيلته فنشر هؤلاء الجواسيس بين جنود الشام ومصر دعاوى حُرمة قتال جنود التتار المسلمين، وكان محور كلامهم حول الحديث الشريف: "إذا التقى
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
وعليه تمكن هذا القائد التتري من هزيمة المماليك، ودخل هو وجنوده دمشق سنة 1299، واستباحوا المدينة وعاثوا فيها فسادًا، وأحدثوا مذبحة مروعة بين أهالي دمشق.
في هذا الوقت كان ابن تيمية قد صار عالمًا مشهورًا، وعمره لم يتعدَ 37 سنة، فعندما رأى أن جنود المسلمين خارت قواهم، وضعفت عزائمهم من حيلة جنود التتار بدخولهم الإسلام، أصدر فتوى بوجوب قتال "جيش الطاغوت" حتى وإن قالوا بالشهادتين.. وأفتى بأن من يجهر بالشهادتين يجب قتله، لأنه مراءٍ، ولم يدخل
الإسلام قلبه!!
وعن فتوى ابن تيمية، رحمه الله، بشأن جواز قتال جيوش الردة.. تلك الفتوى التي اتخذتها جماعات العنف عمدة للأحكام، في فكرها المبني على قتال المرتدين، من وجهة نظرهم، وتجاهل هؤلاء مناط الأحكام، فابن تيمية، أصدر فتواه برِدّة جنود جيش التتار، ووجوب قتلهم، وسماهم "الفئة الممانعة"، أو المانعة (يقصد مانعة
لإقامة حدود الله وشعائره: صوم.. حج... إلخ).. وكانت ركيزة فتوى ابن تيمية وقتها أن جنود جيوش التتار كانوا يقتلون المسلمين ويستبيحون الأعراض والنهب والسلب، ومع ذلك ينطقون بالشهادتين لخداع المسلمين. وحتى يثبت للمسلمين صحة
فتواه قال كلمته الشهيرة: "لو رأيتموني في وسط جيوش التتار، وفوق رأسي المصحف فاقتلوني".
وعليه أسست جماعات العنف فكرها، ووثقت أحكامها في جواز قتال جيوش الدول العربية، وهي الجيوش التي يعتنق أفرادها وقادتها الإسلام، وليسوا جواسيس أو خونة لأوطانهم ودينهم.
اتخذت جماعات التطرف من هذه الفتوى التي أصدرها ابن تيمية، في ظروف معينة، منذ أكثر من ألف عام، نبراسًا لهم، وهاديًا، ولم يراعوا أنها كانت في حق جيش عدو وجاسوس، كما لم يراعوا أنها زمانية مرهونة بظرف تاريخي.
ومن هنا ظهر مصطلح "جند الطاغوت"، و"جيش الرِدّة"، في أدبيات فكر جماعات العنف.
وعليه يُفهم أن مصطلح جيش الرِدة وجند الطاغوت كانت خاصة بجيش التتار، عندما غزا بلاد المسلمين، وفي القلب منها بلاد الشام وبالتحديد دمشق.. فهي فتوى حال.
ولم يسلم ابن تيمية من الإساءة إليه من قبل جماعات العنف الذين يزعمون أنهم يريدون تمكين الإسلام في الأرض، وهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعًا إلى شيخ الإسلام بن تيمية..
ابن تيمية نفسه الذي اتخذوا من فتواه سندًا لإراقة الدماء واستباحة الأموال يقول: [ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فَعَلَهُ، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التي تتنازع فيها أهل القبلة؛ فإن الله تعالى قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم] اهـ.
والحل هو تنقية كتب التراث من الفتاوى التي لا تلائم السياق التاريخي، والظروف الدولية، والتغيرات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية الراهنة.
مع الاحتفاظ لابن تيمية، وغيره من كبار شيوخ الإسلام، باحترامهم، وتبجيلهم، ودراسة تاريخهم، وكتبهم، وليس اعتماد فتاويهم.
لدينا دور الإفتاء في كافة أنحاء العالم الإسلامي، والتي تتابع كافة التطورات التكنولوجية، والعصرية، ولدينا مشايخنا المثقفون، ولدينا الأزهر الشريف، بوسائله وإمكاناته البشرية والمادية، الهائلة.. ألا يكفي كل ذلك؟!
هو تقي الدين، أبو العباس أحمد، بن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين بن تيمية الحراني الدمشقيّ، ولد يوم الاثنين وُلد ابن تيمية سنة 661 هـ المُوافقة لسنة 1263م.
واجه ابن تيمية السجن والاعتقال عدة مرات، ومن أشهر من تأثروا بأفكاره في العصر الحديث محمد بن عبد الوهاب، وأسامة بن لادن، وفي مصر محمد عبد السلام فرج وفي العراق أبو مصعب الزرقاوي؛ فقد أصبحت فتاواه هي عمدة الأحكام لجماعات العنف !.
"ابن تيمية"، رحمه الله، كان عالمًا مجتهدًا.. ومجددًا.. مواكبًا لعصره في فتاواه.. وكان عالمًا مجتهدًا، لم يقف على الظاهر من الأحكام الشرعية، ولكنه حاول أن يفهم ما وراء النص من أحكام.. وكل ذلك كان على أرض صلبة من العلم والفقه.
في عام 1260 ميلادي، حدث، بعد هزيمة التتار في عين جالوت، أنهم انسحبوا إلى بلاد فارس. وفي هذه الفترة، وما قبلها كان كثيرون من جنود التتار قد دخلوا في الإسلام، وبعدها بنحو 40 سنة، جاء ملك تتاري اسمه "قازان"، على رأس جيش كبير
من التتار الفُرس لكي يغزو الشام ويدخل دمشق.
وكان "قازان" هذا داهية، فأراد أن يفرق جيش المسلمين الذي يضم جنودًا مصريين وشاميين؛ فلجأ إلى حيلة ماكرة.. فأعلن إشهار إسلامه، وسمى نفسه "محمود غازان"، وبعث برسالة للخليفة العباسي الموجود في القاهرة يعلن له أنه سيحارب تحت راية خلافته، وباسمه.. واستمر "محمود غازان" بالزحف والتقدم نحو دمشق لغزوها.
وطبعًا، أعلن جنود التتار دخولهم الإسلام بأمر من قائدهم "محمود غازان". ولم يكن إعلان "غازان" إسلامه سوى حيلة لتشتيت معسكر المسلمين وإضعافه.
وقد أتت تلك المؤامرة الخبيثة ثمارها، وبدأت حماسة المسلمين للجهاد تتراخى، والتبست الأمور على أفهامهم، حيث رأى معظمهم أنه لا داعي لمقاومة التتار لأنهم صاروا إخوة لهم في الدين، وأنه لا فرق بين التبعية للمماليك أو التتار، خصوصًا
أن "محمود غازان" بدأ يشن حربًا نفسية ودعائية.
وحتى تكتمل خيوط مؤامرة "قازان"، الذي سمى نفسه محمود غازان، بعث بجواسيس له يخدِّمون على حيلته فنشر هؤلاء الجواسيس بين جنود الشام ومصر دعاوى حُرمة قتال جنود التتار المسلمين، وكان محور كلامهم حول الحديث الشريف: "إذا التقى
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
وعليه تمكن هذا القائد التتري من هزيمة المماليك، ودخل هو وجنوده دمشق سنة 1299، واستباحوا المدينة وعاثوا فيها فسادًا، وأحدثوا مذبحة مروعة بين أهالي دمشق.
في هذا الوقت كان ابن تيمية قد صار عالمًا مشهورًا، وعمره لم يتعدَ 37 سنة، فعندما رأى أن جنود المسلمين خارت قواهم، وضعفت عزائمهم من حيلة جنود التتار بدخولهم الإسلام، أصدر فتوى بوجوب قتال "جيش الطاغوت" حتى وإن قالوا بالشهادتين.. وأفتى بأن من يجهر بالشهادتين يجب قتله، لأنه مراءٍ، ولم يدخل
الإسلام قلبه!!
وعن فتوى ابن تيمية، رحمه الله، بشأن جواز قتال جيوش الردة.. تلك الفتوى التي اتخذتها جماعات العنف عمدة للأحكام، في فكرها المبني على قتال المرتدين، من وجهة نظرهم، وتجاهل هؤلاء مناط الأحكام، فابن تيمية، أصدر فتواه برِدّة جنود جيش التتار، ووجوب قتلهم، وسماهم "الفئة الممانعة"، أو المانعة (يقصد مانعة
لإقامة حدود الله وشعائره: صوم.. حج... إلخ).. وكانت ركيزة فتوى ابن تيمية وقتها أن جنود جيوش التتار كانوا يقتلون المسلمين ويستبيحون الأعراض والنهب والسلب، ومع ذلك ينطقون بالشهادتين لخداع المسلمين. وحتى يثبت للمسلمين صحة
فتواه قال كلمته الشهيرة: "لو رأيتموني في وسط جيوش التتار، وفوق رأسي المصحف فاقتلوني".
وعليه أسست جماعات العنف فكرها، ووثقت أحكامها في جواز قتال جيوش الدول العربية، وهي الجيوش التي يعتنق أفرادها وقادتها الإسلام، وليسوا جواسيس أو خونة لأوطانهم ودينهم.
اتخذت جماعات التطرف من هذه الفتوى التي أصدرها ابن تيمية، في ظروف معينة، منذ أكثر من ألف عام، نبراسًا لهم، وهاديًا، ولم يراعوا أنها كانت في حق جيش عدو وجاسوس، كما لم يراعوا أنها زمانية مرهونة بظرف تاريخي.
ومن هنا ظهر مصطلح "جند الطاغوت"، و"جيش الرِدّة"، في أدبيات فكر جماعات العنف.
وعليه يُفهم أن مصطلح جيش الرِدة وجند الطاغوت كانت خاصة بجيش التتار، عندما غزا بلاد المسلمين، وفي القلب منها بلاد الشام وبالتحديد دمشق.. فهي فتوى حال.
ولم يسلم ابن تيمية من الإساءة إليه من قبل جماعات العنف الذين يزعمون أنهم يريدون تمكين الإسلام في الأرض، وهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعًا إلى شيخ الإسلام بن تيمية..
ابن تيمية نفسه الذي اتخذوا من فتواه سندًا لإراقة الدماء واستباحة الأموال يقول: [ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فَعَلَهُ، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التي تتنازع فيها أهل القبلة؛ فإن الله تعالى قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم] اهـ.
والحل هو تنقية كتب التراث من الفتاوى التي لا تلائم السياق التاريخي، والظروف الدولية، والتغيرات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية الراهنة.
مع الاحتفاظ لابن تيمية، وغيره من كبار شيوخ الإسلام، باحترامهم، وتبجيلهم، ودراسة تاريخهم، وكتبهم، وليس اعتماد فتاويهم.
لدينا دور الإفتاء في كافة أنحاء العالم الإسلامي، والتي تتابع كافة التطورات التكنولوجية، والعصرية، ولدينا مشايخنا المثقفون، ولدينا الأزهر الشريف، بوسائله وإمكاناته البشرية والمادية، الهائلة.. ألا يكفي كل ذلك؟!