الأخبار
الأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويا
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اسم ترجمة : حماد صبح

تاريخ النشر : 2019-08-04
اسم ترجمة : حماد صبح
قالت كلوفيس : " كل قصص الصيد متشابهة مثلما أن كل قصص حلبات سباق الخيل متشابهة ، وهذه حال كل القصص الأخرى " ،
فقالت البارونة : " قصة صيدي لا تشبه البتة أي قصة سمعت بها من قبل . وقعت منذ زمن بعيد ، حين كنت في حوالي الثانية والعشرين ، ولم أكن حينئذ أعيش منفصلة عن زوجي . أنت فاهمة . لم يكن أينا قادرا على وهب الآخر معاشا في انفصاله . وعلى نقيض كل ما يمكن أن تقوله الحكم يبقي الفقر من البيوت أكثر مما يهدم ، وإن كان كل منا يصيد مع مجموعة مختلفة ، وهذا لا علاقة له بقصتي الفريدة " .
قالت كلوفيس : " لم نصل إلى الملتقى بعد . أقدر أن هناك ملتقى " ،
فقالت البارونة : " بديهي ، كان هناك ملتقى ، وكان كل الجمهور المألوف موجودا خاصة كونستانس برودل . كونستانس برودل إحدى الفتيات البدينات المتوردات التي تتناغم كثيرا مع مجالي الخريف أو زينات عيد الميلاد في الكنيسة ، وهي قالت لي : " أحس مبكرا بأن شيئا رهيبا سيقع . هل أبدو شاحبة ؟! " ، فقلت لها : " أنت أجمل من المألوف ، والحال بالنسبة إليك في منتهى اليسر " ، وقبل أن تلتقط مغزى ملاحظتي شرعنا نعمل ، وكانت كلاب الصيد رصدت ثعلبا مكشوفا في بعض شجيرات الوزال " ، فقالت كلوفيس : " عرفت قصتك ! في كل قصة صيد للثعالب سمعتها كان دائما ثعلبٌ وبعض شجيرات الوزال " .
واسترسلت البارونة صافية البال : " كنا أنا وكونستانس مرتاحتين في ركوبنا ، ولم نواجه عناء في أن نكون في مطلع الركب مع أن السباق كان شاقا جدا ، ولا ريب في أننا سلكنا قبل منتهاه سبيلا مختلفا تماما بعد أن فقدنا أثر كلاب الصيد ، ووجدنا نفسينا نخبط بعيدا دون هدى . كانت حالة تفجر الحنق ، وأخذت نفسيتي فعلا تجنح إلى الحنق ، ولكن فجأة ، وخلال اجتيازنا سياجا سهلا ، أفرحتنا رؤية الكلاب تنبح جماعيا في منخفض أسفل منا ، فصاحت كونستانس : " هاهي ! "، وأردفت لاهثة : " بحق الله ! ماذا تصيد ؟! " ، وبالتأكيد لم يكن ثعلبا ، هذا العدو اللدود لها ، فهو ضعف الثعلب قامةً ، ورأسه قصير قبيح ، وعنقه ضخم أشعر . صرخت : " ضبع ! لا ريب أنه فر من حديقة اللورد بابام " ، وفي تلك اللحظة التفت الحيوان المستهدف ، وواجه الكلاب التي كان في المكان منها حوالي ستة ، تؤلف نصف دائرة حوله ، والبلاهة في وجوهها . ومؤكد أنها تناءت عن القطيع لتتعقب رائحة هذا الحيوان التي استافتها ، والآن يبدو عليها العجز المطلق في التعامل مع طريدتها التي لحقتها . وحيا الضبع قدومنا بارتياح واضح ومودة بينة ، ولعله ألف من قبل مثل هذا العطف من الناس بينما خلفت أول تجربه له مع كلاب الصيد أثرا مزعجا في نفسه . وبدت الكلاب مضطربة اضطرابا غير مسبوق ؛ لأن طريدتها أظهرت ودها المفاجىء لنا . وتناهى إلى مسامعنا صوت بوق واهن من بعيد ؛ إشارة إلى أينونة المغادرة . ولبثت أنا وكونستانس في جو الشفق المقترب ، فسألت : " ماذا سنفعل ؟! " ، فقلت : " ما أكثر أسئلتك ! " ، فردت محتدة : " حسن . لا نستطيع مبيت الليل هنا مع ضبع " ، فقلت : " لا أعرف رأيك في الراحة إلا أنني لا ينبغي لي التفكير في مبيت الليل هنا حتى بدون ضبع . ومع أن بيتي قد لا يكون سعيدا إلا أنه على الأهون فيه ماء ساخن وماء بارد ، وخدمة ، وأنواع أخرى من الراحة لا نجدها هنا . والأحسن لنا أن نتوجه إلى سلسلة التلال الشجراء التي على يمنانا ، والأرجح أن طريق كراولي خلفها " .
وسرنا يخب بنا جوادانا في أناة على طريق عربات لا تكاد تبين معالمه ، وسار الحيوان خلفنا مبتهجا . وجاء سؤال كونستانس الذي لا ملاذ منه : " ماذا بالله سنفعل بهذا الحيوان ؟! " ،
فسألتها مغضبة : " ماذا يفعل الناس عادة بالضباع ؟! " .
فقالت : " لم يسبق أن تعاملت مع حالة مثل هذه " .
فقلت : " جميل ، ولا أنا . لو عرفنا جنسه لمنحناه اسما . نستطيع أن نطلق عليه الآن ( اسم ) ، فهو يصلح للجنسين " .
وكان ثمة بقية من ضوء النهار تكفي لتبين الأشياء على حافتي الطريق . وارتفعت روحنا المعنوية المتردية حين عثرنا على طفل غجري نصف عارٍ يقطف ثمر شجيرة عليق دانية الغصون . وأخذ يصرخ حين طلع عليه فارسان وضبع . وعلى أي حال ما كان في قدرتنا استمداد معلومات عن جغرافية المكان من ذلك الطفل ، وإن كان من غير المستبعد أن نعثر على مخيم للغجر في موضع ما على طريقنا ، فواصلنا السير بذلك الأمل ميلا أو قرابة ميل .
وقالت كونستانس : " لا أدري ماذا كان الطفل يفعل في ذلك المكان " .
فقلت : " واضح أنه كان يقطف ثمر العليق " ،
فتابعت : " لا أحب طريقة بكائه . ما فتىء عويله يرن في أذني " .
ولم أوبخ كونستانس على تصوراتها المرضية ، والواقع أن شعورا بعويل متقطع ملح يتبعني كان يفرض نفسه على أعصابي المرهقة إرهاقا شديدا . وإكراما للصحبة رحبت باسم الذي كان يمشي الهوينى خلفنا ، ثم حاذانا واثبا بضع وثبات لينطلق بعدها متخطيا لنا ، فبانت علة مصاحبة العويل لنا ! كان الطفل الغجري عالقا بين أنيابه ، وأحسب ذلك كان يؤلمه ، فصرخت كونستانس : " يا رحيم ! ماذا سنفعل ؟! ماذا علينا أن نفعل ؟! " ، وكنت واثقة كل الثقة أن كونستانس ستسأل يوم الدين أسئلة أكثر مما تسأل ملائكة الاستجواب في ذلك اليوم . وألحت باكية بينما كان اسم يركض في سهولة أمام جوادينا المنهكين : " ألا نستطيع فعل شيء ؟! " .
ومن ناحيتي شخصيا ، كنت أفعل كل ما بدر إلى ذهني في تلك اللحظة المرعبة ، فثرت ، ولمت ، ولاطفت بالإنجليزية والفرنسية ، وتكلمت بلغة حارس منطقة الصيد الخشنة ، وضربت في الهواء ضربات عابثة لا أثر لها بمقبض سوط صيدي الذي لا سير جلديا فيه ، وقذفت حقيبة طعامي على الوحش ، والحق أنني لا أعلم الآن ماذا فعلت فوق كل ذلك . وتابعنا سيرنا المثقل في الغسق الآخذ في الإظلام مع ذلك الشكل الداكن الغريب الذي يمشي متثاقلا في طليعتنا ، وصوت إيقاع حزين ينساب إلى آذاننا . وبغتة وثب اسم جانبا في شجيرات كثيفة حيث عجزنا عن متابعة النظر إليه ، وارتفع العويل إلى صرخة توقف بعدها كل شيء . وعادة ما أتجاوز هذا الجزء من القصة لكونه مرعبا حقا . وحين لحقنا الوحش بعد دقائق قليلة كان يبدو على سيماه التفهم الحليم لموقفنا مما فعل ، فهو يدرك أنه فعل شيئا لا نرضاه مع شعوره بأنه مسوغ تماما بالنسبة إليه .
سألت كونستانس : " كيف تسمحين لهذا الوحش المفترس بالركض إلى جانبك ؟! "
كان وجهها يشبه في شحوبه جذر حبة لفت أكثر من أي وقت سبق .
قلت : " أولا : لم أكن أستطيع منعه ، وثانيا : مهما يكن أمره أشك الآن أنه مفترس " ،
فارتجفت ، وجاء سؤال آخر من أسئلتها التي لا تفيد : " أترين أن الطفل قاسى كثيرا ؟! " ،
فقلت : " كل الدلائل تؤكد هذا ، ومن ناحية ثانية ، ربما كان يبكي بسبب حالته النفسية ، فالأطفال يبكون أحيانا بسبب حالتهم النفسية الخاصة " ،
وكان الليل قد تدجى تقريبا حين بلغنا فجأة الطريق الرئيسي ، ومرت بنا لمعات أضواء ، وسمعنا صوت سيارة في نقطة قريبة منا لا تدعو للراحة ، وتلا ذلك بعد ثانية دوي ، وصرخة حادة ، وتوقفت السيارة . وعندما عدت إلى مكان توقفها وجدت شابا منحنيا على كتلة داكنة ساكنة فوق حافة الطريق ، فصرخت حزينة ملتاعة : " قتلت اسمي ؟! " ،
فقال : " آسف جدا . لي كلاب ، ولهذا أعلم شعورك نحوه . سأفعل كل ما أقدر عليه لتعويضك "
، قلت : " أرجوك ، ادفنه حالا ! هذا أكثر ما أطلبه منك " ،
فقال للسائق : " هات المسحاة يا وليم ! " ،
واحتاج حفر قبر كبير ملائم وقتا يسيرا ، وقال صاحب السيارة عند دفع الجثة إلى الحفرة : " يا له من صديق بديع ! يؤسفني أنه كان حيوانا عالي القيمة " ،
فقلت في حزم : " كان الثاني قيمةً بين جراء بيرمنجهام السنة الفائتة " ،
فنخرت كونستانس نخرة عالية ، فقلت مكسورة النفس : " لا تبكي يا عزيزتي ! كل شيء انتهى سريعا ، ولم يقاسِ كثيرا " ، فقال الشاب يائسا : " اسمعي ! يجب أن تسمحي لي بتقديم تعويض ما إليك " ، فأبيت بلطف إلا أنني ما لبثت أن أعطيته عنواني لإلحاحه . وطبعا تشاورنا بعد ذلك حول ما حدث ليلة ذلك اليوم . ولم يعلن اللورد بابام عن فقد ضبعه ، وهو الذي كان يستدعى قبل عام أو عامين لدفع تعويض حين يشرد أحد حيوانات حديقته من آكلات الفواكه . حدث ذلك في إحدى عشرة حالة ، منها حالة نهش مواشٍ ، كما دعي لإعادة حظائر دواجن جيرانه . ويمكن أن يرقى تعويض ضبع بابام إلى درجة منحة حكومية . ولم يهتم الغجر بفقد طفلهم ، ولا أحسبهم في مخيماتهم الكبيرة يعلمون عدد ما لديهم من الأبناء ليهتموا بفقد واحد أو اثنين منهم ".
وسكتت البارونة متأملة ، ثم أردفت : " للمغامرة بقية ، فمع أنني تلقيت بالبريد دبوس زينة صغيرا فتانا من الماس ، ومعه غصين ورد ذهبي نقش عليه اسم " اسم " فإنني فقدت في ذات الوقت صداقة كونستانس برودل . أنت فاهمة ، فعندما بعت الدبوس رفضت تماما إعطاءها نصيبا من عائد بيعه ، وبينت لها أن جانب المسألة الذي يتصل بتسمية " اسم " من ابتداعي ، وجانب ملكية الضبع يخص بابام إن كان الضبع ضبعه ، وهو ما لا أملك عليه بالطبع برهانا " ،
*للكاتب البريطاني هيكتور مونرو المشهور باسمه الأدبي ساكي ( 1870 _ 1916 ) .
*استعمل الكاتب اللفظ العربي ( اسم ) عنوانا لقصته .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف