أنا آتيك به
أنا آتيك به رواية جديدة للكاتب بسام أبو شاويش، صدرت حديثا عن دار كل شيء في حيفا وتقع في نحو من أربعمائة صفحة من القطع المتوسط .
تقوم الرواية في الأساس على وقائع اختفاء وليد مسعود والملابسات التي أحاطت بتلك الحادثة والعلاقات التي تشابكت وتداخلت على نحو لافت، ثم السعي الدؤوب للإمساك بطرف خيط، قد يؤدي في لحظة ما،، إلى فك تلك الرموز والتقاطعات ومن ثم الوصول إلى الحقيقة.
في البداية وأنا أطالع الصفحات الأولى من العمل، باغتني سؤال أثار حيرتي، هل وليد مسعود الوارد ذكره في هذا العمل، هو نفسه الذي ورد في رواية جبرا، أم هو شخص آخر، لاكتشف فيما بعد أنه الشخص ذاته، استعاده الكاتب مرة أخرى ولكن من زاوية التقاط مغايرة.
لست هنا بصدد عقد مقارنة ما، بين وليد مسعود عند جبرا ووليد مسعود في هذا العمل الجديد، فوليد مسعود هو ذات الشخص التلحمي، المثقف والمناضل وصاحب العلاقات المتشعبة مع المثقفين من شعراء وأدباء وصاحب العلاقات الغرامية المتعددة والمنظر السياسي والمقاتل العنيد في كلا العملين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة مرة أخرى: لماذا اختار الكاتب هذا النموذج، ليقيم عمله عليه بنفس المواصفات والمقاييس، بل حتى أن عدد صفحات العملين متقاربة جدا وبفارق أربع أو خمس ورقات.
أعتقد أن الكاتب قد رأى في هذا النموذج، مثالا يستحق إعادة الاستنساخ مرة اخرى، في ظل هذا الواقع المتردي إلى أبعد الحدود، فبدأ بإعادة انتاج هذه الشخصية مرة أخرى ومع نفس الشخوص التي عايشته وربطتها علاقات وطيدة معه، مع إضافات بسيطة كإدخال شخصية نزار قباتي ومعين بسيسو واتخاذ بيروت مكانا رئيسيا لأحداث روايته، رغم تعد الأمكنة وتشعبها، من بغداد إلى عمان.. ايطاليا.. الخ وذلك من أجل الوصول إلى الفكرة، التي أرادها من وراء هذا الاستنساخ الذكي والموفق، فلقد استطاع بهذه الحيلة الذكية، إعادة انتاج مرحلة من أخطر وأهم المراحل في الصراع مع العدو وأذنابه في المنطقة، بكل ما فيها من خفايا وملابسات، سواء كان ذلك على الصعيد الفكري أو العسكري وحتى الاستخباراتي، الذي جاء في هذا العمل ملفتا وكأنك تقرأ اجاثا كرستي أو هيتشكوك، خصوصا في تناوله لدور الفاتنة الحسناء، التي تتخفى على هيئة عجوز شمطاء تطارد القطط في الفكهاني وفي نفس الوقت تنفذ مهام استخباراتية غاية في التعقيد والحرفية وكذلك الطبيبة التي كانت تستغل عملها في عيادة الاسنان، لجمع المعلومات من الضباط والجنود، الذين يزورنها للعلاج ومن ثم إرسالها للعدو، إلى أن تم الإيقاع بها في يد المقاومة.
لكن اللافت في شخصية وليد الجديدة، هو ذاك المزيج العجيب ما بين الحس المرهف كمثقف ومنظر وعاشق والصمود الأسطوري في أقبية التحقيق عند العدو الذي أسره في معركته الأخيرة معه والتي فقد على أثرها، حيث أبدى صمودا خارقا أمام صنوف التعذيب التي مورست عليه ودلت بشكل واضح على معرفة الكاتب معرفة دقيقة بكل تلك الأساليب، التي قدمها بشكل مقنع جدا، حتى أن القارئ ليشك بأن الكاتب نفسه خاض غمار التجربة، ثم خروجه بصفقة تبادل مع الطبيبة آنفة الذكر وعودته إلى بيروت مرة أخرى، ليجري اعتقاله من جديد في أحد السجون العربية "سوريا"، حيث يمضي هناك عدة أشهر، يرى فيها حجم الهوان والضياع الذي يعيشه المواطن العربي، الذي يعتقل لأتفه الأسباب ويتم نسيانه وكأنه خرقة بالية، بل إن أحدهم أخبره بأنه اعتقل لحلم، رأى فيه نفسه مشاركا في جنازة الرئيس، إلى أن تأتي لحظة فارقة يجري فيها نقل وليد مسعود ومجموعة من المساجين، عبر حافلة عسكرية إلى جهة مجهولة ، يتضح فيما بعد من تخمينات السجناء أثناء نقلهم بالحافلة، أنهم في الطريق إلى بيروت، دون أن يجزم الكاتب بذلك وكأنه يريد أن يقول بأن المصير مازال مجهولا وأن وليد المثقف والمقاتل العنيد هو وليد كل زمان ويمكن استنساخه مرة أخرى، كحل واحد ووحيد في مواجهة عدو متغطرس وواقع عربي مزري إلى أبعد حد .
باختصار، هذه الرواية شاهدة على مرحلة تاريخية مهمة، لم تطو صفحاتها بعد ومازالت فصولها تتابع إلى اللحظة وهي عمل جدير بالاهتمام وإضافة جديدة للمكتبة الفلسطينية والعربية، بل علامة فارقة للمنتج الفلسطيني وما قلته هنا لم يوفها حقها، سواء على مستوى اللغة و المضمون الفكري والثقافي الذي عجت به، أو التكنيك والبناء الروائي والأسلوب، الذي كان غاية في الامتاع رغم طولها، هي مجرد إطلالة، أردت من خلالها إلقاء الضوء على عمل روائي مميز، شدني إليه بشكل لافت، يحذوني الأمل بأن تشكل هذه الإطلالة، إشارة للباحثين والدارسين، تحثهم على خوض غماره في البحث والدراسة وإيفائه ما يستحق.
تحياتي للكاتب الذي لم أقابله إلى اللحظة، رغم أننا نعيش في ذات الجزء المنكوب من الوطن وتمنياتي له بالمزيد من الإبداع.
أنا آتيك به رواية جديدة للكاتب بسام أبو شاويش، صدرت حديثا عن دار كل شيء في حيفا وتقع في نحو من أربعمائة صفحة من القطع المتوسط .
تقوم الرواية في الأساس على وقائع اختفاء وليد مسعود والملابسات التي أحاطت بتلك الحادثة والعلاقات التي تشابكت وتداخلت على نحو لافت، ثم السعي الدؤوب للإمساك بطرف خيط، قد يؤدي في لحظة ما،، إلى فك تلك الرموز والتقاطعات ومن ثم الوصول إلى الحقيقة.
في البداية وأنا أطالع الصفحات الأولى من العمل، باغتني سؤال أثار حيرتي، هل وليد مسعود الوارد ذكره في هذا العمل، هو نفسه الذي ورد في رواية جبرا، أم هو شخص آخر، لاكتشف فيما بعد أنه الشخص ذاته، استعاده الكاتب مرة أخرى ولكن من زاوية التقاط مغايرة.
لست هنا بصدد عقد مقارنة ما، بين وليد مسعود عند جبرا ووليد مسعود في هذا العمل الجديد، فوليد مسعود هو ذات الشخص التلحمي، المثقف والمناضل وصاحب العلاقات المتشعبة مع المثقفين من شعراء وأدباء وصاحب العلاقات الغرامية المتعددة والمنظر السياسي والمقاتل العنيد في كلا العملين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة مرة أخرى: لماذا اختار الكاتب هذا النموذج، ليقيم عمله عليه بنفس المواصفات والمقاييس، بل حتى أن عدد صفحات العملين متقاربة جدا وبفارق أربع أو خمس ورقات.
أعتقد أن الكاتب قد رأى في هذا النموذج، مثالا يستحق إعادة الاستنساخ مرة اخرى، في ظل هذا الواقع المتردي إلى أبعد الحدود، فبدأ بإعادة انتاج هذه الشخصية مرة أخرى ومع نفس الشخوص التي عايشته وربطتها علاقات وطيدة معه، مع إضافات بسيطة كإدخال شخصية نزار قباتي ومعين بسيسو واتخاذ بيروت مكانا رئيسيا لأحداث روايته، رغم تعد الأمكنة وتشعبها، من بغداد إلى عمان.. ايطاليا.. الخ وذلك من أجل الوصول إلى الفكرة، التي أرادها من وراء هذا الاستنساخ الذكي والموفق، فلقد استطاع بهذه الحيلة الذكية، إعادة انتاج مرحلة من أخطر وأهم المراحل في الصراع مع العدو وأذنابه في المنطقة، بكل ما فيها من خفايا وملابسات، سواء كان ذلك على الصعيد الفكري أو العسكري وحتى الاستخباراتي، الذي جاء في هذا العمل ملفتا وكأنك تقرأ اجاثا كرستي أو هيتشكوك، خصوصا في تناوله لدور الفاتنة الحسناء، التي تتخفى على هيئة عجوز شمطاء تطارد القطط في الفكهاني وفي نفس الوقت تنفذ مهام استخباراتية غاية في التعقيد والحرفية وكذلك الطبيبة التي كانت تستغل عملها في عيادة الاسنان، لجمع المعلومات من الضباط والجنود، الذين يزورنها للعلاج ومن ثم إرسالها للعدو، إلى أن تم الإيقاع بها في يد المقاومة.
لكن اللافت في شخصية وليد الجديدة، هو ذاك المزيج العجيب ما بين الحس المرهف كمثقف ومنظر وعاشق والصمود الأسطوري في أقبية التحقيق عند العدو الذي أسره في معركته الأخيرة معه والتي فقد على أثرها، حيث أبدى صمودا خارقا أمام صنوف التعذيب التي مورست عليه ودلت بشكل واضح على معرفة الكاتب معرفة دقيقة بكل تلك الأساليب، التي قدمها بشكل مقنع جدا، حتى أن القارئ ليشك بأن الكاتب نفسه خاض غمار التجربة، ثم خروجه بصفقة تبادل مع الطبيبة آنفة الذكر وعودته إلى بيروت مرة أخرى، ليجري اعتقاله من جديد في أحد السجون العربية "سوريا"، حيث يمضي هناك عدة أشهر، يرى فيها حجم الهوان والضياع الذي يعيشه المواطن العربي، الذي يعتقل لأتفه الأسباب ويتم نسيانه وكأنه خرقة بالية، بل إن أحدهم أخبره بأنه اعتقل لحلم، رأى فيه نفسه مشاركا في جنازة الرئيس، إلى أن تأتي لحظة فارقة يجري فيها نقل وليد مسعود ومجموعة من المساجين، عبر حافلة عسكرية إلى جهة مجهولة ، يتضح فيما بعد من تخمينات السجناء أثناء نقلهم بالحافلة، أنهم في الطريق إلى بيروت، دون أن يجزم الكاتب بذلك وكأنه يريد أن يقول بأن المصير مازال مجهولا وأن وليد المثقف والمقاتل العنيد هو وليد كل زمان ويمكن استنساخه مرة أخرى، كحل واحد ووحيد في مواجهة عدو متغطرس وواقع عربي مزري إلى أبعد حد .
باختصار، هذه الرواية شاهدة على مرحلة تاريخية مهمة، لم تطو صفحاتها بعد ومازالت فصولها تتابع إلى اللحظة وهي عمل جدير بالاهتمام وإضافة جديدة للمكتبة الفلسطينية والعربية، بل علامة فارقة للمنتج الفلسطيني وما قلته هنا لم يوفها حقها، سواء على مستوى اللغة و المضمون الفكري والثقافي الذي عجت به، أو التكنيك والبناء الروائي والأسلوب، الذي كان غاية في الامتاع رغم طولها، هي مجرد إطلالة، أردت من خلالها إلقاء الضوء على عمل روائي مميز، شدني إليه بشكل لافت، يحذوني الأمل بأن تشكل هذه الإطلالة، إشارة للباحثين والدارسين، تحثهم على خوض غماره في البحث والدراسة وإيفائه ما يستحق.
تحياتي للكاتب الذي لم أقابله إلى اللحظة، رغم أننا نعيش في ذات الجزء المنكوب من الوطن وتمنياتي له بالمزيد من الإبداع.