الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرواية وتقنيات السينما بقلم مصطفى النبيه

تاريخ النشر : 2019-07-17
" رؤى إبداعية ونقدية في الرواية المعاصرة"
(الرواية وتقنيات السينما)
إن المشترك بين الرواية والسينما، أنهما معا لغة الحياة ، فوظيفة الروائي جعل الأشياء حاضرة ووظيفة السينمائي ترجمة هذا الحضور في جسد جميل ، فلامعنى للجسد خارج اللغة التي تعبر عنه . يقول نجيب محفوظ : أنا أبدع في رؤيتي للكلمة والمخرج يبدع في رؤيته للصورة .. لا شك أن للرواية دور فعال في تغذية وتطوير الحركة السينمائية فقد استفاد السينمائيون من تجارب كبار الروائيين أمثال ( شكسبير ، ديكنز ، إلكساندر ديامس، فكتور هوجو ، تولستوي ، ديستوفسكي ،همنجواي ) وقد تحولت روايات عالمية ذات شهرة واسعة مثل رواية الأخوة كارمازوف للمبدع الروسي دستوفسكي ، إلى فيلم بعنوان الأخوة الأعداء ، وروايته الأخرى (الجريمة والعقاب) لفيلم سونيا والمجنون وروايته( المريض الانجليزي )والتي أخذت نفس الاسم سينمائيا وحصلت على جائزة الأوسكار.. كما تحولت رواية (مرتفعات وزرينج ) لكاتبة إميلي برونتي إلى فيلم بنفس الاسم وتم إخراجها عربياً باسم الغريب ثم رواية (ذهب مع الريح ) للكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشل التي تحولت لفيلم بنفس الاسم ورواية الملك لير لشكسبير والتي مثلت في اليابان وتم تبديل شخصية البنات إلى أبناء ليتناسب مع طبيعة المجتمع الياباني وهناك العديد من الروايات مثل (زوربا ، باب الشمس ، واحة الغروب ، الفيل الأزرق ، مالك الحزين، شفرة دافنشي، ترويض النمرة ، عمارة يعقوبيان ، غادة الكاميليا ) تحولت لأعمال بصرية.
ومن الروائيين العرب اللذين يستلهمون تقنيات السينما في روايتهم صراحة أو ضمناً .. الروائي المصري "صنع الله ابراهيم " حيث نجد في لغته السردية آثار السينما وتقنياتها وذلك في رواياته "ذات " ، "اللجنة " ،" تلك الرائحة " ، " شرف " فاللغة السردية لديه تغوص في دقائق الموصوف، لتكتشف الأبعاد جميعها ،بصريا" فالشخوص لديه تنبض بالحياة . إن التجديد في عالم المعرفة خلق تجارب عديدة للكثير من الكتاب في روايات متعددة مثل رواية " بيروت 75" ، "كوابيس بيروت " وليلة المليار " للأديبة غادة السمان و"بقايا صور والمستنقع ونهاية رجل شجاع " لحنا مينا " كما نجد زخم العناصر السينمائية ومفرداتها في روايات الشهيد غسان كنفاني فرواية " رجال في الشمس " جسدت بصرياً عذابات الشعب الفلسطيني ورواية "ما تبقى لكم" هي سيناريو لفيلم سينمائي معد سلفا ما علينا إلا ترتيب المشاهد بصريا لنقدم للمشاهد وجبة فنية محبوكة بشكل مهني
من الواضح أن الأدباء الذين عملوا في السينما وأبرزهم نجيب محفوظ استفادوا من ثقافة الكتابة السينمائية في بناء رواياتهم ونتج تأثير وتأثر ما بين البناء الروائي والسينمائي وقد سئل " جريفث " المخرج السينمائي الشهير عن سبب تصوير المشهد لممثلة في مكان يتبعه مشهد آخر لزوجها في مكان آخر فقال ألم يكن ديكنز يكتب بهذه الطريقة .
رغم جمال الحالة التي نشأت بين السينما والرواية إلا أن كلا منهما حافظ على استقلاليته ومميزاته فعندما أخرج " توم تيكفير " فيلم العطر عن رائعة " بتريك زوسكنيد " كانت قوة الرواية هي نقطة ضعف الفيلم فالرواية اعتمدت على الرائحة والوصف لذلك عجزت الصورة عن وصف هذه الحاسة بصرياُ ،كما حدث مع الموت في رواية "البندقية " لتوماس مان .. رغم التداخل العجيب في الشكل البنائي المتجانس ، يبقى لكل منهم استقلاليتهم فالروائي يقدم عالم من الرؤية ويترك العنان لنرسم هذا العالم برؤيتنا أما السينمائي فيشاركنا بهذه الرؤية ويقدم لنا الكثير من التفاصيل .
عندما اتصلت بي الدكتورة الفاضلة سهام أبو العمرين للحديث عن تجربتي الروائية وضعتني أمام تساؤلات أربكتني ولم تخطر على بالي من قبل لماذا اخترت كتابة الرواية وهل بإمكاني إضافة شيء جديد في هذا المجال وهناك زملاء أفاضل لهم تجاربهم القيمة ، كما أنني توقفت عن كتابة الرواية بعد تجربتي الأولى الهذيان عام 1990 وتجربتي الثانية " خريف رجل ميت " 1996 وانخرطت في مجال المرئي والمسموع وأعلم أن الصورة تعادل ألف كلمة وربما أكثر من ذلك بكثير ولي تجربة غنية في هذا المضمار حيث حصلت على سبع عشر جائزة ذهبية وسبع جوائز ابداع في مهرجانات دولية وعربية في مجال كتابة السيناريو والإخراج ونادراً ما يحصد هذا الكم من الجوائز مخرجا عربياً
كما أنني سابقاً قدمت من خلال مشروع التخرج لدرجة البكالوريوس " المشهد السينمائي في الرواية الفلسطينية " واخترت رواية " ما تبقى لكم "للأديب الشهيد غسان كنفاني للدراسة فالرواية عبارة عن فيلم سينمائي متحرك بين السطور جاهز للعرض ، استخدم المبدع الكثير من الأدوات السينمائية بحرفية عالية لبناء العمل ، تم تقطيع المشاهد مع الحافظ على الايقاع ،التشويق ،الصراع ،المفاجأة ،التوقع ومخالفة التوقع .
ما دفعني للكتابة ..
بعد جريمة الانقسام وصعودنا للهاوية وشعورنا بالعزلة كان علينا أما أن نموت أو نعيش حالة اشتباك دائم ويكون سلاحنا المقروء والمرئي والمسموع لذلك بعد الانقسام مباشرة كتبت سيناريو ( آخر أيام الغول ) وهو سيناريو يدعو الإنسان للثورة على أرباب الخوف ويرصد أدق التفاصيل في جرائم الانقسام والحرب .. حاولت اخراج هذا الفيلم الروائي فصدمت بأمرين الأول التكلفة المالية الباهظة وقد تعودنا على هذه المعيقات والأمر الآخر سوط التخوين والاتهامات التي ابتكرته سلطة الأمر الواقع فهي ركبت الكرسي بالدم ونفخت بالمجتمع أفكار غريبة تتعارض مع فكرة السيناريو التي تدعو إلى الخروج من تحت قبعة أرباب الخوف.. عندما شعرت أن هذا العمل لن يرى النور، قررت تحويل هذا السيناريو إلى رواية بعنوان "نبوءات" لتوثيق تجربة الانقسام البغيض ومأساة الحرب وما يدور من ثورات في الوطن العربي .. فتناولت الرواية ما بعد الانقسام حيث تناولت تجربة مثقف فقير يقضي جل وقته في قهوة الكروان رفض أن يهادن فطرد من بيته وباع كتبه لإطعام أطفاله .. أدرك الرجل المثقف أن شهادات التقدير والإبداع سقطت قيمتها في مدينة البنادق الجائعة .. كرمش شهادات التقدير والإبداع حولها إلى كرة وبدأ يشوطها في وسط ميدان فلسطين .. وبعدها جلس في قهوة الكروان يقرأ الوجوه ويستعرض الواقع المرير ونتائج الثورات العربية التي اغتصبت في المهد بعد أن تسلقها بغال وأجهضوها .. قرر الكاتب ربط الواقع المأساوي بخط متوازي مع الشخصيات الخيالية التي ابتكرها لتكون أبطال نصه فاختار ثلاثة أطفال من مخيلته .. الطفل الأول أحمد طفل ناقم على أسلوب التلقين بالدراسة والطفل الثاني ابن المخيم يوسف الذي حمل عليه أكثر من عمره وعمل حمارا متنقلا ليجلب الطعام لأسرته متحدياً اضطهاد السلطة المتمثلة في الشرطة ، فثار على الواقع المرضي وقرر أن يتحرر من الكابوس ..والطفلة الثالثة سلمى التي فقدت توأمها تحت الانقاض انطلقت لتقضي على الغول لتحمي ما تبقى من الأجيال ، ثلاثتهم يقرروا أن يتحرروا يتحدون ضد الغول ويقتحمون بيته ليكتشفوا حقيقة هذا الوحش فتصدمهم المفاجأة .. وهي أن كل ما يحدث وسيحدث من رعب وارهاب عبارة عن وهم يجعلنا نخضع لكذبة كبيرة تمنعنا من التفكير فنحن مجرد دمى تحركنا أصابع من خلال غرفة التحكم المعدة سلفاً كي لا نكتشف حقيقة الفزاعة التي تسيطر على المساحة الفارغة في عقولنا .. نحن بحاجة اليوم أكثر مما سبق أن نخترق جدار الخوف ونوثق الحقيقة بعيداً عن المصالح الفئوية والحزبية .. الرواية تحمل بين صفحاتها فيلما سينمائيا حيث اعتمدت في بناء الرواية على المونتاج المتوازي تناولت ما يدور على أرض الواقع المحلي والعربي وما يدور في مخيلة الكاتب ويخرج غاضباً بين السطور ليبعث الحياة بالشخصيات المغامرة في الرواية .. جغرافية العمل مزجت ما بين الواقع والخيال لتعبر عن فكرة التحرر ... أما بخصوص ثلاثية صهيل مدينة نحن بحاجة للمعرفة والبحث المستمر لندرك ما يدور حولنا
تناولت بهذا العمل الواقع الفلسطيني ما قبل ال36 حتى 2050 وانطلقت من نقطة سقوط الحلم (اتفاقية أوسلو ) شعرت بأننا مخدرون لم نبصر الحقيقة يوما لنبقى نحيا تحت الصدمات والضغط والانفعالات اللحظية المقيتة ، نحن عبيد للتنظيمات و لشخصيات متسلقة صعدت على أجسادنا وانسقنا مع كل مطبل فكانت صدمة أوسلو التي أسست لحالة التيه التي وصلنا إليها اليوم والحديث عن التوطين في سيناء ومسرحية صفقة القرن التي جاءت تباعاً وكأن الماضي يعيد نفسه بصورة أو بأخرى فبالأمس القريب سقط الشهيد حسن بلال و مازال صوت الجماهير يصدح عام 53 لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان وبين الحشود في عربة المعتقل يهتف الشاعر الفلسطيني معين بسيسو ثائراً " نعم قد نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا " .. للأسف لم نقرأ التاريخ ولن نقرأه يوماً لذا سنبقى نتعثر ونسقط ونعود للبداية ، يسوقنا متسلقين سماسرة خائنين لنعود من جديد لنقطة الصفر .. قمت خلال الفترة المنصرمة بعملية البحث و التنقيب والتفكير بصوت عال لأكتشف الواقع المغلف بالأكاذيب بعد ما هدرت الكثير من العمر سدى دون معرفة .. وحرصا مني على اختصار الوقت للأجيال القادمة قررت كتابة ثلاثية تتناول الفلسطيني ما قبل ثمانية وأربعين والفلسطيني في الشتات والفلسطيني في قطاع غزة وشعرت أن هذا البناء يحتاج لتقنية السينما حاولت أن أعيد الجوانب الإنسانية في تجربتنا على امتداد المرحلة الزمنية بلغة فنية تصل لقلب القارئ بطلها رجل كفيف لم يبصر الواقع كما نراه .. حلم الرجل الكفيف أن يعود ليافا فجاءت اتفاقية أوسلو لتقضي عليه .. مات وبقى جثة هامدة رفضوا أن يدفنوه في الأرض وقرروا أن يلقوه في البحر يرافقه برحلة الموت الشاب الصحفي شكري الذي نام معه في النعش ليكتشف ما هو الموت وهو نفس الشاب الذي خلع ملابسه ووقف عاريا ليستقبل السلطة فيتم اعتقاله ويلتقي بالشهيد ياسر عرفات.. شكري من أسرة فلسطينية مقهورة الأب مقاوم خرج مع المقاومة بعد 67 وتعرض للموت والتشرد ورفض أن يعود للوطن مهزوماً بعد اتفاقية أوسلو.. الأم تعمل خادمة تخجل من جمالها لأنها مستضعفة في الأرض وتتعرض للتحرش والأخ الكبير غسان يتبع نهج أبيه في الحياة يؤمن أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة فيقتل أخيه عدنان الشاب المرح الجميل الذي تعلم منه معنى الحياة بعد أن تخبره القيادة بأنه عميل وفي السجن تصيبه حالة هذيان بعد أن يكتشف الحقائق ويتساءل هل كان أخي بريئاً أم خائناً ؟ أما صغيرتهم شمس تنطفئ بعد أن تحمل عار أخيها عدنان فتقرر الهروب من القطاع بعد عودة السلطة الفلسطينية مع أي زوج قادم .. في هذه الرواية حاولت اختصار مراحل زمنية قضيتها بالبحث والتنقيب واللقاء بالأخوة المقاومين الذي عاشوا بالشتات وتعرضوا للقمع والانتهاكات للحديث عن الصراعات الداخلية وتصفية خير ما فينا خدمة للأنظمة العربية الرجعية .. وتزودت بالعديد من المراجع ومن أهمها "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة "للأستاذ يزيد الصايغ ووقفت أمام الفئوية والحزبية وقانون فرق تسد الذي غزاه الاحتلال في الداخل والخارج فاستحلتنا الأنا والانهزامية وأصبحنا نجر كالقطيع .. لذا قررت أن أنتقى المفاصل الإنسانية في التاريخ وأعرض قبح صورتنا المشوهة لتوثيق الحقيقة روائياً بأسلوب سينمائي مشوق ودمج الماضي بالحاضر بالمستقبل .. من يوم ميلاد هذه الفكرة انطلقت عملية البحث وتلاها تقطيع العمل إلى مشاهد سينمائية تتناول الماضي والحاضر والمستقبل ، بعد ذلك اخترت الكاميرا المتحركة المتنقلة لتتابع الحدث ،اعتمدت على التقطيع السريع والمزج في عملية البناء تم اختيار لغة بصرية مكثفة تحتمل أكثر من معنى .. أما على الصعيد الشكلي اتبعت النهج السينمائي في بناء الرواية فبعد البحث والتنقيب تم تحديد المواقع والشخصيات بحرفية عالية فاخترت العناصر البصرية والأدوات التي تحركها ورسمت المخطط التنفيذي و كأني سأقوم بتصوير فيلم سينمائي .. على ايقاع موسيقى تعبيرية تمزج بين الأزمنة .. في نهاية كلمتي (ثلاثية صهيل) مدينة اجتهدت على تقديمها بأسلوب ممتع يعتمد على المعرفة وتجعلنا نفكر بصوت عالي لنستيقظ وندرك كل ما يدور حولنا كي لا تصيبنا خيبات جديدة.

مصطفى النبيه
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف