الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"إليك قديستي" رواية أخلاقية للدكتورة زهيرة نغم بقلم:صبحي فحماوي

تاريخ النشر : 2019-07-29
"إليك قديستي" رواية أخلاقية  للدكتورة زهيرة نغم بقلم:صبحي فحماوي
"جامعة شعيب الدكالي- مدينة الجديدة- المغرب."

صبحي فحماوي

التقيتها مشارِكة في المؤتمر الدولي الثالث للرواية العربية، في جامعة شعيب الدكالي في مدينة الجديدة..وجدتها إنسانة ذكية تعبر عن أفكارها الأخلاقية بكل طلاقة، فأهدتني رواية كانت معها، وهي بعنوان "إليك قديستي" قرأتها في يوم وليلة..نظراً لمغناطيس كان يشدني للاتصاق بأوراق الرواية، فلا أتركها إلا في الجلدة الأخيرة.  

وخلال قراءتي وجدت أن سارد الرواية رجل اسمه سمير، قد تكون الروائية وظفته في هذه الصفحات، لينطق من فمها، وينوب عنها في بث صورها وأفكارها  ولغتها الجميلة، نظراً لكون المثل يقول: ( السارد في حق نفسه ضعيف)..ولهذا فهي أنابت  شخصا آخر ليسرد كلماتها، ويبث أفكارها.  وتقول مُراجِعة الرواية الدكتورة نزهة بوعياد أنها الرواية الأولى للروائية الدكتورة زهيرة نغم، وصادرة في طبعتها الأولى 2018 عن دار عين الشق في الدار البيضاء.وتقع في 348 صفحة قطع متوسط.

وفي هذه الرواية تقرأ قصصا كثيرة متلاحقة متضادة مختلفة الطروحات والتصورات والأهداف..فمن قصة لفتاة حافظت على شخصيتها، وتابعت نجاحاتها من المدرسة وحتى الزواج والعمل وسعدت بزوجها وأولادها، إلى قصة فتاة جميلة تكاثر حولها الصيادون الشباب، فوقعت بيد أحدهم ثم تكاثر حولها الذباب، لتصل في احدى الصفحات، وكأنها تكتب للجيل الجديد من الشابات فتصور أفكار امرأة ذات رؤية عميقة، بقولها[1]: فقد صرفت بناتها عن فكرة الزواج المبكر، وأن أيما فتاة ترى سترها في زواجها، تنكشف وتفضح، وأن الأنثى القدوة بالنسبة إليها هي التي تصنع مستقبلها، وتثبت حضورها، وتجسد وجودها، وتقوي كيانها، فلا تكون عالة على الرجل، أو غرضاً من أغراضه، يعبث بها ما شاء من اشهر  او سنين، ثم يرميها رمية الكلاب، عرضة للضياع..متى ما أراد أن يبدلها بغيرها، أو ينكل بها، أو يرضي أمه وذويه في إذلالها"..هو مجرد تحذير من روائية  قديرة، وأستاذة دكتورة ناقدة، وأم لأطفال تحرص في تربيتهم.. ولو أنه تحذير من سلوك، ليس بالضروروة واقع في كل الأحيان.

وهذا ملمح من ملامح الحداثة في الرواية العربية..فالروائية زهيرة نغم تسرد وكأنها شهرزاد  في ألف ليلة وليلة، تقص على شهريار كل ليلة، قصة،  كي تخدر أظافره الجارحة، فيبقى بحاجة لها ، لا يقتلها، انتظاراً  لسماع القصة التي تليها..

وقبل الدخول في تفاصيل  سردية الرواية، أقول أن رواية "ألف ليلة وليلة" نعم هي( رواية)، وليست مجرد كتاب..وهي حداثية رغم كونها  ينبوع السرد الروائي العربي والمفجر لفن الرواية العالمي الذي ساقته امرأة، هي شهرزاد..ويفخر السرد  العربي  بأن امرأة عربية اسمها شهرزاد وليست رجلاً، هي التي حملت مشعل السرد الروائي، وأضاءت العالم كله بروايتها التي تحمل أسلوب (الجذور) و(الحداثة) معاً... وذلك لأن شهرزاد التي رأت تقلب وجه أبيها في الأرض، لأنه لم يعد يجد فتيات في المملكة يقدمهن للملك شهريار، فخاف على كيانه، فقالت لأبيها:

 "ما رأيك يا أبي أن تزوجني إياه، فإما أن أكون فداء لبنات جنسي ، وإما أن أكون فداء لك" وانتهت الرواية الكبيرة، الفريدة من نوعها حتى اليوم، بكونها ولدت منه ثلاثة أولاد..وفي داخل الرواية أنت  تقرأ  قصصا مختلفة مهولة..

ومنذ بداية قراءة رواية "إليك قديستي" يلمح  السارد امرأة عجوزاً تعبر الطريق وهي تحمل كيسا شمعياً تلم به ثلة أغراض..تظهر منه صورة فتاة حسناء، فتصل إلى حديقة غناء تجلس تستريح فيها. يقول السارد سمير : "شعرت بفضولي للتعرف عليها، فدعتني للجلوس قريبا منها. وهناك راحت تحدثني عن حالها، وتعطيني بعض الحكم والنصائح التي تعبر عن خبرتها بالحياة؛ مرها وحلوها.. كلمات  أطربتني كثيراً..حتى خلت أن هناك علاقة تربط بيننا في المجهول.." [2]

 وهذه الجملة التي تفيد باحتمال وجود علاقة بين الرجل والمرأة العجوز تشد القارىء من أول الرواية فتجعله يتابع قراءة الرواية، ليعرف ما هي هذه العلاقة...هذه الدراماتيكية الجاذبة تعطي روحا للرواية، فتصبح شخصياتها أمامك حية تسعى. ولا شك أن الشد والتوتر  الذي تحدثه الدراما في السرد الروائي هو الذي يشد القارىء، ويجعله مأسوراً لمتابعة متعة القراءة. ذلك ما فعلته الروائية.

ومن مميزات رواية زهيرة نغم ، أنها لتدعيم فكرتها في كل مرّة، وتعزيز تدافع سردها، تستشهد بمقولة مفكر من الغرب.. إذ يقول كارل يونج"لا يمكنك العودة إلى وعيد بدون ألم.".. فنشعر هنا بمعاناة وألم متبادل بين الرجل والعجوز، اللذين جلسا ليستمع الرجل للمرأة وهي تسرد قصتها.. وفي صفحات عديدة نجد استشهادات مشابهة، كقصيدة لأحمد شوقي[3] ، تحض على الأخلاق، وعلى قول نيتشة [4]: "لم يتولد عن العقل خلال الأزمان الهائلة الماضية سوى الأخطاء، وهذه الأخطاء تبث قدرته على حفظ النوع."..فالرواية غاصة بكثير من قصص الخطيئة، التي لا يمكن  عرضها في هذه العجالة، ولكننا نجد الرواية مفعمة بمثل هذه الأقوال..مما يعزز الفائدة الأخلاقية المرجوة منها، رغم أن كثرة الحِكَم، قد تُضعف درامية السرد.

هذه الرواية مبنية على التذكر، إذ يقول السارد: "أن التذكر بقدر ما هو نعمة، هو في حد ذاته نقمة.."[5] وبالفعل فإن اسم الإنسان، يقال أنه من النسيان، إذ أننا لو لم ننس معظم الماضي، لمتنا في ريعان الشباب..لأن الأعباء ثقيلة...ولكن الذكريات تستعيد الماضي فتطيل أعمارنا، وتكسبنا شيئاً من القيمة، وتقدم الخبرة للأجيال الصاعدة، والتسلية للأجيال المنتهية صلاحيتها. تغادر العجوز فتنتهي العلاقة.

وكي تشبكك الروائية فتشدك للدخول من باب إلى الباب التالي في الرواية، يقول السارد سمير أن قلق أمه على غياب ابنتها، جعله يتذكر ما حدث لابنة حيهم "ضحى".[6] فهي فتاة فائقة الجمال ، ومتفوقة الدراسة بين بنات حيها،  راح يحدثها في الطريق ، فيكتشف أنها ذات شخصية قوية واثقة من نفسها،  لدرجة أن الشاب الصعلوك سمير الذي كان يغار من تفوق شخصية ابنة حارتهم، وأنها لا تُخترق، استطاع بحديثه الناعم أن يجالسها ويقدم لها مشروبا فيه أقراص هلوسة، جعلها تنهار أمام شروره الجنسية، فحملت الطالبة ضحى منه في تلك الليلة، وكبر بطنها، مما صدم الأم بهذا الحمل الحرام، الذي لم يكن متوقعاً، فاضطرت ضحى - قوية الشخصية- للانتحار لتوقف عارها الاجتماعي.

يُقدِّم السارد سمير[7]  أفكاره الحقيرة وهو يُحقر نفسه معترفاً أنه كان السبب في قتل تلك الصبية الطاهرة: "الأنثى يا صاحبي ليست إلا قنبلة موقوتة للانفجار في كل آن، أما أنا فرجل أنقطع عن دراستي ، أو أتشرد في الشوارع لا يهم، لأنني في نهاية المطاف رجل قادر على تدبير أموري، أما هي فستصبح ممراً مُعبّداً للمنحرفين...

وفي (صفحة 45) تقول الروائية الراقية، زهيرة نغم بلسان السارد الحقير سمير: " إن الجوهر الخفي لبؤس وهلاك أيما أنثى آت من إحدى بنات جنسها..إذ يظل العدو اللدود للأنثى أنثى، حتى وإن كان الذكر هو الفاعل المباشر، فالمحرض المدبِّر يبقى أنثى". لا أعرف الحقيقة...والروائية المعلمة الجامعية تعرف أكثر مني ، من هو السبب؟ ولو أنني أعتقد أن الظروف غير الموضوعية هي السبب، لا الرجل، ولا المرأة.

وفي نهاية الباب الثاني من الرواية  يشبكنا السارد  دراماتيكيا بقوله، أن مأساة ضحى أدت إلى ضياع أختها سلوى التي يصور سلوكها في الباب 3 ، ويضطرنا للسير في ركاب الرواية، فنجد أنها بعد وفاة أختها، انقطعت عن الدراسة، وتعاطت الدعارة، وتناولت المخدرات..إذ "استغلت تلك الساقطة بديعة بنت الحي المجاور الوضع النفسي والأسري لسلوى، التي تشرذم كيانها وتجهم واقعها"[8]

يقول السارد سمير:"وهذا هو سر تحذيرات أمي المستمرة لي بالالتفات إلى أختي صديقة، ومراقبة تحركاتها.."[9]. إذ تقول أم سمير  لابنتها [10]: "الفتاة لا تصلح إلا لبيتها، وخدمة زوجها الذي سيتابع بدوره حراستها والسهر على صيانتها من الضياع..والأفضل للنساء أن يلزمن جحورهن.." ويتابع قوله: "وقد يسري هذا على أغلب علاقات نسوة حينا ببناتهن في تلك الآونة." [11].

وكأن  الروائية تريد أن تقول أن كثرة الحرص على البنات، إنما تقلب المعادلة، وتعقد البنت، فالحرية مع التوجيه المعنوي هي السبيل الصحيح للحياة...ذلك لأنها تكتب كلمة (جحورهن) بدل كلمة بيوتهن..وفي هذا تشديد وتحقير للفتاة لا تريده الروائية رغم كونها محافظة.

وفي الرواية بلاغة في اللغة تشد القارىء وتجعله ينفعل بقراءتها..إذ تقول د. زهيرة نغم [12]: " وهكذا فغرت فوهة الضياع والدعارة مصراعيها أمام سلوى" بدل أن تقول: " فتحت دار البغاء أبوابها"..إن الروائية تقصد قذف هذه الكلمات القاسية، المعبرة عن شدة خطورة الموقف الذي قد يؤدي إلى دمار البنت المنقلبة أخلاقياً.

ويضيف الحقير سمير ..أقول حقير، لأنه هو يقول عن نفسه ذلك..سارداً قصة بنت اسمها نهى "تلبس ثياباً، فاخرة وتضع جواهر ثمينة ونظارات ساحرة، وتشتري ادوات دراسية مميزة وحلويات رائقة، ذلك لأن والدها من كبار رجال مدينتهم"[13] هذه الفتاة أحبت مراد وأرادت إرضاءه وإسعاده، فضاع مرادها، وتهشم طموحها، وغدت؛ لا نهى ، ولا مراد.[14]

وهكذا تستمر الرواية  التي رسمتها الروائية زهيرة نغم بتأنٍ، على شكل ثوب عربي مغربي مطرز بالقضايا التي تواجهها المرأة المغربية والعربية عموما، والنصائح التي توجهها الأمهات المربيات الخائفات على نسلهن من  العقبات التي قد تواجههن...يجملها السارد سمير بقوله[15]: "للأسف الشديد، تصرفت الأسرة بكامل الاستهتار، إزاء ما وقع لابنتهم، فالأم تولول وتشيع الخبر وتفضح فلذتها..ماذا جنت غير خرابها وضياع ابنتيها، الكبرى ضحى بالانتحار والصغرى سلوى  بالانتقام..أما الأب فلقد فر من مجتمعه بجبن وخنوع."

ولكن الروائية لم تقف عند حد وصف البريئات اللواتي قد يسقطن في شراك بعض التافهين المجرمين من الشباب، ولكنها تعرض قصصا كثيرة  مختلفة  السلوك في روايتها الأخلاقية هذه، وهي تذكر[16] قصة زوجة انتقلت حياتها من سكنى القصور إلى الجحور، بسبب قيام شاب مجرم، كانوا قد ربوه "لقيطاً" ورعاه زوجها، وشغله في تجارته الكبرى .. ولكنه كان لئيماً إذ خان سيده صاحب المتجر وورطه بصفقة تجارية جعلت شركته تنهار، فيصاب زوجها بالشلل بسبب تلك الصدمة... ولكن الزوجة  تلتجيء للعمل المضني بكل شرف، وتشتري شقة من مدخراتها من زوجها ورصيد عملها، وترعى طفليها الصغيرين إلى أن شبتا وتخرجا من الجامعة، وصارا طبيبين "؛ الدكتورة مروة تخصص أمراض نساء والدكتور مراد تخصص أمراض عقلية ونفسية.. ، وكانت الأم ترفض إغراءات ذلك الشاب الخسيس، وتتابع زوجها المشلول، إلى أن شفي، فعاد يعمل في السوق ويستعيد تحقيق النجاحات التجارية والاجتماعية  بمساعدة زوجته..

والروائية هنا ترسم لوحة امرأة قيادية، تعرف ما لها وما عليها. امرأة  تساعد زوجها، كما  يُتوقع من الزوج مساعدة زوجته...زوجان متكافئان.

وفي نهاية الرواية المليئة بالقصص التي لا مجال لذكرها ، يعترف السارد سمير أنه حقير وفاشل، وأنه أخطأ في حق ضحى وفي حقوق كثير من الأضاحي الأنثوية اللواتي صدمهن في طريقه..فراح بعد عمر طويل، قضاه في أعمال تشبه أعمال انقضاض الثعالب على بيوت الدجاج البلدي، فصار يقدم العظات للأخريات والآخرين، إذ يوضح أن الخطأ يقع من الجهتين، الأنثى سلوى التي اعتادت العري والعهر، ولم تعد تتحرج من عريها وإغراءاتها للشباب، مما يقض سكينة أي معتوه تافه، ينساق وراء القشور، وهنا نجده يقول نادماً :[17]" لكنني في كل الأحوال أظل شخصا مهما، لأنني رجل! لن يجلب العار لأحد، ولن يدمر كيان أسرته، حتى وإن كنت مدمراً، وحقيراً، وفاشلاً."

ولكن هذه الشخصية الحقيرة الفاشلة، إذ تفضح أعمالها الشريرة، إنما تعلم القارئات والقراء كيفية التصرف في  المواقف المختلفة وكيفية مواجهة الملمات.

[1] صفحة 133

[2] صفحة 69

[3] صفحة 68

[4] صفحة 69

[5] صفحة 25 

[6] ص.29

[7] (ص 42)

[8] صفحة51.

[9] ص. 53

[10]  صفحة 61

[11] ص.58

[12] في صفحة 61

[13] صفحة 73

[14] صفحة 82

[15]  صفحة 84

[16] في صفحة 97

[17] صفحة 70

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف