الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سيرة حمار للمؤلف حسن أوريد بين درامية العرض وتأويلية اللغة الاستباطانية

تاريخ النشر : 2019-08-20
سيرة حمار للمؤلف حسن أوريد بين درامية العرض وتأويلية اللغة الاستباطانية
سيرة حمار للمؤلف حسن أوريد بين درامية العرض وتأويلية اللغة الاستباطانية
بقلم:د. الغزيوي أبو علي-د.بن المدني ليلة
تقديم

يندرج مؤلف سيرة حمار نظريا ودراميا في فضاءات العلامة التمسرحية الاجتماعية وهي تتحرك وفقا لرؤية المخرج حسن أوريد، نظرا لما تحمله من قضايا ومؤشرات خارجية، ودلالات ترصد حركات الحيوانات في تعالقاتها وترحالها وذلك ضمن عالم سوسيوثقافي واجتماعي درامي، انطلاقا من رحلته الأولى إلى السيرك وأخيرا إلى بيته، وهذا الطموح يدفعنا باتجاه التشريع الدراماتيكي لمقاربة هيرمينوطيقية سوسيولوجية لا تكتفي فقط ببناء نسق العلامات بل تربطه بالسياقات الاجتماعية والجغرافية والتاريخية، لأن شخصية حسن أوريد تكون محملة بدلالات متنوعة فرضها المستعمل الدرامي وأوضاعه الثقافية السائدة إذن لماذا البحث في ترميم المؤلف، فالعنوان مركب لا يحمل لغته الرتيبة، يثير تساؤلات حول علاقة الممثل مع ذاته وغير ذاته ويتماهى مع الآخر، كما ذكرت، ولم يكن الممثل يقبل بالأفكار السائدة والمتداولة بل كان ينتقد القيم الصنمية الاعتباطية رحال في عالم الواقع بخياله دون عقيدة، يستبعد المكتسب والمتسلط، لفائدة المجتمع، يفتت الأنظمة بالشاعرية وبالحب، هاربا إلى الأمام لكشف شقوق طبقات الواقع التي مازالت مجهولة.

إنه يخالف الدوغمائية والأرثودوكسية المغلق، يقدم رؤية مشخصة لهذا العالم، وكذات أخرى، يحاوره من خلال الأنا، فلا يجد نفسه إلا التمسرح داخل المسرح، ولم يكن معنيا ببناء هذا الأنموذج، بل هدفه تفكيك هذه الرموز الموجودة في المجتمع.

فهذا الإحساس الباطني جعله يرى الأنسجة البادية في عيون الممثلين دون أن يضنيه التحليل النقدي، يجدها عادة كامنة في محاكمة الكائن لبناء الممكن، والمنفصل من أجل المتصل، وهذا البراديكم الجديد يتسع ليقرأ بالعين كل الأنساق السوسيوثقافية والحياة اليومية التي يسكن فيها، تتواصل الشخصيات على الركح بخيال يترادف مع الحياة، والوعي، والوجود، وتتخذ الأفكار بنوءات وجودية وتشكلها المركزي في الأبحاث البيوسيولوجية ...............، نظرا لدورها في ضبط التعامل في الحياة العملية واليومية من تواصل فوق الركح إلى تواصل مع الجمهور، فهذه الدينامية التي تنطلق من الخيال مرورا بالذوق الشخصي وانتهاء بالمتعة، لأن للجسد أفكار غير أفكار صاحبه كما يقول رولان بارت[1] وهذه الرحلة الطهرانية تعمل على ترجمة الصراعات أو أنظمة السيطرة لكنه ما نصارع من أجله، وما نصارع به وهي السلطة التي تحاول الاستيلاء عليها[2].

إن هذا العرض يخلق عدة أسئلة التي هي غير محكومة، حيث تحافظ على صرامتها وصراعها، في إقصاء أو إرجاع الأصل المفقود عبر لغة دراماتيكية تقارب المحكم في لغته، وفي دلالته الرمزية، وقيمه المترفة، لهذا اتخذ هذا العنوان في أثريته وتاريخيته خاصية حيوية، تظهر لنا الممثل الحمار النص الرمزي مفارق لحقيقته المطلوبة ربما المشتركة، ولكن هذه اللعبة الدرامية كما يرى غادامير لا تكون إلا عبارة عن مدارة إيحائية التي من خلالها يكون الممثل خدم الأفكار التي تخدمه حتى يستطيع أن يعيش أو يموت من أجل أفكاره كما يؤكد إذكار موران هنا يظهر لنا الطابع الجوهري للمفاهيم الموظفة من طرف الممثلين، حيث تخضع إلى مجموعة من المعطيات الذاتية والموضوعية، كما أن عملية التمسرح والتشكيل متضمنة داخل نسيج قدرة الممثلين في إدراك وتمثل الواقع، والمعاني لأن فكرة النقد الذاتي الذي يعيشه الممثل هي مظهر من مظاهر المجتمع، حيث نستطيع من خلاله تعرف المجتمع، باعتباره عملية توليد من طرف فكر مغاير يتشكل بوعي منطقي فالمؤلف حسن أوريد يعمل على ابتكار المفاهيم باعتبارها فكرا لا ينتهي عن المساءلة. بل يدعو إلى الإشكالية المتفاعلة مع الذات / الممثلة والمحيط الاجتماعي. بمعنى آخر أن هذه المفاهيم تأتي عن القراءة المتنوعة وطبيعة رؤيته للواقع، ذلك أن الممثل الحمار هو الذي يحدد معنى "المفترض، والممكن أثناء عملية التمسرح الدراماتيكي، فالممثل كما ذكرت هو الذي يمنطق المفاهيم ويحددها باعتبارها شيء مركب وخطوط ممططة وملازمة حسب البناء والوظيفة الدرامية، فصورة اللعب الركحي، والمؤثرات الصوتية، والإضاءة،  والديكور (الكهف) وغيرها من المؤثثات تعمل على توجيه إبداع المفاهيم الممسرحة لأنها تنعكس في مرآة الممثل مثل الصورة المجسدة، والألفاظ ................ القادرة على الانعكاس والتأثير، فإبداع المفاهيم اللغوية والدرامية هي بناءات مركبة، يستطيع المتلقي تلقيها دون استخدام التفسير والتأويل.

إن هذه التقنية تنبع من التمسرح الركحي بنوع من اللعب والحب، والمعاناة  والارتباطات والنضج، لأن الممثلين يعمدون إلى خلق مفاهيم لعبوية مقننة ومتعددة لإيصال المرجعية كحدس دقيق وكشف يهدف إلى توضيح أنساق دقيقة، تتسم بنزوع موضوعي بالنسبة للنص، وهو يقدم نفسه كمظاهر معاشة، ومعيشية وليس كنظريات، ولا مراجع ثابتة.

ومهما يكن من أمر فإن الممثلين (الحيوانات) يمثلون المجال الإبداعي الأكثر قابلة للرؤية البصرية، باعتبارهم يقرؤون الواقع من أجل نسج معه أفق المنتظر في شكل صياغات جديدة وهذا ما أكده غدامير في كتابه مفهوم "التأويل" ص 34، إن العرض المسرحي تتميز بوظائف مضبوطة، لأنها تعتمد "المسرح داخل المسرح" أو لعبة داخل البعد لأنها تعارض دلالتها الأولى لتوليد دلالات ممكنة، كشرط إيجابي في إعادة الممكن في الكائن، وهذا الطابع الجدلي يمنح للممثلين القدرة على الاستمرار والديمومة، كما يقدم لهم القدرة أيضا على العيش في المحيط المعرفي، والإنساني، ويرى باشلار "إن الاحتراس من انعدام الطابع الجدلي للمفهوم فالحذر لازم من مفهوم لم نتمكن بعد من جعله مفهوما جدليا ومضمونه التقبل هو الذي يمنح جدليته". إن ما يمكن أن يشكل موضوعا للمسرحية أو يمكن أن يتواجد في أي جسد، باعتباره كواحد اسمه لفظا "الممثل، فهذا الأخير له إمكانية التنقل والتحول حسب طبيعة التقسيم الركحي بإضاءة لها موضوعها المنطقي، والزمكاني، ولها صفة الديمومة المنسوبة  عادة إلى الممثل عبر الزمكان فهو يتمتع بالوحدة والكثرة والتنوع لكونه يشير إلى باقي الأجساد الأخرى كفلسفات رمزية وحركية متعددة وإلى صفات مغايرة والتي تدل على العلاقات التي تشير غالبا إلى الممكنات أو المجهولات، فهذا التركيب الجسدي الممسرح ظل نواة مجدية متحكمة في نسيج اللعبة دون إعلان حدوديته وعجزه، فالمؤلف سيرة حمار هو عبارة عن لعبة تمسرحية يحاول فيها أوريد حسن أن يضرب الصورة إلى المتفرج بطريقة إيروتيكية وفنتازية، وبلغة دراماتيكية لا تعرف التعقيد ولا التكلف وهذه التعددية الدلالية ميزت العرضي ثقافيا واجتماعيا، وعمل حسن أوريد على قراءة مشروطة سوسيولوجيا بالمتغيرات الجمالية والشروط الاجتماعية، من أجل الإمساك بالطبيعة الجدلية بين السياق القرائي والبعد الدرامي البصري.

إن العرض يرسم لنا القاري الذي يقرأ العرض بالبصر، والبصيرة، باعتباره قارئا مثاليا، يحدد كل المؤثثات السينوغرافية متسائلا عن الأبعاد الاجتماعية والوجودية والتاريخية، ويقول مانفريد ناومن ففي عملية الكتابة نفسها هناك جمهور ضمني .......... يمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة بالنسبة للمؤلفين، شعب بأكمله، أمة الإنسانية، الأجيال القادمة – أو طبقة أو فئة اجتماعية"[3].

وانطلاقا من هذا الطرح نستنتج أن هناك قارئ متخيل باعتباره الصورة التي يؤسسها بكيفية مباشرة أو بطريقة واعية، فهذه الصورة تنعكس في أعماله، فيلتقي مع القارئ الحقيقي، باعتباره العمود الجوهري الذي يتلقى النص / العرض، فهو الذي يملك الحقيقة التاريخية، والثقافية التي يستعيرها من العمل المدروس.

إن حسن أوريد ممثل الطبقة، والفئة الاجتماعية وممثل لمجموعات ذات مصالح واحتياجات، ومستويات ثقافية وأذواق أدبية وإيديولوجيات مختلفة"[4]، لكن السؤال المطروح لماذا نستحضر دوما المعاني الممكنة دون غيرها؟ فهذا السؤال يجترح كل التصورات التي طرحها هانس روبير ياوس، وزربير اشستاربيت فالممثل حسن أوريد يبدع من خلال العلاقة المباشرة مع طفولته الهاربة، ومن خلال اللحظة التي أخذ فيها الكون معناه وهذا يكون بواسطة عملية اللغة الأيروسية التي تمثله وتشكله، غنه إبداع ثاني للذات والكون والإنسان. ويرى حسن أوريد أن الإنسان / ضائع تائه في وحدته العميقة والرهينة كما عند بودلير ورامبو، وزفال، وفرلين، ومن عمق الأعماق يتجلى المعيش  والوعي،ويحتل الممثل الأعماق والاستئناس بها والتحرك فيها كما يقول شارل مورو، فهذه التيمات المبثوثة في ثنايا كتابه – سيرة حمار تتداعى بشكل لا إرادي تسمح لنا بالوقوف عنده باعتباره عتبة عليا التي من خلالها نعرف كيف يستطيع الممثل أن يلائم بين الذات / والعرض والبعد الجمالي، لذا جعلنا ندرك أن قراءة العرض لا يتم بطريقة إسقاطية، أو تأثيرية، وإنما كدرجة التحقق الجمالي[5].

فنظرية العرض تبني نتائجها مسبقا بكيفية كونية، بحيث يستطيع القارئ الواقعي أو ظمي أن يجسدها أثناء مرحلة التحقق الجمالي، والفرجوي فالفعل القرائي في حد ذاته يمتلك بنية موضوعية مشتركة بين الذوات يسهل علينا الكشف عن وضعها وهي جذر كل التحققات الفردانية المتنوعة[6].

لقد دعا أدورنو إلى كشف المعنى الاجتماعي للأشكال الفنية، والأدبية، وبرزت اللغة كوسيط بين الأديب والمجتمع[7].

فاللغة الدرامية، إذن هي تحكم هذه العلاقة، وهذه العلاقة بين الذات والمرجع لا تكون علاقة آلية، أو انعكاسية، أو إيديولوجية بل تكون عبارة عن دينامية مرتبطة بالوسط الاجتماعي والاقتصادي الذي ظهر فيه كما يقول كولدمان في كتابه الإله المختفي[8]، وهذه البنيات الدلالية Structures signification لا تظهر لنا إلا عن طريق التوليدات البنيوية الجديدة المستخلصة من العرض، فالترابط الداخلي للبنية يفضي بنا إلى فهم هذه البنية كبعد دلالي، أما التفسير فيرتبط  بالبعد الاجتماعي الذي سماه كولدمان برؤية العالم. ويقول في هذا الصدد "إن الظواهر الإنسانية لها دائما طابع البنى الدلالية،  وحدها الدراسة التوليدية تستطيع من بين مختلف الدراسات الأخرى أن تحقق في الآن نفسه فهما وتفسيرا لهذه الظواهر"[9] فهذه الرؤية الجمالية للعالم جعلته يتجاوز ما هو سائد في القراءات الدرامية الروائية، جاعلا من عرضه بساطا مفتوحا متحركا نحو المغامرة في الرؤية الإبداعية الجديدة. لأن الوعي الجماعي هو نتيجة وعي الأثر الممسرح، وباعتباره أصلا للعالم الدرامي، وذلك لمعرفة ما دفعها إلى تأسيس هذا العالم الممكن دون غيره، لذا حسن أوريد إلى توليد أنوية حيوانية وإنسانية متنوعة عمقت الرؤى فخلقت عوامل ما لا نهائية، لذا يصعب عقلنته، لأنه فاقد لأي مناخ[10] هذا الانتقال من المرجع إلى اللامرجع يفتح أبوابا جديدة الذي هو التصنع (Simulation la ……….) باعتباره نسقا من العلامات، وليس محاكاة ولا تكرارا، بل الأمر يتعلق باستبدال الواقع بالواقع الجديد بتعاليه عن الزمان، والمكان، مما يسمح بالأسبقية للإشباح Précession des simulacres عن المرجع، فهي انعكاس لذاتها.

وصعود للفكر اللانقدي، وتفكك للعلاقة المثالية بين المفهوم والواقع، هذا الواقع الذي أصبح ظاهرة غير واضحة لذا يتطلب مخاطبته في راهنيته وفي ظواهره برؤية تأويلية محكمة ومنطقية، هكذا عمل الممثلون بقلب الواقع باللعب والحب، والتجاور، والسخرية، من أجل إظهار هذا الواقع بكل بداهته وهشاشته دون أن يكون حقيقة "لهذا يمكننا أن نحلم بثقافة يضحك فيها الجمهور تلقائيا حين سماع مثل هذه الكلمات والعبارات هذا حق، أو هذا واقع[11] يعمد إلى تأسيس نظام درامي ليحاكم الثابت من أجل بيان المتحول ويزرع المختلف في المؤتلف، لأن الكتابة الركحية عنده، هي بدء في الراهن من خلال الماضي، ومتعة الركح لدى المتفرج في الحاضر وأن الثقافة الراهنة التي سادها اللحظوي العابر والمنتهي، قد عطلت الخيال، وأسرته، وهذه الرؤية الاستشرافية التي ولدها العرض المسرحي هي حاكمة لثقافة الشبح المهيمن في المجتمعات الإنسانية. لأن الثقافة الشبحية كما يرى جيل دولوز تنفي الأصل، وتضمر الكائن والنموذج حتى .............. العالم بصفته فالنتازيا"[12]،  

أعتقد أن الحداثة التحليلية هي ضرورية لفهم عميق للطفرات الثقافية العظيمة في عالمنا. والاضطرابات السياسية بما في ذلك تطور مفهوم الديمقراطية، أنا مقتنع بشكل كبير لذا ففقدان الوجه الأصلي للإنسان جعلنا نستشف أنه المحو والإقصاء والفرق، والصراع هو المهيمن في عالمنا المعاصر، لذا صرنا أشباحا بعد أن فقدنا الوجود الأخلاقي وأدخلنا في الوجود الجمالي" كما يقول جيل دولوز L’éccleciante في كتابه التكرار والاختلاف[13]، لكن هذا الإقصاء هل هو الذي يلغي ذاته؟ 

أعتقد أن الحداثة التحليلية هي ضرورية لفهم عميق للطفرات الثقافية العظيمة في عالمنا. والاضطرابات السياسة بما في ذلك تطور مفهوم الديمقراطية، أنا مقتنع بشكل كبير بأن التجربة التحليلية عند الدكتور حسن أوريد يمكن أن تكون إجابة عن أسئلة درامية بشرط أن تعيد اختراع نفسها باستمرار كما يشير فرفيد – وجوليا كريستيفا في كتابها "غريزة الزمن"، فالممثلون يشخصون ظاهرة إنسانية غير عادية، فحسن أوريد في هذه الرواية عمد على بلورة مجموعة من الأطروحات التي تتشكلن لتعيد لنا براعتها الإبستمولوجية، ولتبتي لنا أيضا استراتجية تأويلية وتفسيرية دون محو إرادي، ولا سلطة ذرائعية، لأنه يملك سر الكلمة وسحرها فهو الذي يمسرح الحيوانات ويوزع الأدوار بالتفسير، يقول شلاير ........ إن التأويل هو فن امتلاك كل الشروط الضرورية للفهم،وقد اختلف الباحثون في هذا الشأن، فمنهم من أعاده إلى العصر اليوناني وهناك من أرجأه إلى العصر الروماني، وهناك من ربطه بالعصر الرومانسي وعصر الأنوار، وهذا الاختلاف تلمفهومي جعله ينتشر بازدهار البروتستاتية الذي ولدت في عصر النهضة. وقد ارتبط هذا المفهوم بفروع أخرى، كالتفسير، والشرح والفهم، والترجمة كلها فروع متداخلة وممتزجة في الأول الواحد. فشلاير ماخر يلغي التأويل ويضع الفهم في مركزية الممارسة التأويلية[14].

فالفهم هو خطاب غيري أفي تفرده أما التأويل فينحصر في حرفية المعنى أو في مجازيته. أما فيلهاكم دلتاي قد عاكس هذا التصور الشلاير ماخري، جاعلا من التأويل شكلا خاصا من الفهم، مميزا بينهما وبين مفهوم التفسير بحيث يختلف كل واحد منهما عن الآخر، لأن التفسير مرتبط بالعلوم الوضعية، أما الفهم والتأويل فيرتبط بالعلوم الإنسانية ويقول بول ريكور "لا يمكن إطلاقا لأي منهج  من المنهجين أن يطبق على الحقل المقابل"[15] فبول ريكور Pricoeur يرى أن هذا التناقض الذي طرح من طرف دلتاي لم يكن يوافق التصور الموضوعي العلمي، بل ينبغي أن نربطه بالتطور اللساني المعاصر، حيث جعل التطور البنيوي يعتمد بعدين بعد دافعي، وبعد خارجي، مانعا لكل العلاقات والبنيات دلالة مرجعية موضوعية ويقول بريكون "ويجد التأويل أساسه العلمي ومرتكزه الموضوعي في التفسير"[16].

أما الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر، فإنه يدعو إلى تأويل العالم والإنسان معا أي فهم "الوجود في العالم – موضحا أن الهيرمينوطيقا هو تأويل الدازية – أي "الكينونة" فهي الظاهراتية بكل مرجعيتها لأنها تهتم بالإدراك والفهم، فالفهم هو الكيفية التي يفهم بها كينونة الكائن، ووجوده، ولارتباطه بالذات والعالم. أما التأويل عنده فيتطلب منا الأخذ بها الفهم الكلياني وإخراجه إلى دائرة الإدراك والوعي الذاتي[17] لكن جاك ديريدا في مشروعه الما بعد الحداثة أراد أن يعيد للنص قصيدته انطلاقا من مرحلة الفهم، لأن النص حسب ديريدا لا يحيل إلا على نفسه ولا يرتبط بأي شكل خارجي.

فهذه القراءة المضاعفة تسمح لنا بمعرفة الأصل المفقود في القراءة الثانية، فالقراءة هي تفكيك الخطاب وكشف لكل تناقضاته وفراغاته"[18] ففي هذا الكتاب يحاول جاهدا أن يصالح بين التأويل والهيرمينوطيقا، عارضا براعته الفكرية التي تنم عن قوة تأويلية أكثر ما تنم عن قوة تفسيرية، فهذا الأخير يرتبط بالتفسير النصي المباشر. أما الهيرمينوطيقا فيراها كعلامات، وإشارات في تموجاتها وفي تنويعاتها من أجل بناء رؤية إفهامية وفهمية، فريكور جعل من هذه المسألة الجوهرية خطابا مفتوحا قابلا أن يستوعب كل التناقضات الموجود في الواقع فالهيرمينوطيقا هي فلسفة تحليلية تجمع بين كل المفاهيم، باعتبارها رؤيا ممكنة الوجود في عالم يمنحنا ذاتيته ببساطة دون دلالة ممكنة، فريكور أراد أن يعيد النظر في العلوم الإنسانية لكي يبني رؤية نقدية لكل التصورات والمفاهيم النفسية، والاجتماعية، والتاريخية لذا عمل على تكسير كل الخطابات المغلقة والآتية من المبادرة الفرويدية وذلك بواسطة لغة علاماتية تكون أكثر تعقيدا وأشد صلابة. أما الفيلسوف غادامير فيرى في التأويل ثلاث مراحل: 1) الفهم، 2) التفسير أو التأويل وأخيرا التطبيق.

وكل مرحلة من هذه المراحل تشكل عملية تأويلية لأن الفهم هو الذي يقودنا إلى التفسير في مرحلة نصية أو ظاهرة تركيبية.

فالتفسير يأخذ موضوعيته وبرهانيته كبعد خارجي للفهم[19]  يجد ومعنى التأويل مشبع الدلالات، لغة الفهم الذي يحمله النص ينتمي إلى فلسفة التاريخ، ويرتبط هذا الأخير بفكرة تاريخ ممتد يجد ذاتيته في فلسفة الأنوار، وقد اكتشف حسن أوريد تطورا ملموسا للإنسانية يكور التحرر الفكري والثقافي النتيجة الجوهرية للاستعمال الحر للوعي في إرادة الحياة، وفي رفض كل حكم مسبق وكل نفوذ مهيمن، معترفا أن السبيل التحرري قد فتحها الإنسان الحر بتفاصيله العقلية، ومعارضته للعادة، وتكون درجة التفجير في تصاعد لا نهاية لها، تسمح هذه الإبداعية بالهيمنة الذكورية، وبموضعته، فتصبح السيرورة الحضرية تقدما قابلا للقياس الكيفي والكمي.

إن هذا الأمر هو حداثي وزمني يعبر عن لحظة مغايرة لمسار تراكمي وزيادة الخبرات والمعارف الاستنباطية.

إن لحظة الإبداع والتخطي لإنتاجات السائدة جعلت حسم أوريد جعله ينمو بشاعرية من خلال تحسين التقنيات الإبداعية والثقافية، فمثل الكتابة برغبة تباينية وكقارة للأفكار والممارسات التنظيرية، حيث تحتل المحور الخطي (الماضي – الحاضر – المستقبل)، وترسم للمجال الرمزي ذاكرة ولتفرض الاعتراف في كليته سواء كان ثقافة، أو فكرا، أو وجودا.

فحسن أوريد في متونه الإبداعية – ربيع قرطبة، والموريسكي، والمتنبي، والرواء ... والثورة الثقافية بالمغرب، والسيرة، والترجمة دعمت هذه الأطروحة في هذا التفكير وخاصة مع الصورة التأويلية للتاريخ والإنسان، والوجود، لأن الإنسان ليس إلا حقيقة كونية كما يرى هيدجر، وكحقل متحقق (هيجل) في ظل التبايانات والتناقضات الضرورية. وفي الأخير أشكر صديقي وأخي محمد بلمو الذي دفعني إلى هذه المغامرة الإبداعية التي تحملتها لأنها تتطلب النبش والحفر في طبقات حسن أوريد، وشكرا.

إنجاز الدكتور الغزيوي أبو علي

دة: بن المداني ليلة (فاس)

مختبر اللغة والفكر


[1] -  Raland Barthes : « seystene de mode paris – seul 1967, P 147.

[2] - ميشيل فوكو: نظام الخطاب، ط 3، 2012، الغلاف الخارجي,

[3] - مانفريد ناومن: "المؤلف – المرسل  - ترجمة عبد القادر بوزيدة، مجلة اللغة والأدب، جامعة الجزائر، ع 2، 1993، ص: 167 – 168.

[4] - مانفريد ناومن، المرجع نسفه، ص: 166.

[5] - أحمد بوحسن: نظرية التلقي والنقد العربي الحديث، ص: 35 – 36.

[6] -  WISER : « L’acte de lecture », P 52.

[7] -  Pierre Zima : « Manuel de socicritique collection comaissance des langues 16 – Paris – Picard – 1985, P 118.

[8] -  Coldman « Le dien caché », P 55.

[9] -  Coldman « Le dien caché », P 121.

[10] -  Jean Baudrillard : « Simulacres et sinulation, de bats paris – Galilée, 1981, P 13.

[11] -  Jean Baudrillard : « Le crime parfaits » paris – Galilée, 1955, P 141.

[12] -  Gilles delewse : « Logique de seus, critique Paris – Minuit – 1969, P 303.

[13] -  Gilles delewse : « Diffet répetition », 1968, P 35.

[14] - عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة.

[15] - بول ريكور: النص والتأويل، تر منصف عبد الحق، مجلة العرب والفكر العلمي، العدد 3 – 1988، ص: 79.

[16] - نفس المرجع، ص: 36.

[17] - عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، ص: 20.

[18] -  Paul Ricoeur : « Le conflit des interpretations seuil », 1969, p 8.

[19] - هانس جورج غادامير: "اللغة كوسيط للتجربة التأويلية، تر أمال أبي سليمان، مجلة العرب والفكر العالمي، ع 3، 1988.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف