الأخبار
بايدن ونتنياهو يجريان أول اتصال هاتفي منذ أكثر من شهرإعلام إسرائيلي: خلافات بين الحكومة والجيش حول صلاحيات وفد التفاوضالاحتلال يفرج عن الصحفي إسماعيل الغول بعد ساعات من اعتقاله داخل مستشفى الشفاءالاحتلال يغتال مدير عمليات الشرطة بغزة خلال اقتحام مستشفى الشفاءاشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي بغزة.. ونحذر من مخاطر الممر المائيالقسام: نخوض اشتباكات ضارية بمحيط مستشفى الشفاءالإعلامي الحكومي يدين الانتهاكات الصارخة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الطواقم الصحفيةمسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي"إسرائيل حولت غزة لمقبرة مفتوحة"تقرير أممي يتوقع تفشي مجاعة في غزةحماس: حرب الإبادة الجماعية بغزة لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي صورة انتصارفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لدورة رئاسية جديدةما مصير النازحين الذين حاصرهم الاحتلال بمدرستين قرب مستشفى الشفاء؟جيش الاحتلال يعلن عن مقتل جندي في اشتباكات مسلحة بمحيط مستشفى الشفاءتناول الشاي في رمضان.. فوائد ومضار وفئات ممنوعة من تناولهالصحة: الاحتلال ارتكب 8 مجازر راح ضحيتها 81 شهيداً
2024/3/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نتانياهو وعروبة الشعب الفلسطيني

تاريخ النشر : 2019-07-17
نتانياهو وعروبة الشعب الفلسطيني
نتانياهو وعروبة الشعب الفلسطيني

- مهند إبراهيم أبو لطيفة -

أثارت تغريدة رئيس الوزراء " الإسرائيلي" بنيامين نتانياهو، في يوم الأحد الموافق 7 يوليو/ نموز 2019 على موقع تويتر، حفيظة عدد كبير من الفلسطينيين والعرب، لما تضمنته من عنصرية مفضوحة وتزوير للتاريخ، خصوصا أنها تستخدم نفس المقولات النازية ضد اليهود ، وتُعيد إنتاجها من جديد لإسقاط الحق التاريخي للشعب العربي الفلسطيني في أرض فلسطي، موطن الآباء والأجداد منذ فجر التاريخ.

تأتي هذه التصريحات لتعبر عن أزمة إنسانية في الوجدان الصهيوني، الذي من المفترض كما إدعت رموزه وقياداته، أن يكون حركة تحرير للشعب اليهودي، وأنه جاء كردة فعل على الجرائم  العنصرية التي أرتكبت ضد اليهود في أوروبا.

وبعيدا عن الخوض في الجذور الحقيقية للفكر الصهيوني وتياراته، وليد الفكر الإستعماري العنصري، ودون السقوط في مستنقع العداء لليهود كبشر وأتباع ديانة أصولها سماوية ، لمجرد أن نتاتنايهو ينسب نفسه لهم ،  من الضروري، التأكيد أن موقف الحركة الوطنية  الفلسطينية والشعب العربي الفلسلطيني بمسلميه ومسيحييه، يرفض التعصب الطائفي والتمييز الديني والعدوانية العنصرية الإثنية، وهو يدافع عن حقه التاريخيي  والسياسي والإنساني في وطنه ضد سلطة إحتلال غاصب لأرضه، وليس ضد ديانة أو أتباع ديانة.

مما جاء في تغريدته: " أن الدراسات الجديدة للحمض النووي تتم إستعادتها، من موقع فلسطيني قديم في مدينة عسقلان، وما نعرفه من الكتاب المقدس، أن أصل الفلسطينيين موجود في أوروبا " واضاف نتانياهو : " أن الكتاب المقدس يذكر مكانا يُدعى "كفتور" وهو على الأرجح، جزيرة كريت، ولا توجد صلة بين الفلسطينيين القدامى، والفلسطينيين الحاليين ، الذين جاء أسلافهم من شبه الجزيرة العربية، إلى أرض إسرائيل بعد آلاف السنين". وأعتبر نتانياهو أن إرتباط الفلسطينيين بأرض إسرائيل ، ليس شيئا مقارنة مع 4000 آلاف عام من إرتباط الشعب اليهودي".

ليست هذه هي المرأة الأولى التي يتم فيها محاولة تزوير التاريخ ، وتشويه الهوية الوطنية العربية لفلسطين وشعبها، فهي منهجية في العقل الصهيوني منذ بدء العمل على مشروع الإحتلال الإستيطاني لأرض فلسطين، وهي ما زالت مستمرة وتسعى لطمس كل ما هو من الموروث العربي  التاريخي والثقافي والإجتماعي وفي جميع المجالات، لذلك تحتاج أحيانا لبعض الردود:

أولا: نقترح على السيد نتانياهو - الذي يوصف بالإرهابي بين الفلسطينيين والعرب- بأن نُخضع كل سكان فلسطين لفحص الحمض النووي، لمعرفة مدى إرتباطهم الجيني بتاريخ هذه الأرض، ولربما إكتشفنا  أنه هو نفسه، ليس له علاقة ولا جدوده  حتى الجد الخمسين من قريب أو بعيد بمشرقنا العربي كله ، ناهيك عن سوريا الطبيعية أو أرض فلسطين.

وربما إكتشفنا أن جذور 70% من المستوطنين غير سامية وليس لهم أية علاقة بالشعب الإسرائيلي القديم الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس ومنذ عهد النبي إبراهيم،  ولربما كشف لنا فحص العينات خرافة مقولة " النقاء العرقي" بين معظم إن لم يكن غالبية شعوب الأرض، وعدم علميتها بل وأنها وليدة  بعض الإستشراق العنصري في مرحلة من مراحل التاريخ، أستخدمت فيها هذه المقولة في أوساط النازية والفاشيه، ومبررا للإستعمار ونهب خيرات باقي شعوب العالم.

ثانيا:  أغلب المراجع المتوفرة حول مملكة الخزر، والمكتوبة بلغات مختلفة، كاليونانية، العربية، العبرية، السريانية، الأرمنية، الجورجانية، الروسية، الفارسية، التركية، الصينية ، وتعود إلى القرون الوسطى، توكد على منهم أجادا نتانياهو ومن أين جاءوا إلى أرض فلسطين. وُترجع أغلب المصادر التي تم الإطلاع عليها، أن الخزر تعود أصولهم إلى يافث بن نوح ، وليس لهم علاقة بسام بن نوح لا من قريب ولا من بعيد. ويافث هو الإبن الثالث لنوح ويُعتبر أب كل الأجناس الأوروبية، أي أن أصولهم أوروبية شرقية، وهم يشكلون أغلب الموجات المهاجرة التي إستوطنت فلسطين في العصر الحديث، وبالرغم من ذلك ، لم يشكلوا عرقا " خالصا " في جميع مراحل تاريخهم.

كان الخزر يعيشون كقبائل من أصول مختلفة- أغلبها تركية - حياة التنقل والترحال في وسط آسيا، ثم قدموا إلى بحر قزوين واستوطنوا حول بحر قزوين ومناطق جبال القوقاز.

و كانوا في البداية من الوثنيين كباقي الشعوب التركية ، ثم "شامانيين" Shamanistic، أي يؤمنون بالسحر وعالم الأرواح، جلسات تحضير الأرواح وادعاء الإتصال بالموتى...الخ. ثم اعتنقوا اليهودية بعد أن اصبح لهم كيان سياسي وكان ملكهم ويسمى " خاقان" يحكمهم. يرد في المصادر التاريخية ، أن اعتناق اليهودية تم في القرن الثامن عشر (740م) ، وهؤلاء هم أجداد يهود أوروبا وامريكا الذين ينحدرون من يافث ابن نوح، وليس  من أصل سام. هم جدود اليهود الغربيين " الأشكناز" الذين حملتهم البواخر إلى يافا ، وفلسطين.

يذكر الشاعر يهوذا هاليفي (1075م-1141م) وهو من اهم الشعراء اليهود في اسبانيا، وأبرز مفكر يهودي في العصور الوسطى، أن  حاخاما يهوديا ، استطاع اقناع الملك باليهودية.

اعتنق ملك الخزر والطبقة الحاكمة اليهودية، وعدد كبير من شعبه، وصارت اليهودية هي الدين الرسمي للدولة. ويوجد في المراجع التاريخية روايات يصعب أن يتقبلها العقل، حول كيفية دخولهم في اليهودية. ووجد أيضا  في الدولة من كان مسلما أو مسيحيا. ويُرجح أغلب الباحثين أن اعتناق الملك لليهودية ، كان لدواعي سياسية واقتصادية، ولكي يكون للدولة كيان مستقل وسط قوتين كبيرتين ، هما الخلافة الإسلامية والدولة البيزنطية. وكان ذلك في زمن الخليفة هارون الرشيد.

يُجمع المؤرحون السلمون، على أن الخزر من  الناحية الانثربوليجية، من اصول تركية، ومن سلالة يافث بن نوح. كذلك نجد في المراسلات - بالعبرية- التي تعود للقرن التاسع الميلادي، بين حسداي بن شفروط، كبير الوزراء اليهودي في بلاط  خليفة قرطبة في الأندلس، عبد الرحمن الثالث، وبين يوسف ملك الخزر، نجد في رد يوسف :

أن الخزر يرجع أصلهم إلى يافث ابن نوح.

كان الخزر - قبل تكوين دولتهم المستقلة-  يدينون بالولاء والتبعية، لامبراطور الأتراك الغربيين. تلك الإمبراطورية التي لم تدم طويلا. وكانت عبارة عن حلف من القبائل يحكمها " خاقان"، وهو نفس اللقب الذي استخدمه حكام مملكة الخزر فيما بعد. وهذا ما تؤكده أيضا المراجع التركية.

انقسم الأتراك إلى فريقين منذ القرن السادس الميلادي، غربي وشرقي. كانت مناطق الأتراك الغربيين، ممتده شمالا من منغوليا إلى جبال اورال. وكان أسم أول خاقان لهم هو: " تومين" (Tumen).

نشأت الدولة الخزرية في منطقة لها طابعها الجيوسياسي الهام ، بين بيزنطة وفارس القوتين الكبيرتين المتصارعتين. وكذلك موقعها الجيواستراتيجي بين البحر الأسود وبحر فزوين.

تذكر المراجع التاريخية، أن الخزر هم من أوقفوا الهجوم العربي الإسلامي في مراحله الأولى على أوروبا الشرقية.وشكلوا حاجزا بشريا وعسكريا في منطقة القوقاز. واستمرت الحروب بين المسلمين والخزر قرابة مائة عام. وعرفت بعض الحروب عند المؤرخين العرب، بأسم الحرب  العربيةالخزرية الأولى (642م-652م) والحرب العربية الخزرية الثانية (732م-737م).

كانت تربط مملكة الخزر علاقات قديمة بالبيزنطيين، واشتركوا في الحروب التي خاضتها الدولة البيزنطية ضد فارس ، في القرن السابع، واستعان بهم الإمبراطور هرقل ( 610م-641م) في حملاته العسكرية على الفرس. كذلك ، ثم تخلوا عنه عندما حل فصل الشتاء. وقف الخزر إلى جانب البيزنطيين في حربهم ضد المسلمين،. وتورد المراجع أن الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الخامس، تزوج سنة 732م من أميرة خزرية، أنجبت له ولدا، تولى عرش الإمبراطورية البيزنطية باسم " ليو الرابع" أو " ليو الخزري". وكان الخزر حلقة الوصل بين البيزنطيين والصين.

كانت علاقة الخزر بالامبراطورية الفارسية ، علاقة عدائية في أغلب الأوقات.

يُعتبر القرن السابع هو البداية الحقيقية للخز، في هذا القرن لعبوا دورا مهما على صعيد المنطقة كلها، بعد أن نالوا استقلالهم، وفرضوا سيطرتهم على العديد من الشعوب، ونجحوا بالتوسع حول منطقة البحر الأسود ، وبحر قزوين، والقوقاز، وكونوا امبراطورية مترامية الأطراف.

قامت العديد من الحروب بين الخزر والروس، كان أولها عام 859م، لأن الخزر كانوا يأخذون الضرائب أو الجزية من القبائل الروسية، من الوليان، السفريان، الراديموتش، الفيلتش. تذكر المراجع، أن من الأسباب التي أدت لسقوط مملكة الخزر، هو تحالف البيزنطيين مع الروس وبعض القبائل التركية الاخرى في الفترة ما  بين 1016م و 1019م.

بعد عام 1016م، بدأت بالتدريج تنشأ امارات صغيرة في امبراطورية الخزر، حتى تم اسقاطها عن طريق " البيتشينغ" في عام 1030م.

بعد سقوط المملكة الخزرية، تمركزوا في المدن الإقتصادية ، في روسيا، بولندا، أوكرانيا، رومانيا، ليتوانيا، غاليسا،ألمانيا، فنلندا، المجر، هنغاري، وغيرها من الدول، وانتقل عدد كبير منهم في مراحل لاحقة إلى الدولة العثمانية التي وفرت لهم الحماية والحرية، وفي فترات أبعد إلى أمريكا.

كان أخر حكام الخزر هو (جورج طزول)، الذي تم أسره في معركة مع البيزنطيين، ثم قبل المسيحية وأصبح اسمه" أريون". وتفرق بعدها الخزر في شرق اوروبا.

كان الخزر يستخدمون الأبجدية التركية القديمة في الكتابة، وكانت تُكتب من اليمين إلى اليسار، وهي قريبة من لغة أتراك الأوغور. ووجدت أيضا بعض الكتابات بالعبرية.

لجأ بعض اليهود إلى مملكة الخزر ،بسبب الإضطهاد الديني، من قبل الإمبراطورية الرمانية، طلبا للحماية.

يؤكد عدد من الباحثين، أن حوالي 90% من اليهود في العالم لا علاقة لهم بالجنس السامي، والنبي أبراهيم، ولا ببني اسرائيل. في كتابه المعنون: " القبيلة الثالثة عشر" ، أثبت الصحفي المجري آرثر كيستلر، عبر دراسة تاريخية انثروبولوجية، أن غالبية سكان فلسطين الحالين من اليهود تعود جذورهم للقوقاز ، وليسوا من أصل فلسطيني. ترجم الكتاب أحمد نجيب هاشم ، وصدر بالاسكندرية عام 2003 عن الهيئة المصرية للكتاب. وفي كتابه باللغة العبرية حول الخزر، أكد المؤرخ الإسرائيلي (الروسي الأصل) بولياك ، على نفس هذه الحقيقة، ونُشر كتابه في تل أبيب سنة 1944م. وكان هو نفسه من المهاجرين الروس إلى فلسطين عام 1923م.

ويوجد عدد من الكتاب والمؤرخين الإسرائيلين ، الذي كتبوا عدة كتب - مثل المؤرخ شلومو سان- للتأكيد على هذه الحقيقة.

ألف شلومو سان(Shlomo San) وهو الأستاذ في التاريخ في جامعة تل أبيب، عدد من الكتب، ترجمت لعدة لغات عالمية وهي:

1.                  كتاب "متى وكيف أخترع الشعب اليهودي"، وصدر عام 2008.

2.                  كتاب "متى وكيف أُخترعت أرض-إسرائيل" ، صدر عام 2012.

3.                  كتاب "متى وكيف توقفت أن أكون يهوديا"، صدر عام 2013. 

تُرجمت مؤلفاته من اللغة العبرية، ويدحض فيها الرواية الصهيونية التاريخية، من أجل شرعنة وتبرير ، اقامة دولة يهودية في فلسطين. وأهم ما جاء في هذه الكتب، هو ما قدمه الباحث محمود محارب -الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة- من تلخيص لكتب  شلومو:

1.                  اليهودية ديانة ، وليست قومية ، أو عرق ، وهي ديانة تبشيرية كغيرها من الديانات، وانتشرت في مناطق واسعة من العالم القديم. تهودت أعراق وقبائل كثيرة ، وشعوب مختلفة. وتوقف إنتشار اليهودية بفعل القيود التي وضعتها الإمبراطورية الرومانية، وبسبب ظهور وانتشار الإسلام.

2.                  كان لإنتشار الديانة اليهودية في مملكة الحزر، الأثر الأكبر على تاريخ اليهود واليهودية، وزيادة عدد أتباعها.تهودت قبائل تتاريه، تركية، تركمانية، في دولة الحزر.

3.                  هاجر يهود الخزر إلى روسيا ، اوكرانيا، بولندا، بيلاروسيا، هنغاريا،  ودول اوروبا الشرفية، ثم إلى أمرياكا واوروبا الغربية بعد الثورة الصناعية. وهم يشكلون حوالي 80% من مجموع أتباع الديانة اليهودية في العالم.

4.                  جميع المحاولات الإسرائلية والصهيونية في اسرائيل، وفي خارجها التي جرت لتعريف من هو يهودي من خلال الإنتماء العرقي، بواسطة بصمات الأصابع، أو بواسطة ال DNA  فشلت.

5.                  يشبه وضع المواطن اليهودي في فلسطين، بوضع الرجل الأبيض في أمريكا، أو في دولة جنوب افريقيا إبان حكم الأبارتيد قبل عام 1994م. أو مثل وضع الفرنسيين في الجزائر.

نجد في أدبيات الحركة الصهيونية، وبكل وضوح ، كيف تم صناعة شعب، وقومية ، لم تكن متجانسة لا لغويا، ولا عرقيا، ومن مختلف بقاع العالم، دون أن يكون لهم أدنى علاقة بسكان فلسطين الأصليين.وثم تفصيل مشروع استيطاني، استعماري، على النمط الغربي، لكي يستوعبهم، كحل ل " المسألة اليهودية" على حساب الشعب العربي الفلسطيني.

عندما عملت عصابات " الهاغانا" و" شتيرن" و" الأرجون"، على الإستيلاء على الأرض الفسطينية بقوة السلاح. لم يتمكن الصندوق القومي اليهودي ، خلال 45 عاما من تاريخ تأسيسه حتى عام 1947، من الحصول إلا على 3,9 % من مساحة فلسطين، بينما نجد أن هذه العصابات، قد استولت في أقل من عام واحد (1948) على مساحة قدرها 76% من مجموع مساحة فلسطين التاريخية.  وكانت تعتمد استراتيجية تقوم على:

أقتحام الأرض، اقتحام العمل، الحراسة الذاتية، اقتحام الإستهلاك العبري. مفاهيم عنصرية اقصائية، وامتداد لعقدة ووهم التفوق العرقي الأبيض.

ثالثا: قبل أن يستنتج  نتانياهو، أن الفلسطينيين أصولهم من جزيرة كريت وليس لهم علاقة قديمة بفلسطين ، عليه أن يسأل ما هي أصول الكريتيين الذين جاؤا  في مرحلة من مراحل التاريخ للإقامة في الساحل الفلسطيني، وسيكتشف أن العلاقة التي تربطهم بفلسطين العربية الكنعانية ، هي أكبر بكثير ، مما يربط جدوده بها.

ماذا يقول التاريخ عن فلسطين والفلسطينيين؟

التسمية واللغة

- أقدم إسم لفلسطين هو " أرض كنعان"، نسبة لأول شعب عربي سكن  واستقر  في فلسطين، وأقاموا  فيها قرابة 200 مدينة. ولا يعرف التاريخ شعبا آخر أقام في فلسطين قبلهم. وظلت فلسطين، تسمى " أرض كنعان" حتى عام  1200 ق.م.

ولم تكن القبائل الكنعانية، الأمورية في فلسطين وحدها، بل إنتشرت في كل بلاد الشام، ووصلت لحدود الأناضول، وكانت مناطقهم تمثل وحدة حضارية، لغوية، ثقافية واحدة. وكل الأسماء التي نقرأ عنها في التوراة، أو " الكتاب المقدس" (الحثيون، الحويين،الفرزيين، الجرجاشيين،الأموريين، اليبوسيين)، ما هي إلى تسميات لقبائل وفروع، لشعب عربي واحد:  الكنعانيون.

 مع أن الإنسان العاقل، سكن فلسطين في فترات  طوبلة سابقة قبل مجيء الكنعانيين ( أريحا ، العبيدية قرب بحيرة طبريا، أبو سالم  مثلا). كما تؤكده الإكتشافات الأثرية الحديثة في أريحا ، وفي وادي الفلاح قرب حيفا.

- كذلك بالنسبة للفينيقيين ، الذين سكنوا صور (اللبنانية) ، جبيل، ارواد، قرطاج في ليبيا. هم عرب أقحاح، وأصلهم من مدينة "صور" في  سلطنة عُمان، وتسمى حاليا بولاية صور ، ولها تاريخ طويل في صناعة السفن وعبور البحار. وهناك أدلة تاريخية كثيرة، على أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم من الكنعانيين، أو فرع من الكنعانيين.

- والسائد  أيضا أن اسم "فلسطين" مشتق " فلس طين" من معنى احتراف الزراعة، أو نسبة  لشعب " بلست".

- وهناك رأي للدكتور شائم الهمزاني، الباحث في علم الاجتماع التاريخي، ان التسمية أصلها ثمودي، وتعني اصطلاح مركب من ثلاثة ألفاظ هي: 1-    فَلْس : ومعناها : متقاطع ـ مصلب ـ معابر

2-   طي : ومعناها : الترحال ـ القوافل ـ المهاجر

3-    إيه أو إيل : ومعناها : إله ـ حاكم ـ قاهر

 لتكون هكذا : فلس طي إيه ، أي (إله متقاطع الترحال)، أو نسبة لإله قبيلة طيء العربية القحطانية النجدية " الفلس" ، وله علاقة بمكان أو مركز اسمه فَلْس ، وبأن " فلسطيئيا " هو اسم اطلق على أهل هذا المكان من القبائل الأخرى، وان  " الفلس " ،وهو  على شكل رجل عملاق، كان مكانة في منطقة تقاطع خطوط التجارة قديما. وهو يمثل مرحلة وحدة الآلهة الوثنية أو عقيدة التوحيد الوثني . وانه انتقل مع انتقال الثموديين إلى فلسطين.

 لكن ما نعلمه أن قوم ثمود من العرب البائدة، وقد هلكوا بالصيحة ولم يعد لهم وجود، ومتى جاؤا إلى فلسطين؟


 (وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) هود:67.

- كانت جزيرة العرب تمتد من اليمن جنوبا ، وصولا إلى البحر الأسود. منطقة واحدة في أصولها اللغوية، الأساطير والمعتقدات، الآثار. ورغم التعدديبة الثقافية، إلا أن هناك أدلة كثيرة جدا على وحدتها الحضارية. تراجعت هذه الوحدة مع مرور الزمن، وبدأ مصطلح " شبه الجزيرة العربية" ولقب " عرب" يُطلق على ما يُعرف بالخليج ، أو البدو الرُحل.

- في العصور القديمة، كانت الجزيرة العربية، بما فيها الخليج العربي، من أكثر المناطق  الخصبة والصالحة للزراعة، وتتوفر فيها المياه بكثرة، ومناخها مختلف تماما. بينما كانت الثلوج تغطي نصف فرنسا، قبل التغيرات المناخية، وبدء التصحر.

- الكنعانيون، الآراميون، البابليون، الأكاديون، الأشوريون، الهكسوس(كنعانيون وفينيقيون).،هم جميعهم : عرب في الأصل والأساس، وكانت لغتهم الأم ، اللغة العربية (السريانية) القديمة، مع إختلاف لهجاتهم أو شكل كتابتهم ، وتطورت من  التصويرية إلى المسمارية المقطعية، فالمسمارية الأبجدية، ثم إلى الأبجدية الحرفية.

وتؤكد هذه الروابط، نصوص المكتبة الملكية التي اكتشفت في " ايبلا " في شمال سوريا، والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وتحتوي على أكثر من 15 ألف لوح طيني مكتوب. كذلك مكتشفات " راس شمرا " شمال اللاذقية عام 1928م (مدينة اوغاريت).

 ولو رجعنا للكتاب المقدس، سنجد أبناء نوح (سام،حام، يافث)،ولا يُعقل أن أولاد نوح كل واحد منهم تكلم لغته الخاصة هكذا، وهو ما يتعارض مع علم تطور اللغات، ومن يراجع كتابات المؤرخين العرب والمسلمين القدماء مثل: الطبري،  ابن الأثير،ابن خلدون وغيرهم، وتفاسير القران الكريم، وكتابات الجغرافيين والإخباريين العرب، مثل:

ياقوت الحموي، البلاذري، المقدسي، ابن حوقل، الإصطخري ، وكتابات اللاهوتيين الكبار من المسيحيين الشرقيين (خصوصا السريان منهم ) ، وكتابات اسقف قيسارية الفلسطينية " يوسيفوس "، سيكتشف كنزا من المعلومات حول صلة القرابة الواحدة بينهم واصولهم المشتركة.

- ما يُسمى باللغات " السامية " هي تزوير مفضوح للتاريخ، وهي مجرد إفتراض لا أساس له في الواقع، ولد هذا التقسيم في الأصل على يد اللاهوتي اليهودي النمساوي " شلوتز"، ثم تبعه عدد من المستشرقين، بينما كان غيره من المستشرقين اليهود أكثر إنصافا ومنهم :

 المستشرق اليهودي الألماني" ابراهام جيجر"، والمستشرق اليهودي الألماني "ديرنبورغ"، إضافة إلى المستشرقين الروسي "دانيال شولتسون"، والسويسري "سبنجر".

- الكنعانية القديمة، هي اللغة العربية (الآرامية ، لغة السيد المسيح) القديمة، لغة التجارة العالمية القديمة، ونجدها بنسبة 97% في لسان العرب. أما اللغة العبرية، فهي لغة مقتطعة من الأرامية، وحتى عام 259 ق.م، لم توجد كتابة بالعبرية.

وفي القرن الثالث الميلادي تم تطويرها، وكذلك في القرن التاسع الميلادي حدث تطوير ثاني. وفي عام 1922م، تم صناعة لغة عبرية جديدة (ضمن مشروع التحول إلى قومية)، وهي خليط من العبرية والإيدش(التي هي بدورها خليط من الألمانية والروسية والبولندية).

ولاحقا ولأسباب سياسية وعنصرية، وبعد الحرب العالمية الأولى ، نشأت المؤسسات الإستشراقية الإستعمارية، وعملت على تشويه التاريخ العربي.

- إنتشر الكنعانيون وابناء عمومتهم الفينيقيون، في اليونان، قبرص، كريت، سردينا، صقلية،كابري، قادس الإسبانية، شمال إفريقيا، ووصلوا إلى أمريكا، وبريطانيا. وأقاموا المدن والمستوطنات، والمراكز التجارية، أو قاموا برحلات استكشافية  وتجارية بحرية.

ومنهم من حكم روما نفسها كامبراطور أو إمبراطورة ، منهم: الإمبراطور السوري " فيليب العربي" ،الإمبراطورة السورية " جوليا سوميا " ، الامبراطور "جيتا " ، ألامبراطورة " جوليا ميزا "، الإمبراطور " سمبتيمو سفيرو"، الإمبراطور " هيليو جبال"، الإمبراطور " كاراكالا " وغيرهم.

-  ويوجد كم هائل من الآثار التي تدعم هذه الحقيقة، وأغلبها تم إخفاؤه ( تضليلا، وتزويرا وتقزيما للعرب والسوريين).

- أسس الفينيقيون في الجزائر أيضا عددا من المدن: روسكاد،روس، كولو، كرطناي،قيرطا،إيول،جيجل.

- أول إشارة إلى هذا الإسم "بلاستو" أطلقه الملك الآشوري "أدنيراري الرابع"(Addnirari  IV)، حين أشار بذلك الأسم إلى ساحل فلستيا(Philistia )   .أي ساحل بلاد الشام الجنوبي الذي كان يسكنه الفلسطينيون.

- أول مره أُطلق إسم "بالستين" على البلاد، حين صك الإمبراطور فيبنسيان (Vepinsia ) هذا الأسم على نقوده، التي أصدرها إثر إنهاء الثورة اليهودية سنة 70م. لتتسع التسمية وتشمل الساحل الفلسطيني جنوب فينيقيا(سوريا).

 وفد قسم الرومان، فلسطين تقسيما إداريا :

1- بالستين الأولى (Palestina  Prima)

 تشمل نابسل،القدس،الخليل، السهل الساحلي حتى رفح. وعاصمتها قيسارية.

2- بالستين الثانية (Palestina  Secnnda )

تشمل الجليل، أم قيس، قلعة الحصن، وعاصمتها بيسان.

3- بالستين الثالثة (Palestina  Tertia)

تشمل بلاد الأنباط، منطقة بئر السبع، وعاصمتها البتراء.

4- مقاطعة فينيقيا الأولى : وتشمل حيفا، عكا، صيدا، صور، بيروت، طرابلس، وعاصمتها صور.

ولكن الإسم العام لفلسطين كان : مقاطعة فلسطين السورية (Provincia  Syrio  Palestina ).

- بدأ الإغريق في إطلاق إسم فلسطين، على كل فلسطين التاريخية، ليشمل المناطق الداخلية أيضا. ومنهم أخذ اليونان  والبيزنطيون هذه التسمية.

في عهد المؤرخ "هيرودتس" الملقب بأبي التاريخ (425م-484م)، كانت كلمة " بالستين" تطلق على كل فلسطين التاريخية. واستخدمها الكاتب "بطليموس وبليني" (23م-79م) ايضا بنفس المعنى. كتب هيرودتس : " يُعرف هذا الجزء من سورية بفلسطين"(Παλαιστινη  پَلَيْسْتِينِيه) .

- إستخدم المؤرخ اليهودي يوسيفوس، والفيلسوف اليهودي فيلو (30 ق.م-40م) إسم "بالستين"، ليدل على كل فلسطين. واستخدم المؤرخ جيروم نفس الإسم في كتاباته، وتبعه عدد من الكتاب اليهود، لكنهم اضافوا عبارة " إريتز إسرائيل". (بالعبرية: פלשתינה أو פלסטין .

- ذُكر إسم  فلسطين " ب.ل.س.ت" في وثيقة مصرية رسمية، يعود تاريخها، إلى حوالي 750 ق.م. وورد في النقوش التي دون فيها رعمسيس الثالث، فرعون مصر (حكم1167ق.م-1198م) بطولاته وانتصاراته، إسم فلست " ب.ل.س.ت ". وتعتبر رسائل " تل العمارنة "  في مصر والمكتشفة عام 1887م، و" نصوص اللعنة " التي عثر عليها سنة 1925م ،  من المصادر الهامة حول تاريخ فلسطين القديم.

- من "بالستين" إنبثقت كلمة" فلسطين" العربية، وقد أطلق العرب هذا الإسم على الولاية الرومانية المسماة " بالستين الأولى" التي كانت تضم (يهودا، السامرة، وقيسارية). ومنذ وقت العهدة العمرية، والعرب يعتبرون فلسطين، جزءا من سوريا، أو بلاد الشام، لذلك أطلقوا عليها إسم "سوريا الجنوبية". وهو الإسم الذي ظل موجودا حتى الإحتلال الفرنسي لسوريا سنة 1920.  ومن ثم أخذ الإسم بالإختفاء تدريجيا بفعل إتفاقية "سايكس- بيكو".

- في بداية عهد الخلافة الإسلامية، وبعد أن فتُحت الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، أصبحت فلسطين تسمى: " جند فلسطين". وجند تعني معسكر أو محافظة عسكرية، وهي تقسيمات إدارية أيضا لبلاد الشام، مثل " جند الأردن" ،" جند قنسرين"، "جند دمشق"،" جند حمص".

- كان للأتراك تقسيماتهم الإدارية أيضا لبلاد الشام، ومنها فلسطين. وكانت فلسطين عبارة عن وحدتين إداريتين: بيروت والقدس، وكانت هذه التقسيمات تتغير أحيانا.

- إسم " بالستين" هو الأسم المُعترف به في الأدب المسيحي بشكل عام، خصوصا أدب الرحلات، والدراسات اللاهوتية، والتراث المسيحي، وكان دائما يشير إلى فلسطين التاريخية. وأصبح جزءا من الإتفاقيات والمعاهدات والوثائق العسكرية، قبل وبعد الإحتلال الإنجليزي. وفي إتفاقية السلام مع تركيا، إتفاقية " لوزان" في 24 يوليو 1913. واستخدم الإسم  "فلسطين" في صك الإنتداب في كل مواده ، مثلا:

 " المادة الخامسة:  تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن ضمان عدم التنازل عن أي جزء من أراضي فلسطين إلى حكومة دولة أجنبية، وعدم تأجيره إلى تلك الحكومة أو وضعه تحت تصرفها بأي صورة أخرى."

- مع مرور الوقت، حل إسم "بالستين " محل الإسم الشامل " فلسطين السورية".

- أُطلق على فلسطين، أسماء أخرى مثل: البلاد المقدسة، أرض الموعد، بلاد الأجداد والآباء،  أرض الرباط، بيت المقدس، ولكنها أسماء  عاطفية وغير سياسية أو تاريخية.

من هم الفلسطينيون؟

كما تحول تاريخ شعوبنا، إلى تاريخ قبائل صحراوية دائمة الترحال، حولوا الشعب الفلسطيني القديم إلى غزاة وقراصنة يجوبون البحر. لكن ماذا يقول التاريخ:

- البعض يرى أنهم عشيرة " فلستيم" العربية المجاورة لعشيرة "مصرايم" في منطقة غامد، وليسوا سكان جنوب سوريا، وهم عرب وليسوا من شعوب البحر. أي أنهم أبناء " فلشتيم" الذين هم أبناء " فتروسيم وكسلوحيم" أبناء مصرايم ابن نوح.

- يرى الدكتور زياد منى، أن مصطلح (شعوب البحر) فيه نعميم وتعسف، لأن النقوش المصرية المكتشفة، تقول بأن   الفلسطينيين ، قدموا من البر والبحر، وعُثر في مدينة (حابو) على تصاوير لقوم "فرست أو فلست" تُظهر نساءهم وأطفالهم ومتاعم الشخصي، محمولة على عربات تجرها الثيران، بما يعزز أنهم أتوا إلى دلتا مصر عن طريق البر. وهناك وجهة نظر تؤكد أنهم لم يأتوا من جزيرة كريت، بل من داخل الإقليم الذي كان يُسمى " فرست أو فلست". وأن تعبير " شعوب البحر" يُستخدم عند المصريين ، للدلالة على أقوام من داخل الإقليم ، سكنت الساحل. وهو ما تؤكده الآثار اللغوية والدينية واللُقى الأثرية.

- ذُكروا في سفر التكوين (الكتاب المقدس) ، الاصحاح 14:10 في جدول أنساب مصرايم(مصرايم بن حام بن النبي نوح):

10: 13 و مصرايم ولد لوديم و عناميم و لهابيم و نفتوحيم "

 "10: 14 و فتروسيم و كسلوحيم الذين خرج منهم فلشتيم و كفتوريم 

-  وفي إرميا 4:17 وعاموس 7:9، أنهم خرجوا من " كسلوحيم " ( كسلوحيم تعني المعفي عنهم، المُسامحين).

- وذُكر أيضا في شواهد مختلفة من الكتاب المقدس ، أنهم سكنوا بئر السبع قبل أن يزورهم النبي إبراهيم، وكانوا في أيام الخروج من مصر، شعبا عظيما، ولهم مدنهم الحصينة ( غزة، اشقلون،اشدود، عقرون، وتناخم، وجت).

ولم يهاجم يشوع المدن الفلسطينية الساحلية، ولا حتى مدينة " جت" في الهضاب السفلى. وبعد وفاة يشوع بدأت سلسلة من الحروب والنزاعات. ويذكر الكتاب المقدس تفاصبل عن عبادتهم، آلهتهم القديمة، واحتكارهم لصناعة الآلات والأسلحة، وتفوقهم في التجارة (1. صموئيل الإصحاح 13 ). وكثير من التفاصيل الأخرى التي يمكن الرجوع إليها.

- ذُكر في سفر يشوع 3:13، أن الكنعانيين هم أقطاب الفلسطينيين.

- في حزقيال 16:25 ، وصفوا بالكريتيين.

- في إرميا 4: 47، وصفوا بأنهم بقية جزيرة كفتور.

- ونقرأ في سفر التكوين 23:2 : " والعويون الساكنون في القرى إلى غزة، ابادهم الكفتوريون الذين خرجوا من كفتور، وسكنوا مكانهم ". وتفسير هذا الشاهد : " والكفتوريون من نسل مصرايم بن حام بن نوح، وكفتور التي سكنوها  أولا، هي غالبا كريت أو قبرص، أو بلدة في مصر. أما العويون، فهم سكان فلسطين القدامى، وخرج عليهم الكفتوريون، وأخذوا اراضيهم. والكفتوريون صار إسمهم بعد ذلك الفلسطينيون. "

- ما هي كفتور: ورد في اسطورة بعل وعناة الأوغارتية، أن الإلهة "عشيرة " تبعث برسالة إلى كفتور، التي هي " كريت"، في نصوص أوغارتية، لأحضار إله الحرف والصناعة من هناك، ليبني بيتا للإله " بعل". وترد كفتور في النصوص المصرية ، بصيغة ( كيفتو) للدلالة على كريت وجزر بحر إيجة.

 أي أن هناك روابط ثقافية  قديمة بين العرب الكنعانيين السوريين وسكان جزيرة " كريت" . ونفس الأمر ينطبق على

" نقش سردينيا " كشاهدد على علاقة صور  وامتدادها وصولا إلى إيطاليا.

- في سفر صفنيا 5:2، هم سكان ساحل البحر، أمة الكريتيين. ووصفت كنعان " بأرض الفلسطينيين".

يقول الدكتور أحمد داود، في كتابه القيم: تاريخ سوريا الحضارية، أن كتابة التاريخ بشكل موضوعي، تعتمد على مجموعة من الأسس، والعلوم  وهي:

1- علم الأنتروبولوجيا، وما يشمله من علوم الإنسان، مواصفات جينية، بيولوجية، أو ما أنتجه من عادات وتقاليد، وشرائع، وما خلفه من آثار، رسوم، صور، عملة، كتابات، لغةـ ووثائق.

2- علم الكرونولوجيا، أي تحديد زمن الحدث التاريخي وأسبقيته.

3- عملية التواصل التاريخي للشعوب، نشؤها واستمرارها، أو أنتقالها وإنتشارها.

4- علم المنطق، في محاكمة الأحداث التاريخية.

5- المعرفة الصحيحة بالقوانين الموضوعية، التي تحكم العملية التاريخية، مثل : التراكم الكمي، الذي يؤدي إلى التحول النوعي.

6- علم اللغات أو اللسانيات.

7- علم الأسماء والألقاب.

8- التسميات الأصلية التي عرفت بها الشعوب بدل التسميات المُختلقة المصطنعة، وهذه أهمها.


بالإستناد على هذه الأسس، وحصيلة بحثه، وبحوث آخرين، يُمكن  أن نصل إلى الإستناجات التالية:

-  لو كان موطن الفلسطينين القدماء هو حزر بحر ايجة: فهذه الجزر كانت، مراكز فرعية لمدنيات الشرق القديم العظيمة، التي وجدت قديما، في وادي الفرات والنيل. وهناك كانت البداية الحقيقية لنشوء المدنية الأوروبية، وليس اليونان، وكانت جزيرة " كريت" ، من أول عهدها، من المرتبة الأولى ، حضارة بين جميع جزر بحر إيجة، وكانت كأنها جزء من الشرق، وأهلها ليسوا بقراصنة أو همج.

-  كريت هي " قريت" سريانية وتعني (حسب شكلها)، إصبع الإبهام، وهي تمتد على شكل لإصبع الإبهام، لمن ينظرإليها من جزر ايجة، أو من الشاطئ الليبي، الأفريقي، كما تعني الموجز، القصير، المختصر، الطريق القصير، لأن موقعها يختصر طريق السفن بين القارات الثلاث.

ويتميز موقعها بأنه يتوسط الطريق ما بين سوريا، وإيطاليا، وما بين مصر واليونان، وتختصر الطريق إلى النصف. ولعبت دورا مركزيا لأهميتها التجارية، ولأنها كانت صالحة تماما للسكن والإقامة فيها وللتجارة البحرية، وتخزين البضائع للسفن، وهو ما حدث.

- استوطن السوريون الجزيرة وعمروها منذ الألف الرابعة قبل الميلاد، كما شهدت الآثار التي تم أكتشافها. أي أن العرب هم من أستوطنها وعمروها، واقاموا فيها 90 مدينة، ومن أهم هذه المدن: " قنديا "، " فنستون"،" فالاي قسطرة "، حاجيا تريادا" ، "جورنيا".

- كان الإغريق يُسمون سكان كريت ب" الفينيقيون". وكانت لغتهم هي السريانية السورية ( العربية القديمة).

- وفي بداية الألف الثاني قبل الميلاد، تحديدا منذ العهد البابلي، توسع " الفينيقيون"  العرب - الذين جاؤا أصلا من صور العُمانية حوالي 2750 ق.م، إلى صور اللبنانية، وسكنوا في صيدا، جبيل، وارواد، وكانوا يعملون بالبحر- توسعوا في حزر بحر إيجة، وكريت، وصقلية، وصولا إلى قادس في الأطلسي، وأنشاؤا مدينة قرطاج على الساحل. وشكلوا الموجة العربية الثانية ، التي تسيطر على جزيرة كريت، امتدادا للسوريين (الكنعانيين، العرب).

ومع نزعتهم  الإستقلالية الخاصة في معاملاتهم التجارية، ونمط حياتهم، إلا أنهم يُعتبرون إمتدادا للشعب العربي الواحد. لأن مختلف أنحاء بلاد الشام، مرورا بفلسطين، وصولا إلى شمال الأناضول، وشواطئ البحر الأسود مع الجزر، كانت تُشكل منطقة واحدة ، ووحدة حضارية واحدة.

- حوالي عام 2000ق.م، دمرت الزلازل والأوبئة، والنيران (بفعل الزلازل) جزيرة كريت، وضربت  الحوض الشرقي للمتوسط مرارا كثيرة.

- أما بالنسبة لقبرص،فأن أول من  نزل فيها، وعمرها واستوطنها، هم الكنعانيون (السوريون، العرب) ودعوها " حيفرو" (Gypro )، وتعني حسب شكلها: الظفر، المخلب، ثم تحول الإسم باللاتينية إلى (Cypross).

- أتلانتا الغارقة، غرب مضيق جبل طارق في المحيط الأطلسي، كانت جزيرة سورية (كنعانية، عربية) ،أسما وسكانا وحضارة، ووصل الفينيقيون حتى جزيرة " هايتي" واستوطنوا فيها لمدة طويلة، وسكنوا حتى في البرازيل، التي ما زال يحمل عدد من قراها أسماء كنعانية.

  ويدل نقش پارايبا (Paraíba) أو(Parahyba) وهو نص مكتوب بالحروف الفينيقية-الكنعانية، اكتشف في البرازيل على هذه الحقيقة. ونصه كما عربه العالم السوري بهجت القبيسي  كما يلي:

( نحنا بني كنعن م صدن م هـ قرت هـ ملك سحر هـ شلكنا (السطر الأول كما هو بالنقش) نحن بني كنعان من صيدون من مدينة الملك، عاصفة قد قذفت بنا إلى هذه الأرض البعيدة، بلد الجبال، وضحينا بأحد (شبابنا) للآلهة العليّه واٍلآلهات العليات بسنة تسعة عشرة (من تاريخ استلام) ملكنا حيرام القادر العظيم (الحكم) وننطلق من عصيون جبر بميناء البحر وتقذفنا الرياح مع عشرة سفن (آنيات) وانتهينا بالبحر معا (لمدة) سنتبن اثنتين حول أرض الخبز (والخير) ولكننا افترقنا من قوة بعل (ورياحه) ولم نعد بعدها مع أصدقائنا، وصلنا هنا اثنا عشر رجلا وثلاثة نساء لوحدهم حتى أخذ البحر عشرة عمال (مهرة منا)   كُتشف الحجر الذي يحمل النقش في العام 1873 م ، في منطقة جواو پيسوا (João Pessoa) بالقرب من نهر پارايبا في منطقة تسمى پاسو ألتو (Pauso Alto).

 

- في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، تعرضت اليونان، إلى سلسلة من الهجمات البربرية قادمة من منطقة البلقان، دمرت كل مراكزها الحضارية الهامة، وتشرد أهلها، وتعرضت جزر بحر إيجة لضغط كبير، بسبب الزلازل، وهذه الهجمات،فوصلت بعض الموجات إلى ليبيا، التي  كان يستوطن فيها الفينيقيون، وتعاونوا معهم لنقلهم إلى الدلتا المصرية، فمنعهم الفرعون " مرنبتاح  تقريبا عام 1220م. واستقر أغلبهم في الساحل الفلسطيني، في غزة.  وقد لحقتها موجة أخرى.

لم يأتي الفلسطينيون  القدماء( العرب، السوريون، الكنعانيون) كغزاة إلى فلسطين( السورية، العربية، الكنعانية)، ولكنهم عادوا إلى وطنهم، وامتدادهم التاريخي والحضاري.لغة مشتركة، ديانة مشتركة، عادات وثقافة مشتركة، أصول واحدة.

مراجع:

1- ظفر الإسلام خان: تاريخ فلسطين القديم، دار النفائس، بيروت، ط3، 1981.

2- زياد منى: مقدمة في تاريخ فلسطين القديم، بيسان للنشر، ط1، 2000م.

3- د. أحمد داود: تاريخ سوريا  الحضاري القديم، ط2، دار الصفدي، دمشق، 2003م.

4 - القران الكريم- التفاسير.

5- الكتاب المقدس: شرح الكتاب المقدس- العهد القديم- القس أنطونيوس فكري.

6- د. محمد بهجت القبيسي: الكنعانيون والأراميون في الإمبراطورية الرومانية. مادة صوتية. 7- معاوية إبراهيم: الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، القسم الثاني، بيروت، 1990. 8- فيليب حتّي: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين، بيروت، 1951.

9- الياس شوقي: الموجز في تاريخ فلسطين السياسي، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، بيروت، 1996.

10- عبد الحكيم الدنون: تاريخ الشام القديم، دمشق، 1999.

11- د. رمضان عبده علي: الشرق الأدنى القديم وتاريحه، دار نهضة الشرق، ط1، القاهرة، 2002.

12- د.محمد بهجت القبيسي:الكنعانيون والآراميوت في الأمبراطورية الرومانية،دار طلاس،ط2،2009.

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف