الأخبار
ما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقط
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مجموعة "ذبيحة" هاني أبو انعيم بقلم: رائد محمد الحواري

تاريخ النشر : 2019-08-27
مجموعة "ذبيحة" هاني أبو انعيم بقلم: رائد محمد الحواري
"ذبيحة"
هاني أبو انعيم
بخمس قصص يوصل لنا القاص "هاني أبو انعيم" همومه كمواطن عربي، وهمومه كفلسطيني، وهذا ما يحسب له، فكل قصة تتناول جانب من الحياة، قصة "خيار آخر" يتحدث عن انزعاج المواطن من المدينة وضيق المكان عليه ومحاصرته أمنيا من قبل السلطة، واغترابه عن المجتمع، وفي قصة "وظائف شاغرة" يتعرض لنظام التوظيف والطريقة التي يتم تعين وقبول الموظفين فيها، وهنا يتحدث القاص عن نهج وسياسية الحكومة ودورها في خراب الوطن، وفي قصة "ساعة الصفر" ينتقد فيها حركة التحرر العربية، وكيف أن أداتها معطلة/تالفة، فكيف سيصل إلى التغيير المنشود؟ وفي قصية "ذبحة" يتناول المجتمع الذكوري ودوره في تفشي جرائم الشرف، وكيف ينظر إلى المرأة، وفي قصة "صرخة في القمة" تتحدث عن الفرق بين المتعلم وبين المواطن العادي وكيف يقاوم الفلسطيني جنود الاحتلال والوسيلة التي يستخدمها.
ورغم هذا التنوع في المواضيع إلا أن هناك جامع وموحد للمجموعة القصصية والمتمثل في النهاية المدهشة والتي جاءت قريبة من الفانتازيا، وهنا يكون "هاني أبو انعيم" قد نوع في موضوع القصص لكنه وحدها في الشكل تقديمها، لهذا هي مجموعة منسجمة في شكلها، أيضا، ويمكننا القول أن تناول القاص للقضايا الهموم المواطن، والمرأة، والاداء الحكومي، وطريقة تعامل حركة التحرر العربية مع واقع المنطقة، والمقاومة في فلسطين، كلها مجتمعة تعد هموم المواطن العربي، فأينما اتجهنا نجد هذه الهموم، وهذا ما يزيد من وحدة المجموعة القصصية "ذبيحة".
قصة "خيار آخر"
حالة الاغتراب عن الواقع موضوع يكاد أن يكون عاما عند غالبية المثقفين العرب، فهم يفكرون بواقعهم، ويمتازون بمشاعر مرهفة، مما يجعل الأذى الواقع عليهم أكبر من الاشخاص العاديين، فحياة المدينة العربية المكتظة مزعجة ومؤذية: "... حركة الأرجل والأمواج البشرية في ذهابها وإيابها، وضجيج السيارات وأصوات الباعة وصافرة الشرطي ونحنحة مريض، وزعيق الأطفال" ص9، ضمن هذا الواقع يعيش المواطن العربي، وبالتأكيد سيتأثر به سلبا، فالمكان غير صالح للحياة السوية، هذا على صعيد المحيط، المكان، طبيعة المدينة، أما على الصعيد الملاحقة الأمنية، والطريقة التي يُعامل بها المواطن من قبل الاجهزة المخابرات ومكان الاعتقال: " وجدت نفسي في غرفة صغيرة، ليست غرفة، ... مصعد في مبنى شاهق... متر بمتر" ص10و11، واعتقد أن تناول الحياة (العادية) في المدينة وكيف تسير، ومكان التحقيق، يعكس حجم الضغط الواقع على المواطن، فحتى البيئة (العادية/الطبيعية) مؤذية ومزعجة، فكيف هنو الحال في حال الاعتقال والتحقيق؟.
أما التهمة فهي:
"ـ لقد احضرناه، بعد أن راقبناه طويلا.
ـ ضبطناه بالجرم المشهود.
ـ في مكان ريبة.
ـ موضع شبهة.
ـ لم يقاوم.
ـ اعترف بجميع التهم ضمنا.
ـ شاهدناه يبتسم لصفحة.
ـ ويشحب لأخرى." ص11، الأصوات متناغمة فيما بينها، فهي صوت واحد رغم أن المتكم اثنان، لكن طريقة تفكيرهما وطريقة عملهما واحدة، فكان يتكلمان بصوت واحد، يدعم لكلا منها الأخر ويؤيده فيما يقول، وهذا الشكل من التفكير/السلوك/الفهم يعمق الهوة بين المواطن والسلطة الأمنية، التي تشتبه بكل شيء وتعد أي سلوك هو حالة ريبة وشك وتهمة يجب معاقبة فاعلها.
رغم الصورة الكاريكاتورية التي قدم بها المشهد إلا أنها واقعية وتمارس من قبل الاجهزة القمعية، التي لا تعرف إلا الشك وإلصاق التهم بالمواطنين. وهنا يكون المثقف محاصرا من قبل البيئة، ومن قبل النظام معا.
يدخلنا القاص إلى المكان ويحدثنا عن طريقة تعامل المخابرات مع المواطنين: "... بيد واحدة يمكنه أن يطبق على عنقي فيكتم انفاسي.
الغرائب والعجائب لا تنتهي، أصوات احتكاك معدني، صرير سلاسل وجنازير، أزيز محركات ما، عواء ذئاب جائعة، نحيب جنائزي" ص13، كل هذا يتعرض له المعتقل، وليت هناك تهمة لنبرر هذا التعذيب.
بعد هذه الوقائع العجيبة والغريبة يدخل بطل القصة في حالة يتداخل فيها الخيال/الوهم مع الواقع، الحلم مع الحقيقة، بحيث لا يستطيع التميز بينهما:
"...والموت أثنا السقوط مضمون، سنوات وأنت تهوي باتجاه القعر الوهمي وقد يتحلل جسدك أثناء السقوط.
...خطر ببالي، ما تزال تخطر ببالي اشياء ـ خطر ببالي الرعب الذي كان يتملكني عندما كنت اسقط في احلامي الطفولية من سطح بيتنا الصغير، وأصحوا قبل أن اصل الأرض فزعا، .. والآن بئر دون قاع.. شرحات آدمية وذوبان على نار جهنم البركانية أو عجينة اسفل الكتلة المعدنية.. قدماي تخوران وقلبي يهبط ولا يرتفع.. أسناني في معركة، العرق يتصبب من جسدي إلا أن مياة دافئة انز على بنطالي ببطء دون توقف.. وعلي أن أختار وأنا خائف ولا أريد أن أموت" ص17، وإذا عدنا إلى الفقرات التي جاءت في هذه القصة وتوقفنا عند الألفاظ المجردة، نجدها بغالبيتها كانت سوداء وقاسية، وهذا يؤكد على حالة المزرية التي يمر بها بطل القصة.
قصة "وظائف شاغرة"
احدى مشاكل النظام العربي سوء الادارة التي تعتمد على الولاء وليس على الكفاءة، مما زايد من عقم الادارة وتراجع ادائها، أهمية القصة ليس بموضوعها، بل الطريقة التي قدم بها القاص هذه المشكلة، فتمت (مقابلة)عدنان بهذا الشكل:
" ـ ما اسمك؟
ـ عدنان اللمباوي
ـ أهلا وسهلا
ـ وبكم
ـ معالي الدكتور سمير اللمباوي ...ابن عمي
ـ والنعم
ـ عطوفة المهندس حسان اللمب.. أيضا من أبناء العمومة
ـ هلا وسهلا" ص33و34. يتم توظيف "عدنان مدير مالي واداري، لكن نتفاجأ في نهاية القصة بتحصيله العلمي وبمهنته الأساسية وهي: "...مؤهلي العلمي السادس الابتدائي ووظيفتي سائق" ص43، بينما يتم توظيف "حسن" "كرسون" للبوفية، علما بأنه حاصل على "بكلوريوس محاسبة وماجستير في الادارة المالية وعملت سبع سنوات في المحاسبة والنفقات والتحليل المالي" ص44، وبهذه النهاية تنتهي القصة، فالواقع المرير تم تقديمه بطريق ساخرة لمنها موجعة، وهنا تكمن اهمية القصة، تقديم موضوع قاس بشكل ناعم وسلس، بحيث يخفف من حالة الضغط على القارئ، لكن الفكرة وصلت بوضوح.
قصة "ساعة الصفر"
نقد صريح للأحزاب والحركات التحرر العربية، التي تعتمد على (ساعة) لا تصلح لتوقيت الثورة، والجميل في هذه القصة انها عابرة للقطرية العربية، من خلال هذه الفقرة: "...وإذناي تقفان متقابلتين، واحدة بين الطنبين في مياه الخليج والأخرى على شاطئ المحيط، بين سبتة ومليلة" ص48، فكلما كان يسأل القاص عن موعد التحرك يجاب إلى حين أن تأتي ساعة الصفر، يتم عقد اجتماع سري للتنظيم، ويتم أخذ الحضور إلى القواعد والمرابض والحصون، وثناء مشاهدته القاص للزر الذي سيغير خارطة المنطقة، يفاجئ بمعرفة النائب الأول بما يدور في خاطره:
"ـ الزر لا يعمل بلمسة بشرية.
ـ وبماذا يعمل إذن؟ بلمسة سحرية!!
الزر متربط بدقات الساعة التي تحته، وعندما تدق ساعة دقاتها الأولى، يعطي أوامر إلى الأسلحة الاستراتيجية بالانطلاق، وإلى أركان الحرب بالدفاع.
...سألت مرافقي مستوضحا قال:
ـ انها ساعة الصفر.
...قرأت الأرقام جيدا، وصرخت، لوحة الساعة لا تحمل الرقم صفر... ليس هناك صفر .. ليس هناك صفر. وستبقى الساعة تدور وتدور وليس على لوحتها صفر" ص55و56، نهاية مفجعة ومدهشة، التنظيم/الحزب/الحركة تعتمد على ساعة معطوبة، لا تخدم معرفة الوقت، وتخدم حالة الوهم/التخدير التي يعيشها الوطن.
قصة "الذبيحة"
الجميل في هذه القصة انها جاءت على لسان المرأة، وقد نجح القاص في تقمص شخصيتها وتألق، فبدت القصة وكأنها حقيقية، تبدأ القاصة في سرد طبيعة المجتمع الذي يهتم بالذكر على حساب الأنثى، فرغم أنها تفوقت في تعليمها، وأخذت وضعها الاقتصادي وبدأت تنفق على الأسرة وتعليم شقيقيها الوحيد، الذي نظرت نفسها له فأرسلته إلى مدرسة متميزة، وبعد تقاعد الأب زادت لأعباء الاقتصادية عليها، إلا أنها استمر تكافح من خلال الدروس الخصوصية، إلى أن بلغ شقيقها ستة عشرة عاما، وتم الاحتفاء به في حفة عائلة، يفاجئنا القاص بهذا السلوك غير المتوقع: "استل كلمح البصر خنجر قد به صدري" ص68، ونفاجأ بسلوك الأم التي: "زغردت أمي ورددت الكلمات المغناة التي سمعتها منها عند ظهوره وهو في شهره الأول"ص68، ونجد الحضور (المجتمع الذكوري) ينظر إلى الجريمة بهذا الشكل: " رأيتهم يمجون سجائرهم بشراهة وينفثون دخانها من انوفهم وأفواههم فتتشكل دوائر وتتجمع سحبا تسبح في فضاء عيني...يتنافخون شرفا، وترتسم بسماتهم أشواك صبار تنبت من صحراء وجوههم الصفراء""ص68 و69، ورغم العطاء السخي المادي والمعنوي الذي قدمته القاصة لشقيقها، إلا أنها تقتل بيد بحجة: "ـ سامحيني فأنا أدافع عن شرفي"ص69، وهنا تفاجئنا القصة بعطاء أخر جديد، :"لست غاضبة منك، ولكني حزينة وقلقة، وأخشى عليك، من سيتكفل بك، م سيوصب السجان ويحضر لك الهدايا"ص69و70، الجميل في هذه القة أنها جعلت الأنثى تواجه مجتمع كامل، وتتفوق عليه ماديا وتعليميا وسلكا، فهي فيتعيش عالم العلم والمحبة والأخلاق والعطاء غير المحدود، بينما مجتمعها يتغذى بالجهل والتخلف والحسد والقتل، وهنا تكون المرأة أقوى وأصدق وأكثر عطاء من ذكور عائلتها مجتمعين.
قصة "صرخة في القمة"
المفارقة بين مقاومة المتعلم المثقف و"نعمان" المواطن لعادي، فالأول ارتبك وتوتر عندما ضبطت معه بطاقة عضوية اتحاد الطلبة على الجسر وهو قادم من بيروت، فحاول رشوة احد الاشخاص حتى يحضر له البطاقة قبل ان تدخل إلى غرفة التفتيش، لكن طلبه رفض وتم إخبار المحقق بما حدث، مما جعله أكثر شبهة، لكن "نعمان" يرد على سؤال المحقق:
"ـ لماذا هاجمت الجنود بالحجارة؟
ـ لأني لم اكن احمل سلاحا" ص93و94، وبهذا الاجابة يكون "نعمان" العادي تجاوز المتعلم المثقف.
وإذا ما توقفنا عند نهاية كل قصة، نجد في الدهشة، ومثل هذه النهايات بالتأكيد تثير المتلقي وتستوقفه ليفكر فيما يجري من احداث، والملفت للنظر أن القاص لم يتناول المكان إلا إلماما، فذكر "عمان، وبيروت، والجسر" فقط، وهذا يعتبر استثناء في القصة الفلسطينية، حيث نجد اهتمام واضح في المكان، لكن في مجموعة "ذبيحة" وجدنا خروج عن (القاعدة) والمألوف، وهذا يعود إلى طبيعة الظرف والحالة التي يكتب بها القاص، فالمجموعة صادرة في عام2002،أي في ذروة اليأس، فقد كانت القيادة الفلسطينية محاصرة في رام الله، وبغداد تأن تحت وطأة الحصار، والتخاذل الرسمي العربي مستمر في نهجة، مما جعل السواد والتشاؤم هو السيد، فنعكس ذلك على موضوع القصص وأحداثها.
المجموعة من منشورات أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2002.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف