
الفلسطينيون بين زمنين؟!
د. رياض عبد الكريم عواد
لا أعرف إلى أي مدى تتشابه الظروف السياسية التي تحيط بالفلسطينيين في اللحظة التاريخية الراهنة مع تلك التي كانت تحيط بهم قبل النكبة في منتصف القرن الماضي. كما لا أعرف هل هناك فائدة من مثل هذه المقارنة، بعيدا عن السرد التاريخي المعروف رغم اهميته، وهل في دروس التاريخ من عبر؟! دعنا نجرب ونحاول.
سنحاول مناقشة هذه الإشكالية على المستويات الثلاثة المعروفة، دوليا واقليميا ووطنيا.
اولا، على الصعيد الدولي
في نهاية الحرب العالمية الثانية تشكلت إرادة ورغبة دولية تتعاطف مع اليهود في العالم وترغب في تعويضهم عن المحرقة التي اقترفتها النازية الاوروبية بحقهم بإعطائهم الحق في إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.
ترافقت هذه الإرادة الدولية مع إرادة اليهود في العالم وفي فلسطين الذين عملوا بجد ونشاط ومثابرة، منذ ان حصلوا على وعد بلفور، بالتعاون مع دولة الانتداب الصديقة بريطانيا، على بناء اسس دولتهم المنشودة من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستيلاء وزيادة ملكيتهم للاراضي فيها، وبناء مؤسسات الدولة من خلال إقامة الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي الكيرين كاييميت والكيبوتسات والموشاف اليهودي والجامعة العبرية وشركة الكهرباء والمياه والمطار والميناء، بالإضافة الى تدريب اليهود على السلاح وبناء نواة جيش الدولة المستقبلي. لقد استطاعت الحركة الصهيونية أن تجهز كل متطلبات قيام دولة انتظارا للحظة الميلاد التاريخية التي كانت بإعلان قيام دولة اسرائيل في 15 أيار 1948 استنادا على قرار التقسيم الذي أقرته الامم المتحدة في نوفمبر 1947.
في اللحظة الراهنة تتشكل إرادة دولية جديدة في العالم، بعيدا عن الإرادة الفلسطينية، بقيادة ترامب امريكيا وتخطيط وتنفيذ نشطاء الدبلوماسية الأمريكية الثلاثة كوشنر وغرينبلات والمستوطن سفير امريكيا في اسرائيل ديفيد فريدمان.
تتبنى هذه الإرادة وجهة نظر ان اسرائيل "ضحية للفلسطينيبن"، لذلك يجب إنقاذها من هولاء الأعداء، ويتم ترجمة ذلك على الارض من خلال مايلي:
الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الموحدة واعلانها عاصمة لدولة اسرائيل، وكذلك حق اليهود التاريخي في المسجد الأقصى وحائط المبكى.
الاعتراف بشريعية الاستيطان اليهودي في القدس والضفة الغربية وضم هذه الكتلة الاستيطانية الى السيادة الإسرائيلية
التنكر لمفهوم حل الدولتين المعترف به دوليا، والتعاطي مع المشكلة الفلسطينية كقضية إنسانية بحاجة إلى حلول اقتصادية، مؤتمر البحرين. ومحاولة حل القضية الفلسطينية من خلال غزة بعد ترويضها وتدميرها وإعادة تشكيلها الديموغرافي، غزة هي الحل، غزة هي الدول؟!
إنهاء مشكلة اللاجئين وحقهم في العودة من خلال العمل الحثيث على إنهاء عمل الأونروا، ووقف دعمها المالي، امريكيا وسويسرا وهولندا أوقفت دعمها المالي للانروا، وقد تنضم إليها النمسا والنرويج.
فتح وتسهيل باب هجرة وتهجير الفلسطينيين إلى دول العالم
ثانيا، على الصعيد العربي
قبل النكبة، كانت الدول العربية تعاني من التبعية للاستعمار البريطاني والفرنسي، وافتقدت الى الاستقلال الناجز. وبالرغم من ذلك، ولاسباب عديدة، منها ما كان تملكه من نخوة وحياء اضافة الى الضغط الشعبي وموقع فلسطين في قلوب الشعوب العربية، كل هذه الأسباب وغيرها دفعت ستة دول عربية أن ترسل جيوشها لتحارب في فلسطين، بعيدا عن ما قيل عن هذه الحرب وأهدافها، كما سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الدفاع عن فلسطين.
بعد تدمير الدول العربية الرئيسية، وبعد الربيع الاسود ونتائجه الكارثية على المنطقة فإن الوضع العربي تراجع سريعا في تأييده للفلسطينيين والقضية الفلسطينية رغم التأييد اللفظي الذي ما زال متواصلا. يمكن رصد هذا التراجع في ما يلي:
1. عقد مؤتمر البحرين
2. التراجع عن مبادرة السلام العربية
3. فشل العرب في خلق حاضنة امان مالية للسلطة الفلسطينية
4. الهرولة العربية الرسمية وإلى حد ما مبادرة بعض فئات المثقفين وسعيهم نحو التطبيع مع الإسرائيلي.
من الواضح أن الوضع العربي في اللحظة التاريخية الراهنة ليس أضعف واهون من الوضع قبل نكبة فلسطين في 1948 بل أيضا يفتقد إلى الحياء الذي كان يغطي الوجوه؟!
هنا لابد من التعريج على موضوع إيران وما يسمى محور المقاومة، وتعويل بعض الفلسطينيين على هذا الوهم، بإمكانية أن يكون الخلاص بواسطته ومن خلاله. نقول بوضوح، بعيدا عن نظرية العداء لإيران واستبدال العداء مع اسرائيل إلى العداء مع إيران كما يحاول البعض، أن دور إيران في المنطقة معروف وهو يهدف إلى تفتييت وإضعاف الوضع العربي من أجل تعزيز وجود إيران ومصالحها في المنطقة، وفي هذا الإطار فإن إيران تلعب دور المخلب الذي تستخدمه امريكيا لاخافة دول المنطقة خاصة دول الخليج، من أجل المزيد من الابتزاز المالي والسياسي. أن فلسطين والمقاومة هي أدوات وشعارات تستخدمها إيران في سبيل تعزيز مصالحها، بعيدا عن مصلحة الشعب الفلسطيني ومحاولته نيل استقلاله ودولته.
ثالثا، على الصعيد الفلسطيني
افتقد الفلسطينيون قبل النكبة العمل المؤسساتي، فلم تكن لهم دولة تقودهم وترعى مصالحهم وتدافع عنهم، ولم يكن قرارهم الفلسطيني مستقلا، بل تابعا لاسباب عديدة منها الأوهام القومية والتبعية لهذه الدولة العربية أو تلك، كما أن مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والوعي لم يكن يسمح بتشكل أحزاب وطنية مستقلة تعبر عن فئات الشعب بعيدا عن مصالح العائلات وزعمائها التي كانت تتناحر فيما بينها أكثر من تناحرها مع مختلف الأعداء.
قد تكون هذه الميزة والحسنة الوحيدة التي تميز الوضع الفلسطيني في اللحظة التاريخية الحالية مقارنة بالأوضاع ما قبل النكبة.
حاليا، يمتلك الفلسطينيون، بالصفة العامة، وعيا وطنيا متقدما وميلا للاستقلال الوطني بعيدا عن الأوهام القومية والإسلامية، واصبح للفلسطينيين قوى وأحزاب سياسية مناضلة ومجربة تمثل مصالحهم، وأنشأ الفلسطينيون م ت ف التي حازت على الاعتراف الدولي والعربي كمثثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وأخيرا استطاع الفلسطينيون أن يقيموا لهم أول سلطة وطنية في تاريخهم الحديث، يأملون أن تكون نواة الدولة المستقلة المستقبلية.
رغم كل هذه الإنجازات الا أن كل توق ونضال الفلسطينيين من أجل الاستقلال والدولة يتعرض لخطر شديد، يمكن تكثيفه بعنوان واحد، القضاء على السلطة الوطنية، من خلال:
الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الذي يمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة
إقصاء غزة، التي تتميز بالثقل الشعبي والوطني، وعزلها عن بعدها الوطني، مما أضعف الفعل الشعبي والوطني بصفة عامة ومقدرته على مواجهة المشاريع السياسية الأمريكية ضد القضية ومشاريع الاستيطان والتهويد الإسرائيلية.
المد اليميني الصهيوني داخل المجتمع والجيش والحكم في اسرائيل والمدعوم من اليمين اليهودي المسيحي الامريكي ممثلا بترامب وإدارته.
تشويه السلطة واتهامها بالإرهاب ومحاولة خنقها ماليا من خلال منع تسليم اموال المقاصة كاملة للسلطة الفلسطينية، ومنع الدعم الدولي للسلطة ومؤسساتها، وضعف الدعم العربي وفشله في تأمين مظلة مالية ب 100 مليون دولار شهريا، رغم القرارات العديدة ووقف دعم الأونروا على طريق انهائها.
هنا لا بد من الرجوع بالذاكرة إلى الخلف لنعرف أهمية الدعم المالي لاستمرار عمل السلطة ووجودها الفعلي على الارض من خلال تذكر تجربة حكومة عموم فلسطين وكيف تم تجفيف مواردها المالية وتركها تسقط وتتلاشى Collapse، حتى دون الحاجة للاعلان عن ذلك؟!
النتيجة
علينا ان نعترف بضعفنا، حيث نرى بأعيننا ان هناك واقعا سيئا يتشكل، دوليا واقليميا، لا ارادة لنا فى تشكله، طبعا بعيدا عن أخطائنا، حيث يتجه العالم يمينا نحو التطرف والتغول، ويتجه الإقليم إلى مزيد من الهرولة نحو اسرائيل وفقدان ما تبقى من حياء.
ما العمل
دون جدال كثير، ومباشرة، يحب الحفاظ على اهم انجاز فلسطيني، يجب الحفاظ على السلطة الوطنية، كحاضنة سياسية واجتماعية، هذا يتطلب:
مواصلة الحراك السياسي والدبلوماسي النشط وطرح المبادرات السياسية التي تؤكد التزامنا بعملية السلام والمفاوضات، وفقا للاتفاقيات التي تم توقيعها، ورمي الكورة في الجانب الإسرائيلي، ومطالبة العالم بالضغط على اسرائيل للتراجع عن كل ما يخالف ما وقعت عليه أمام العالم والدول التي كانت شاهدة وضامنة لهذه التوقيعات.
مواصلة السياسة الوطنية الواقعية التي يقودها الرئيس ابو مازن بمهنية وواقعية ووطنية واقتدار، وعدم الرضوخ للأصوات الشعبوية، ومزايدات الفصائل وبعض المثقفين، ممثلي الانجوز.
استخدام سياسة مالية رشيدة في اماكن تواجد السلطة، تقوم على تحويل كل نشاطات السلطة إلى نشاطات طوارئ، وتقنين الاجور وفقا للامكاتيات، وتخفيض هذه الفاتورة من خلال وضع حد أعلى للمرتبات، يتلائم مع إعلان الطوارئ. إضافة إلى محاربة الفساد واعادة أي اموال منهوبة.
الحفاظ على الأمن في مناطق تواجد السلطة الفلسطينية، والضرب بيد قوية على كل محاولات استخدام المشاكل العائلية أو المناطقية أو استغلال أوضاع الناس المعيشية في زعزعة وجود واستقرار السلطة.
مواصلة النضال الشعبي السلمي الفعال ضد الاستيطان وضد تهويد القدس والأقصى ومن أجل حقنا في العودة.
دعم وحدة الأقلية القومية الفلسطينية في اسرائيل، دون تدخل مباشر في شؤونها، ووقوف الكل الفلسطيني موحدا خلف القائمة المشتركة للحصول على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست ليكون لهم دور فاعل في لجم سياسات اليمين الصهيوني واليهودي المتطرف واسقاط رمزه نتنياهو.
أن المقدرة على المحافظة على الوضع المالي السلطة بالحد الأدنى الممكن، والحفاظ على الأمن في مناطق السلطة هو التحدي الحقيقي أمام السلطة والمجتمع والقوى السياسية الوطنية الواعية، من أجل الحفاظ على السلطة الوطنية ومواصلة عملها كحاضنة سياسية واجتماعية للشعب الفلسطيني، نعم المحافظة على السلطة هدف سامي بحد ذاته.
الوضع صعب والتحديات كبيرة والخطر داهم وتكرار تجربة النكبة الفلسطينية ممكن، ان لم نكن على قدر هذا التحدي وهذه المسؤولية. فالتاريخ ممكن أن يعود إلى الوراء، لكن في هذه الحالة سيعود كمأساة؟!
ملاحظة لابد منها!
استيقظت لاتناول طعام السحور، فقفزت هذه الفكرة إلى رأسي، ما قبل وما بعد النكبة، ما هي اوجه الشبه وأين الاختلاف. فقدت توازني، تسلل الصداع إلى رأسي وبدأ يضغط اكثر ويزداد ويتواصل، لم استطع التركيز في التسبيح وتلاوة وردي اليومي وانا في طريق الذهاب والعودة إلى المسجد لمدة ساعة الا ربع ذهابا وأخرى ايابا. هل هذا الموضوع يستحق كل هذا العناء؟ ولا صار فينا مثل مصيفة الغور؟! أم مثل تلك المرأة التي "نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا"؟!. نعوذ بالله من ذلك.
د. رياض عبد الكريم عواد
لا أعرف إلى أي مدى تتشابه الظروف السياسية التي تحيط بالفلسطينيين في اللحظة التاريخية الراهنة مع تلك التي كانت تحيط بهم قبل النكبة في منتصف القرن الماضي. كما لا أعرف هل هناك فائدة من مثل هذه المقارنة، بعيدا عن السرد التاريخي المعروف رغم اهميته، وهل في دروس التاريخ من عبر؟! دعنا نجرب ونحاول.
سنحاول مناقشة هذه الإشكالية على المستويات الثلاثة المعروفة، دوليا واقليميا ووطنيا.
اولا، على الصعيد الدولي
في نهاية الحرب العالمية الثانية تشكلت إرادة ورغبة دولية تتعاطف مع اليهود في العالم وترغب في تعويضهم عن المحرقة التي اقترفتها النازية الاوروبية بحقهم بإعطائهم الحق في إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.
ترافقت هذه الإرادة الدولية مع إرادة اليهود في العالم وفي فلسطين الذين عملوا بجد ونشاط ومثابرة، منذ ان حصلوا على وعد بلفور، بالتعاون مع دولة الانتداب الصديقة بريطانيا، على بناء اسس دولتهم المنشودة من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستيلاء وزيادة ملكيتهم للاراضي فيها، وبناء مؤسسات الدولة من خلال إقامة الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي الكيرين كاييميت والكيبوتسات والموشاف اليهودي والجامعة العبرية وشركة الكهرباء والمياه والمطار والميناء، بالإضافة الى تدريب اليهود على السلاح وبناء نواة جيش الدولة المستقبلي. لقد استطاعت الحركة الصهيونية أن تجهز كل متطلبات قيام دولة انتظارا للحظة الميلاد التاريخية التي كانت بإعلان قيام دولة اسرائيل في 15 أيار 1948 استنادا على قرار التقسيم الذي أقرته الامم المتحدة في نوفمبر 1947.
في اللحظة الراهنة تتشكل إرادة دولية جديدة في العالم، بعيدا عن الإرادة الفلسطينية، بقيادة ترامب امريكيا وتخطيط وتنفيذ نشطاء الدبلوماسية الأمريكية الثلاثة كوشنر وغرينبلات والمستوطن سفير امريكيا في اسرائيل ديفيد فريدمان.
تتبنى هذه الإرادة وجهة نظر ان اسرائيل "ضحية للفلسطينيبن"، لذلك يجب إنقاذها من هولاء الأعداء، ويتم ترجمة ذلك على الارض من خلال مايلي:
الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الموحدة واعلانها عاصمة لدولة اسرائيل، وكذلك حق اليهود التاريخي في المسجد الأقصى وحائط المبكى.
الاعتراف بشريعية الاستيطان اليهودي في القدس والضفة الغربية وضم هذه الكتلة الاستيطانية الى السيادة الإسرائيلية
التنكر لمفهوم حل الدولتين المعترف به دوليا، والتعاطي مع المشكلة الفلسطينية كقضية إنسانية بحاجة إلى حلول اقتصادية، مؤتمر البحرين. ومحاولة حل القضية الفلسطينية من خلال غزة بعد ترويضها وتدميرها وإعادة تشكيلها الديموغرافي، غزة هي الحل، غزة هي الدول؟!
إنهاء مشكلة اللاجئين وحقهم في العودة من خلال العمل الحثيث على إنهاء عمل الأونروا، ووقف دعمها المالي، امريكيا وسويسرا وهولندا أوقفت دعمها المالي للانروا، وقد تنضم إليها النمسا والنرويج.
فتح وتسهيل باب هجرة وتهجير الفلسطينيين إلى دول العالم
ثانيا، على الصعيد العربي
قبل النكبة، كانت الدول العربية تعاني من التبعية للاستعمار البريطاني والفرنسي، وافتقدت الى الاستقلال الناجز. وبالرغم من ذلك، ولاسباب عديدة، منها ما كان تملكه من نخوة وحياء اضافة الى الضغط الشعبي وموقع فلسطين في قلوب الشعوب العربية، كل هذه الأسباب وغيرها دفعت ستة دول عربية أن ترسل جيوشها لتحارب في فلسطين، بعيدا عن ما قيل عن هذه الحرب وأهدافها، كما سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الدفاع عن فلسطين.
بعد تدمير الدول العربية الرئيسية، وبعد الربيع الاسود ونتائجه الكارثية على المنطقة فإن الوضع العربي تراجع سريعا في تأييده للفلسطينيين والقضية الفلسطينية رغم التأييد اللفظي الذي ما زال متواصلا. يمكن رصد هذا التراجع في ما يلي:
1. عقد مؤتمر البحرين
2. التراجع عن مبادرة السلام العربية
3. فشل العرب في خلق حاضنة امان مالية للسلطة الفلسطينية
4. الهرولة العربية الرسمية وإلى حد ما مبادرة بعض فئات المثقفين وسعيهم نحو التطبيع مع الإسرائيلي.
من الواضح أن الوضع العربي في اللحظة التاريخية الراهنة ليس أضعف واهون من الوضع قبل نكبة فلسطين في 1948 بل أيضا يفتقد إلى الحياء الذي كان يغطي الوجوه؟!
هنا لابد من التعريج على موضوع إيران وما يسمى محور المقاومة، وتعويل بعض الفلسطينيين على هذا الوهم، بإمكانية أن يكون الخلاص بواسطته ومن خلاله. نقول بوضوح، بعيدا عن نظرية العداء لإيران واستبدال العداء مع اسرائيل إلى العداء مع إيران كما يحاول البعض، أن دور إيران في المنطقة معروف وهو يهدف إلى تفتييت وإضعاف الوضع العربي من أجل تعزيز وجود إيران ومصالحها في المنطقة، وفي هذا الإطار فإن إيران تلعب دور المخلب الذي تستخدمه امريكيا لاخافة دول المنطقة خاصة دول الخليج، من أجل المزيد من الابتزاز المالي والسياسي. أن فلسطين والمقاومة هي أدوات وشعارات تستخدمها إيران في سبيل تعزيز مصالحها، بعيدا عن مصلحة الشعب الفلسطيني ومحاولته نيل استقلاله ودولته.
ثالثا، على الصعيد الفلسطيني
افتقد الفلسطينيون قبل النكبة العمل المؤسساتي، فلم تكن لهم دولة تقودهم وترعى مصالحهم وتدافع عنهم، ولم يكن قرارهم الفلسطيني مستقلا، بل تابعا لاسباب عديدة منها الأوهام القومية والتبعية لهذه الدولة العربية أو تلك، كما أن مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والوعي لم يكن يسمح بتشكل أحزاب وطنية مستقلة تعبر عن فئات الشعب بعيدا عن مصالح العائلات وزعمائها التي كانت تتناحر فيما بينها أكثر من تناحرها مع مختلف الأعداء.
قد تكون هذه الميزة والحسنة الوحيدة التي تميز الوضع الفلسطيني في اللحظة التاريخية الحالية مقارنة بالأوضاع ما قبل النكبة.
حاليا، يمتلك الفلسطينيون، بالصفة العامة، وعيا وطنيا متقدما وميلا للاستقلال الوطني بعيدا عن الأوهام القومية والإسلامية، واصبح للفلسطينيين قوى وأحزاب سياسية مناضلة ومجربة تمثل مصالحهم، وأنشأ الفلسطينيون م ت ف التي حازت على الاعتراف الدولي والعربي كمثثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وأخيرا استطاع الفلسطينيون أن يقيموا لهم أول سلطة وطنية في تاريخهم الحديث، يأملون أن تكون نواة الدولة المستقلة المستقبلية.
رغم كل هذه الإنجازات الا أن كل توق ونضال الفلسطينيين من أجل الاستقلال والدولة يتعرض لخطر شديد، يمكن تكثيفه بعنوان واحد، القضاء على السلطة الوطنية، من خلال:
الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الذي يمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة
إقصاء غزة، التي تتميز بالثقل الشعبي والوطني، وعزلها عن بعدها الوطني، مما أضعف الفعل الشعبي والوطني بصفة عامة ومقدرته على مواجهة المشاريع السياسية الأمريكية ضد القضية ومشاريع الاستيطان والتهويد الإسرائيلية.
المد اليميني الصهيوني داخل المجتمع والجيش والحكم في اسرائيل والمدعوم من اليمين اليهودي المسيحي الامريكي ممثلا بترامب وإدارته.
تشويه السلطة واتهامها بالإرهاب ومحاولة خنقها ماليا من خلال منع تسليم اموال المقاصة كاملة للسلطة الفلسطينية، ومنع الدعم الدولي للسلطة ومؤسساتها، وضعف الدعم العربي وفشله في تأمين مظلة مالية ب 100 مليون دولار شهريا، رغم القرارات العديدة ووقف دعم الأونروا على طريق انهائها.
هنا لا بد من الرجوع بالذاكرة إلى الخلف لنعرف أهمية الدعم المالي لاستمرار عمل السلطة ووجودها الفعلي على الارض من خلال تذكر تجربة حكومة عموم فلسطين وكيف تم تجفيف مواردها المالية وتركها تسقط وتتلاشى Collapse، حتى دون الحاجة للاعلان عن ذلك؟!
النتيجة
علينا ان نعترف بضعفنا، حيث نرى بأعيننا ان هناك واقعا سيئا يتشكل، دوليا واقليميا، لا ارادة لنا فى تشكله، طبعا بعيدا عن أخطائنا، حيث يتجه العالم يمينا نحو التطرف والتغول، ويتجه الإقليم إلى مزيد من الهرولة نحو اسرائيل وفقدان ما تبقى من حياء.
ما العمل
دون جدال كثير، ومباشرة، يحب الحفاظ على اهم انجاز فلسطيني، يجب الحفاظ على السلطة الوطنية، كحاضنة سياسية واجتماعية، هذا يتطلب:
مواصلة الحراك السياسي والدبلوماسي النشط وطرح المبادرات السياسية التي تؤكد التزامنا بعملية السلام والمفاوضات، وفقا للاتفاقيات التي تم توقيعها، ورمي الكورة في الجانب الإسرائيلي، ومطالبة العالم بالضغط على اسرائيل للتراجع عن كل ما يخالف ما وقعت عليه أمام العالم والدول التي كانت شاهدة وضامنة لهذه التوقيعات.
مواصلة السياسة الوطنية الواقعية التي يقودها الرئيس ابو مازن بمهنية وواقعية ووطنية واقتدار، وعدم الرضوخ للأصوات الشعبوية، ومزايدات الفصائل وبعض المثقفين، ممثلي الانجوز.
استخدام سياسة مالية رشيدة في اماكن تواجد السلطة، تقوم على تحويل كل نشاطات السلطة إلى نشاطات طوارئ، وتقنين الاجور وفقا للامكاتيات، وتخفيض هذه الفاتورة من خلال وضع حد أعلى للمرتبات، يتلائم مع إعلان الطوارئ. إضافة إلى محاربة الفساد واعادة أي اموال منهوبة.
الحفاظ على الأمن في مناطق تواجد السلطة الفلسطينية، والضرب بيد قوية على كل محاولات استخدام المشاكل العائلية أو المناطقية أو استغلال أوضاع الناس المعيشية في زعزعة وجود واستقرار السلطة.
مواصلة النضال الشعبي السلمي الفعال ضد الاستيطان وضد تهويد القدس والأقصى ومن أجل حقنا في العودة.
دعم وحدة الأقلية القومية الفلسطينية في اسرائيل، دون تدخل مباشر في شؤونها، ووقوف الكل الفلسطيني موحدا خلف القائمة المشتركة للحصول على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست ليكون لهم دور فاعل في لجم سياسات اليمين الصهيوني واليهودي المتطرف واسقاط رمزه نتنياهو.
أن المقدرة على المحافظة على الوضع المالي السلطة بالحد الأدنى الممكن، والحفاظ على الأمن في مناطق السلطة هو التحدي الحقيقي أمام السلطة والمجتمع والقوى السياسية الوطنية الواعية، من أجل الحفاظ على السلطة الوطنية ومواصلة عملها كحاضنة سياسية واجتماعية للشعب الفلسطيني، نعم المحافظة على السلطة هدف سامي بحد ذاته.
الوضع صعب والتحديات كبيرة والخطر داهم وتكرار تجربة النكبة الفلسطينية ممكن، ان لم نكن على قدر هذا التحدي وهذه المسؤولية. فالتاريخ ممكن أن يعود إلى الوراء، لكن في هذه الحالة سيعود كمأساة؟!
ملاحظة لابد منها!
استيقظت لاتناول طعام السحور، فقفزت هذه الفكرة إلى رأسي، ما قبل وما بعد النكبة، ما هي اوجه الشبه وأين الاختلاف. فقدت توازني، تسلل الصداع إلى رأسي وبدأ يضغط اكثر ويزداد ويتواصل، لم استطع التركيز في التسبيح وتلاوة وردي اليومي وانا في طريق الذهاب والعودة إلى المسجد لمدة ساعة الا ربع ذهابا وأخرى ايابا. هل هذا الموضوع يستحق كل هذا العناء؟ ولا صار فينا مثل مصيفة الغور؟! أم مثل تلك المرأة التي "نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا"؟!. نعوذ بالله من ذلك.