بقلم سائد حامد ابوعيطة
الأحزاب السياسية الفلسطينية ما بين النجاح و الهزيمة السياسية
و نبدأ بتساؤل يضع نفسه مَحل نِقاش عميق . هل نجحت الاحزاب الفلسطينية في الانخراط في العمل السياسي ؟
و للإجابة لا بد من تحليل طبيعة هذه الاحزاب و مدى التوافق فيما بينها لمعرفة مدي فاعليتها و نجاحها .
و نختصر القول فيما يلى :
بالرجوع الى الدستور الفلسطيني فإن الاحزاب السياسية هي ركيزة العمل السياسي وفقا للنظام السياسي الفلسطيني الاساسي الذي هو نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية و الحزبية و ينتخب فيه رئيس السلطة مباشرة من الشعب و تكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس و المجلس التشريعي الفلسطيني و هذا المجلس بدوره يمثل الشعب و ليس الفصائل و الاحزاب .
و مع تعدد الاحزاب السياسية الفلسطينية ، و كثرة الوانها من الاحمر ، للأخضر ثم الاسود ، و الابيض ، فهي تلتقي فيما بينها بألوان علم فلسطين فقط ، بين يساريه تؤمن بالفكر الثوري و تؤمن بالشعوب ، و يمينيه تؤمن بالفكر الديني على اعتبار أنه قاعدة أساسية في العمل السياسي و الكفاح المسلح ، و وسطية تؤمن بالسلمية و المقاومة الشعبية و التفاوض مع الاحتلال كخيار استراتيجي في المعركة السياسية يمكن أن يصل الى الدولة الفلسطينية ، و احزاب اخرى محايده و تقف فقط موقف المدافع عن الشعب الفلسطيني و لا تملك أي برنامج عمل سياسي
يمكنها من الدخول في معركة سياسيه ، إضافة الى احزاب لا تؤمن بمنظمة التحرير الفلسطينية ، أو تعارض سياستها إن صح التعبير .
الفوارق كبيرة بين هذه الاحزاب ، و بين برامجها الحزبية المختلفة و اختلاف أيديولوجياتها ، أيضاً الخلاف قائم بين معظم الاحزاب الفلسطينية من جهة ، و بين السلطة الفلسطينية و منظمة التحرير من جهة اخرى .
فعدم الترابط بين عمل الاحزاب أو التوفيق بينها تحت إطار سياسي موحد ، يرجع الى أن عملها لا يقتصر على الجانب السياسي فقط ، و يعود ذلك الى طبيعة البيئة الفلسطينية المحتلة ، و هو استثناء تختص به الاحزاب الفلسطينية ، عن الاحزاب
الأخرى في العالم ، قد يجعل منها تحديا كبيرا يواجه الفلسطينيين انفسهم .
أمام هذه التعقيدات ، فإننا نقع ما بين الهزيمة السياسية ، او الفشل السياسي على المستويين الداخلي ، و الخارجي .
فالانقسام يمثل تحديا داخليا كبيراً منذ 13 عام ، و كل المحاولات و الجهود المبذولة للوصول الى نقطة اتفاق بين طرفي الانقسام باتت في طي النسيان .
و كل ما هو تحت إطار المعركة السياسية مع المحتل و العالم ، دخل في دائرة الهزيمة السياسية ، سواء الهزيمة بمعركة المفاوضات أو الهزيمة بمعركة المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني و ( مصير اللاجئين وحق العودة ، القدس، حل الدولتين ، حدود 1967 ، قرارات الامم المتحدة .. الخ )
جميعها اصبحت مصطلحات للتداول اكثر من ان تكون حقائق .
و ثلاث حروب على قطاع غزه أنهكت التقدم السياسي ، و جعلت القضية الفلسطينية قضيه ذات بعد إنساني و اقتصادي ، و ليس سياسي .
إن الاحزاب الفلسطينية تشكل اكبر التحديات الداخلية التي تواجه العمل السياسي الفلسطيني ، و الاختلاف و التنوع في ايديولوجياتها و عقيدتها ، أحدثت فجوة عميقة في العمل السياسي الفلسطيني ، و عدم تنظيم عملها أدى الى تصدع كبير في
أركان العمل السياسي الفلسطيني ككل .
و يمكن أن نُشير الى بداية الازمه السياسية الفلسطينية و الفجوة العميقة ، بمحاور ثلاث وهي الأهم باعتبارها أركان العمل السياسي الآن :
( منظمة التحرير الفلسطينية ، السلطة الفلسطينية ، حركة حماس كحزب تحرري يرفع راية الكفاح المسلح أو المقاومة كمثال حزبي يخوض معركة سياسية و عسكرية و يقف في مقدمة الاحزاب الفلسطينية )
لقد استطاعت حركة حماس دخول بوابة العمل السياسي الفلسطيني ، عبر الانتخابات الفلسطينية التي تمت عام 2006 م ، و نجاحها مكنها من الحصول على مقاعد الأغلبية تقريبا في المجلس التشريعي الفلسطيني ، و بالتالي مكنها من تشكيل
حكومة فلسطينية تقود الشعب الفلسطيني .
الا أن الصِدامات و الخلافات على تطبيق البرامج السياسية ، بين منظمة التحرير الفلسطيني ، و بين حركة حماس سبب أزمة سياسية مازالت قائمه منذ 2006 وحتي اليوم .
و في الوقت الذي شكلت فيه حركة حماس حكومة فلسطينية دون انضمامها لمنظمة التحرير الفلسطينية ، تبنت الحركة وفقاً لبرنامجها الانتخابي مشروع المقاومة المسلحة كخيار للشعب الفلسطيني ، و كان لابد من حدوث التعارض في البرامج
السياسية ، بما أن منظمة التحرير تبنت برنامج المفاوضات و برنامج الكفاح السلمي للشعب الفلسطيني .
هذا التضارب سبب فجوه عميقة بين منظمة التحرير الفلسطينية و السلطة الفلسطينية من جهة ، و بين حركة حماس و عدد من الاحزاب الفلسطينية من جهة اخرى .
فأن منظمة التحرير الفلسطينية تلتزم باتفاقيات سياسية دولية ، و منها اوسلو التي أدت الى ولادة السلطة الوطنية الفلسطينية .
و بتبني حركة حماس برنامج كفاح مسلح يبدوا مستحيلاً للتطبيق من خلال مؤسسات السلطة الفلسطينية و الحكومة ، التي بدورها تلتزم بكافة الاتفاقيات السياسية الموقعة مع الاحتلال أظهر ذلك تناقض واضح في العمل السياسي الفلسطيني .
و هنا اتسعت رقعة الفجوة ، حتي وصلت الى صدام مسلح على الارض في قطاع غزه ، أشبه بحرب أهليه انسحبت بسببه السلطة الفلسطينية من قطاع غزه بإغلاق كافة مؤسساتها ، تاركة فراغ سياسي كبير في القطاع ، و إرث وطني متهالك ، و بسبب
الفراغ تولت حركة حماس الأمر ، باعتبارها صاحبة الحق في تشكيل الحكومة الفلسطينية .
ثم تطور الخلافات الفلسطينية بين معسكرين فلسطينيين هما
" فتح و حماس " و ذلك بنقل القيادة السياسية الفلسطينية لمنظمة التحرير و قيادة السلطة الفلسطينية الى الضفة الغربية ، و بقاء غزه تحت قيادة حماس ، و التي بدورها باشرت بتولي مهام حكم قطاع غزه ، مفصولاً عن الضفة الغربية سياسياً ، وجغرافياً ، و ديموغرافياً ، و ثقافياً . حتي خرج مفهوم جديد هو الانقسام الفلسطيني الذي بدأ من 2007 م و حتى الآن ، وهو فصل تام بين مؤسسات السلطة الفلسطينية في قطاع غزه و نظيرتها في الضفة
الغربية ، و فصل بين كل ما يمس الحياة السياسية ، و الاجتماعية ، و الاقتصادية، و حتى الثقافية .
و رغم بدأ المحاورات ، و الاتفاقيات ، و التدخلات لتقريب وجهات النظر ، بين طرفي الانقسام الا إنها جميعها لم تسفر عن شيء حتي الآن ، منذ اتفاق مكة حتى اتفاق القاهرة 2017 م ، جميعها فشلت و لم يتم تنفيذها بخلاف ما حدث بعد 2009 م
، بما عُرف اتفاق الوفاق الوطني الفلسطيني ، و ما حدث في 2014 م بإعلان تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني تحت رعاية المخابرات المصرية ضمن تفاهمات بين حماس و
فتح ، لتقريب و جهات النظر ، و انبثق عنها حكومة رامي حمد الله بعد 7 سنوات من الانقسام الفلسطيني التام ، و فشلت أمام تحديات داخليه بعد الزيارات المتقطعة لقطاع غزه ، لممارسة المهام المنوطة إليها .
و ما زال الشعب الفلسطيني يقع ضحيت الحوارات ، و الاتفاقيات ، و النقاشات ، و التفاهمات ، و القاءات ، دون الوصول الى نتيجة تذكر ، و كل طرف يلقي اللوم على الآخر محملاً إياه أسباب فشل المصالحة . حتى توالت الازمات ، و الفجوات بين كل الفصائل ، و الاحزاب السياسية سواء الداخلة في كنف منظمة التحرير الفلسطينية ، أو الخارجة عنها .
و تعارضت البرامج السياسية لكل حزب ، حتي وصل الأمر لمعارضه الاحزاب بعضها البعض ، سواء بالرفض ، أو النقد ، أو التحفظ ، على السياسات و طبيعة العمل السياسي .
و في حقيقة الأمر ، لا بد من النظر الى الاسباب الرئيسية وراء كل ما سبق ، بتحليل للبرامج السياسية للأحزاب السياسية ، ومدى توافقها مع طبيعة العمل السياسي الفلسطيني من جهة ، و تحليل التعقيدات السياسية الفلسطينية ، و التحديات الخارجية التي تواجهه منظمة التحرير الفلسطينية و السلطة الفلسطينية و الشعب الفلسطيني على حداً سواء من جهة اخرى .
وهو موضوع يطول الشرح و التفصيل فيه .
أما إذا اردنا مخرجاً سياسياً .... للذهاب بهذا النظام السياسي لبر الامان لعدم تكرار التجربة التي مازالت مستمرة حتي الآن بين أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني " حماس و فتح " .
يمكن التوضيح من وجهة نظري على ما يلى :
أولاً
لابد من أن يكون الدستور و القانون هم الأقوى من الأحزاب السياسية ، و القيادات السياسية ، و سلطة الرئيس ، و صانعي القرار السياسي ، و المتنفذين و يصبح الدستور و القانون هو السلطة العليا القادرة على ضبط النظام السياسي الفلسطيني ، مع ضمان وضع آليات التنفيذ ، و التطبيق للقانون و الدستور ، بما
يخص طبيعة العمل السياسي ، و العمل المسلح ، و تنظيم عمل الاحزاب .
إن الدستور و القانون الفلسطيني مازال يحتاج آليات واضحة لعملية التطبيق ، حتى يتمكن من السيطرة الفعلية على القيادات الحزبية ، و الفصائل الفلسطينية التي لا يحكمها ولا يحميها القانون في نفس الوقت ، و الدستور الفلسطيني يجب ان يضع
قواعد و ضوابط تفصيلية تحدد العمل السياسي في فلسطين .
و أيضاً الدستور و القانون الفلسطيني مازال يحتاج القوة التي تمكنه من السيطرة الفعلية على الحكومات الفلسطينية لضبطها ، و ضمان نجاح عملها و منع التدخلات ، و الاستثناءات في عملها ، و كذلك الأمر بالنسبة للقيادات الفلسطينية كافه ، و جميع الاطراف المتحكمة بالمصير السياسي الفلسطيني ، فالجميع يتمسك بالقانون شكلياً دون تطبيقه .
ثانيا
لابد من تفعيل قانون الاحزاب السياسية المقدم من مجلس الوزراء
للعام 2008 م ، و إجراء التعديلات عليه ، بما يتناسب مع الواقع السياسي الجديد ، و ما حدث من اختلاف في البرامج السياسية المطروحة للأحزاب .
و ضبط لعمل الأحزاب السياسية في فلسطين ، و تحديد وظائفها العامة بما يتناسب مع الصالح الفلسطيني العام .
و كذلك تفصيلاً شاملاً و كاملاً ، يضبط عمل الأحزاب من ناحية شروط إنشائها و توافقها مع الدستور الفلسطيني ، و توافقها مع عمل الحكومة و الرئاسة ، و يضمن بقائها وحقها في العمل السياسي الفلسطيني دون المساس بقواعدها العامة .
و ضمان عدم التعدي الحزبي على عمل الحكومة أو وظائفها ، أو التدخل في الحياة المدنية ، و ما يكفله الدستور الفلسطيني للشعب من حريات مدنية ، سياسية ، و اقتصادية ، و اجتماعية ، و دينية ، و ثقافية .
و لابد من تحديد مهام عمل هذه الاحزاب ، وفقا للقانون بما يضمن عدم تفردها السياسي بالحكم في حال و صولها سلم السلطة .
و اشتراط انضمامها للكل الفلسطيني ، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية كأساس للعمل السياسي الفلسطيني .
ثالثاً
ضبط الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية الفلسطينية ، بأنشاء مرجعيه عليا تضم كافة الأجنحة المسلحة للفصائل ، بما يضمن تنظيمها ، و تحديد مهامها دون المساس بأهدافها الرئيسية ، و حقها المشروع بالدفاع عن الشعب الفلسطيني في حالات الاعتداء المسلح .
و ما يضمن توافق هذه الأجنحة المسلحة مع البرامج السياسية للحكومة ، و منظمة التحرير الفلسطيني ، دون تدخل لهذه الأجنحة العسكرية في القرار السياسي المتفق عليه من اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ، و المجلس الوطني ، و من الحكومة والرئاسة ، على حد سواء .
وكل ذلك يتم تحقيقه بتفعيل قانون الأحزاب السياسية و إدخال التعديلات عليه بما يتناسب مع الواقع الجديد .
كل ما تم ذكره لا يتحمل مسؤوليته اي جهة رسمية أو غير رسمية
الأحزاب السياسية الفلسطينية ما بين النجاح و الهزيمة السياسية
و نبدأ بتساؤل يضع نفسه مَحل نِقاش عميق . هل نجحت الاحزاب الفلسطينية في الانخراط في العمل السياسي ؟
و للإجابة لا بد من تحليل طبيعة هذه الاحزاب و مدى التوافق فيما بينها لمعرفة مدي فاعليتها و نجاحها .
و نختصر القول فيما يلى :
بالرجوع الى الدستور الفلسطيني فإن الاحزاب السياسية هي ركيزة العمل السياسي وفقا للنظام السياسي الفلسطيني الاساسي الذي هو نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية و الحزبية و ينتخب فيه رئيس السلطة مباشرة من الشعب و تكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس و المجلس التشريعي الفلسطيني و هذا المجلس بدوره يمثل الشعب و ليس الفصائل و الاحزاب .
و مع تعدد الاحزاب السياسية الفلسطينية ، و كثرة الوانها من الاحمر ، للأخضر ثم الاسود ، و الابيض ، فهي تلتقي فيما بينها بألوان علم فلسطين فقط ، بين يساريه تؤمن بالفكر الثوري و تؤمن بالشعوب ، و يمينيه تؤمن بالفكر الديني على اعتبار أنه قاعدة أساسية في العمل السياسي و الكفاح المسلح ، و وسطية تؤمن بالسلمية و المقاومة الشعبية و التفاوض مع الاحتلال كخيار استراتيجي في المعركة السياسية يمكن أن يصل الى الدولة الفلسطينية ، و احزاب اخرى محايده و تقف فقط موقف المدافع عن الشعب الفلسطيني و لا تملك أي برنامج عمل سياسي
يمكنها من الدخول في معركة سياسيه ، إضافة الى احزاب لا تؤمن بمنظمة التحرير الفلسطينية ، أو تعارض سياستها إن صح التعبير .
الفوارق كبيرة بين هذه الاحزاب ، و بين برامجها الحزبية المختلفة و اختلاف أيديولوجياتها ، أيضاً الخلاف قائم بين معظم الاحزاب الفلسطينية من جهة ، و بين السلطة الفلسطينية و منظمة التحرير من جهة اخرى .
فعدم الترابط بين عمل الاحزاب أو التوفيق بينها تحت إطار سياسي موحد ، يرجع الى أن عملها لا يقتصر على الجانب السياسي فقط ، و يعود ذلك الى طبيعة البيئة الفلسطينية المحتلة ، و هو استثناء تختص به الاحزاب الفلسطينية ، عن الاحزاب
الأخرى في العالم ، قد يجعل منها تحديا كبيرا يواجه الفلسطينيين انفسهم .
أمام هذه التعقيدات ، فإننا نقع ما بين الهزيمة السياسية ، او الفشل السياسي على المستويين الداخلي ، و الخارجي .
فالانقسام يمثل تحديا داخليا كبيراً منذ 13 عام ، و كل المحاولات و الجهود المبذولة للوصول الى نقطة اتفاق بين طرفي الانقسام باتت في طي النسيان .
و كل ما هو تحت إطار المعركة السياسية مع المحتل و العالم ، دخل في دائرة الهزيمة السياسية ، سواء الهزيمة بمعركة المفاوضات أو الهزيمة بمعركة المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني و ( مصير اللاجئين وحق العودة ، القدس، حل الدولتين ، حدود 1967 ، قرارات الامم المتحدة .. الخ )
جميعها اصبحت مصطلحات للتداول اكثر من ان تكون حقائق .
و ثلاث حروب على قطاع غزه أنهكت التقدم السياسي ، و جعلت القضية الفلسطينية قضيه ذات بعد إنساني و اقتصادي ، و ليس سياسي .
إن الاحزاب الفلسطينية تشكل اكبر التحديات الداخلية التي تواجه العمل السياسي الفلسطيني ، و الاختلاف و التنوع في ايديولوجياتها و عقيدتها ، أحدثت فجوة عميقة في العمل السياسي الفلسطيني ، و عدم تنظيم عملها أدى الى تصدع كبير في
أركان العمل السياسي الفلسطيني ككل .
و يمكن أن نُشير الى بداية الازمه السياسية الفلسطينية و الفجوة العميقة ، بمحاور ثلاث وهي الأهم باعتبارها أركان العمل السياسي الآن :
( منظمة التحرير الفلسطينية ، السلطة الفلسطينية ، حركة حماس كحزب تحرري يرفع راية الكفاح المسلح أو المقاومة كمثال حزبي يخوض معركة سياسية و عسكرية و يقف في مقدمة الاحزاب الفلسطينية )
لقد استطاعت حركة حماس دخول بوابة العمل السياسي الفلسطيني ، عبر الانتخابات الفلسطينية التي تمت عام 2006 م ، و نجاحها مكنها من الحصول على مقاعد الأغلبية تقريبا في المجلس التشريعي الفلسطيني ، و بالتالي مكنها من تشكيل
حكومة فلسطينية تقود الشعب الفلسطيني .
الا أن الصِدامات و الخلافات على تطبيق البرامج السياسية ، بين منظمة التحرير الفلسطيني ، و بين حركة حماس سبب أزمة سياسية مازالت قائمه منذ 2006 وحتي اليوم .
و في الوقت الذي شكلت فيه حركة حماس حكومة فلسطينية دون انضمامها لمنظمة التحرير الفلسطينية ، تبنت الحركة وفقاً لبرنامجها الانتخابي مشروع المقاومة المسلحة كخيار للشعب الفلسطيني ، و كان لابد من حدوث التعارض في البرامج
السياسية ، بما أن منظمة التحرير تبنت برنامج المفاوضات و برنامج الكفاح السلمي للشعب الفلسطيني .
هذا التضارب سبب فجوه عميقة بين منظمة التحرير الفلسطينية و السلطة الفلسطينية من جهة ، و بين حركة حماس و عدد من الاحزاب الفلسطينية من جهة اخرى .
فأن منظمة التحرير الفلسطينية تلتزم باتفاقيات سياسية دولية ، و منها اوسلو التي أدت الى ولادة السلطة الوطنية الفلسطينية .
و بتبني حركة حماس برنامج كفاح مسلح يبدوا مستحيلاً للتطبيق من خلال مؤسسات السلطة الفلسطينية و الحكومة ، التي بدورها تلتزم بكافة الاتفاقيات السياسية الموقعة مع الاحتلال أظهر ذلك تناقض واضح في العمل السياسي الفلسطيني .
و هنا اتسعت رقعة الفجوة ، حتي وصلت الى صدام مسلح على الارض في قطاع غزه ، أشبه بحرب أهليه انسحبت بسببه السلطة الفلسطينية من قطاع غزه بإغلاق كافة مؤسساتها ، تاركة فراغ سياسي كبير في القطاع ، و إرث وطني متهالك ، و بسبب
الفراغ تولت حركة حماس الأمر ، باعتبارها صاحبة الحق في تشكيل الحكومة الفلسطينية .
ثم تطور الخلافات الفلسطينية بين معسكرين فلسطينيين هما
" فتح و حماس " و ذلك بنقل القيادة السياسية الفلسطينية لمنظمة التحرير و قيادة السلطة الفلسطينية الى الضفة الغربية ، و بقاء غزه تحت قيادة حماس ، و التي بدورها باشرت بتولي مهام حكم قطاع غزه ، مفصولاً عن الضفة الغربية سياسياً ، وجغرافياً ، و ديموغرافياً ، و ثقافياً . حتي خرج مفهوم جديد هو الانقسام الفلسطيني الذي بدأ من 2007 م و حتى الآن ، وهو فصل تام بين مؤسسات السلطة الفلسطينية في قطاع غزه و نظيرتها في الضفة
الغربية ، و فصل بين كل ما يمس الحياة السياسية ، و الاجتماعية ، و الاقتصادية، و حتى الثقافية .
و رغم بدأ المحاورات ، و الاتفاقيات ، و التدخلات لتقريب وجهات النظر ، بين طرفي الانقسام الا إنها جميعها لم تسفر عن شيء حتي الآن ، منذ اتفاق مكة حتى اتفاق القاهرة 2017 م ، جميعها فشلت و لم يتم تنفيذها بخلاف ما حدث بعد 2009 م
، بما عُرف اتفاق الوفاق الوطني الفلسطيني ، و ما حدث في 2014 م بإعلان تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني تحت رعاية المخابرات المصرية ضمن تفاهمات بين حماس و
فتح ، لتقريب و جهات النظر ، و انبثق عنها حكومة رامي حمد الله بعد 7 سنوات من الانقسام الفلسطيني التام ، و فشلت أمام تحديات داخليه بعد الزيارات المتقطعة لقطاع غزه ، لممارسة المهام المنوطة إليها .
و ما زال الشعب الفلسطيني يقع ضحيت الحوارات ، و الاتفاقيات ، و النقاشات ، و التفاهمات ، و القاءات ، دون الوصول الى نتيجة تذكر ، و كل طرف يلقي اللوم على الآخر محملاً إياه أسباب فشل المصالحة . حتى توالت الازمات ، و الفجوات بين كل الفصائل ، و الاحزاب السياسية سواء الداخلة في كنف منظمة التحرير الفلسطينية ، أو الخارجة عنها .
و تعارضت البرامج السياسية لكل حزب ، حتي وصل الأمر لمعارضه الاحزاب بعضها البعض ، سواء بالرفض ، أو النقد ، أو التحفظ ، على السياسات و طبيعة العمل السياسي .
و في حقيقة الأمر ، لا بد من النظر الى الاسباب الرئيسية وراء كل ما سبق ، بتحليل للبرامج السياسية للأحزاب السياسية ، ومدى توافقها مع طبيعة العمل السياسي الفلسطيني من جهة ، و تحليل التعقيدات السياسية الفلسطينية ، و التحديات الخارجية التي تواجهه منظمة التحرير الفلسطينية و السلطة الفلسطينية و الشعب الفلسطيني على حداً سواء من جهة اخرى .
وهو موضوع يطول الشرح و التفصيل فيه .
أما إذا اردنا مخرجاً سياسياً .... للذهاب بهذا النظام السياسي لبر الامان لعدم تكرار التجربة التي مازالت مستمرة حتي الآن بين أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني " حماس و فتح " .
يمكن التوضيح من وجهة نظري على ما يلى :
أولاً
لابد من أن يكون الدستور و القانون هم الأقوى من الأحزاب السياسية ، و القيادات السياسية ، و سلطة الرئيس ، و صانعي القرار السياسي ، و المتنفذين و يصبح الدستور و القانون هو السلطة العليا القادرة على ضبط النظام السياسي الفلسطيني ، مع ضمان وضع آليات التنفيذ ، و التطبيق للقانون و الدستور ، بما
يخص طبيعة العمل السياسي ، و العمل المسلح ، و تنظيم عمل الاحزاب .
إن الدستور و القانون الفلسطيني مازال يحتاج آليات واضحة لعملية التطبيق ، حتى يتمكن من السيطرة الفعلية على القيادات الحزبية ، و الفصائل الفلسطينية التي لا يحكمها ولا يحميها القانون في نفس الوقت ، و الدستور الفلسطيني يجب ان يضع
قواعد و ضوابط تفصيلية تحدد العمل السياسي في فلسطين .
و أيضاً الدستور و القانون الفلسطيني مازال يحتاج القوة التي تمكنه من السيطرة الفعلية على الحكومات الفلسطينية لضبطها ، و ضمان نجاح عملها و منع التدخلات ، و الاستثناءات في عملها ، و كذلك الأمر بالنسبة للقيادات الفلسطينية كافه ، و جميع الاطراف المتحكمة بالمصير السياسي الفلسطيني ، فالجميع يتمسك بالقانون شكلياً دون تطبيقه .
ثانيا
لابد من تفعيل قانون الاحزاب السياسية المقدم من مجلس الوزراء
للعام 2008 م ، و إجراء التعديلات عليه ، بما يتناسب مع الواقع السياسي الجديد ، و ما حدث من اختلاف في البرامج السياسية المطروحة للأحزاب .
و ضبط لعمل الأحزاب السياسية في فلسطين ، و تحديد وظائفها العامة بما يتناسب مع الصالح الفلسطيني العام .
و كذلك تفصيلاً شاملاً و كاملاً ، يضبط عمل الأحزاب من ناحية شروط إنشائها و توافقها مع الدستور الفلسطيني ، و توافقها مع عمل الحكومة و الرئاسة ، و يضمن بقائها وحقها في العمل السياسي الفلسطيني دون المساس بقواعدها العامة .
و ضمان عدم التعدي الحزبي على عمل الحكومة أو وظائفها ، أو التدخل في الحياة المدنية ، و ما يكفله الدستور الفلسطيني للشعب من حريات مدنية ، سياسية ، و اقتصادية ، و اجتماعية ، و دينية ، و ثقافية .
و لابد من تحديد مهام عمل هذه الاحزاب ، وفقا للقانون بما يضمن عدم تفردها السياسي بالحكم في حال و صولها سلم السلطة .
و اشتراط انضمامها للكل الفلسطيني ، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية كأساس للعمل السياسي الفلسطيني .
ثالثاً
ضبط الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية الفلسطينية ، بأنشاء مرجعيه عليا تضم كافة الأجنحة المسلحة للفصائل ، بما يضمن تنظيمها ، و تحديد مهامها دون المساس بأهدافها الرئيسية ، و حقها المشروع بالدفاع عن الشعب الفلسطيني في حالات الاعتداء المسلح .
و ما يضمن توافق هذه الأجنحة المسلحة مع البرامج السياسية للحكومة ، و منظمة التحرير الفلسطيني ، دون تدخل لهذه الأجنحة العسكرية في القرار السياسي المتفق عليه من اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ، و المجلس الوطني ، و من الحكومة والرئاسة ، على حد سواء .
وكل ذلك يتم تحقيقه بتفعيل قانون الأحزاب السياسية و إدخال التعديلات عليه بما يتناسب مع الواقع الجديد .
كل ما تم ذكره لا يتحمل مسؤوليته اي جهة رسمية أو غير رسمية