الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كرنفال المدينة؟ أيّ كرنفال وأيّ مدينة؟ بقلم:عبدالله دعيس

تاريخ النشر : 2019-08-01
عبدالله دعيس:
كرنفال المدينة؟ أيّ كرنفال وأيّ مدينة؟
عندما تُطلق الكاتبة نزهة الرّملاوي كلمة المدينة في روايتها "كرنفال المدينة" الصّادرة عام 2019 عن دار الجندي في القدس، فهي حتما تقصد القدس، تلك المدينة التي تسكن قلبها، وتنسج عنها الحكايات، وتكتب فيها خواطرها وأشواقها، وقد تجلّى هذا في كتابها السابق عشّاق المدينة. ومن يعرف الكاتبة، يعلم أنّ القدس تعيش في قلبها وتسكن روحها. إنّها القدس، سيراها القارئ بؤرة للكون تطلّ من غلاف الكتاب بقبّتها الذّهبيّة، وسيعيش القارئ بهجتها وحزنها، خلال الصّفحات ومع تتابع أحداث الرّواية.
قد يتساءل أحدهم: وأيّ كرنفال هذا في مدينة منكوبة؟ ومَن غير القدس يشعل أنوار الأعياد؟ وأيّ مدينة غير القدس يُحتفى بها في الأرض والسّماء؟ أليست هي مدينة الأنبياء ومدينة الشّهداء؟ وقد يتساءل آخر، وهل يشعر الأسير ببهجة العيد؟ فالأسير وإنّ كبّلت أطرافه وأوصدت عليه الأبواب، فإنّ روحه تنطلق لتحتفل بأعياد سماويّة، تفتح أمام ناظريه دروبا ورحابا واسعة، فإن كبّل الظالم جسده، فروحه لا تخضع للقيود. وكذلك القدس، وإن خنقها جدار الفصل، وكبّلت أطرافها الحواجز والبوّابات، وقهرت أبناءها بنادق الموت التي يمتشقها الغزاة، إلّا أنّ أبناءها يرسمون كلّ يوم لوحة جديدة للمجد في سمائها، ويقهرون أصوات البنادق لترتفع أصواتهم بالزغاريد، فترتدّ رصاصات الحقد غمّا في قلوب أعدائهم.
تَرقب الكاتبة ما يدور خلف حاجز قلنديا العسكريّ بعين الأسى، وتنقبض روحها ألما ككلّ من يمرّ بذاك المكان المفعم بالقهر والتّنكيل اليوميّ، لأهل المدينة المضطرين للانتقال عبره. لكنها ترى الناس والأحداث والأشياء بعين الكاتب، فلا تكتفي بسرد ما ترى، بل تغوص في أعماق الأشخاص الذين نراهم دائما هناك، وتنسج لكل واحد منهم حكاية، وتنقلنا إلى عالم آخر أتى منه هؤلاء، فهم ليسوا جزءا من الحاجز، بل بشر من لحم ودم، لهم عشقهم وأشواقهم وهمّهم ويحملون فوق كلّ ذلك همّ المدينة المكلومة. فاستطاعت الكاتبة أن تحوّل مشهدا مأساويّا إلى مسرح نابض بالحياة، وأن ترسم بقلمها قصصا وحكايات لشخصيات نمّر عليها دون أن نعيرها اهتماما، لتضعها في قالب إنسانيّ، وتعبّر عن ألم الإنسان الفلسطينيّ تحت الاحتلال من خلالها.
وفي القسم الثاني من الرّواية، تصطحب الكاتبة القارئ عبر أحياء القدس وأزقّتها، وتحشد الأحداث التي دارت في المدينة في الأعوام الماضية، لنراها متتابعة، وكأنّها تحصل أمام أعيننا في يوم وليلة. وتركّز الكاتبة على عدّة قضايا تقلق المقدسيّين، أهمها: فصل العائلات عن بعضها بسبب الجدار، وحرمان من يقطنون خارج الجدار من زيارة مدينتهم، والمعاناة والإذلال على حواجز العدو التي تفتقد لكلّ معاني الإنسانيّة والرحمة، والأسرى في سجون الاحتلال، واستهداف الشبّان والشّابّات وقتلهم بدم بارد، وسيطرة المستوطنين على البيوت وتسريب بعضها بطرق مشبوهة، وبناء المستوطنات، وغير ذلك من صنوف العذاب التي يوقعها المحتلّ بأهالي المدينة.
استطاعت الكاتبة أن تأخذ القارئ إلى الأجواء التي يعيشها المقدسيّون وتحمّله همومهم وأوجاعهم، دون أن تجرّدهم من إنسانيّتهم، فأظهرتهم بصورة من يحبّ الحياة ولا يدع الموت والظلم يزاحمه عليها، فتنطلق أفراحهم ومهرجاناتهم من رحم هذه المعاناة وفي أوجها.
استخدمت الكاتبة لغة أدبيّة بديعة، فابتعدت عن المباشرة، مع أنّ موضوع روايتها وتتابع الأحداث قد يسوق الكاتب إلى أسلوب التقرير الصحفيّ، إلا أنها كانت قادرة على النأي بنفسها عن ذلك، عن طريق الأسلوب الإنشائي واستخدام المحسّنات البديعيّة والصور. لكنّها بالغت أحيانا في ذلك، فبدت بعض التشبيهات والصور متكلّفة واضحة الصنعة. والرواية رغم قوّة لغتها ورزانتها وقدرة الكاتبة على التّعبير السليم، إلا أنها تزخر بالأخطاء اللغوية التي كان من الممكن تلافيها بقليل من المراجعة والتدبّر.
تدور الرّواية حول شخصيّة رئيسيّة واحدة، وهي شخصية تامر، بائع الوسائد على حاجز قلنديا، الذي استطاع تخطّي الجدار والانطلاق في رحلة بحث ملحميّة عن جذوره داخل مدينته التي عاش على أطرافها، ولم يستطع الوصول إليها من قبل. لكنّ الكاتبة تُدخل عددا كبيرا من الشّخصيّات الثّانويّة، وتعطيها أسماء، دون مقدمات، وبشكل مربك لا داعي له، ففي كلّ مكان يرتاده تامر، تظهر شخصيّات جديدة، ثم تختفي هذه الشخصيات بسرعة، ممّا يزيد في إرباك القارئ وحيرته. وعندما تُنطق الشخصيات في حوارها، تعكس شخصيّة الكاتبة وآراءها ولغتها، فنرى بائع الوسائد الغرّ الذي لم ينه دراسته ينطق بما لا يستطيعه المثقّفون.
وتبدع الكاتبة في تصوير المشاهد، فمن يقرأ الأحداث التي سردتها وما دار خلف حاجز قلنديا، يرى صورة حيّة تعجّ بالحركة والألوان والأصوات. فهي ترسم لوحة إنسانيّة جميلة مفعمة بالمشاعر والأحاسيس، بلغة جميلة تقود القارئ إلى ذاك العالم ليراه بعين أخرى، ويحسّ بما يدور فيه بكلّ مشاعره. ثمّ تقود القارئ في رحلة داخل المدينة، فتصوّر المدينة: ليلها ونهارها، فرحها وحزنها وانكسارها، بريشة فنّان حاذق عارف لدروب المدينة وأسواقها وأزقّتها.
لكنّ الكاتبة وهي تريد أنّ تظهر كلّ ما يحدث في المدينة، تزجّ بالكثير من الأحداث، والتي حدثت في أشهر وربما في سنوات متباعدة، تباعا، فتحصل في يوم وليلة أو عدة أيام. فالطفل الذي يخطفه المستوطنون ويحرقونه، والشبّان الذين يقتلون بدعوى محاولة طعن المستوطنين، إلى تسريبب العقارات، إلى وضع البوابات الإلكترونية على بوابات الأقصى وإزالتها، ونقل السفارة الامريكيّة إلى القدس وغيرها. كل هذه الأحداث تحدث أمام ناظري تامر في رحلته القصيرة في القدس. لم يكن هذه السّرد واقعيّا، وكان متسارع الوتيرة ثقيلا على قلب القارئ وأعصابه.
ويعيش القارئ مع الشخصيات بكليّتة، ويشعر بأحاسيسها، ويتألّم بألمها، ويتأوّه مع المدينة المكلومة، لكنّ الشخصيات نفسها لم تستطع الإفصاح عن مكنونات نفوسها في حوار داخلي، ربما بسبب تسارع الأحداث وتتابعها.
لا شكّ أنّ الكاتبة خبيرة في أحياء القدس وأماكنها، ووصفتها أيّما وصف، لكنّها رغم ذلك وقعت في بعض الأخطاء: فقبّة السلسلة مثلا هي شرقي قبة الصخرة، وليست داخل باب السلسلة كما ذكرت الكاتبة ص 141، وحيّ الأشقريّة هو أحد الأحياء الحديثة في بيت حنينا، وليس حيّا مسلوبا مثل الطالبيّة وحارة الشرف كما ذكرت الكاتبة ص 38.
أمّا زمن الرواية فهو غير واضح المعالم، فقد حشرت أحداث عدّة سنوات في أيام، وجمعت المشمش والعنب في موسم واحد، وأعياد المسلمين والمسيحيّن في وقت واحد، وجعلت الطلبة يذهبون إلى المدارس في تمّوز، وكذلك جعلت رأس السّنة الهجرية في تمّوز، مع أنّ هذا لم يحدث منذ عام 1990.
استطاعت الكاتبة بحقّ أن تصنع كرنفالا صاخبا، أضاء سماء القدس، وأخذ القارئ في رحلة علوية في سماء المدينة، وهبط به ليتجوّل في أحيائها، ثمّ عاد لينظر لمشهد البشر المتدافعين على حاجز قلنديا نظرة أخرى مغايرة، فكلّ منهم يحمل حكاية، وكلّ منهم يحمل هموم الوطن، وكلّ منهم يحمل ذكريات أرض ودار سلبت منه عنوة، وحلم لمستقبل يتفّس فيه نسيم الحريّة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف