الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

زرياب في مزاحمة الكلاب بين الدروب والهضاب 5 بقلم:د.محمد بنيعيش

تاريخ النشر : 2019-08-06
زرياب في مزاحمة الكلاب بين الدروب والهضاب 5 بقلم:د.محمد بنيعيش
                                   5

             "هايْدي وَانْ"وتثبيت مكانتها وجاذبيتها قبل الوداع

نشأت هايدي في هذا الجو المرحب بها والحذر منها في آن واحد،فقد أصبحت مألوفة عند أهل البيت جميعا يفكرون في أكلها ونومها ونظافتها واللعب معها تسلية وترويحا.ومع ذلك فقد كانت شرسة وعنيفة وحارسة لمكانها ومكانتها،فلا تقبل أن يعتدي أحد عليها ولا أن يرغمها بشيء هي لا تريده حتى ولو كان زرياب،أما إذا رأت الغريب فذلك هو اليوم العصيب ،والويل ثم الويل لمن دخل الدار وترك وحده في بيت الانتظار ففاجأته هايدي من غير أن تعرفه !فلا ينقذه حينذاك سوى امتطاء الأرائك أو الاختفاء وراء الستائر والاستنجاد بأهل المكان صراخا وعويلا !.

هذا السلوك دفع بزرياب للبحث عن مروّض الكلاب عسى أن يخفف من شراسة هايدي فلم يجد ما كان يبحث عنه تحديدا، وذلك لأن غالبية المروضين في المنطقة ليسوا بذوي الكفاءة العالية ولا التجربة العلمية المخولة لهم لفهم نفسيتها.حتى إن بعضهم لما رآها واقترب منها حكم عليها بالإعدام قائلا: إن هذه الكلبة لن تصلح لشيء وإنها جد عصبية ويمكن أن تعضض صاحبها أو تفترس طفلا إن هي كبرت على هذا الحال !!!.

ربما قد كان المروض صادقا بعض الشيء، وربما كان يريد أن يبيع كلبا من كلابه بإظهار عيوب هايدي حتى يمكن التخلص منها وإقصاؤها،إذ التاجر لا يهمه العاطفة والألفة والتعلق وإنما البيع ثم البيع لا غير.

هذا التقرير زاد من قلق زرياب وخوفه من مستقبل هايدي واستعدادها للتمرد في أي وقت وحين،فهو يريد التسلية والترفيه لا إضافة غم على غم وقلق على قلق. 

وازداد هذا الانشغال حينما عرض زرياب هايْدي على طبيب بيطري من أجل تلقيحها فرفضت وكشرت أنيابها ورفض في المقابل البيطري إتمام عمله،ثم ذهب إلى بيطري آخر فحصل نفس الشيء ،ولم يكد أو يرد أحد أن يجتهد فيمسكها بكمامة أوسيلة أو أخرى حتى يتم تلقيحها وإنقاذها مما ينتظرها من مخفي قدرها.

فقد كانت هايدي في البداية لا تمثل للأوامر التي تجعل منها ذليلة :اجلس ،قف،نم،لا تبرح مكانك ،ابتعد مكانك،وإنما هي حرة وتمتثل حيث يصفو مزاجها.والسبب في ذلك كما خمن زرياب هو أن تداول التعامل معها بين أفراد  العائلة جعلها تفقد لغة التواصل فتداخلت الأوامر والنواهي في برنامج مخها ولم تعد قادرة على تحديد مسارها. 

وبعد المراجعة ،وبالأخص حينما اكتشف بأنها ليست من سلالة البرجي الحقيقي وإنما هي بين بين، فقد بدأ الشعور بالزهد في بقائها في البيت ،وبالنهاية قرر زرياب على مضض أن يردها إلى البائع ليبيعها أو يسلمها لأناس قد يعتنون بها ويحسنون إليها ،بحيث قد كان هذا شرط الشروط لتسليمها.

ذهب زرياب متثاقلا ومترددا وكئيبا مع هايدي إلى سوق الكلاب وهي المسكينة  المجرورة لا تعلم ما ينتظرها من مآل يخططه لها البشر .فما أن سلمها لبائع الكلاب حتى تبعته من غير تردد أو عناد أو عض ونباح،ثم رمى بها في القفص فلم تنبس ولو ببنت نبحة أو أنين.

سأل زرياب البائع :كيف أمكنك التحكم فيها بهذه السهولة ونحن لم نكد نمسكها أو نسكتها إلا حين ترضى ؟أجاب:- إن هذه موهبة لدي يخاف بها مني الكلاب ويمتثلوا.

كاد زرياب أن يصدق هذا الطرح ،ولكن بعد التمعن والتجربة سيدرك بأن المسالة تتعلق بوجود اندماج قد يحدث بين الإنسان والحيوان بكثرة المصاحبة لغاية أن يصبح الحيوان يشم رائحة جنسه في صاحبه،ومن ثم يكون الامتثال والتكيف والتعاطف.والعكس قد يحصل وهو أن الإنسان هو الذي يصبح منجذبا نحو الحيوان بفعل التأثير عن قرب ،بحيث كلما رأى كلبا أو خيلا أو معزا إلا وحن إليه واقترب منه من غير الشعور برعب أو خوف.فهناك رسائل لا شعورية ترسل بين الطرفين فيتم التقارب،فهل هناك من يعرف لغة المجانين ويتفاعل معهم إلا مجنون مثلهم أو من يرافقهم على طول المدة فيصير في حكمهم ولو كان طبيبا؟.فتعجب زرياب من هذا الاستنتاج وكان تعجبه أكثر وهو يتساءل:كيف يتم الاندماج مع الحيوان العجم ولا يحصل مع كثير من بني الإنسان العاقل ولو عاشرته عشرات السنين وأحسنت إليه أو أحسن إليك بكل ألوان الإحسان؟ !!!.

ودع زرياب هايْدي  على مضض وتألم وهي تنظر إليه لا تكاد تصدق أو تفسر ما يحدث لها وقد أو دعت للمرة الثانية في قفص حالك مظلم.فما أن كاد يخطو خطوة نحو الوراء بتثاقل وتلكؤٍ حتى صاحت صيحة وصرخت صراخا تنفطر لها القلوب وترتعد لها النفوس:- أهنا يترك الصديق صديقه ،أم هنا يغدر الوفي بوفيه ،أهنا يغادر الصفي صفيه؟ هل هذه أخلاقكم ونواياكم يا بني البشر؟.

تردد زرياب في الجواب والتوقف مع تبادل معها النظرات، نظرات الوداع والولع،نظرات اللوم والعتاب ،نظرات اليأس والبأس.ثم انصرف مهموما من هول ما سمع ورأى من صوت هايْدي الذي اخترق قلبه وهز كيانه وعاد به إلى نقطة الكآبة المرة والملام المؤلم !!!. 

فما أن طرق باب المنزل حتى شعر بضيق لم يعهده في حياته أبدا ،ونزل على صدره ثقل داكن، وخاصة لما صعد الدرج حيث كانت تقيم هايدي فرأى أدواتها ولعبها ومطرحها ،ثم بدأ ينتزع بعض الأسلاك والمسامير التي كانت تحيط بكوخها، فلم يستطع أن يكمل العمل حتى أجهش بالبكاء المر الحزين الذي ما بعده من حزن.ثم رمى بالملقاط والمسامير وتسمر في مكانه يعيد ذكريات هايدي وسروره وعائلته بقدومها ولعبها وكيف أنها كانت تحب أكل الموز والخيار والطماطم حتى لقبت ب"حاضْية ماطِيشة". 

نفس الشعور سينتاب كل العائلة حيث خيم الوجوم على كل الوجوه وارتسمت كآبة جماعية نزلت بكلكلها على كل الصدور.

عجبا عجبا ! يتساءل زرياب بمرارة :أهذا كله من أجل كلبة كانت بالأمس تحسب في قاموس المنبوذ والمطرود والنجس والتعس وما لا قيمة له.أليست هذه مبالغة في التقدير والعواطف في غير محلها، ولربما تكون تعبيرا مرضيا ورد فعل على ما يصدر عن المجتمع من قطيعة ووقيعة ونفور وغرور؟ربما قد يكون شيء من هذا ولكن ليس كله ،فلا بد من تفسير لهذا الحال الذي يحصل بين الحيوانات وأصحابها،ألم توصف تلك الكائنات بأنها حيوانات أليفة؟أليس هذا هو شعور الألفة بكل معانيه ووجدانه؟.

ربما قد يكون هذا الحال انعكاسا لما مر به زرياب من مواقف التخلي والانسحاب في عز الظهر من طرف الأصحاب والأحباب والأصدقاء حينما كان يشتد الوطيس ويتعرض لنكبات وكرب ،ولو بسيطة، قد يحتاج فيها إلى مساندة ما ولو معنوية وعلى سبيل الاستخبار.فقد تعرض لمثل هذه المواقف مرارا ولم يجد بجانبه سوى السراب وربما الشماتة والتشفي وتوقع أو تمني الأسوأ له.في حين قد كان هو في مثلها لا يفرط في صاحبه مهما كان الثمن، بل يغامر بحياته وراحته وعافيته من أجل إنقاذ صديق أو مناصرته أو مساندته والدفاع عن طائفة وجماعة قد كان ينتمي إليها، لكنه في المقابل حينما يقع في مصيدة أو مصيبة فقد لا يجد حتى من يسأل عنه أو يخفف من آلامه وضغطها فبالأحرى فكها ومتابعة من رصدها!هذا مع أن وفاءه لأصحابه وغيرته عليهم قد كان يصل في بعض الأحيان إلى مستوى وفاء الكلاب أو أكثر! 

لم يرقأ لزرياب تلك الليلة جفن وهو يفكر في تلك النظرة اللوّامة والصوت المتفجر من هايدي وهي تصرخ :ماذا فعلت بي يازرياب وأين هو ضميرك وعطفك علي،أين غيرتك ووفاؤك المزعوم ودموعك التمساحية الممسوحة ؟ !!!.

وفي النهاية وبعد هذا الأرق والعتاب المضني قرر زرياب أن يسترد هايدي من عند البائع في حالة مالم تكن قد غادرت المكان.فما أن بان الصبح حتى أسرع إلى السوق وهو هلع مترقب هل يجدها أم لا ،وفي النهاية عثر عليها وهي في قفصها مسجونة مهانة.فما أن رأته حتى صاحت صيحة الفرح مشوبا باللوم والعتاب،ثم عاد بها إلى المنزل يبدو عليها السرور والبهجة والطرب وكأنها ولدت من جديد...

استقبلت هايدي في المنزل استقبال الأبطال وهي تجوب كل أركان الدار كأنها تعيد تثبيت مكانتها به.في حين تغير سلوكها بعد المحنة ورضخت إلى نوع من الامتثال كما نقصت بشكل ملحوظ شراستها وخاصة حينما بدأت تلتقي مع بعض بني جنسها من الكلاب،إذ الرفقة قد تغير الشخص وتنقل أخلاق هذا لذاك  اقتداء تماما كما لدى الإنسان !!!.

ومع هذا فقد بقيت الرغبة لدى زرياب في أن ينهي قصته هاته مع الكلاب وذلك بالبحث عن شخص قريب أو غريب يمكنه تولي اقتناء هايدي والإحسان إليها ،حيث يمكن رؤيتها بين فينة وأخرى ويطمأن على مصيرها.وبينما الكل يفكر هذا التفكير حتى جاء الجواب من القدر في سرعة لم تكن في الحسبان أو التقدير.

فلقد أصيبت بمرض فيروسي يفتك بالكلاب فتكا ولا يمهلها أكثر من ثمانية وأربعين ساعة حتى يكون قد قضى عليها.أسرع زرياب بهايدي إلى الطبيب البيطري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فوصف لها دواء ولكنه لم يجد شيئا ،فقد كانت هايدي على موعد مع القدر،وهي تقول بلسان حالها :- إذا كانت رغبتكم هي أن أغادر فأنا سأغادر ،ومن مكاني بينكم، ولكن ليس بواسطتكم ولكن بقدري الذي قدره لي خالقي.فهو الذي بيده الرزق وهو الذي بيده الملك وهو الذي بيده الحياة والموت .

اجتمع الكل حول هايدي يعطفون عليها ويستعطفونها بأن لا تغادر.فحلقت فيهم بنظراتها الممزوجة بالألم وهي تقول :الآن جاء وقت الرحيل والفراق إلى الأبد.ثم شرعت في أنين الفراق والوداع المؤلم الممزوج بالمرارة والإحباط ،ومع ذلك فهو مملوء بالعبر ودروس موجهة إلى بني البشر.فكانت ليلة ليست كالليالي وقلقا ليس كالقلق وحزنا ليس كالحزن.

وعند آذان الفجر سكت الأنين وخلدت هايدي إلى الراحة، راحة الأبد حيث لا إزعاج ولا نكد.أيقظ زرياب أهله كلهم وصعدوا إلى السطح حيث وجدوا هايدي قد ذاقت ما ذاقت من عذوبة الموت وسافرت إلى غير رجعة.

فيا له من منظر لم يعهده رزياب !!! كلبة ميتة في منزله ومأتم ليس من جنس مآتم البشر ،وإنما هو بين إنسان وحيوان تربطهما علاقة ود واحترام وعطف وحنان لغاية النواح عند الفراق.

قامت العائلة وهي تذرف الدموع ذرفا وبشكل جماعي من غير استثناء بتجهيز جنازة هايدي وإعطائها حقها من التقدير والاحترام فلفت بلفافات من قماش وثوب ووضعت في كيس، كأنه كفن إنسان قد لا يختلف عنه في شيء.ثم حملها زرياب في صندوقسيارته برفقة ابنه ،الذي قد كان جلدا وصامتا،يساعده في هدوء،لكنه ما أن توسط المسير حتى لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء المر ،ثم شرع زرياب في حفر حفرة عند أطراف مزرعة شاسعة فدفنا هايدي بها ،معززة مكرمة محفوفة برعاية وعناية لم تعهدها الكلاب أبدا ومودعا إياها إلى الأبد.

عاد زرياب هو وولده إلى المنزل متثاقلين حزينين كأشد ما يكون الحزن، فما أن دخلا المنزل حتى كان هناك شعور بفراغ كبير وأسى وملام نفسي دفين مفاده تساؤل: هل زرياب يتحمل مسؤولية موت هايدي بسبب إيداعها عند البائع وتركها في ذلك القفص النتن والمتسخ والمليء بالجراثيم ،حيث نالها ما نالها من عدوى فتاكة كانت هي القاضية؟،أم أن ذاك هو قدرها ومصيرها وأجلها المحتوم شأنها شأن البشر "لكل أجل كتاب"؟.وهل الحيوانات لها نفس المنظومة والمآل الوجودي الذي يختص به الإنسان أم أنها لها قانونها الخاص ومصيرها المتميز؟هل هايدي التي كانت بالأمس تلعب وتمرح وتأكل وتنبح قد ذهبت من غير رجعة أو حق في النشور والمحاسبة وأخذ حقها من المظلوم ؟وهل ستبقى وجوديا بصورة ما أم أنها فنيت واندثرت ولم يعد لها أثر؟.وهل النفس الحيوانية هي نفس شبيهة بالإنسان أم أنها حرارية وبخارية وما إلى ذلك مما ذهب إليه الفلاسفة وفطاحلة الفكر في العالم؟

كل هذه الأسئلة قد جالت بجهاز التفكير لدى زرياب، مرة قد يجد لها أجوبة ومرة يحتار وفي حين يستأنس بنصوص دينية وخاصة عند قول الله تعالى" إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا"،بحيث كما جاء في التفسير أن الحيوانات لما تقتص من بعضها البعض ستعود ترابا ،والتراب هو ذرات متفرقة من كتلة الأرض العامة .وهل العودة إلى التراب عدم أم هي إعادة تشكيل وجودي يختص الخالق سبحانه بإعادة ترميمه ويفعل في ملكه ما يشاء؟.ومن  هنا فقد تدخل هايدي ومثيلاتها في سلك المنظومة الوجودية العامة،وتدخل في حكم الشيء الوجودي الذي من خصائصه التسبيح والتمجيد للخالق " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا".

أسئلة عميقة ودقيقة وحائرة تلك التي اخترقت جهاز الإرسال والبرمجة الفكرية لدى زرياب حتى إنه قد وصل به الحال إلى أن ضاق صدره ضيقا ولم يجد النوم إلى جفنيه طريقا.وعند وقت الفجر من اليوم التالي استيقظ للذهاب كالعادة إلى المسجد لأداء صلاة الصبح فإذا به يسمع من بين مفاتيح منزله التي يحملها معه وعند كل خطوة دقة ناقوس خفيفة وسريعة تتخلل تصادمها ،فلما حقق السمع ودققه تذكر ناقوسا جد صغير كان معلقا بربطة عنق لهايدي لما كانت صغيرة وهي تحرك رأسها فيتحرك بموسيقاه معها فتزداد نشاطا ودورانا للتخلص منه، مما قد كان مسليا لها ولكل أهل الدار .لم يتسطع زرياب أن يتمالك نفسه وانتابه ضيق شديد وهو في الطريق للصلاة فألقى بذلك النويقص في حفرة مهجورة وعميقة حتى لا يعود هذا الصوت والنغم الحزين يذكره بهايدي ومأساتها وشجونها وأفراحها وجاذبيتها.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف