الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رجعي من كركوك بقلم:محمد بسيم الذويب

تاريخ النشر : 2019-07-17
رجعــي من كـركـوك

بقلم الشاعر محمد بسيم الذويب
كنت اعرفه منذ زمن بعيد ، يوم كنا زميلين في إحدى وحدات الجيش المرابطة في كركوك من اعمال العراق ، تلك المدينة الهادئة التي كانت مؤمنة بربها ، آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً ، فكفر الفوضويون بأنعم الله فأذاقوا اهلها من صنوف العذاب الوانا ، واسالوا من دمائهم انهارا ، ودفنوهم احياء فانقلب نعيمهم بؤساً وسعادتهم شقاءا بين عشية وضحاها .
وقد قدر لنا ان نفترق انا وصاحبي ذاك ، وان تنقطع بيننا الرسائل ، وان تفرق بيننا الأحداث فلا يعرف احدنا ما حل بصاحبه ، حتى كان يوم امس وإذا انا اسمع ، وانا اسير في شارع الرشيد صوتاً يناديني بإسمي مجرداً من هذه الألقاب التي اعتاد الناس إطلاقها على معارفهم الذين لم تصل العلاقة بينهم إلى حد رفع الكلفة .
فالتفت إلى مصدر الصوت ، فرأيت رجلاً يشير إليَّ بيده ، وقد اطلق لحيته التي وخطها الشيب حتى كادت تخفي رباط رقبته الأسود ، وتقدمت منه ، فمد لي يداً مرتعشة ومددت إليه يدي مصافحاً وانا اعجب لما بدا من ضعفه وهزاله ومن عبوسه وتقطيبه ، وكنت اعرف منه المرح والبهجة ، ولا ازال اذكر ايامنا (الحلوة) في عهدنا البعيد ، وكيف كان حديثه ممتعاً ونكاته اللاذعة ينثرها ذات اليمين وذات الشمال ورنين ضحكاته الصادرة من اعماق قلبه تملأ (الثوى) الذي اعتدنا الجلوس فيه بعد العودة من ساحة التدريب العسكري .
وقلت له : (لشدما تغيرت يا صاحبي ، لقد كدت انكرك لولا بقية من بريق عينيك ولولا هذه الإبتسامة التي عرفت بها منذ صباك وإن كانت مشوبة بالألم كما يبدو لي اليوم) .
قال :
(نعم ، لقد غيرتني صروف الزمان ، وابلى شبابي كر الجديدين وزادت الحادثة الأخيرة في تحطيم اعصابي ، فكانت ضغثاً على إبالة) .
قلت :
(وأية حادثة تعني يا صاحبي ؟؟) .
قال :
(الم تسمع بما حل بسكان كركوك ؟ الا تعلم اني اتخذت كركوك لي مستقراً بعد إحالتي على المعاش ، فهي موطني الأول ومسقط رأسي) .
قلت متضاحكاً :
(إنك إذن لمن (التركمانيين) الرجعيين كما يسميكم الفوضويون) .
قال :
(نعم وقد اصابني من قسوة هؤلاء ما لو قصصت عليك لآلمتك)
وغاضت الإبتسامة من وجهي وطفقت انظر إليه باهتاً وانا ارى الدموع تنهل على خديه ولحيته وبدأ يروي حديثه الذي يبعث الشجن بصوت لا اكاد اسمعه قائلاً :
(( بعد إحالتي على المعاش ، عكفت على قضاء ما تبقى من حياتي في العبادة وعمل الخير والإحسان إلى الناس والتزود للحياة الآخرة ، فإن خير الزاد التقوى ، وآليت على نفسي ان اربي اولادي تربية دينية وتنشئتهم نشأة صالحة ، لأجعل منهم مواطنين طيبين ، غارساً في نفوسهم حب وطنهم وشعبهم ، فكنت ابدأ يومي بالنهوض مع الفجر لأستقبل القبلة ، فأؤدي فريضة الصبح ، ثم انزل إلى حديقة الدار فاشتغل فيها حتى يرتفع الضحى ، فأجلس إلى المائدة لأتناول فطوري مع اهل بيتي ، ثم اغادر الدار إلى بناية جمعية المحاربين القدماء التي شرفني زملائي بانتخابي رئيساً لها في كركوك . حيث انظر في بعض الشؤون . او اتحدث إلى إخواني او اطالع الصحف حتى يحين وقت صلاة الظهر ، فأعود إلى الدار لأداء الفريضة فيها ، او اعرج في طريقي على احد المساجد ، فأؤدي صلاة الجماعة قبل ان انقلب إلى داري لتناول وجبة الغداء .
اما في المساء فأجلس بعد صلاة العشاء إلى اولادي اذاكرهم دروسهم او اتحدث إلى زوجتي او بعض الزائرين من اقاربي حتى يأزف وقت النوم .
وحين كبرت ابنتاي زوجتهما من شقيقين يمتان إليَّ بصلة قربى يعمل احدهما ضابطاً في الجيش ، والآخر طبيباً عسكرياً .
وعاش الكل في كنفي وتحت سقف داري القوراء نتناول طعامنا على مائدة واحدة ونقضي سهراتنا في احاديث طلية او لهو بريء .. او نستقبل بعض الزائرين من ذوي قربانا ، راغدين في عيش ناعم ترفرف علينا اجنحة السعادة ويسود بيننا السلام والمحبة ، يحف بنا الخير والبركة ، في حيات رتيبة هادئة حتى اتانا هادمو اللذات ومفرقو الجماعات فداهمونا في ليلة النصف من تموز عام تسع وخمسين وتسعمائة بعد الألف .
وإليك تفصيل ما حدث من هول تلك الفاجعة وليس من سمع كمن رأى .
كان صهري الأول ضابطاً شجاعاً ، تقياً مؤمناً بالله وبرسوله ، كان مثالاً صادقاً للرجولة والإيمان والتضحية والإخلاص والوطنية ، فلما رأى بعض من لا خلاق لهم يريدون بوطنه شراً قبل انبثاق فجر الرابع عشر من تموز ، طالب بإعفائه من الخدمة في الجيش ، فأتيح له ذلك ، فانصرف إلى العمل الحر حتى قامت الثورة ، فكان من اول المؤيدين لها ، المضحين من اجلها ، كان يعتقد ان الأقليات في العراق يجب ان تنصهر وتذوب في بودقة الوحدة الوطنية .
ولم يرق هذا للفوضويين فبذلوا ما بوسعهم من جهد حتى تم اعتقاله مع رهط من المؤمنين بقوميتهم ، فلقى في معتقله من التنكيل والعذاب ما الله به عليم ، ولكنه بقي ثابتاً صابراً ، حتى صدر امر عبد الكريم قاسم بالإفراج عنه وعن امثاله قبيل بدء الإحتفال بالعيد الأول لذكرى الثورة المجيدة .
وامتلأت دارنا على رحبها بالأهل والأقربين والضيوف للسلام عليه والترحيب بمقدمه ، فقد كان محباً لهم محبوباً من الجميع يعطف على صغيرهم ويوقر كبيرهم ، وبعد ان استراح قليلاً ، خرج والكل يتبعونه لأداء واجب التهيؤ بالإحتفال بهذه الذكرى المحببة إلى نفوسهم وقد بذل الأموال من جيبه الخاص ، ونصب ورهطه من التركمانيين الأقواس في الشوارع واقاموا الزينات وساروا في الطرقات يوزعون الهدايا والحلويات على عابري السبيل بهذه المناسبة السعيدة ، وقد تهللت وجوههم فرحاً بحلول هذا العيد الوطني ، الذي آلوا على انفسهم ان يحتفلوا به احتفالاً رائعاً يعبر عن مشاعرهم الصادقة واحاسيسهم النبيلة للجمهورية ، وما دروا ان الفوضويين يبيتون لهم شراً ، وقد ابوا إلا ان يقلبوا افراحهم إلى مآتم وفواجع وان يقرنوا بذكراهم المباركة ذكرى افظع مجزرة واروع مأساة شهدتها مدينة كركوك الصابرة في تأريخها .
وحل اليوم الموعود وخرج النساء والأطفال ضمن من خرجوا للمشاركة في الإحتفال ومشاهدة المواكب (التركمانية) التي زخرت بها شوارع المدينة وهي تهتف للوحدة وللجمهورية .
وكنت مع نفر من اصحابي في الدار حين سمعنا صوت إطلاقات نارية ورأيت الناس تركض في الطريق وقد انتابها رعب شديد ، وسألت ما الخبر ؟؟ فأجاب البعض :
((لقد هاجم الفوضويون مقهى 14 تموز وقتلوا صاحبه وهم يسحلونه الان في الشوارع)) .
فخرجنا نجوب الشوارع بحثاً عن نسائنا واطفالنا ، فرأينا الهرج والمرج قد ساد المدينة ، وامتلأت شوارعها بالجثث وتكدست على بلاطها الأحذية النسائية والعباءات والامتعة المختلفة ، وعلا صراخ النسوة الهاربات وهن يحملن اطفالهن وقد اخذ منهن الذعر والهلع كل مأخذ ، وكأن القيامة قد قامت والساعة قد دنت ، ويوم الحشر الذي ورد ذكره في الكتب المقدسة قد حان .
عدنا إلى دارنا وقد حل المساء او كاد ، هرباً من الموت والموت يلاحقنا في كل خطوة ، فوجدنا آل بيتنا جميعاً قد تحلقوا حول رجل طاعن في السن ، هو خال اولادي وهو يطمئنهم ويؤكد لهم ان الجيش سيتدخل لحفظ الأمن وحماية ارواح الناس ، وبينا نحن كذلك ، إذ اخذت إحدى السيارات تجوب الشوارع معلنة بواسطة مكبرات الصوت حظر التجول في البلدة ليلاً ونهاراً طالبة من الأهلين الإلتجاء إلى دورهم وعدم مغادرتها حتى إشعار آخر .
فتنفسنا الصعداء فرحين بما تم من سيطرة على الموقف ، وانتهاء حالة الفوضى وحقن للدماء ، ولكن فألنا خاب واأسفاه .. فلم يكن منع التجول هذا إلا للتركمانيين المساكين ، اما الفوضويون .. فكانوا يجولون بملء حريتهم يعيثون في المدينة فساداً ، يقتلون الناس ويكسرون الدكاكين والمحال التجارية وينهبون الأموال ويحرقون البيوت بمن فيها من السكان الآمنين ، وكنا نسمع ضجيجهم بآذاننا طوال الليل ونحن مشفقون مما ينتظرنا واطفالنا من مصير مجهول .
وحوالي منت
صف الليل وقفت سيارة اهلية امام باب دارنا ، ونزل بعض جنود الإنضباط والمقاومين الشعبيين واشخاص آخرون يرتدون الملابس الكردية ، وقد تسلحوا بمختلف الأسلحة الأتوماتيكية ، وطلبوا حضور صهري ، الضابط الشجاع ، فخرجت إليهم فرأيتهم قد تفرقوا في انحاء مختلفة من حديقة الدار في وضع مريب ، وحاولت مناقشتهم لأنهم كانوا مصممين على تنفيذ مطلبهم ، فقد تصدى لي احدهم وهو ضابط في الجيش اعرفه جيداً ، واكد لي ان القائد يطلب حضوره ، فأسقط في يدنا جميعاً ، وخرج المسكين معهم ليلقى مصيره المحتوم ويموت على ابشع صورة كما علمنا في اليوم الثاني .
كان المجرمون قد تحلقوا حوله وهم يحملون الهراوات والواحاً من الخشب ، فيضربه احدهم على جانب رأسه الأيمن ، ويعاجله الآخر بضربة حتى يسيل دمه ، فيركض إلى الجهة المقابلة ، فيستقبله ثالث بضربة اخرى ، وهكذا بقى يدور وسط الدائرة وهو يصيح .. (( اتركوني من اجل الله ... ))
فيجيبونه وهم يتضاحكون ..
(( إن الله في اجازة )) ..
فيصرخ فيهم :
(( ارحموني بحياة الزعيم )) ..
فيقولون :
((الزعيم في بغداد ))
وهكذا حتى سقط مضرجاً بدمه ، فربط بحبل متين وسحل وهو حي إلى ان قضى شهيداً بعد زمن طويل ... فعلق على فرع شجرة بقرب مركز القيادة .
وعاد الزبانية في اليوم التالي ، بعد ان سيطر الجيش على المدينة ، وهاجمونا نهاراً جهاراً ، فاستباحوا دارنا ونهبوا اثاثها وقتلوا صهري الثاني ، الطبيب الذي قضى شبابه في خدمة الجيش ، فكرس حياته لخدمة المرضى في المستشفى العسكري ، دون ان يتدخل في السياسة ، ثم نزلوا إلى البدروم ، فقتلوا خال اولادي ، الشيخ الكبير على مرأى من الأطفال ، وسحلوا ولدي الفتى بالحبال وهو حي ومزقوا ملابس النساء وقتلوا طفلاً رضيعاً على صدر امه وعاثوا في بيوت الحي فساداً ، فقتلوا في احد الدور امرأة ثم قطعوا ثديها ووضعوه في فم رضيعها ، بعد ان قطعوا ذراعه وهو حي .
ولا ادري كيف نجوت انا من القتل والسحل ، إذ كنت اعيش في دوامة ، لا اعرف كيف جرت كل هذه المحن والمصائب ، وكأنني كنت ارى فيلماً سينمائياً مرعباً او كابوساً مزعجاً .
وجاء حوالي الظهر عقيد في الجيش وهو خائف يترقب ، يريد ان يعثر على مخبأ يختفي فيه ، لأن المناضلين الشرفاء قرروا سحله هو ايضاً ، واخبرنا بحوادث تقشعر لهولها الأبدان ... وخرجت ابنتي الكبرى تريد ان تعثر على جثة زوجها .. ورأت احد الضباط فاستغاثت به واخبرته انها زوجة الشهيد فلان ... فضحك منها ساخراً وقال :
(( ... لا تخافي ... فقد حفظناه لك سالماً بالتمام والكمال )) .
قالت له :
(( انا اعلم انكم قتلتموه ... فسلموا إليَّ جثته بحق الله )) .
قال :
اما زوجك فلا اسلم جثته )) .
وتركها ودخل غرفته الرسمية ودخلت وراءه وهي تتوسل إليه ان يرحم دموعها ، فما راعها إلا رؤية الحبال والأسلحة معلقة على الجدران وهي ملطخة بالدم . وخرجت هاربة لا تلوي على شيء . تسير على غير هدى ... فمرت على المستشفيات والمقاهي والدوائر وهي تنوح صارخة .
يا رب ماذا جنينا لنلقى كل هذا العذاب ..
وقادتها قدماها إلى خارج المدينة فرأت ويا للهول .. رأت الآلات الضخمة (الحفارات) تجرف الأموات والأحياء ايضاً ، فتدفنهم وهم يئنون وتهيل عليهم التراب .
رباه .... من اية ملة هؤلاء ومن اي دين ؟ .. اهؤلاء من البشر ؟ كيف يسمون انفسهم ( انصار السلام ) وهم يقتلعون رقاب الأطفال الصغار ..
ويسحلون الناس الأبرياء بالحبال ... بإسم المحافظة على السلام ... ويسرقون ... وينهبون ويحرقون ... ويبقرون بطون الحوامل ... فينتزعون الأجنة ويسحقونها بالأحذية ويدقون مسماراً في عذراء موصلية قومية ... بعد ان يشدوها إلى ساق شجرة .. ويربطون ساقي امرأة في سيارتين تسيران في اتجاهين متضادين فتنشطر الجثة إلى شطرين .. ويتبولون في فم جريح يطلب الماء .. اين ما صنعه هولاكو في بغداد والصهاينة في دير ياسين من صنع هؤلاء ؟ ..
وفي اليوم الثالث هرب التركمان كلهم إلى القلعة الرابضة فوق الجبل ، فتحصنوا بها ، فقرر المجرمون ضربها بالصواريخ ... ونسفها بمن فيها من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال .. وتلقى سكانها إنذاراً بوجوب تسليم انفسهم وإلا فسيبدأ القصف بعد ست ساعات من توجيه الإنذار .. لقد كانت مدة الإنذار اقل من المدة التي عينها الإنكليز والفرنسيون إبان العدوان الثلاثي على بورسعيد .
وفكر المساكين في امرهم . شاور بعضهم بعضاً ، وقال قائلهم . (( إن الموت ضرباً بالصواريخ لأفضل الف مرة من الموت البطيء سحلاً بالحبال )) ..
وتمثل احدهم بقول الشاعر :
وإذا لم يكن من الموت بد ******* فمن العار ان تموت جبانا
وقبل انتهاء مدة الإنذار بدقائق وصلت قطعات الجيش القادمة من بغداد ، واحتلت المدينة واستسلمت القوة المتمردة ، وسيق ضباطها والمجرمون من افراد المقاومة الشعبية مخفورين إلى العاصمة ، ووصلت لجنة للتحقيق في هذه الأعمال الفوضوية ، ولكنها لم تعثر على احد من شهود العيان إلا النزر القليل ، فقد هاجر الألوف من المدينة إلى بغداد والمدن المجاورة هرباً من بدعة (السحل) هذه البدعة التي لم يسمع بها سكان العراق منذ آلاف السنين ، ولا بد انها وفدت علينا ضمن المباديء الوافدة حديثاً من الأقطار التي يدين اهلها بالزندقة والإلحاد .
ووصلـت إلى بـغـداد فيمن وفد إليها من الهاربين من الـمـوت ، وقـابـلـت ((الزعيم الأوحد )) شاكياً مستصرخاً ، فوعدني بأن المجرمين سيشنقون في نفس المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم البشعة .
فقلت له :
يا سيدي الزعيم .. انني لن احلق لحيتي ، ولن اترك ملابس الحداد حتى اشفي غليلي برؤية المجرمين معلقين على اعواد المشانق .. ولكن الأيام مرت ، والزعيم الشعوبي قابع في مخبئه .. يتلذذ برؤية الدماء الزكية تراق على تربة الوطن ... دون ان يحرك ساكناً لوقف هذه المجازر .. ولم يعلق المجرمين في نفس المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم ... كما وعدني ..
ورأيتك اليوم فشعرت بحاجتي إلى الشكوى لصديق قديم مثلك ـ فقد صدق الشاعر حيث يقول :
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة ******* يواسيك او يسليك او يتوجع
هذه قصتي اتحدث بها إليك لعلك تكتبها بقلمك .. فتنشرها على الناس ، إنها قصتي المؤلمة ، قصة رجعي من كركوك .
ثم رأيت صديقي هذا في اليوم التالي لثورة 14 رمضان المجيدة ، وقد حلق لحيته وتزين بأحسن زينة ، يدور في الشوارع ، يوزع الحلوى بين الناس ودموعه تنهمر ، ولكنها دموع الفرح ...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف