الأخبار
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نظرة إلى "السوشيال ميديا".. الإيجابيات تفوق المساوئ!بقلم:حامد عبد الرحمن بدر

تاريخ النشر : 2019-07-30
هل سألت نفسك يومًا ما لماذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي؟، ثم هل سألت لماذا صارت السوشيال ميديا مصدرًا من مصادر القلق التي تنتفض لأجلها المؤسسات والمجتمعات لمواجهتها والوقوف موقف المحارب أحيانًا لها؟، ثم هل أعدت البصر كرتين لتنجلي لك إجابة ترمز في فحواها إلى أن الاتصال مجال أصله التطور؟..

لقد كان الاتصال في بادئ الحياة عفويًا لا يحتاج إلى ذلك الكم من الإشارات والرموز والتقنيات والالياف الضوئية من أجل التعارف، إذ أنا لإنسان الأول حاول التعرف على الآخر وإنشاء علاقات اجتماعية، وتكوين طابع أسري له، بل إن شواهد التاريخ وعلماء الآثاء أكدوا بأنه حتى في العصر الحجري حاول الإنسانان يستخدم ادوات تعينه على الحياة، مما يعني أن قدراته الإدراكية كانت على مسوى ممتاز، وليست الشكل الهمجي الذي قد يتصوره البعض.. لقد كان اتصالاً حاول فيه بالهمهمات والأصوات والنداءات أن يكون له رمزًا ذات هوية تمكنه من استكمال احدى ضروريات الحياة ألا وهي التخاطب.
حتى ما إن كانت الحضارة فصارت لغة ذات أصول وقواعد، تنبني من أجل أن تكتمل ليكون العلم الذي يترسخ للتطوير، ومن ثمّ نهضة تعلو وتستمر، فعرف من بعدها الأسرة، والمجتمع، والدولة، والحدود، .. وغيرها.

لكن الحياة لم تقف عند هذا، فكون الإنسان كائنًا باحثًا بالسليقة، وكونه اجتماعيًا بطبيعته، إلا ما كان دون ذلك من حالات غير مألوفة أو مرضية، جعلته يمارس الاتصالية بحسه وجوارحه، ولما لا؟، فهل لا يُعد صراخ الطفل لأمه واحتضانه إياها ممارسة فطرية للاتصال، جاءت إليه من لدن الخالق؟، وهلا لا يعتبر حنين الحليل لحليلته هو الآخر اتصالاً؟، بل الأكثر من هذا ألم يكن رغبة الإنسان في مناجاة ربه، وصالاً دائمًا لا يريده أن ينقطع؟. لقد تطورت الحياة، ليصل الإنسان إلى بُغيته، من خلال الرسائل الشفهية التي كان ينقلها العدَّاؤون، ثم إشعال النار وقرع الطبول، حتى صارت الرسوم والصور المنحوتة على الجدران، لتتكون الأداة الإعلامية بكل سلاسة وبساطة وانسيابية يتقبلها المجتمع، وليس هذا فحسب بل يتوارثهال الأجيال؟
مرت العهود فابتكر العالم آلية الصحافة، ثم الراديو، ثم السنيما، ثم التلفاز، حتى صارت الفضائيات، وكلما زاد التطر زاد الجمهور، وكلما تنوع صار الجمهورنوعيًا، وصارت اذواقهم تحاصر هذه الوسائل من كل حدب، فتحاصرها الاخيرة يكل جديد يعجبهم وأكثر مما يتمنوه، فانبثقت المقالات والرسائل العلمية والتجارب، تُجرى لمتابعة كل جديد عن هذه الطفرات الاتصالية، التي توالت عبر ثلاثة قرون.

دعني أعود بك عزيزي القارئ إلى لُبِّ الموضوع، مواقع السوشيال ميديا، والتي صارت حديث الناس، وصار فيها أيضًا حديث الناس وأخبارهم، لتجمع الكلمات والصور والرموز "إيموشن emotion"، لتتفوق على كل وسائل الاتصال والإعلام الرسمية منها وغير المُعترف بها، لتصير ذاتها موضوعًا يتمحور حوله حراكات االمجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك حسب ما قرر الناس استخدامهم إياه، فوظف المستخدمون هذه الآلية من أجل ما كان يطلبه المجتمع.
لقد ساعدت مواقع السوشيال ميديا الإنسان على إنشاء علاقات لم يكن لينشئها، وهو في سكونه المكاني، كما ساعدته على التعرف على كل جديد من شتى أنواع المعرفة، صارت بوابات لوسائل الإعلام المختلفة، صارت حافزًا لابتكار آليات جديدة للتسويق، أنتجت لنا في عقدين أفكارًا وقدمت لنا مواهب ومبدعين في شتى المجالات، لم تكن وسائل الإعلام اتسلط عليها الأضواء، أو تاح لأصحابها فرصة الجلوس أمام المايكروفون.

ثم دعني أذكّرك عزيزي القارئ بأن السوشيال ميديا خلقت جيلاً مختلفًا له وجهة نظر مختلفة وأنتجت تباينًا لم يختلف الكثير على صحة هذا التباين، وقربت أجيالاً، عبر ساحاتها الافتراضية، فتلاقت أفكارهم، ليصير كل منهما في مواجهة الآخر، حتى وإن لم يكن الاقتناع، في ذات الحال لم تستطع الوسائل التقليدية التي تتمع بالرسمية والاعتراف أن تخلق تلامسًا تلقائيًا كهذا بين الفِكر أو توفر له مساحة حرّة، لما تعانيه من إشكاليات الرقابة. لقد نجحت هذه المواقع في خلق ما يمكن أن نسميه إن جاز التعبير "بَحبُوحةٍ اتصالية ومعرفية" لا يمكن إنكارها.
أصبحت اليوم تعترف به الدساتير وتُصاغ من أجله القوانين والتشريعات، بُغية الحد من مشكلاته وسلبياته التي تراست قائمته الكثير من الزيف وإساءة الاستخدام، أو الإفصاح عن سلوكيات غير سوية، أو إفزاع الناس بإرهاب إلكتروني لا يختلف عن إرهاب الواقع، كلها مشكلات تسبب فيها المستخدمون (الإنسان) في المقام الأول. لقد صارت تتمتع هذه المواقع اليوم بالرسمية، لأنها وصلت إلى قمة نضوجها التكنولوجي، الذي قدّم ببساطة الرفاهية المعلوماتية التي سعى لها الإنسان منذ فجر التاريخ.
وإن اعترت حتى هذه الوسائل بعضًا من الكبوات، والمساوئ، فلماذا لا نذكر قول أبو البقاء الرندي في رائعته "مرثية الاندلس" .. "لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ" ، ونذكر أن القمم لم تدم طويلاً، حتى الإمبراطويات لم تعش أبد الآبدين، فحتى المجتمعات الواقعية تذهب إلى الفناء وتتخذ مسلك الانحدار بالتدريج، بمجرد الوصول إلى القمة.. وهذا حكم الطبيعة الإنسانية وكل ما يتصل بها.

ــــــــــــــــــ
ملحوظة:كلمة "بُحبُوحَة" تعني في اللغة العربية السعة والوفرة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف