الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الوقت في قصيدة "وعمت صباحاً/مساءً أيا وقتنا" كميل أبو حنيش بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-08-03
الوقت في قصيدة
"وعمت صباحاً/مساءً أيا وقتنا"
كميل أبو حنيش
الوقت له وقع على الإنسان، منا من يجده يمر سريعا ومنا من يراه بليدا خاملا، وهذا يعود إلى الحالة/الظرف الذي يمر به الإنسان، "كميل أبو حنيش" أنسان قضى في السجن ما يقارب العقدين، ومحكوم بتسعة مؤابدات، في قصيدة "وعمت صباحاً/مساءً أيا وقتنا" يحدثنا عن رؤيته للوقت، فنجد فيها أكثر من معيار نقيس به الوقت، من خلال اللفظ المباشر أو من خلال وصفه، أو مما نجده ما بين الكلمات.
رغم أننا نحلل قصيدة، إلا أننا ـ كمتلقين ـ علينا أن نرفع القصيدة إلى ما هو أبعد وأعلى من سقفها الأدبي، إلى ما هو إنساني، إلى هموم الإنسان في فلسطين/المنطقة العربية، الذي ما زال يعيش في ذيل الأمم، ولم يرى/يلمس/يعيش الكرامة/الحرية/الحياة السوية بعد.
القصيدة مكونة من خمسة مقاطع، وفي الفواتح الخمسة يتناول الشاعر والوقت، المقطع الأول:
"وعِمْتَ صَباحاً أيا وقتَنا الدَّائريَّ الخُطى
والكلامُ الرتيبُ عن الأمنيات
التي لا تزال تُضرّج أحلامَنا بالعبير،
وتخفقُ وهماً كرايةِ ظفر نصرٍ بعيدة
ففيكَ النهارُ سيبدو كئيباً إذا لم يُبدّلْ ثوبُ الحداد
ويغدو المساءُ ثقيلاً مُملاًّ إذا لم يُبدّلْ طقوس السهاد
الطويلة"
القصيدة تفرض علي الخروج قليلا عن طريقة تناول الألفاظ المجردة والمنفردة، فطبيعتها وطريقة تناولها للوقت تستوجب هذا الأمر، نجد الوقت "دائري" والنهار "كئيبا" والمساء "ثقيلا، مملا" ويراه الشاعر بوجه عام "طويل" وهو لا يكتفي بوصف الوقت بل يتناول مجموعة وسائل يستخدمها/يؤمن بها ليؤكد ثقل الوقت عليه: "الكلام الرتيب، وتخفق وهما، نصر بعيد، لم يبدل ثوب الحداد، طقوس السهاد الطويلة" حالة من اليأس شبه مطلقة، لولا وجود "أحلامنا، صباحا، المساء، الكلام، بالعبير، وتخفق، كراية، طفر/نصر" هذه الدرجة الأشد هولا على الشاعر، فهي تشير إلى الحالة التي يمر بها الأسير عند محتل، فالوقت هنا هو وقت للعذاب/لليأس/للقنوط، ولا مكان للأمل، فقد أمسى كل الأحلام/الأماني وهما، فالوقت هنا ميت، لا يتحرك، وهو جثة ضخمة تثقل بوزنها الهائل على حامليها، الأسرى.
المقطع الثاني يتزحزح ثقل الوقت قليلا، فيبدو بهذا الشكل:
"وعِمْتَ مساءً أيا وقتَنا المكفهرَّ كما الأغنياتِ الحزينة
فكيف سنُرغمُ هذا المساء ليخطو سريعاً ونكسرُ هذي الدوائر
سنحيا طويلاً ونسأمُ هذا المكان/الزمان
نملُّ من الأبجديّة في لغةِ الأبديّة
ونلهو بأوهامِنا دائرين نُعيد اجترارَ الكلامِ وذات الحكايا
انتظاراً لوقتٍ جميلٍ يجيءُ وقد لا يجيء
انتظاراً لوقتٍ ظليلٍ يقود خُطانا إلى عالم الاخضرار الطويل
ونسأم فردوسنا كما يسأم الناس من وقتهم في الحياة الظليلة"
الفرق بين الكلام الرتيب والأغاني الحزينة كبير، فالأول فعل عادي، يقوم به أي شخص، بينما الثاني ـ رغم الحزن ـ يحتاج إلى قدرات وحالة من الأبداع حتى يخرج، وفيه شيء من الراحة والفرح حتى لوكان حزينا، وهذا التحول جاء بعد أن أفضى الشاعر همومه في المقطع الأول، فأخذ قسطا من الراحة، واستعاد شيئا من العافية، فجاء حرف السين: "كيف سنرغم، سنحيا" ليحثنا على الاستدلال ومعرفة طريق الأمل من جديد، لكن ثقل جثة الوقت ما زالت محمولة على أكتاف الأسرى، من هنا جاء "وقتنا مكفهر، سنحيا طويلا، يقود خطانا، نسأم فردوسنا"، وهنا يكون الشاعر قد قسم الوقت بين مجموعتين، وقت الأسرى، ووقت من هم خارج الأسر، فالوقت أصبح وقتين، وقت يراه ويعيشه الأسرى، ووقت يمر على الناس العاديين، وهذا ما أوضحه عندما قال:
"ونسأم فردوسنا كما يسأم الناس من وقتهم في الحياة الظليلة"
رغم جثة الوقت الثقيلة التي جاءت:
"ونسأمُ هذا المكان/الزمان
سنحيا طويلاً ونسأمُ هذا المكان/الزمان
انتظاراً لوقتٍ جميلٍ يجيءُ وقد لا يجيء
انتظاراً لوقتٍ ظليلٍ يقود خُطانا إلى عالم الاخضرار الطويل
ونسأم فردوسنا كما يسأم الناس من وقتهم في الحياة الظليلة"
"إلا أن الشاعر أوجد لنفسه بصيص أمل من خلال: ""نلهو، الجميل يجيء، ظليل، الاخضرار الطويل، الحياة الظليلة" وهذا عدا الفعل القاسي والثوري "نكسر/نسأم".
الترابط بين المقطع الأول والثاني جاء من خلال "عمت صباحا/عمت مساء" واعتقد أن تقديم الصباح على المساء يشير إلى وجود أمل عند الشاعر، "الكلام الرتيب/اجترارا الكرام" وهذا يقودنا إلى أن الشاعر يرفض ما هو عادي، ويسعى إلى الأبداع/التألق.
ويستوقفنا عدد وطريقة تناوله للوقت ـ أربع مرات" والتي جاءت: "وقت، مساء، الزمان، ومرتين "انتظار الوقت"، وكلمة "ظليلة" مرتين، وكأن الشاعر أوجد لنفسه حالة من التوازن بين "الانتظار" القاسي وبين "الظليل/ة" المفرح، من هنا تم إحداث خلل في "الدائري" الأولى، من خلال "نكسر" وهذا يشير أن الزمن/الوقت بدأ في الاستيقاظ، ولم تعد حالة الموت الأولى موجودة، فالحياة يسر وعسر، خصب وجذب، خريف وربيع، هكذا يراها الكنعاني منذ الأزل.
في المقطع الثالث يتقدم الشاعر خطوة أخرى إلى الأمام من خلال:
" وعِمْتَ صباحاً أيا وقتَنا المُشرئبُّ كبرجِ الحراسة
ترقبُ أحلامَنا والأماني وتُحصي ثواني ارتخاءاتِ أجسادنا
ولا تتعاقبُ فيك الفصول
طويلٌ شتاءُ التمنّي قصيرٌ ربيعُ الأماني
سنلهو بأوهامِنا ساخرين
ونرنو إلى ذكريات الزمان القديم التي لا تزال تجيء
ونرسمُ أحلامَنا الآتيات التي قد تجيءُ وقد لا تجيءُ
ونسألُ تلك السماء البعيدة:
متى تُمطرين علينا زهوراً من الياسمين
ووحياً من الأغنيات الجميلة؟"
الوقت حاضر من خلال: "صباحا، وقتنا، ثواني، الفصول، طويل شتاء، قصير الربيع، الزمن القديم" ونجد وصف متعلق بالوقت جاء: "المشرئب كبرج الحراسة، تراقب أحلامنا، ولا تتعاقب" بالتأكيد المضمون فيه قسوة وألم ويحمل ثقل الوقت، لكن (الخلل) الذي أحدثه الشاعر جاء من خلال استخدامه لألفاظ : "المُشرئبُّ، أحلامنا، والأماني، ربيع، سنلهو، ونرنو، تجيء، ونرسم، الآتيات، السماء، تمطرين، زهورا/ ياسمين، الأغنيات، الجميلة" فهذا البياض يعبر عن أمل وفرح بدأ يتشكل في الشاعر بعد أن تخلص من ثقل جثة الوقت.
والتحول بين المقطع الأول والثالث جاء من خلال "الدائري/المشرئب، تضرج أحلامنا/تراقب أحلامنا، وترابط بين المقطع الثاني والثالث من خلال السؤال الذي جاء يستحثنا على ضرورة الفعل: "فكيف سنرغم/متى تمطرين" والفراق بينهما، أن الثاني جاء في بداية المقطع والثالث جاء في نهايته، كما أن الفرق واضح بين فعل الشد والقسوة والعنف "سنرغم"، وبين فعل الخير والخصب "تمطرين" كل هذا يجعلنا نستنتج أن عملية التحول الإيجابي مستمرة عند الشاعر، وها هو يخطو الخطورة الرابعة في اتجاه الشمس:
"وعِمْتَ مساءً أيا وقتَنا اللولبيَّ المؤسس في الأغنياتِ
وأوهامنا
فتُزهر هذي القيود ويُورق هذا الجدار ويخضرّ هذا المُحيط الصغير
سنرنو إلى الأوج حيناً وحيناً نتوقُ إلى الهاوية
ففي دائرية هذا المكان/الزمان تضيقُ الفوارق بين النقائض
وتغدو الفصولُ جهات
وتُمسي الجهات فصولُ
سيُولد فصلٌ جديدٌ ونُعتقُ من قلب هذي الظلال الثقيلة"
الألفاظ المتعلقة بالوقت: "مساء، وقت، الزمان، الفصول، فصل" تشير إلى أن الشاعر بدأ يتحرر من جثة الوقت، فما تبعها من وصف: "لولبي، تضيق الفوارق، سيولد فصل" وإذا ما توقفنا عند "دائري" في الأول التي تشير إلى حالة الحصار المطلق، وبين "لولبي" والتي تشير أن هناك رأس/نهاية، يمكن لمن يتابع المسير الصحيح أن يصل إلى الخلاص ويبدأ حياة سوية جميلة، وهذا ما فعله الشاعر، فأخذ يخطو بالاتجاه الصحيح.
لكن تستوقفنا حالة الربط بين المكان/الجهات وبين الزمن/فصول:
"ففي دائرية هذا المكان/الزمان تضيقُ الفوارق بين النقائض
وتغدو الفصولُ جهات
وتُمسي الجهات فصولُ"
يبدو أن الحصار مطلق ومحكم، فلا مجال للخلاص منه، فالزمن والمكان يتحالفان ضد الشاعر، ولم يعد هناك مساحة/وقت للحياة، لكن هذا الامر ليس إلا مبرر للقيام بالنقلة النوعية عند الشاعر والتي جاءت:
" سيُولد فصلٌ جديدٌ ونُعتقُ من قلب هذي الظلال الثقيلة"
فهذه النقلة لم تكن لتحصل دون ان أصبح الصراع إما حياة وإما موت، ولم يعد هناك مكان/وقت إلا للعمل، واعتقد، بداية الفعل الايجابي بدأت من خلال قول الشاعر "تزهر القيود، ويورق الجداران، ويخضر المحيط" فالتراكمات الكمية أدت إلى تغييرات نوعية.
وتستوقفنا مجموعة الفاظ المتعلقة الطبيعة: "فتزهر، ويورق، ويخضر، فصل، الظلال" فهي تأخذنا إلى فكرة الكنعاني عن الطبيعة، فكرة الصراع بين الخصب "البعل" والجذب "موت" فديمومة الصراع بينهما لم تتوقف ولن تتوقف إلى أن يرث الله الأرض من عليها، فرغم انتصار الموت إلا أن الخصب/البعل سيظهر من جديد، وهذا ما جاء في خاتمة القصيدة:
"وعِمْتَ صباحاً وعِمْتَ مساءً أيا وقتَنا الدائريَّ المُفخخَ
بالاحتمالِ الجميل
سنُشرعُ كل النوافذ
نغذّ الخطى والمسير اقتفاءً لآثار من سبقونا بداءِ الأمل
لنغدو طيوراً تطير
ونمشي طويلاً نَشُم عبيرَ الطفولة
ونهوى العيونَ الكحيلة"
رغم أن وقت الصباح والمساء جاء وصفهما "دائري المفخخ" إلا أن البياض كان حاضرا "الجميل" وهذا "الجميل" فتح الأبواب وأبقاها مشرعة ليغادر الشاعر زمن الجدران إلى الأبد، "سنشرع، نغذ، الأمل، لنغدو، طيورا، تطير، نشم، عبير، الطفولة، ونهوى، العيون، الكحيلة" فنحن أمام حالة تعد نقلة نوعية تختلف تماما عما بدأت به القصيدة.
واعتقد أن قلة عدد الألفاظ المتعلقة بالوقت "صباح، مساء، وقتنا" تشير إلى تحرر الكلي من ثقل الوقت، وما كان ذكرهما في الخاتمة إلا تماشيا مع وحدة القصيدة وموضوعها، الوقت.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسر "كمال أبو حنيش".
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف