الأخبار
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نينا والذّئاب البشريّة ( 3 )بقلم:مصباح(فوزي)رشيد

تاريخ النشر : 2019-08-01
نينا والذّئاب البشريّة ( 3 )بقلم:مصباح(فوزي)رشيد
مصباح(فوزي)رشيد

***

أشار صديقي على النادل : " الحساب من فضلك ؟ " فجاء يحمل ظرفا في طبق فضّي اللّون .

 تظاهرت بإدخال  يدي في جيب البنطلون  فحلف ياليمينات السبع والعشر وزاد عليها رقبة أمّه وأبيه وخيّرني بين صحبته أو السماح له بتسوية الحساب . ولإن صديقي داهية ويعرف كل أسراري تقريبا ، فأراد أن ينفض الموقف بطريقته ليبعد عنّي شبهة الإفلاس .

في النهاية كان لابد أن يختار كل زوج  طريقه ، تقدّمتُ إلى فتاتي الحسناء ، قبل أن يسبقني إليها أحد، أفوز بنفسي قبل أن يغيّر صاحبي رأيه ويدركني النّادل :  " الهربة للرجال منعة " - ههههه - " كما يقول المثل .

في طريق الكرنيش واجهتها بكلامي القديم المتجدّد : "  قلت لكِ الشخص الذي أمامك .. ؟ "

ورحت أكمل الكلام فقاطعتني بابتسامة الواثقة وقالت : 

" متزوّج وله أربعة أطفال والخامس إن شاء الله في الطّريق . صح ؟ .  أعرف ذلك " . 

 من اخبرها بهذه التفاصيل ؟ ليس هناك سوى والدتي سامحها الله  أو ابنة خالتها حسبي الله فيها ونعم الوكيل .

       ازداد اليقين بأن هناك أمورا تجري من خلفي أنا في غِنًى تامٍّ عنها  . 

شرد ذهني وذهبت بعيدا،  وكبرت شكوكي وبان الارتباك على وجهي ، وانتبهتْ لأمري  فأرادت قطع الشك باليقين . فتشجّعتْ وقالت لي بالحرف الواحد : " أكون ممتنّة لك إذا ذهبت معي  إلى أبي " ، و أردفتْ تقول : " مجرّد حضورك أمامه يكفي ." . تحاول جاهدة طمأنتني . وراحت تكرّر نفس الكلام وتتوسّل لي ، رغم انها لم تحصل بعد مني على ما يدفعها إلى هذا الرّهان المسبق ، وقد كنت صريحا معها في بداية ونهاية المشوار ، ولم اترك لها مجالا للمناورة ، وأنّ علاقتي بها لا تعدو أن تكون مجرد إعجاب واحترام ، لما رأيته منها وقامت به تجاه والدتي في المستشفى . 

  في النهاية لست مُجبرا على الذهاب معها إلى والدها لأتقمّص دور العريس وأخون ضميري التّعبان. والحمد لله أنّني لم أسقط بعد في شباك نزواتها اللّعينة ، وصنتها ونفسي من الانزلاق . و لو كان هناك أحد غيري لما استطاع المقاومة .    

ادركتُ بعدها ان وراء هذا الإصرار ألف حكاية وحكاية ، وأن المسكينة في ورطة ما ، وانها تريد أن تتذرّع بي لتعالج مشاكلها العائلية . 

طلبتُ منها أن تزوّدني بكل شيئ عنها وعن أسرتها ، فأنا لاأعرف عنها الكثير . 

اطلعتني على عنوانها الأصلي ، وزوّدتني بمعلومات تخصّها ،  لا دخل لي فيها ، وعلى الخلافات التي بين أبويها ، وأن والدتها لا تحبّ أباها الإطار الكبير في إحدى الدّوائر الرّسميّة ، والسبب طرف ثالث ؛ وفي الطّريق قالت لي : "  تعال أُعرّفك بصاحب أُمّي " . وفي تلك الأيّام لم يكن الهاتف الخلوي موجودا بالأساس ، لكن كانت هناك أكشاك عمومية مزوّدة بهواتف أرضيّة ، وأسرعتْ إلى أقرب كشك ، ونادته باسمه في رقم مُدوّن في قصاصة  بالحبر الأزرق قامت بإخراجها من حقيبة اليد التي لم تفارق يدها منذ لقائنا الأوّل ، ثمّ هتفت بصوت واجف :

" آلو .. سي منير .. معايا ضيف حبّيت نعرّفو بيك " . ويبدو أن الشّخص الذي كلّمته لم يتردّد كثيرا بعدما تعرّف على صاحبة الصوت الأجش ، فوافق تلقائيًّا على استقبالنا في الحال .

أمسكتْ بيدي وطلبت مني مرافقتها إلى سي ( منير ) ، هذا الذي كانت له علاقة حميميّة بوالدتها ذات مرّة ، حسب روايتها ، وبقيتْ ( نينا ) تحمل القصّة عن والدتها ، وبقي سي (  منير ) " الشّهم " يحتفظ لأعوام بتلك المودّة .  

 " سي  منير " لديه علاقات مميّزة تربطه ببعض الشّحصيّات والوجوه الكبيرة ، حسب كلام ( نينا ) ، من بينهم رئيس ديوان الوالي شخصيّا الذي يحمل الخاتم الرّسمي وبيده الحل والرّبط.  لذلك حرستْ البنت على الذّهاب إليه حتّى أتعرّف عليه ، وقالت لي إنه : " يستيطع منحنا شقّة بوسط المدينة ". جازمة .

رحنا نهرول تارة ونتوقّف مرّة على مرّة ، وهي ممسكة بي لا تفلتني من يدها، وبيدها الأخرى حقيبة اليد التي بدأت تفشي بعض أسرارها على ما يبدو ، إلى أن عثرنا على المكان المكتوب في القصاصة التي تحمل رقم الهاتف والعنوان ، وبتوجيه من المارّة أدركنا المبنى . 

حين وصلنا إلى الباب أردت الولوج معها فلم يُسمح لي ،  وبقيتُ وحدي في الخارج " كالصّبي " ، أنتظر حتّى تعود من عند سي ( منير ) ؛ هذا الذي لا يعدو أن يكون سوى واحد من تلك الكلاب التي توظّفها الذّئاب البشرية في جلب واختيار ضحاياها .   
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف