
نجيب محفوظ
بقلم : إبراهيم خليل إبراهيم
ارتبطت بأدب الروائي الكبير نجيب محفوظ منذ أن عرفت القراءة والكتابة وعلى الجانب الشخصي كان يعد الأب الروحي والمثل والقدوة وعندما قرأت البيان الصحفي الصادر عن مكتب أمين السر الدائم للأكاديمية السويدية بتاريخ 13 أكتوبر عام 1988 معلنا منح الأكاديمية جائزة نوبل للآداب إلى الأديب المصري نجيب محفوظ بكيت فرحا ففوزه هو فوز لكل المبدعين المصريين والعرب بل لكل ناطقي اللغة العربية .. واذكر أن البيان الصحفي قال : ( محفوظ كاتب قصص قصيرة ممتاز فمع دنيا الله المؤلفة عام 1962 والمترجمة عام 1973 لدينا نظرة جيدة جدا لما تمكن منه في هذه الفترة إن المعالجة الفنية للمسائل الوجودية قوية كما أن الحلول الأساسية غالبا ما تبدو صارخة ومثيرة .. لقد كان ثمة ميل لتقسم أعمال محفوظ إلى عدة مراحل نوعية على سبيل المثال مرحلة تاريخية ومرحلة واقعية ومرحلة ميتافيزيقية صوفية .. بطبيعة الحال هذا الشىء لم يحصل بلا سبب ولكن ما يجب التشديد عليه أيضا هو عنصر تسليط الإضاءة على مشوار الحياة كله ).
يعد المبدع نجيب محفوظ أول عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب فمن منا ينسى رواياته الأولى التي تركزت في البيئة الفرعونية لمصر القديمة ورواياته التي صورت الحياة الاجتماعية والقاهرة المعاصرة مثل وزقاق المدق والثلاثية وأولاد حارتنا وثرثرة فوق النيل ؟
برغم رحيل نجيب محفوظ إلا انه مازال بيننا بكتاباته وأعماله الأدبية التي تزخر بها المكتبات والعقول المصرية والعربية
كان لقائي الأول مع الأديب والروائي الكبير نجيب محفوظ في الثمانينيات وتزامن ذلك مع نشر أوليات مقالاتي عبر صحيفة المساء القاهرية في الأول من شهر فبراير عام 1987 وعندما صافحته فوجئت بكلماته الطيبة حول مقالي وطلب المزيد من الكتابة ومواصلة النشر.
كان مقالي بعنوان ( الإرادة تصنع المعجزات ) وقلت فيه : الأمل هو وقود الحياة والإرادة الحرة تصنع المعجزات فها هي هيلين كيلر التي قدمت للبشرية درسا عمليا في الأمل الذي قهر العجز والإرادة التي لا تعرف المستحيل فقد ولدت بولاية ألاباما الأمريكية وقبل أن تكمل عامها الأول بدأت تمشي وتنطق ببعض الكلمات ولكن عندما بلغت الشهر التاسع عشر أصيبت بحمى أفقدتها البصر والسمع والكلام وكانت تدرك الأشياء باللمس والشم وعندما بلغت عامها الخامس أقبلت على التعليم بطريقة بريل وأظهرت تفوقا مذهلا ونبغت في الجبر والهندسة واللغة الألمانية واللاتينية والأدب والكتابة وخلال دراستها الجامعية أصدرت كتابيها قصة حياتي والتفاؤل وأكدت على أن من يريد أن يحصل المعرفة الصحيحة ينبغي أن يتسلق الجبل وحده .. وفي مذكراتها قالت : ( لقد تعثرت مرارا ووقعت لكني كنت أقف على الفور وأتخطى العقبات ) وها هو ألبرت إينشتين صاحب ( نظرية النسبية ) التي هزت العالم .. في شبابه تقدم إلى معهد ميونيخ الفني ولكن المعهد رفضه بحجة أنه لا يبشر بالخير فاضطر للعمل كساع للبريد حتى يواصل دراسته لعلم الفيزياء الذي يعشقه حتى توصل لنظريته التي وضعته في سجل العلماء النابغين.
أما الموسيقار العالمي بيتهوفن فقد أصيب بالصمم ولكنه لم يتوقف أو ييأس بل واصل إبداعه وقدم موسيقاه التي مازالت تسعد العالم وإميل زولا في تعليمه الأولي أعطاه مدرس الأدب الفرنسي صفرا ولكن هذا الصفر لم يمنع تفوقه وواصل علمه وإبداعه إلى أن أصبح من أعظم أدباء فرنسا وأما رديارد كبلينج في شبابه تقدم إلى إحدى الصحف الإنجليزية ليعمل محررا صحفيا ولكن رئيس تحرير تلك الصحيفة رفضه بحجة أنه لا يجيد استخدام اللغة الإنجليزية ولكن رديارد فيما بعد حصل على جائزة نوبل في الأدب وعميد الأدب العربي طه حسين فقد بصره وهو طفل ولكنه أصر على التعليم حتى أصبح أستاذاً في الجامعة ثم وزيراً للتربية والتعليم بمصر وقدم للمكتبة العربية مجموعه من الكتب الخالدة وأكد على أن التعليم كالماء والهواء للناس كل الناس وفنان مصر والعالم العربي عبد الحليم حافظ كان ينزف الدم ولكنه ما غاب يوماً عن أداء دوره الفني والوطني وعاشت أغنياته حتى يومنا هذا خالدة خلود الزمن في وجدان الإنسانية والبطل عبد الجواد محمد مسعد سويلم عشق مصر والوطن منذ نعومة أظافره ففي طفولته كان يقوم بعمليات بطولية ضد قوات الاحتلال وعندما التحق بالخدمة الوطنية تم توزيعه على سلاح الصاعقة وفقاً لرغبته وتدرب مع الأبطال وقام أثناء معارك الاستنزاف التي بدأت بعد هزيمة 1967 بتنفيذ 18 عملية عبور خلف وداخل خطوط القوات الإسرائيلية ودمر 16 دبابة و11 مدرعة و2 عربة جيب و2 بلدوزر و6 طائرات وأتوبيسا من القوات الإسرائيلية وأصيب بصاروخ إسرائيلي ففقد ساقه اليمنى واليسرى أيضاً كما بُتر ساعده اليمنى وفقد عينه اليمنى وبعد تركيب الأطراف الصناعية رفض الخروج من الخدمة العسكرية وواصل كفاحه وعبر مع القوات المصرية قناة السويس في معارك أكتوبر 1973 هذا على مستوى الأفراد .. أما إذا نظرنا إلى تجارب الأمم والشعوب فسوف نجد اليابان مثالاً للعبقرية والتحدي، فبعد معاناتها من ويلات القنبلة الذرية صممت على التقدم والازدهار رغم أن الخبراء أكدوا استحالة وجود اللون الأخضر على أرضها ولكن من منا لا يقدر تقدم اليابان ونهضتها العظيمة ؟ وقبل كل هذا وذاك، لنا في خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فقد رفض مغريات الحياة الدنيا لأداء رسالته وقال لعمه مقولته التي مازال صداها يرن في سمع الزمان : (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ).
فيا صديقي : لا تقل أنا ضعيف.. فالإيمان هو الأمل .. لا تقل لا محالة فغداً سوف تشرق الشمس من جديد.
كان ثناء الأديب والروائي الكبير نجيب محفوظ بمثابة الوسام الذي طوق جهدي وقوة الدفع ومرت السنوات ووقفت مع نفسي لمعرفة مدى تقييم بداياتي في عالم الكلمة بعد ثناء أستاذنا نجيب محفوظ فشاركت بمقالي في مسابقة المجلة العربية السعودية فإذ به يفوز بجائزة أفضل مشاركة في العدد 199 كما فاز أيضا بجائزة مسابقة مرافيء الوجدان الثقافية السعودية فرع المقال وأيضا فاز بمسابقة القلم الحر لعام 2012 ومن هنا عرفت مدى صدق وحدث كاتبنا الكبير نجيب محفوظ.
نذكر أن الأديب العالمي نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا من مواليد الجمالية بالقاهرة وسُمي نجيب محفوظ باسمٍ مركب تقديراً من والده عبد العزيز إبراهيم للطبيب أبو عوف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة ولعدم الخلط بينه وبين الطبيب المصري ذي الشهرة العالمية الدكتور نجيب محفوظ باشا.
أمضى نجيب محفوظ طفولته في هذا الحي الشعبي الذي استلهم منه أحداث رواياته التي كتبها فصعد بها إلى آفاق الأدب الإنساني ثم انتقل وعائلته إلى العباسية والحسين والغورية وهي أحياء القاهرة القديمة التي أثارت اهتمامه في أعماله الأدبية وفي حياته الخاصة والتحق بمدرسة بين القصرين الابتدائية وبعد أن انتقلت الأسرة عام 1924 إلى العباسية حصل على شهادة البكالوريا من مدرسة فؤاد الأول الثانوية ثم على شهادة إجازة الليسانس في الفلسفة عام 1934 من جامعة القاهرة.
عمل نجيب محفوظ في عدد من الوظائف الحكومية فعُيّن سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف من عام 1938 حتى عام 1945 ثم مشرفاً على مكتبة الغوري في الأزهر ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حتى عام 1954 ثم تدرج في المناصب فعمل مديراً لمكتب وزير الإرشاد فمديراً للرقابة على المصنفات الفنية وفي عام 1960 مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما وفي عام 1962 مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون وفي عام 1966 عُيّن رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، إلى أن أحيل على التقاعد عام 1971 فانضم إلى مؤسسة الأهرام الصحفية ليعمل محرّراً فيها.
تزوج نجيب محفوظ عام 1954 وأنجب بنتين هما أم كلثوم وفاطمة.
بدأ نجيب محفوظ ينشر قصصه ومقالاته الفلسفية والتاريخية في سنّ مبكرة عندما كان في التاسعة عشرة من عمره واستمر في النشر حتى عام 1945 ولم يبدأ بكتابة القصة القصيرة رسمياً إلا عام 1936 واستمر بكتابة القصص والروايات حتى عام 1994 وتجلّت موهبته القصصية والروائية في ثلاثيته الشهيرة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية التي انتهى من كتابتها عام 1952 لكنه لم يتمكن من نشرها حتى عام 1956 بسبب ضخامة حجمها وقد صوَّر فيها حياة ثلاثة أجيال: جيل ما قبل ثورة 1919 وجيل الثورة وجيل ما بعد الثورة كما رصد من خلالها حياة هذه الأجيال وأذواقها وأفكارها ومواقفها من المرأة والعدالة الاجتماعية والقضية الوطنية .
نشر نجيب محفوظ أكثر من خمسين كتاباً ما بين روايات طويلة وقصص قصيرة ومسرحيات، ومقالات ودراسات ومذكرات وتحليلات سياسية. فمن رواياته التاريخية عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة.
ومن رواياته الاجتماعية النفسية خان الخليلي وزقاق المدق وبداية ونهاية ومن رواياته التي اعتمد فيها على تيار الوعي أو (المونولوج الداخلي) اللص والكلاب والسمان والخريف والشحاذ لكنه عمد في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته إلى كتابة القصص القصيرة التي أطلق عليها عنوان أحلام فترة النقاهة وقد كتب ما يقارب السبعين من هذه الأحلام.
نجيب محفوظ أول أديب يكتب للسينما إذ شارك في كتابة 25 فيلماً وأنتج من إبداعه 40 فيلماً وتنوعت هذه الأعمال بين أفلام كتبها مباشرة للسينما وأخرى شارك مع آخرين في إعدادها وثالثة مأخوذة عن إحدى رواياته أو قصصه القصيرة وكان المخرج المصري الراحل صلاح أبو سيف قد نصح نجيب محفوظ بكتابة السيناريو في منتصف الأربعينات وقدّما معاً عدداً من كلاسيكيات السينما المصرية ومن بينها مغامرات عنتر وعبلة والمنتقم وريا وسكينة والوحش والفتوة.
على فترات متباعدة كان نجيب محفوظ يشارك في كتابة سيناريو أو حوار أحد الأفلام ومنها جميلة والناصر صلاح الدين والاختيار للمخرج يوسف شاهين وحين بدأ المخرجون ينتبهون إلى رواياته قرر ألا يكتب السيناريو ابتداءً من عام 1960 وكانت رواية بداية ونهاية التي أخرجها صلاح أبو سيف أول تعامل للسينما مع روايات نجيب محفوظ وبعدها توالت الأفلام ومنها القاهرة 30 لصلاح أبو سيف أيضاً واللص والكلاب وميرامار لكمال الشيخ والكرنك وأهل القمة لعلي بدرخان والمذنبون لسعيد مرزوق والحب فوق هضبة الهرم لعاطف الطيب والسمان والخريف لحسام الدين مصطفى وثرثرة فوق النيل لحسين كمال وبين القصرين لحسن الإمام واختيرت الأفلام السابقة ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصري وأضيف إليها فيلم بين السماء والأرض الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1959 عن قصة قصيرة لمحفوظ كما عُرضت بعض أعماله تليفزيونياً في مسلسلات درامية ناجحة زادت من شهرته مثل مسلسل قسمتي ونصيبي إخراج رضا النجار وثلاثية محفوظ الشهيرة التي لاقت نجاحاً كبيراً كعمل تلفزيوني بين القصرين وقصر الشوق والسكرية.
في شهر أكتوبر عام 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله لاتهامه.
رصد نجيب محفوظ في أعماله حياة الطبقة الوسطى في أحياء القاهرة، فعبّر عن همومها وأحلامها وتطلعاتها وقضاياها، وعكس قلقها وتوجساتها إزاء القضايا المصيرية كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع وإذا كان بعض رواياته قد اتسم بالواقعية الحية فإن بعضها الآخر قد اتخذ طابعاً رمزياً مثل أولاد حارتنا والحرافيش ورحلة ابن فطوطة وترجمت رواياته إلى أكثر من خمس وعشرين لغة عالمية كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والصينية والإيطالية والسويدية والروسية والبولونية والإسبانية واليابانية وغيرها ونُشرت في مختلف أنحاء العالم.
حصل نجيب محفوظ على جائزة الدولة في الأدب ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وجائزة الدولة التقديرية في الآداب ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى وجائزة نوبل للآداب وقلادة النيل العظمى.
بقلم : إبراهيم خليل إبراهيم
ارتبطت بأدب الروائي الكبير نجيب محفوظ منذ أن عرفت القراءة والكتابة وعلى الجانب الشخصي كان يعد الأب الروحي والمثل والقدوة وعندما قرأت البيان الصحفي الصادر عن مكتب أمين السر الدائم للأكاديمية السويدية بتاريخ 13 أكتوبر عام 1988 معلنا منح الأكاديمية جائزة نوبل للآداب إلى الأديب المصري نجيب محفوظ بكيت فرحا ففوزه هو فوز لكل المبدعين المصريين والعرب بل لكل ناطقي اللغة العربية .. واذكر أن البيان الصحفي قال : ( محفوظ كاتب قصص قصيرة ممتاز فمع دنيا الله المؤلفة عام 1962 والمترجمة عام 1973 لدينا نظرة جيدة جدا لما تمكن منه في هذه الفترة إن المعالجة الفنية للمسائل الوجودية قوية كما أن الحلول الأساسية غالبا ما تبدو صارخة ومثيرة .. لقد كان ثمة ميل لتقسم أعمال محفوظ إلى عدة مراحل نوعية على سبيل المثال مرحلة تاريخية ومرحلة واقعية ومرحلة ميتافيزيقية صوفية .. بطبيعة الحال هذا الشىء لم يحصل بلا سبب ولكن ما يجب التشديد عليه أيضا هو عنصر تسليط الإضاءة على مشوار الحياة كله ).
يعد المبدع نجيب محفوظ أول عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب فمن منا ينسى رواياته الأولى التي تركزت في البيئة الفرعونية لمصر القديمة ورواياته التي صورت الحياة الاجتماعية والقاهرة المعاصرة مثل وزقاق المدق والثلاثية وأولاد حارتنا وثرثرة فوق النيل ؟
برغم رحيل نجيب محفوظ إلا انه مازال بيننا بكتاباته وأعماله الأدبية التي تزخر بها المكتبات والعقول المصرية والعربية
كان لقائي الأول مع الأديب والروائي الكبير نجيب محفوظ في الثمانينيات وتزامن ذلك مع نشر أوليات مقالاتي عبر صحيفة المساء القاهرية في الأول من شهر فبراير عام 1987 وعندما صافحته فوجئت بكلماته الطيبة حول مقالي وطلب المزيد من الكتابة ومواصلة النشر.
كان مقالي بعنوان ( الإرادة تصنع المعجزات ) وقلت فيه : الأمل هو وقود الحياة والإرادة الحرة تصنع المعجزات فها هي هيلين كيلر التي قدمت للبشرية درسا عمليا في الأمل الذي قهر العجز والإرادة التي لا تعرف المستحيل فقد ولدت بولاية ألاباما الأمريكية وقبل أن تكمل عامها الأول بدأت تمشي وتنطق ببعض الكلمات ولكن عندما بلغت الشهر التاسع عشر أصيبت بحمى أفقدتها البصر والسمع والكلام وكانت تدرك الأشياء باللمس والشم وعندما بلغت عامها الخامس أقبلت على التعليم بطريقة بريل وأظهرت تفوقا مذهلا ونبغت في الجبر والهندسة واللغة الألمانية واللاتينية والأدب والكتابة وخلال دراستها الجامعية أصدرت كتابيها قصة حياتي والتفاؤل وأكدت على أن من يريد أن يحصل المعرفة الصحيحة ينبغي أن يتسلق الجبل وحده .. وفي مذكراتها قالت : ( لقد تعثرت مرارا ووقعت لكني كنت أقف على الفور وأتخطى العقبات ) وها هو ألبرت إينشتين صاحب ( نظرية النسبية ) التي هزت العالم .. في شبابه تقدم إلى معهد ميونيخ الفني ولكن المعهد رفضه بحجة أنه لا يبشر بالخير فاضطر للعمل كساع للبريد حتى يواصل دراسته لعلم الفيزياء الذي يعشقه حتى توصل لنظريته التي وضعته في سجل العلماء النابغين.
أما الموسيقار العالمي بيتهوفن فقد أصيب بالصمم ولكنه لم يتوقف أو ييأس بل واصل إبداعه وقدم موسيقاه التي مازالت تسعد العالم وإميل زولا في تعليمه الأولي أعطاه مدرس الأدب الفرنسي صفرا ولكن هذا الصفر لم يمنع تفوقه وواصل علمه وإبداعه إلى أن أصبح من أعظم أدباء فرنسا وأما رديارد كبلينج في شبابه تقدم إلى إحدى الصحف الإنجليزية ليعمل محررا صحفيا ولكن رئيس تحرير تلك الصحيفة رفضه بحجة أنه لا يجيد استخدام اللغة الإنجليزية ولكن رديارد فيما بعد حصل على جائزة نوبل في الأدب وعميد الأدب العربي طه حسين فقد بصره وهو طفل ولكنه أصر على التعليم حتى أصبح أستاذاً في الجامعة ثم وزيراً للتربية والتعليم بمصر وقدم للمكتبة العربية مجموعه من الكتب الخالدة وأكد على أن التعليم كالماء والهواء للناس كل الناس وفنان مصر والعالم العربي عبد الحليم حافظ كان ينزف الدم ولكنه ما غاب يوماً عن أداء دوره الفني والوطني وعاشت أغنياته حتى يومنا هذا خالدة خلود الزمن في وجدان الإنسانية والبطل عبد الجواد محمد مسعد سويلم عشق مصر والوطن منذ نعومة أظافره ففي طفولته كان يقوم بعمليات بطولية ضد قوات الاحتلال وعندما التحق بالخدمة الوطنية تم توزيعه على سلاح الصاعقة وفقاً لرغبته وتدرب مع الأبطال وقام أثناء معارك الاستنزاف التي بدأت بعد هزيمة 1967 بتنفيذ 18 عملية عبور خلف وداخل خطوط القوات الإسرائيلية ودمر 16 دبابة و11 مدرعة و2 عربة جيب و2 بلدوزر و6 طائرات وأتوبيسا من القوات الإسرائيلية وأصيب بصاروخ إسرائيلي ففقد ساقه اليمنى واليسرى أيضاً كما بُتر ساعده اليمنى وفقد عينه اليمنى وبعد تركيب الأطراف الصناعية رفض الخروج من الخدمة العسكرية وواصل كفاحه وعبر مع القوات المصرية قناة السويس في معارك أكتوبر 1973 هذا على مستوى الأفراد .. أما إذا نظرنا إلى تجارب الأمم والشعوب فسوف نجد اليابان مثالاً للعبقرية والتحدي، فبعد معاناتها من ويلات القنبلة الذرية صممت على التقدم والازدهار رغم أن الخبراء أكدوا استحالة وجود اللون الأخضر على أرضها ولكن من منا لا يقدر تقدم اليابان ونهضتها العظيمة ؟ وقبل كل هذا وذاك، لنا في خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فقد رفض مغريات الحياة الدنيا لأداء رسالته وقال لعمه مقولته التي مازال صداها يرن في سمع الزمان : (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ).
فيا صديقي : لا تقل أنا ضعيف.. فالإيمان هو الأمل .. لا تقل لا محالة فغداً سوف تشرق الشمس من جديد.
كان ثناء الأديب والروائي الكبير نجيب محفوظ بمثابة الوسام الذي طوق جهدي وقوة الدفع ومرت السنوات ووقفت مع نفسي لمعرفة مدى تقييم بداياتي في عالم الكلمة بعد ثناء أستاذنا نجيب محفوظ فشاركت بمقالي في مسابقة المجلة العربية السعودية فإذ به يفوز بجائزة أفضل مشاركة في العدد 199 كما فاز أيضا بجائزة مسابقة مرافيء الوجدان الثقافية السعودية فرع المقال وأيضا فاز بمسابقة القلم الحر لعام 2012 ومن هنا عرفت مدى صدق وحدث كاتبنا الكبير نجيب محفوظ.
نذكر أن الأديب العالمي نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا من مواليد الجمالية بالقاهرة وسُمي نجيب محفوظ باسمٍ مركب تقديراً من والده عبد العزيز إبراهيم للطبيب أبو عوف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة ولعدم الخلط بينه وبين الطبيب المصري ذي الشهرة العالمية الدكتور نجيب محفوظ باشا.
أمضى نجيب محفوظ طفولته في هذا الحي الشعبي الذي استلهم منه أحداث رواياته التي كتبها فصعد بها إلى آفاق الأدب الإنساني ثم انتقل وعائلته إلى العباسية والحسين والغورية وهي أحياء القاهرة القديمة التي أثارت اهتمامه في أعماله الأدبية وفي حياته الخاصة والتحق بمدرسة بين القصرين الابتدائية وبعد أن انتقلت الأسرة عام 1924 إلى العباسية حصل على شهادة البكالوريا من مدرسة فؤاد الأول الثانوية ثم على شهادة إجازة الليسانس في الفلسفة عام 1934 من جامعة القاهرة.
عمل نجيب محفوظ في عدد من الوظائف الحكومية فعُيّن سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف من عام 1938 حتى عام 1945 ثم مشرفاً على مكتبة الغوري في الأزهر ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حتى عام 1954 ثم تدرج في المناصب فعمل مديراً لمكتب وزير الإرشاد فمديراً للرقابة على المصنفات الفنية وفي عام 1960 مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما وفي عام 1962 مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون وفي عام 1966 عُيّن رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، إلى أن أحيل على التقاعد عام 1971 فانضم إلى مؤسسة الأهرام الصحفية ليعمل محرّراً فيها.
تزوج نجيب محفوظ عام 1954 وأنجب بنتين هما أم كلثوم وفاطمة.
بدأ نجيب محفوظ ينشر قصصه ومقالاته الفلسفية والتاريخية في سنّ مبكرة عندما كان في التاسعة عشرة من عمره واستمر في النشر حتى عام 1945 ولم يبدأ بكتابة القصة القصيرة رسمياً إلا عام 1936 واستمر بكتابة القصص والروايات حتى عام 1994 وتجلّت موهبته القصصية والروائية في ثلاثيته الشهيرة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية التي انتهى من كتابتها عام 1952 لكنه لم يتمكن من نشرها حتى عام 1956 بسبب ضخامة حجمها وقد صوَّر فيها حياة ثلاثة أجيال: جيل ما قبل ثورة 1919 وجيل الثورة وجيل ما بعد الثورة كما رصد من خلالها حياة هذه الأجيال وأذواقها وأفكارها ومواقفها من المرأة والعدالة الاجتماعية والقضية الوطنية .
نشر نجيب محفوظ أكثر من خمسين كتاباً ما بين روايات طويلة وقصص قصيرة ومسرحيات، ومقالات ودراسات ومذكرات وتحليلات سياسية. فمن رواياته التاريخية عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة.
ومن رواياته الاجتماعية النفسية خان الخليلي وزقاق المدق وبداية ونهاية ومن رواياته التي اعتمد فيها على تيار الوعي أو (المونولوج الداخلي) اللص والكلاب والسمان والخريف والشحاذ لكنه عمد في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته إلى كتابة القصص القصيرة التي أطلق عليها عنوان أحلام فترة النقاهة وقد كتب ما يقارب السبعين من هذه الأحلام.
نجيب محفوظ أول أديب يكتب للسينما إذ شارك في كتابة 25 فيلماً وأنتج من إبداعه 40 فيلماً وتنوعت هذه الأعمال بين أفلام كتبها مباشرة للسينما وأخرى شارك مع آخرين في إعدادها وثالثة مأخوذة عن إحدى رواياته أو قصصه القصيرة وكان المخرج المصري الراحل صلاح أبو سيف قد نصح نجيب محفوظ بكتابة السيناريو في منتصف الأربعينات وقدّما معاً عدداً من كلاسيكيات السينما المصرية ومن بينها مغامرات عنتر وعبلة والمنتقم وريا وسكينة والوحش والفتوة.
على فترات متباعدة كان نجيب محفوظ يشارك في كتابة سيناريو أو حوار أحد الأفلام ومنها جميلة والناصر صلاح الدين والاختيار للمخرج يوسف شاهين وحين بدأ المخرجون ينتبهون إلى رواياته قرر ألا يكتب السيناريو ابتداءً من عام 1960 وكانت رواية بداية ونهاية التي أخرجها صلاح أبو سيف أول تعامل للسينما مع روايات نجيب محفوظ وبعدها توالت الأفلام ومنها القاهرة 30 لصلاح أبو سيف أيضاً واللص والكلاب وميرامار لكمال الشيخ والكرنك وأهل القمة لعلي بدرخان والمذنبون لسعيد مرزوق والحب فوق هضبة الهرم لعاطف الطيب والسمان والخريف لحسام الدين مصطفى وثرثرة فوق النيل لحسين كمال وبين القصرين لحسن الإمام واختيرت الأفلام السابقة ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصري وأضيف إليها فيلم بين السماء والأرض الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1959 عن قصة قصيرة لمحفوظ كما عُرضت بعض أعماله تليفزيونياً في مسلسلات درامية ناجحة زادت من شهرته مثل مسلسل قسمتي ونصيبي إخراج رضا النجار وثلاثية محفوظ الشهيرة التي لاقت نجاحاً كبيراً كعمل تلفزيوني بين القصرين وقصر الشوق والسكرية.
في شهر أكتوبر عام 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله لاتهامه.
رصد نجيب محفوظ في أعماله حياة الطبقة الوسطى في أحياء القاهرة، فعبّر عن همومها وأحلامها وتطلعاتها وقضاياها، وعكس قلقها وتوجساتها إزاء القضايا المصيرية كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع وإذا كان بعض رواياته قد اتسم بالواقعية الحية فإن بعضها الآخر قد اتخذ طابعاً رمزياً مثل أولاد حارتنا والحرافيش ورحلة ابن فطوطة وترجمت رواياته إلى أكثر من خمس وعشرين لغة عالمية كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والصينية والإيطالية والسويدية والروسية والبولونية والإسبانية واليابانية وغيرها ونُشرت في مختلف أنحاء العالم.
حصل نجيب محفوظ على جائزة الدولة في الأدب ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وجائزة الدولة التقديرية في الآداب ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى وجائزة نوبل للآداب وقلادة النيل العظمى.