الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

إلى شقيق روحي المبدع الكبير "سلمان داود محمد" بقلم:حسين سرمك حسن

تاريخ النشر : 2019-07-20
إلى شقيق روحي المبدع الكبير "سلمان داود محمد" بقلم:حسين سرمك حسن
إلى شقيق روحي المبدع الكبير "سلمان داود محمد" : عشْ هكذا دائما في علوٍّ.. أيّها الرجلُ

الدكتور حسين سرمك حسن

بغداد المحروسة
18 تموز 2019

يا سلمان داود محمّد :
(أنتَ صريعٌ سقط في الحرب .. وتركه المنسحبون وحيداً)* ..

فكنتَ أهلاً - شجاعة وجسارة - لأن تواجه نيوب الذئاب بيديك العاريتين مسنداً ظهرك إلى جذع شجرة تاريخك الشخصي المعاند الهائل الذي انغرزت جذوره عميقاً ، وعميقاً جداً ، في قلب تربة تاريخ وطنك العراق العريق العظيم. 

أي "أخيّي" سلمان :

تتذكر أيها الحبيب الوفي الغالي أبا عماد ؛ سلمان داود محمد، أيام تلك النقاشات الطويلة المترعة بصدق الأرواح والأفكار ودفء الضمائر في مكتبك "غيوم" في الباب الشرقي في منتصف التسعينات ؛ مكتبك الطافي على بياض الكلمة والوعد الحرّ النابع من شرق الروح النقية. كنتَ تقول أنّ الفرق بين مفردة "الرفيع" و "الرقيع" نقطة. ثم ثنّى ولدي "علي" على رأيك حين أخبرته به وقال : والفرق بين "الفرد" و "القرد" هو نقطة أيضا. كنا نضحك بألم على الأقدار الرقيعة التي ينصبها البعض لنفسه ، ونؤسس – ومازلنا وسنبقى –  ، وبفخر ، لحياتنا الرفيعة المليئة – كعادة كل الأشياء الكبيرة والثمينة في الكون – بالآلام والأوجاع والخيبات. خيبات لا تستطيع فكّ حديد الإرادة العزوم مهما طرقت وأوغلت في لحم الأمل.

أي "أخيّي" سلمان :

لم تهتز في أعماقي شعرة واحدة من اليقين في أنك ستواجه محنة المرض المُهلك الذي يلقبونه في الطب بـ "القاتل الصامت silent killer" بنفس العزيمة المدوّية التي عهدتها فيك ، بل بالشفقة والعطف على المرض نفسه. فأين أوقعه حظّه؟ وما الذي ستفعله به؟ وأي دروس ستضربها – كعادتك – لآخرين من الرقعاء في معنى أن يكون الإنسان إنساناً كبيراً وحقيقياً مجبولا من روح إله وطينة بلاد خلقها الله وهو يبكي. مسكين هذا المرض. لا يعرف كيف سيلعب به سلمان لينتزع منه هيبته ويطوّح بكرامته القائمة على رعب المرضى المساكين المهزوزين ويخلع عنه هالته السوداء المخيفة.

شاهدتك وسمعتك وأنت تشمخ وتتعالى على ما يعتبره البعض "محنة" حدّ أنّ المرض يتساءل : "معقولة هذا سلمان "لابِسني" ومستخف بيّه لهذه الدرجة؟! .. شورّطني؟!" .. ليس مزاحاً أيها الأخوة القرّاء ولا هي طرفة لتلطيف الجو وتخفيف الألم. أبداً. اذهبوا وانظروا واتصلوا واستمعوا لتعرفوا كيف يكون الإنسان الإنسان ، الكبير الكبير ، والحقيقي الحقيقي ، سيّد مصيره ، وكيف يتلاعب بأكثر ما يخيفكم وحشية وتهديداً.


أي "أخيّي" سلمان :

يختار فرسان العصور القديمة – وخصوصا من الساموراي - فارساً يناسبهم جرأة وسمعة ومهارة كي يموتوا على يديه ميتة يريدونها مشرّفة وكريمة وفريدة مثل الحياة التي عاشوها. وهذا المرض المسكين الذي وقع بين يديك يا سلمان ليس هو الفارس المُنتظر. الفارس الذي يستحق دمك لم يولد بعد. وقد حاول قبل اليوم "فرسان" الرقاعة الظفر بهذا الشرف فلم تتحه لهم. وهذا مسكين تورّط. فارحمه كعادتك أيها الكبير. وأؤكد هنا - وبكل ثقة وعبر متابعتي لآخر التطورات العلمية وكما قلت لك في أول اتصال هاتفي بيننا يوم سمعتُ من أحد الأصدقاء خبر الصاعقة بأن يوم غد سيكون يوم الجلسة الثانية لك في العلاج الكيمياوي - أنّك سوف تهزمه لينسحب ذليلا مدحوراً فيكون أمثولة لمن يتجرأ عليك من العلل والأوجاع الرقيعة. فهذا القاتل الصامت خطّ مواجهته الأول هو النفس الكبيرة الرفيعة التي تعرف قدرها وقيمتها فتترفع عن صغائر النهايات التافهة.

أخفيتَ مرضك عن الجميع وعن أعز أصدقائك ومنهم أنا إذا جاز لي أن أتشرّف وأعتبر نفسي صديقا مقرباً منك أيها الغالي. تمّ تشخيص مرضك وإحالتك إلى العلاج الكيمياوي – بسرعة أعترضتُ عليها علميا وشرحت لك الأسباب – ولم تُخبر أحدا لأنك لا تريد أن تتعب أحدا أيها النبيل بهمّ شخصي كما تقول. فأيّ إنسان كبير رحيم أنتَ. بل وأيّ أسطورة في عصر الشكوى والتذمّر والاندحارات. وهل شاهدتُ في ممارستي الطبّية التي سوف تقترب من الأربعين عاماً مثل هذا الموقف المُشرّف؟!

(سلمان داود محمد عند تفجير شارع المتنبي)

أي "أخيّي" سلمان :

الطبيب الذي قال لك أنّ حالتك الصحية "خارج الضوابط" وأنه لا يستطيع الموافقة على سفرك للعلاج عامِله كما عاملتَ هذا المرض المسكين. أعطه درساً من روحك الكبيرة وسلوكك الإنساني التربوي العطوف. والطبيب الآخر الذي قال لك أنهم لا يستطيعون إرسال المريض المُصاب بالأورام للعلاج في الخارج إلا إذا انتشر المرض في كل جسمه اصبر عليه برغم غبائه ورقاعته. فما الذي سيستفيده مريض من السفر والعلاج إذا كان السرطان قد انتشر في كل جسمه؟ّ! هؤلاء إخوة مساكين ، ساعدهم حتى وأنت في ما يعتبرونه "محنتك" المريرة التي لا خلاص منها. وهذا ما قمتَ به أنتَ في ممارسة مسؤوليتك في تربيتهم بكل ثقة واقتدار.

لم أكن أحب أن أتحدث في هذه الموضوعات التافهة. أريد أن نتحدث كما اعتدنا يوم حضر أحد جلساتنا الراحل العزيز "ناظم السعود" واستمع إلى نقاشاتنا وقال: كيف لا تسجلون جلساتكم هذه على أشرطة وتوزعونها على الكتاب والقراء في بلادنا وتنشرونها في الصحافة وتطبعونها في كتب. هذه جلسات ثقافية نفسية تاريخية. هل أحدّثك عن قدمك اتي وضعتها في الأعالي وصارت عنوانا لإحدى قصائدك.

أمس تحدثنا عن هؤلاء المساكين من حشود الرقاعة وهم كثرة غالبة الآن وكيف أن جوهر خرابهم هو أنهم لا يعرفون أن الحياة كلمة .. وقلتَ ُ: بل هي قطرة .. مستشهدا ببيتي شعر لصديقي الحكيم الشعبي الراحل "عبد الصاحب الضويري"::
قطره إهي يا صاحبي مو نهر

وريت النهر ذاك الجره ما جره

أعبرْ مثل ما عبروا اعله الشرف

دنيه وصفى بيها الشرف گنطره

وأنتَ – وأشهدُ للتاريخ - قد احتفظتَ بنهر الكرامة صافيا رائقا عذبا يرد منه أصدقاؤك الخلص العطاشى ، وكان المرض – متوهماً هذا المسكين - يحسب نفسه "اختباراً" فإذا بك تجعله "اندحاراً" له ونصراً للإنسان الكبير تفتح به بابا للحياة والعطاء والدروس التي لا تنقطع في معنى الكرامة والأمل والثقة تضربها بالذات لمن تنقصهم نقطة لا يعرفون أنها بحجم الكون.

(سلمان داود محمد عند تفجير شارع المتنبي(

أي "أخيّي" أبا عماد :

وكثيرا ما أستشهدُ بمقطع شعري عظيم لك جعلته فاتحة لروايتي "ما بعد الجحيم" وعلّقته في غرفتي ، وكان – في الحقيقة -  ومايزال فاتحة حياة ووصفة طبّية وطنية علاجية لأيام المِحن والأهوال .. وصفة منكَ يا طبيب النفوس العراقية المُتعبة الذي تخرجتَ من كلية طبّ باب الشيخ وانهيت إقامتك الدورية والقدمى في مشفى الأرواح في غيوم الواقع في الباب الشرقي:

)أحبُّ الموسيقى وساحة الطيران
وأحفرُ في السبائك (لا أريد(
فصيلةُ دمي (باب الشيخ(
وعندي من الشظايا
ما يجعلُ النهارَ مرقطاً..(

هذه الخلطة العجيبة السرّية والنادرة والسحرية هي كيانك وسيرتك وسلوكك .. وهي مشعل الهداية "النظري" الذي أنا – واسمح لي – اتبعتُهُ في حياتي على هداك. واليوم تقدّم لي أعظم درس "عملي" في السيطرة والاقتدار على المصائر.

كمْ هو ثقل الروح التي تريد أن تترك أثر أقدامها على التراب ؟

وكم هو ثقل الروح التي تريد أن تترك أثر أقدامها على الصخور المسننة؟

أخي وشقيق روحي الحبيب المبدع الكبير سلمان داود محمد ، أحييك وأقول لك – ولي من خلالك – بفخر واعنزاز :

عشْ هكذا دائما في علوٍّ .. أيّها الرجلُ     

أخوك
حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة
18 تموز 2019

ملاحظة :
*هذا الوصف مُقتبس من مجموعة "أناديك من مكان بعيد" للشاعر الكبير "عيسى حسن الياسري" 


 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف