الأخبار
طالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أسماء عزايزة في " لا تصدّقوني .." تفحّ بالنار المُقَطّرة بقلم:المتوكل طه

تاريخ النشر : 2019-08-04
أسماء عزايزة في " لا تصدّقوني .." تفحّ بالنار المُقَطّرة بقلم:المتوكل طه
أسماء عزايزة في " لا تصدّقوني .." تفحّ بالنار المُقَطّرة   

المتوكل طه

***

أراني أمام نصوص ضارية، ومفاجئة مثل زلزال ، تطوّحُ  الكلامَ الملتهبَ لتعيد هندسته على صورة غير معهودة ، تجرفك وتسربلك وتحاصرك .. ولا تنجو منها .

هي نصوص تحطّم الجاهزَ المتوَقَّع لتؤسّس " شكلاً " لم تتغيّاه الشاعرة ، بقدر ما صاغته " الأفكار " المتفجّرة ، مثل غرين البراكين السائلة الملتهبة ، لينتهي بك إلى أرض تبدو راسخة ، لكنها رجراجة لن تجد لنفسك مستقرّاً عليها . إنها زجاج  مطحون تنعفه الشاعرةُ ليتّخذ شكل لوحة ريّانة .. ذلك أن ثيمات الحرب والخسارات والخواء والهزائم ، وربما العدميّة ، هي ما يتراءى ، بأكفانه ودمائه وغربته وخطاياه ، في تضاعيف القصائد ، بجرأة وتوتّر وفحولة ووعي .

غير أن تلك المفردات ، على سوداها وكآبتها ، ورغم نثارها الحارق بين الأسطر ، إلاّ أنها لم تذهب بالشاعرة إلى متاهة الضياع والعبثية ، وهذه مفارقة ، استطاعت الشاعرة معها أن تقدّم لنا مشهدية دامية مُنتَهَكَة متشظّية ..لكنها ، مع هذا ، بقيت مثل سيف البحر ، ثابتةً ، تعي مآلاتها ، كما تعرف خطواتُها طريقَ العبور، وإن كان شائكاً ، والوصول إلى المُنتهى الذي تراه .

إن أسماء عزايزة ، في " لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب " الصادر عن منشورات المتوسط ، وجاء في تسعين صفحة ، أثبتت أن الشاعر هو مَن يستطيع أن يذوّب حمولته المعرفية والثقافية ، ويمتصّ مليون زهرة وحشية ليستخرج رحيقَها الحارق ، ثم يقدّمها سائغة ساخنة موّارة ، هي نتاجه الخاص بامتياز ، مطهمة باشتعالاته ونبضه ونداءاته المذبوحة ، وشهيّة مثل الخبز الجمريّ ، ومخيفة مثل طوفان مفاجيء .

وأسماء ، في هذا الكتاب ، تنوء تحت القصف والركام ، وتتعرّض للعواصف السوداء ، وللرّعد الأرضي ، ولأصحاب الملامح الساخطة ، ولخذلان أبناء الحياة المُرتبِكين .. لهذا جاء أسلوبها جامحاً وصادماً وملتهباً ، وبمفردات تنبىء عن هذه النتوءات ، وتفحّ بالنار المُقطّرة . إضافة إلى أن خيطاً ممتداً ، يبرق في النصوص ، يشتعل بالتمرّد ، ولا يُقرّ بالتطامن والواقع المفروض الساقط والقبول المهزوم .

إن نصوص أسماء تترك خطوات الخوف على قلب القاريء ، وتطبع بصمات الوجع العميق على جدران روحه ، وتأخذه إلى أسئلة مُشرعة ، لا نهائية ، تتقاذقه ، ليجد نفسه على منصّة جديدة ، يشرف منها على هوّةِ واقعٍ يتفصّد دماً وغباراً وحسرات ممضّة .

ولعلّ منطوق النقد النمطي والسائد لا يصلح لتناول أو تلقّي هذه المجموعة ، التي جاءت نتاج تطواف ورؤى وتبصّر حذق ، وقراءات كاشفة .. لما يحيط بالشاعرة ، من خيبات وشجن وفجائع ! وعليه فإن الولوج إلى النصوص يستدعي أدوات جديدة ، لا أدّعي أنني أمتلكها ، لأن ما أكتبه ، هنا ، هو أقرب إلى النقد الانطباعي الذاتي المروري ، ولكنه نداء واجب ، لقرّاء الشاعرة من النخبة ، ليحذروا من تفكيك وإضاءة نصوصها بآليات    " مُستعملة " أو مكرورة ، دون أن يُقاربوا النصوص بنظرية يتمّ تخليقها من أرضية النصوص ذاتها ، لاعتقادي أنّ كل نصّ ناضج هو الذي  يؤثّث نظريته النقدية بالضرورة ، ويستعين أو يستأنس بما سبق من نظريات وأدبيات .

وأعترف بأنني خرجت ، بعد أن قرأت الكتاب ، بغير ما دخلت .. لقد خرجت ، وثمة قشعريرة وفزع ودهشة ، قد اعترتني ، وتركت وخزاتها وسحجاتها في  نفسي .. كما وجدتني أكثر إيماناً برؤية وردة الأمل المضيئة ، تفوح وتغطّي كل ما تهدّم وتهاوى .

إنّ التناص في هذه المجموعة يتّخذ طريقة مُحفّزة ، تلاقحت مع مثيرات قادرة على البعث والاستجابة ، وأظهرت قدرة الشاعرة على أن تجعل ، من تلك العروق الذهبية التي أثارتها، جزءاً من النسيج الكّليّ ، دون أن تخسر حضورها ، أو تفقد إمكانية أن  يتماهى ما هبّ عليها بما صدر عنها ، إلى حدّ يشهد للشاعرة ، بسعة المعرفة ، والتخارج والتداخل مع كل ما يفيض من أَلَقٍ ، ويسترعي انتباه الفؤاد . علاوة على أنها تجعل من تلك " البذرة " أو الإرهاصة شجرة ممرعة ، أو بناء مستقلّاً بذاته .

ويُحسب للشاعرة ، بأنها ، ورغم هذا التفلّت والدويّ والانكسارات والشروخ .. لم تقع في المباشرة أو الخطابية الفجّة ، وأبقتْ على ديباجة البوح الشعري ، الذي يبدو ناعماً ، لكنه يحرق الأصابع والجفون .

وإن هذا الكتاب يؤكد ، بلا أدنى شك ، بأن الشِعر أكبر من أشكاله ونظرياته وقرّائه ، وأن ثمة حساسيات تنبع من أرض الإبداع الفلسطينية ، تتعالى وتتكرّس ، وتثبت أن لا سقف يردّها ، أمام ينبوع الشِعر الحقيقي ، بهذه الحلّة الحداثية ، التي تجعلني ممتلئاً بالثقة التي تقول ؛ إن شِعرنا بألف خير ، وإن هذا التنوع في " القول " هو أساس إثراء المشهد والتجريب والخَلْق الساحر .

وشكراً يا أسماء .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف