الأخبار
الاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوعنعيم قاسم: لن نكون جزءاً من شرعنة الاحتلال في لبنان ولن نقبل بالتطبيعفتوح: تهجير عشرات العائلات من عرب المليحات امتداد مباشر لسياسة التطهير العرقي والتهجيرالنيابة والشرطة تباشر إجراءاتهما القانونية في واقعة مقتل شابة في مدينة يطا
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ذاكرة ضيقة على الفرح 8

تاريخ النشر : 2019-08-26
ذاكرة ضيقة على الفرح 8
سليم النفار

8

لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ      خفَّ الهوى وتولَّتِ الأوطارُ
                                                                        "أبو تمام "
لاشكَ بأنَّ شيخ الشعراءِ العرب " المتنبي " كان ومازال على مشيخته تلك ، اجماعاً كبيراً بين جموع الشعراء في مختلف العصور ، والمشتغلين أيضاً في قضايا الشعر ، ونقدهِ وجمالياتهِ غيرَ أنيَ مبكراً كنتُ خارج تلك الجموع ، وكان شاعريَ المُفضل هو حبيب بن أوس الطائي " أبو تمام " فقد سحرني بقوة مفرداته تلك ، التي تشيع تحدّياً عالياً في قصيدته التي تقول :
ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنَّهُ        هو الكفرُ يوم الرَّوعِ أو دونهُ الكفرُ
فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجلهُ     وقالَ لها من تحت أخمُصِكِ الحشرُ
اضافةً الى شعره الآخر المتعدد الغايات ، و لا شك أيضاً بأن شعره الوجداني قد حقق حضوره الجميل في نفسي ، وكذلك حكمته وتعبيراته العالية عن روح العصر ، الذي عاش بل تمتد تلك الرؤيا الى البعيد الأبعد ، ولبيته الذي أفتتح فيه هذا الجزء من الذاكرة حكايةٌ ، مازالت حاضرة في ذهني منذ أواخر سبعينيات القرن المنصرم ، ستعرفونها عما قليل من سياق الحكاية .
إنَّ حرق المراحل في نمو الأمم وتطورها ، قد يكون مُجدياً اذا ما استطاعت الى ذلك سبيلاً ولكن : لا أعتقد بجدوى ذلك في سياق نمو الفرد الانسان ، فلكل مرحلةٍ عمرية صفاتها وخواصها ، والتي لا تستطيع أن تعيشها في مرحلة أخرى ، لأن ذلك قد يتعارض مع المُعطى الفيزيائي لقدرة الجسد ، وإنْ حاولتَ فإنَّها ستكون محاولات مشوبةٌ بالحذر ، وقد تكون مشوَّهة لأنها خارج المُعطى الزمني ، والنفسي أيضاً ، فكيف لابن العشرين أن يعيش أحاسيس ابن الرابعة عشر ؟
ما يقودني لهذا التوصيف هو أنني ، وبحكم ما أصابني منذ الطفولة الأولى ، قد أصبحتُ صاحب مسؤولية مبكراً ، فالأم تتعاطى على هذا المستوى ، وكذلك رجالات الحي ،والمدرسين في المدرسة أيضاً ، وليس مسموحاً لهذه النظرة أن تنكسر ، خصوصاً وأنها قد تلبستني تماماً ، ولم أعترض عليها ، فكيف لي أن أفعل والناس تُكبِرُني وأمي كذلك ، غير أن هذا الذي كان يفرحني حيناً ، كان يُزعجني أحياناً كثيرة ، وربما هذه المرة الأولى التي أبوح لكم فيها على الملأ ، فمهما بلغتَ من الوعي ، فإنكَ بحاجةٍ للتعبير عن عمركَ ، لأن الوعي الذي يكبر العمر يُشقي صاحبهُ ... وهذا ما حصل لي ، فقد كنتُ ذلك الفتى الذي أحب فتاةً من الحيّ ، ولأنيَّ كنتُ مسحوراً بجمالها وخفّةِ دمها ، كنتُ كثيراً ما أصطنع المشاوير من جوار منزلها ، على الدراجة الهوائية التي كانت مقتنيات ، غالبية أبناء جيلنا هناك ، ولكن ما كان يُغيظني وربما يُغيظها ، أنني لم أمتلك جرأة الحديث اليها ، وأنا الذي يوصف بجرأته وشجاعته ، ولكن ليس في هذا السياق ، فكل مرةٍ كنتُ أنوي فيها المحاولة في ذلك ، تراني سرعان ما أتراجع وأنا أحدث نفسي : ماذا سيقولون عنك في المدرسة ، وفي الحارة وتحت وطأة تلك الأسئلة ، بقيتُ سنين على تلك الحال ، مكتفياً بتبادل الابتسامات وكأنها تواطؤ متفق عليه ، غير أن ذلك 

التواطؤ أرهقني ، ووقف حاجزاً أمام التعبير عن رغبات الفتى ، المشروعة والتي تفتح نافذةً للفرح ، وعندما جاءت فيما بعد في المرحلة الجامعية ، كانت بشكلٍ آخر ولونٍ آخر وطعمٍ آخر ، سأحدثكم عنها فيما بعد ، لأنَّ الهموم والمسؤوليات المبكرة تجعل منكَ انساناً آخر ، وهنا يصحُّ قول أبي تمام – مع تغير لغة التخاطب - لا أنتَ أنتَ ولا الديار ديار ، فلا بدَّ للأشياء أن تأتي في مواعيدها ، وغير ذلك فلا ، وهذا ما ذكرني به حمزة ، ذات شتاءٍ لا ذقانيٍّ عاصف وأنا ابن عشرين ونيّف ، حينما رآني بمحض الصدفة على كورنيش البطرني ، أنا وصديقتي نمشي تحت وابلٍ من المطر ، كأطفالٍ فرحين فعبّرَ عن استغرابه واستهجانهِ لتلك الحالة بقولهِ : لم تكن أنتَ الذي عرفتُ ، كنتما كطفلين يلهوان غير عابئينَ بمن حولكما ، وبذاك المطر الذي يأكلُ الأرض ويأكلكما ، لولا أنها عيني التي رأت ، لقلتُ لست أنت ... ضحكتُ يومها وقلت : يا حمزة الجوع الى الأشياء يجعلك تبدو، كأنك لم تعرفها قبلاً ، نعم يا صديقي أنا لم أكن أنا ، ومن قال لك : بأننا لا نفقد ذواتنا في لحظة الفرح المُشتهى ، السعادةُ يا حمزة لحظات تمرُّ ، فإنْ لم تقبض عليها تفرُّ منكَ ، وتفرُّ أنتَ الى حيث لا تعلم من سواد اللحظةِ ، الذي يُحاصرنا من كلِّ حدبٍ وصوب ، فأنتَ محقٌّ صديقي :أنا لستُ أنا  ... وإن تجلّتْ لك صورتي بالعين الفيزيائية ، فيا ليتنا نستطيع ذلك كلَّ حين ، ولكن هيهات
زمانٌ مضى بكلِّ ما لهُ و ما عليهِ ، غير أن استحضارهُ يثيرُ لواعج الأسى حيناً ، على حياةٍ لم نُحسن حفظها بما تحمله من قيم ، وأحياناً أخرى يثيرُ مكامن الفخر : كيف أننا استطعنا أن نشكل ذواتنا في خضمٍّ متلاطم الأمواج ، وأحياناً أخرى يثيرُ مكامن الفرح لأننا استطعنا أن نغني ونرسم ونكتب ، في سحابٍ مكتظٍ بالسواد ، ودربٍ ملؤه الشوك ، فهل نستطيعُ أن نواصل ذلك في تالي الأيام ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف