أحسنوا السِّقاء ليحسن الثَّمر.
لبنى عبد العزيز جلهوم
قديماً قالوا : أن الطِّفل الصغير كالورقة البيضاء، وأن مهمة الأهل هو النَّقش بعناية فائقة على تلك الورقة البيضاء التي لا تعرف إلي السَّواد طريقاً، فتبدأ الأم بمحاولات التَّعليم ووضع اللَّمسات التي تراها صائبة من وجهة نظرها، فما أن يبلغ الطفل عمر السنتين ويبدأ في تلعثمانه اللغوية وحروفه الأولى التي ينطقها، حتى تغمر السعادة نفس المرأة لأن ابنها بدأ يلفظ اسمها وينادي بكلمة (ماما) ثُمّ شيئاً فشيئاً يكون الكلمات وتليها الجُمَل، تبدأ الأم تُعَلمه الممارسات الصحيحة، وتَحِنُّ عليه ما استطاعت وتفديه بروحها، تخاف عليه من نسمات الهواء الباردة إذا لمست جبينه، يَسْقُط قلبها لو تَعَثّر .
في الصِّغر لا تَجِدُ الأُمّهات مشقة في إطعام أبنائها أي طعام تطهوه أحبوه أم كرهوه هم مجبرون على تناوله، لا تجد مشقة في ضبطهم وإملاء التعليمات والتحذيرات التي لا يقدرون على تخطيها أو تجاوزها، قد تخرج وتقضي مشاويرها وهم في البيت يجلسون دون أن يقدروا على التّفوه بكلمة ،ببساطة لأنهم لازالوا صغاراً، وبإمكانها إقناعهم بما تراه مناسباً لها ولهم طبعاً من وجهة نظرها، افعل كذا فيفعل، اجلس هنا فيجلس، كُلْ كذا فيأكل، ولامجال للتَّذَمُر أو الاعتراض .
لكن الصِّغار لا يبقون صِغارا، وتلك الورقة البيضاء التي أشبعتيها عزيزتي الأُم خطوطاً قد امتلأت وفاضت ولا مجال لأي خربشة جديدة، قطعة الإسفنج تلك امتصت كل ما سكبتيه عليها فتشبعت ولا مجال لأي نقطة ، ذاك الغُصْن الطري قَسِي وأصبح عوداً يانِعاً.
إنّ أية محاولة للتَّدَخُل في تلك المرحلة الحرجة من أعمار أبنائنا قد تُحْدِث صَدْعاً وشرخاً لا نستطيع ردمه، قَد تُنشىء حاجزاً صلداً لا نستطيع تسلُّقه فيما بعد، وقد تُحْدِث تنافراً لا نستطيع تعديل مساره فيما بعد ، فتشكو الأُمّ سلوك أبنائها اليافعين، البنت لا تُساعِد أمها، الشاب يسهر خارج البيت كثيراً، وذاك أصحابه من رفقة السوء ولا يستمع لأي كلمة من أهله، وجارنا نسمع صراخه على ابنه كل يوم، وتلك تتنزل بدعوات الغضب على أولادها، تلك تشكو وذاك يَتَذمّر والحال يُرثى له.
أَفَهِمَ الأهل أن لِكُل مرحلة في حياة أبنائهم تعاملها الخاص؟ ، حين كانوا صغاراً لم نكن نسمع صوتاً لهم، لكن هذا الابن و تلك الابنة امتلأت أذناهما بالأصوات والتدابير والأحكام وجاء الوقت لتتحدث هي وتُعَبّر عن رأيها بحرّية ودون أي حاجز ، فتقبيلها عزيزتي الأُم، وذاك الشاب الذي حُرِم من صِغره تخطي عتبة البيت، كبُر وشَبً ،فأحب أن يَخرج من تلك القوقعة التي وضعتموه فيها، أراد أن يختلط بالناس، ما فائدة المنع وتحجيم العِلاقات؟ ، كل الكلام لن يُجدي نفعاً حينها ووحده التعامل والاختلاط هو الذي سيصقل شخصيته ويُنضِجها .
ليطمئن الآباء على أبنائهم ولتطمئن الأُمهات على بناتها غرسكم الذي زرعتموه ستجنوه، تلك الأساسات التي رتبتموها بعناية ستعلوا، لن ينبت زرعاً فاسِداً كان قد غُذي من صلاح ،ولن ينبت زرعاً صالحاً قد غُذي من فساد، لن تخرج الشجرة مائلة ومُعوَجّة طالما أنت لها السند، لن تقسو عليك ابنتك في كِبَرِها طالما أنك أسقيتيها الحب والحنان، ولن يفعل ابنك أمراً سيئاً ، طالما أنك علمتيه في صغره الصلاح والخير والأخلاق.
أعي حجم محبة الأهل لأبنائهم، إنهم يحبون أن يروا أبناءهم في أحسن حال، لكن لِكُلِ مرحلة في أعمارهم اهتمامات وتعامل خاصّ، في الصغر ترفقوا بهم وعَلّموهم الأخلاق والقيم دعوهم يرونها في تعاملاتكم أنتم كوالدين، في صِغَرِهم يرونكم مثلاً أعلى فكونوا كذلك، في مرحلة شبابهم امنحوهم الثّقة، ووحده الحُب يُجَسّر كلّ هوة، ويَرأبُ كل صَدع، ويفتح كلّ حاجز، أسرِفوا في الحُب معهم، لا تخجلي من احتضان ابنتك في أي وقت لعلها تكون بحاجة ماسة لذاك الحضن ، وأنت أيُها الأب: لا تتحرج من تربيتة على كَتف ابنك مع نظرة فخر وثِقة ،احتويهم في كل حالاتهم.
إن تربية الأبناء ليست بالأمر اليسر أو الهين ،إنها تبدأ من الاختيار الصائب لكل من الزوجين، ثُم مدى التفاهم فيما بينهما واتضاح الأهداف بعد ذلك، ثم المسؤولية المشتركة بين كليهما للأم مهام، وعلى الأب مسؤوليات أخرى، لن تكون نواة الأُسرة صالحة ما لم تكُن المعايير صحيحة ومتوافقة من البداية ولا تنتهي مهمتكم في التّربية مجرد أن يكبروا سيبقون بحاجة كبيرة لظلالكم عليهم ودفئكم الذي يحتويهم .
لبنى عبد العزيز جلهوم
قديماً قالوا : أن الطِّفل الصغير كالورقة البيضاء، وأن مهمة الأهل هو النَّقش بعناية فائقة على تلك الورقة البيضاء التي لا تعرف إلي السَّواد طريقاً، فتبدأ الأم بمحاولات التَّعليم ووضع اللَّمسات التي تراها صائبة من وجهة نظرها، فما أن يبلغ الطفل عمر السنتين ويبدأ في تلعثمانه اللغوية وحروفه الأولى التي ينطقها، حتى تغمر السعادة نفس المرأة لأن ابنها بدأ يلفظ اسمها وينادي بكلمة (ماما) ثُمّ شيئاً فشيئاً يكون الكلمات وتليها الجُمَل، تبدأ الأم تُعَلمه الممارسات الصحيحة، وتَحِنُّ عليه ما استطاعت وتفديه بروحها، تخاف عليه من نسمات الهواء الباردة إذا لمست جبينه، يَسْقُط قلبها لو تَعَثّر .
في الصِّغر لا تَجِدُ الأُمّهات مشقة في إطعام أبنائها أي طعام تطهوه أحبوه أم كرهوه هم مجبرون على تناوله، لا تجد مشقة في ضبطهم وإملاء التعليمات والتحذيرات التي لا يقدرون على تخطيها أو تجاوزها، قد تخرج وتقضي مشاويرها وهم في البيت يجلسون دون أن يقدروا على التّفوه بكلمة ،ببساطة لأنهم لازالوا صغاراً، وبإمكانها إقناعهم بما تراه مناسباً لها ولهم طبعاً من وجهة نظرها، افعل كذا فيفعل، اجلس هنا فيجلس، كُلْ كذا فيأكل، ولامجال للتَّذَمُر أو الاعتراض .
لكن الصِّغار لا يبقون صِغارا، وتلك الورقة البيضاء التي أشبعتيها عزيزتي الأُم خطوطاً قد امتلأت وفاضت ولا مجال لأي خربشة جديدة، قطعة الإسفنج تلك امتصت كل ما سكبتيه عليها فتشبعت ولا مجال لأي نقطة ، ذاك الغُصْن الطري قَسِي وأصبح عوداً يانِعاً.
إنّ أية محاولة للتَّدَخُل في تلك المرحلة الحرجة من أعمار أبنائنا قد تُحْدِث صَدْعاً وشرخاً لا نستطيع ردمه، قَد تُنشىء حاجزاً صلداً لا نستطيع تسلُّقه فيما بعد، وقد تُحْدِث تنافراً لا نستطيع تعديل مساره فيما بعد ، فتشكو الأُمّ سلوك أبنائها اليافعين، البنت لا تُساعِد أمها، الشاب يسهر خارج البيت كثيراً، وذاك أصحابه من رفقة السوء ولا يستمع لأي كلمة من أهله، وجارنا نسمع صراخه على ابنه كل يوم، وتلك تتنزل بدعوات الغضب على أولادها، تلك تشكو وذاك يَتَذمّر والحال يُرثى له.
أَفَهِمَ الأهل أن لِكُل مرحلة في حياة أبنائهم تعاملها الخاص؟ ، حين كانوا صغاراً لم نكن نسمع صوتاً لهم، لكن هذا الابن و تلك الابنة امتلأت أذناهما بالأصوات والتدابير والأحكام وجاء الوقت لتتحدث هي وتُعَبّر عن رأيها بحرّية ودون أي حاجز ، فتقبيلها عزيزتي الأُم، وذاك الشاب الذي حُرِم من صِغره تخطي عتبة البيت، كبُر وشَبً ،فأحب أن يَخرج من تلك القوقعة التي وضعتموه فيها، أراد أن يختلط بالناس، ما فائدة المنع وتحجيم العِلاقات؟ ، كل الكلام لن يُجدي نفعاً حينها ووحده التعامل والاختلاط هو الذي سيصقل شخصيته ويُنضِجها .
ليطمئن الآباء على أبنائهم ولتطمئن الأُمهات على بناتها غرسكم الذي زرعتموه ستجنوه، تلك الأساسات التي رتبتموها بعناية ستعلوا، لن ينبت زرعاً فاسِداً كان قد غُذي من صلاح ،ولن ينبت زرعاً صالحاً قد غُذي من فساد، لن تخرج الشجرة مائلة ومُعوَجّة طالما أنت لها السند، لن تقسو عليك ابنتك في كِبَرِها طالما أنك أسقيتيها الحب والحنان، ولن يفعل ابنك أمراً سيئاً ، طالما أنك علمتيه في صغره الصلاح والخير والأخلاق.
أعي حجم محبة الأهل لأبنائهم، إنهم يحبون أن يروا أبناءهم في أحسن حال، لكن لِكُلِ مرحلة في أعمارهم اهتمامات وتعامل خاصّ، في الصغر ترفقوا بهم وعَلّموهم الأخلاق والقيم دعوهم يرونها في تعاملاتكم أنتم كوالدين، في صِغَرِهم يرونكم مثلاً أعلى فكونوا كذلك، في مرحلة شبابهم امنحوهم الثّقة، ووحده الحُب يُجَسّر كلّ هوة، ويَرأبُ كل صَدع، ويفتح كلّ حاجز، أسرِفوا في الحُب معهم، لا تخجلي من احتضان ابنتك في أي وقت لعلها تكون بحاجة ماسة لذاك الحضن ، وأنت أيُها الأب: لا تتحرج من تربيتة على كَتف ابنك مع نظرة فخر وثِقة ،احتويهم في كل حالاتهم.
إن تربية الأبناء ليست بالأمر اليسر أو الهين ،إنها تبدأ من الاختيار الصائب لكل من الزوجين، ثُم مدى التفاهم فيما بينهما واتضاح الأهداف بعد ذلك، ثم المسؤولية المشتركة بين كليهما للأم مهام، وعلى الأب مسؤوليات أخرى، لن تكون نواة الأُسرة صالحة ما لم تكُن المعايير صحيحة ومتوافقة من البداية ولا تنتهي مهمتكم في التّربية مجرد أن يكبروا سيبقون بحاجة كبيرة لظلالكم عليهم ودفئكم الذي يحتويهم .