كؤوس الفواجع
فوضى عارمة, الكثير من الثياب المبعثرة في الأرجاء, أصابع التبغِ المستهلكة جزئياً و العديد من الكؤوس الفارغة, رائحة الثملِ عبقت بالمنزل, قطرات الماء التي تتساقط ببطىء من الصنبور صنعت إيقاعاً ملائماً للمشهد.
بعد رحلةٍ طويلةٍ من الترنح أخيراً وصل للكرسي, رفع رأسه المثقل بالهموم و حرك كرتا عينيه المحمومتين ثمّ نظر للساعة, و كأنّه ينظر من منخلٍ لم يستطع رؤية عقاربها لتنتهي محاولته البائسة بغفوةٍ بسيطة.
لم تكن مرته الأولى التي يثمل فيها و لكنها الأشد, اليوم تركته زوجه , لم يكن الأمر مستغرباً فقد هددته بذلك من سنةٍ و نيف عندما خسر عمله و استعاض عنه بتجارةٍ للممنوعات و لكن كما نعلم جميعاً توقع الفاجعة لا يُنقص من ألمها.
بعد دقائقَ معدوداتٍ صحا من غفوته, نهض بصعوبةٍ يمنةً و يسرةً كان يترنح باتجاه باب المنزل, اعتصر قبضته بيده, ثمّ نأى دون أن يُغلِقه خلفه.
مضى يمشّط الشوارع بقدميه, تارةً تتسارع خطواته و أخرى تتباطأ, كانت أعراض الهلوسة باديةً عليه بوضوح, الأشياء من حوله تتهامس لتصنع صريراً يصم الأذنين, ها هو عامود الإنارة يستهزئ به و مرآة السيارة تستتر و كأنها خجلة من انطباع صورته عليها, أما حواف الرصيف فكانت تبتعد مزدريةً رائحته.
الواحدة بعد منتصف الليل, في مثل هذا التوقيت كلٌ يرى حقيقته, هكذا يُقال.
لقد مشى ألفيّ متر دون أن يشعر, لمح بطرف عينيه الغابةً الكثيفة, دون تردد أسرع ماضياً تجاهها, على الرغم من حلكتها و الرعب الذي يدور حول سمعتها في المدينة إلا أنّه ولجها.
بدأت خطواته تتباطئ على عكس ضربات قلبه, أغصان الشجر تصنع خيالاتٍ مخيفة, الأوراق من تحت قدميه تتكسر لتضفي على قلبه رعباً إضافياً و لسوء حظه نهام البوم لم يكن غائباً عن المشهد.
بدأ فمه يجف كورقة شجرٍ خريفية, نظر بعينيه المتعبتين يلتمس بئراً ما, بعد عشرات الأمتارٍ من المشي وجد بحيرةً متوهجة, اقترب منها, أخفض جسده ثم اغترف من مائها ليروي جوفه و بعد أن انتهى همّ ليعود أدراجه, و إذ به يسمع صوتاً مبهماً , ارتعد خوفاً ثمّ نظر من حوله, و إذ بكائنٍ مخيفٍ ينظر إليه, عيناه جاحظتان و فمه كبير يصلح لمخبأ, أسنانه صفراء متباعدة, شارباه كثيفان عند كل انحناء يستريحان دون أن يكملا مسيرتهما, أنفه مفلطح متورم, وجهه احتضن الكثير من التجاعيد حتى يخيل لمن يراه أنّ عمره قارب ألفاً, حاجباه تسلقا حتى كادا أن يصلا لناصيته و كأنّهما يهربان. تحجرت قدماه من الرعب: أشبحٌ هو ؟ أم مخلوقٌ بحريٌ غريب؟ ظل على حاله مدة ساعة دون أن يحرك ساكناً كان يظن أنّها ساعة أجله لكن لم يتغير شيء فهو و الكائن في وضعيةٍ واحدة, قرر أخيراً أن يستجمع قواه و يهرب, أعاد قدمه للوراء قليلاً ففعل الكائن المثل, ابتعد أكثر فأكثر ليصبح بعيداً عنه و عن الغابة, حمد الله كثيراً فقد نجا بأعجوبة لكنه لم ينجو وحده بل ذاك الكائن أيضاً, مسكين لم يكن يعلم أنّه انعكاس صورته على البحيرة.
فوضى عارمة, الكثير من الثياب المبعثرة في الأرجاء, أصابع التبغِ المستهلكة جزئياً و العديد من الكؤوس الفارغة, رائحة الثملِ عبقت بالمنزل, قطرات الماء التي تتساقط ببطىء من الصنبور صنعت إيقاعاً ملائماً للمشهد.
بعد رحلةٍ طويلةٍ من الترنح أخيراً وصل للكرسي, رفع رأسه المثقل بالهموم و حرك كرتا عينيه المحمومتين ثمّ نظر للساعة, و كأنّه ينظر من منخلٍ لم يستطع رؤية عقاربها لتنتهي محاولته البائسة بغفوةٍ بسيطة.
لم تكن مرته الأولى التي يثمل فيها و لكنها الأشد, اليوم تركته زوجه , لم يكن الأمر مستغرباً فقد هددته بذلك من سنةٍ و نيف عندما خسر عمله و استعاض عنه بتجارةٍ للممنوعات و لكن كما نعلم جميعاً توقع الفاجعة لا يُنقص من ألمها.
بعد دقائقَ معدوداتٍ صحا من غفوته, نهض بصعوبةٍ يمنةً و يسرةً كان يترنح باتجاه باب المنزل, اعتصر قبضته بيده, ثمّ نأى دون أن يُغلِقه خلفه.
مضى يمشّط الشوارع بقدميه, تارةً تتسارع خطواته و أخرى تتباطأ, كانت أعراض الهلوسة باديةً عليه بوضوح, الأشياء من حوله تتهامس لتصنع صريراً يصم الأذنين, ها هو عامود الإنارة يستهزئ به و مرآة السيارة تستتر و كأنها خجلة من انطباع صورته عليها, أما حواف الرصيف فكانت تبتعد مزدريةً رائحته.
الواحدة بعد منتصف الليل, في مثل هذا التوقيت كلٌ يرى حقيقته, هكذا يُقال.
لقد مشى ألفيّ متر دون أن يشعر, لمح بطرف عينيه الغابةً الكثيفة, دون تردد أسرع ماضياً تجاهها, على الرغم من حلكتها و الرعب الذي يدور حول سمعتها في المدينة إلا أنّه ولجها.
بدأت خطواته تتباطئ على عكس ضربات قلبه, أغصان الشجر تصنع خيالاتٍ مخيفة, الأوراق من تحت قدميه تتكسر لتضفي على قلبه رعباً إضافياً و لسوء حظه نهام البوم لم يكن غائباً عن المشهد.
بدأ فمه يجف كورقة شجرٍ خريفية, نظر بعينيه المتعبتين يلتمس بئراً ما, بعد عشرات الأمتارٍ من المشي وجد بحيرةً متوهجة, اقترب منها, أخفض جسده ثم اغترف من مائها ليروي جوفه و بعد أن انتهى همّ ليعود أدراجه, و إذ به يسمع صوتاً مبهماً , ارتعد خوفاً ثمّ نظر من حوله, و إذ بكائنٍ مخيفٍ ينظر إليه, عيناه جاحظتان و فمه كبير يصلح لمخبأ, أسنانه صفراء متباعدة, شارباه كثيفان عند كل انحناء يستريحان دون أن يكملا مسيرتهما, أنفه مفلطح متورم, وجهه احتضن الكثير من التجاعيد حتى يخيل لمن يراه أنّ عمره قارب ألفاً, حاجباه تسلقا حتى كادا أن يصلا لناصيته و كأنّهما يهربان. تحجرت قدماه من الرعب: أشبحٌ هو ؟ أم مخلوقٌ بحريٌ غريب؟ ظل على حاله مدة ساعة دون أن يحرك ساكناً كان يظن أنّها ساعة أجله لكن لم يتغير شيء فهو و الكائن في وضعيةٍ واحدة, قرر أخيراً أن يستجمع قواه و يهرب, أعاد قدمه للوراء قليلاً ففعل الكائن المثل, ابتعد أكثر فأكثر ليصبح بعيداً عنه و عن الغابة, حمد الله كثيراً فقد نجا بأعجوبة لكنه لم ينجو وحده بل ذاك الكائن أيضاً, مسكين لم يكن يعلم أنّه انعكاس صورته على البحيرة.