
الفلسطينيون وإضاعة الفرص!
سأبدأ مقالة اليوم على غير العاده بما قاله أبا أيبان اول وزير خارجىة لإسرائيل متهما القيادات الفلسطينية والعربية بأنهم لا تفوتهم الفرص لإضاعة الفرص، وهو نفسه الذى رفض سياسة التفاوض مع العرب قبل ان تحقق إسرائيل أهدافها، وبأول مؤتمر للحركة الصهيونية عام 1897 برئاسة هيرتزل والذى حدد الهدف بقيام وطن قومى لليهود في فلسطين، ووضع الآليات لتحقيق الهدف ،وكان له ما أراد, وأستبق وأقول ان أحد ألأسباب والأخطاء التي وقعنا فيها ، عدم قراءتنا للحركة الصهيونية قراءة تاريخية سياسية ، وقراءة في سياق موازين القوى العالمية والإقليمية . نعم النجاح يقابله الفشل. اليوم تذهب الكثير من الكتابات والتحليلات بعضها عن حسن نية وبعضها عن سؤ نية أن الفلسطينيين هم من أضاعوا الفرصة ، وهم من يتحملون المسؤولية , وانهم يفتقرون للرؤية الإستراتيجية المستقبلية. هذه الإتهامات لا يمكن فهمها إلا في سياقها الزمنى الذى تقال فيه، وفى سياق بيئتها السياسية ، وفى سياق من يتبناها. ويستعرض أنصار مسلسل التنازلات ومسلسل إضاعة الفرص منذ الثلاثينات من القرن الماضى حتى مع سلطة الإنتداب البريطانية وما كانت تطرحه من مقترحات تعمل لصالح تنفيذ برنامج بال وقيام إسرائيل الدولة ،مثل أطروحات التقسيم التي قدمتها لجنة بيل المكلية البريطانية ، ومقترحات الانتخابات التشريعية الواحده وصولا لقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 والذى منح اليهود دولة على مساحة 55 في المائة و45 في المائة للدولة العربية ، والقدس تحت الوصاية الدولية ،ونهاية بورشة البحرين التي رفض الفلسطينيون حضورها في سياق رفضهم لصفقة القرن. هنا أتذكر تفسير للأستاذ محمد حسنين هيكل متسائلا كيف يقبل الفلسطينيون بقرار الأمم المتحده المذكور وفقط 45فى المائة من مساحة فلسطين الإنتدابية وهم يملكون أكثر من تسعين في المائة من مساحة فلسطين، فكيف يمكن أن يقبلوا بهذا القرار. فأى فرص أضاعوها الفلسطينيون؟ حرب 1948 خسروا ما نسبته 25 من المساحة المقررة لدولتهم، هذا رغم انهم اليوم من يعلنون موافقتهم على دولة على مساحة 20 في المائة اى تنازلوا عن 25 في المائة من دولة الأمم المتحده، ومع ذلك الرفض يأتى دائما من إسرائيل. وماذا عن فرصة المبادرة العربية التي رفضتها إسرائيل ورفضها أخيرا جاريد كوتشنر في ورشة البحرين بشكل صريح.الفلسطينيون لم يرفضوا اى مبادره طرحت من أجل الوصول لحل سياسى تفاوضى ينتهى بقيام الدولة الفلسطينية. ولقد ابدوا الكثير من المرونة السياسية في مواقفهم . اليست أوسلو مثالا واضحا وصارخا على رغبة الفلسطينيين في الحل التفاوضى. لكن ليس معنى ذلك أنهم لم يسيئوا تقدير كثير من المواقف والفرص السياسية . وأعود بذاكرتى لمؤتمر مينا هاوس الذى دعا إليه الرئيس السادات ـ ووقتها لم تكن هناك مستوطنات في الآراضى الفلسطينية المحتلة ، وعلم فلسطين رفع على طاولة اللقاء، لكنهم رفضوا ، هنا يبدو لى أنهم قد أساءوا حسابات السياسة والقرار والمكان. واساءوا أيضا في حساباتهم السياسية فى مؤتمر أوسلو، ولم يحسنوا توظيف الأوراق السياسية التي كانت بيدهم مثل ورقة الإعتراف ، وكان يفترض ان يكون الإعتراف تبادليا، لكن يبدو لى وهنا الخطأ وإضاعة الفرص أنهم قد فاوضوا وهم اكثر ضعفا ، وخصوصا بعد غزو العراق للكويت ، وتراجع القضية الفلسطينية كأولوية سياسية عربيه عليا. ومنذ ذلك الوقت والبعد العربى في تراجع. وأساءوا أيضا في تقديراتهم السياسية على مدار أكثر من عقدين من التفاوض، ولم يحسنوا توظيف إيجابيات أوسلو على قلتها، لكن كان بمقدورهم تنميتها وتراكمها. فعلى الرغم من نهاية الاتفاق بخمس سنوات 1999كان يفترض أن يعيدوا تقييم ومراجعة سياساتهم بدلا من الإستمرار في التفاوض مراهنيين على قدرة الوسيط ألأمريكى ، وحسن النوايا أنهم في النهاية سينالون دولتهم، وفى السياسة المراهنات وحسن النوايا لا مكان لها. واساءوا في حساباتهم يالتحولات العربية وإمكانية التغيير في أنظمة الحكم العربية. وبدلا من أن يكونوا محركين للسياسات العربية والإقليمية تحولوا لأداة تنفيذ في حسابات الدول الأخرى. ولم يحسنوا فهم عملية التحولات في مفاهيم الأخطار التي تتهدد الأمن القومى العربى ، فظلت حساباتهم قائمه على ان الخطر الوحيد الثابت هو إسرائيل، ولم يدركوا التغير في مفاهيم هذا الخطر لتبرز اليوم إيران بالنسبة للعديد من الدول العربية. ولعل أخطر الحسابات السياسية ما آلت إليه الحالة الفلسطينية من إنقسام ليصبح لدينا مؤسستان لصنع القرارمتناقضتين ومتباعدتين.وبات القرار الفلسطينيى محكوما بما يراد له. أعود لموضوع إضاعة الفرص وما نسمعه اليوم من أراء وكتابات وأقلام ان الفلسطينيين قد أضاعو الكثير من الفرص، هذا ظلم للحقيقية ، ويحمل في طياته نوايا وأهدافا سياسية كارثية على مستقبل علاقة فلسطين بمكونها العربى ، فهو يعنى أولا التخلى عن القضية الفلسطينية ،وان مسؤولية الفشل يتحملها الفلسطينيون، وان إسرائيل لم تعد المسؤوله وهو ما يعنى لا مبرر لعدم تطبيع العلاقات معها ، ومعناة إجهاض المكون المجتمعى للقضية الفلسطينية ، وأقصد انه لم تعد قضية تعنى المواطن العربى ،وتعنى التحول في التصورات والمفاهيم السياسية التى تحكم السلوك والقرار السياسى عربيا. وأن القضية الفلسطينية مجرد نزاع بين الفلسطيينن والإسرائيليين على قضايا ومسائل ثنائيه ، وان إستمرار هذا الصراع لم يعد يؤثر على مجمل السياسة العربية . في هذا السياق يمكن فهم ماذا يعنى ان الفلسطينيين قد أضاعوا فرص السلام، وفرص ان تكون لديهم دولة متناسين جميعا ان هناك إحتلال إسرائيلى للأرض والشعب الفلسطينى ، وذا كان الفلسطينيون يتحملون المسؤولية عن قراراهم ، فلا يمكن قبول هذه الدعاوى إلا في إطار وسياق التخلص من القضية الفلسطينية .
دكتور ناجى صادق شراب
[email protected]
سأبدأ مقالة اليوم على غير العاده بما قاله أبا أيبان اول وزير خارجىة لإسرائيل متهما القيادات الفلسطينية والعربية بأنهم لا تفوتهم الفرص لإضاعة الفرص، وهو نفسه الذى رفض سياسة التفاوض مع العرب قبل ان تحقق إسرائيل أهدافها، وبأول مؤتمر للحركة الصهيونية عام 1897 برئاسة هيرتزل والذى حدد الهدف بقيام وطن قومى لليهود في فلسطين، ووضع الآليات لتحقيق الهدف ،وكان له ما أراد, وأستبق وأقول ان أحد ألأسباب والأخطاء التي وقعنا فيها ، عدم قراءتنا للحركة الصهيونية قراءة تاريخية سياسية ، وقراءة في سياق موازين القوى العالمية والإقليمية . نعم النجاح يقابله الفشل. اليوم تذهب الكثير من الكتابات والتحليلات بعضها عن حسن نية وبعضها عن سؤ نية أن الفلسطينيين هم من أضاعوا الفرصة ، وهم من يتحملون المسؤولية , وانهم يفتقرون للرؤية الإستراتيجية المستقبلية. هذه الإتهامات لا يمكن فهمها إلا في سياقها الزمنى الذى تقال فيه، وفى سياق بيئتها السياسية ، وفى سياق من يتبناها. ويستعرض أنصار مسلسل التنازلات ومسلسل إضاعة الفرص منذ الثلاثينات من القرن الماضى حتى مع سلطة الإنتداب البريطانية وما كانت تطرحه من مقترحات تعمل لصالح تنفيذ برنامج بال وقيام إسرائيل الدولة ،مثل أطروحات التقسيم التي قدمتها لجنة بيل المكلية البريطانية ، ومقترحات الانتخابات التشريعية الواحده وصولا لقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 والذى منح اليهود دولة على مساحة 55 في المائة و45 في المائة للدولة العربية ، والقدس تحت الوصاية الدولية ،ونهاية بورشة البحرين التي رفض الفلسطينيون حضورها في سياق رفضهم لصفقة القرن. هنا أتذكر تفسير للأستاذ محمد حسنين هيكل متسائلا كيف يقبل الفلسطينيون بقرار الأمم المتحده المذكور وفقط 45فى المائة من مساحة فلسطين الإنتدابية وهم يملكون أكثر من تسعين في المائة من مساحة فلسطين، فكيف يمكن أن يقبلوا بهذا القرار. فأى فرص أضاعوها الفلسطينيون؟ حرب 1948 خسروا ما نسبته 25 من المساحة المقررة لدولتهم، هذا رغم انهم اليوم من يعلنون موافقتهم على دولة على مساحة 20 في المائة اى تنازلوا عن 25 في المائة من دولة الأمم المتحده، ومع ذلك الرفض يأتى دائما من إسرائيل. وماذا عن فرصة المبادرة العربية التي رفضتها إسرائيل ورفضها أخيرا جاريد كوتشنر في ورشة البحرين بشكل صريح.الفلسطينيون لم يرفضوا اى مبادره طرحت من أجل الوصول لحل سياسى تفاوضى ينتهى بقيام الدولة الفلسطينية. ولقد ابدوا الكثير من المرونة السياسية في مواقفهم . اليست أوسلو مثالا واضحا وصارخا على رغبة الفلسطينيين في الحل التفاوضى. لكن ليس معنى ذلك أنهم لم يسيئوا تقدير كثير من المواقف والفرص السياسية . وأعود بذاكرتى لمؤتمر مينا هاوس الذى دعا إليه الرئيس السادات ـ ووقتها لم تكن هناك مستوطنات في الآراضى الفلسطينية المحتلة ، وعلم فلسطين رفع على طاولة اللقاء، لكنهم رفضوا ، هنا يبدو لى أنهم قد أساءوا حسابات السياسة والقرار والمكان. واساءوا أيضا في حساباتهم السياسية فى مؤتمر أوسلو، ولم يحسنوا توظيف الأوراق السياسية التي كانت بيدهم مثل ورقة الإعتراف ، وكان يفترض ان يكون الإعتراف تبادليا، لكن يبدو لى وهنا الخطأ وإضاعة الفرص أنهم قد فاوضوا وهم اكثر ضعفا ، وخصوصا بعد غزو العراق للكويت ، وتراجع القضية الفلسطينية كأولوية سياسية عربيه عليا. ومنذ ذلك الوقت والبعد العربى في تراجع. وأساءوا أيضا في تقديراتهم السياسية على مدار أكثر من عقدين من التفاوض، ولم يحسنوا توظيف إيجابيات أوسلو على قلتها، لكن كان بمقدورهم تنميتها وتراكمها. فعلى الرغم من نهاية الاتفاق بخمس سنوات 1999كان يفترض أن يعيدوا تقييم ومراجعة سياساتهم بدلا من الإستمرار في التفاوض مراهنيين على قدرة الوسيط ألأمريكى ، وحسن النوايا أنهم في النهاية سينالون دولتهم، وفى السياسة المراهنات وحسن النوايا لا مكان لها. واساءوا في حساباتهم يالتحولات العربية وإمكانية التغيير في أنظمة الحكم العربية. وبدلا من أن يكونوا محركين للسياسات العربية والإقليمية تحولوا لأداة تنفيذ في حسابات الدول الأخرى. ولم يحسنوا فهم عملية التحولات في مفاهيم الأخطار التي تتهدد الأمن القومى العربى ، فظلت حساباتهم قائمه على ان الخطر الوحيد الثابت هو إسرائيل، ولم يدركوا التغير في مفاهيم هذا الخطر لتبرز اليوم إيران بالنسبة للعديد من الدول العربية. ولعل أخطر الحسابات السياسية ما آلت إليه الحالة الفلسطينية من إنقسام ليصبح لدينا مؤسستان لصنع القرارمتناقضتين ومتباعدتين.وبات القرار الفلسطينيى محكوما بما يراد له. أعود لموضوع إضاعة الفرص وما نسمعه اليوم من أراء وكتابات وأقلام ان الفلسطينيين قد أضاعو الكثير من الفرص، هذا ظلم للحقيقية ، ويحمل في طياته نوايا وأهدافا سياسية كارثية على مستقبل علاقة فلسطين بمكونها العربى ، فهو يعنى أولا التخلى عن القضية الفلسطينية ،وان مسؤولية الفشل يتحملها الفلسطينيون، وان إسرائيل لم تعد المسؤوله وهو ما يعنى لا مبرر لعدم تطبيع العلاقات معها ، ومعناة إجهاض المكون المجتمعى للقضية الفلسطينية ، وأقصد انه لم تعد قضية تعنى المواطن العربى ،وتعنى التحول في التصورات والمفاهيم السياسية التى تحكم السلوك والقرار السياسى عربيا. وأن القضية الفلسطينية مجرد نزاع بين الفلسطيينن والإسرائيليين على قضايا ومسائل ثنائيه ، وان إستمرار هذا الصراع لم يعد يؤثر على مجمل السياسة العربية . في هذا السياق يمكن فهم ماذا يعنى ان الفلسطينيين قد أضاعوا فرص السلام، وفرص ان تكون لديهم دولة متناسين جميعا ان هناك إحتلال إسرائيلى للأرض والشعب الفلسطينى ، وذا كان الفلسطينيون يتحملون المسؤولية عن قراراهم ، فلا يمكن قبول هذه الدعاوى إلا في إطار وسياق التخلص من القضية الفلسطينية .
دكتور ناجى صادق شراب
[email protected]