أ. روان أحمد شقورة
منذ القدم عرف النقد عند النقاد والمتذوقين بذكر المحاسن والعيوب الأدبية، ومع مرور الزمان تغير مفهوم النقد كتغير باقي المفاهيم الحياتية، وعرف بالقراءات المتعددة، فحين تنقد بعين فاحصة وبحصافة عقلية للأبيات الشعرية أو للكلمات النثرية، تقرأها بروحك المضمونية واللفظية البشرية المختلفة عن بقية القراءات الإنسية لأصحاب الكتابات النقدية.
وفي البداية يجب امتلاكك الذائقة النقدية، والعقلية التحليلية النقدية المنهجية، والألفاظ اللغوية، والقراءات الأدبية الغزيرة، ثم تخطو بقلمك قراءتك النقدية الخاصة المختلفة عن القراءات السابقة، وتكشف عن ثنايا و ثغرات لا يكتشفها الآخر، وهذه ميزة النقد الحديث - القراءات المتعددة - ...
فمثلا: المعارضة الشعرية لهذه الأبيات اعتبرت عند كثيرين من الناس أنها تحمل معاني الازدواج الهجائي والمديحي، وعندما قرأتها قراءة خاصة من وجهة نظري وجدتها تحمل كل معاني المديح ...
قال شاعر:النساء هن الدواهي والدوا هُنَّ
لا طيب للعيش بِلا هُنَّ والبلا هُنَّ
فقالت:والرجال هم المرهَم والمُرُّ هم
لا طيب للعيش بِلا هم والبلا هُم
فالأبيات الأولي : صورة شعرية مديحية تحمل كل معاني التعظيم للنساء، فقد نسج مديحه بإطراء مزية ألا وهي الدهاء،فالدهاء سجية؛لتكسب معركة الوجود وتسود الحياة ، ثم أكد تعظيمه بأن النساء هن الدواء لداء المريض، فهنا بني الصرح لتعظيم النسائي: حين ابتدئها بجملتين ثبوتيتين اسميتين فالأولى المبتدأ ( النساء ) وخبرها الجملة الاسمي الثانية المحتضنة والممزوجة بالمبتدأ الأول (هن الدواهي)، ثم أكدها بالعطف الحناني الدوائي، وحين ابتدأها بالأسلوب الخبري الطلبي لمستمع يظن ويشك بالخبر، فأكدها بالضمير "هن" ، ولا يغيب عن الذهن روعة التعريف – آل التعريف- وذلك للعموم والشمول الوجودي الأزلي والأبدي لنساء، وأثبت ذلك بالجمع في نون النسوة -هن-، ثم بني الشاعر سور من مديح النساء الواقعي بالنفي الاثباتي - لا طيب – أي أنهن سبب الوجود؛لنبض الروح، فلا تطيب دنيا الحياة دون وجودهن، وهل سعدت الأرض دون سماء؟
فهن خلقن من وجود شقها وشقيقها الرجل – ضلع الرجل – فهذا يدل على مدى الامتزاج والارتباط الكائن بين الرجل والمرأة كامتزاج الروح بالجسد، وأكده بالباء -الالتصاق -لكلمة "بالعيش" أي التصاقا وتوحدا كاثنين في واحد، ثم احتضن غزل أبياته بالحض والحث على الجانب الأنثوي الرقيق حين نظمهن بالبلاء، فالبلاء - بالخير والشر- ، وهنا بلاء في الخير كالأموال والأولاد... وهذا مرآة عاكسة لأيديولوجية الشاعر الحانية الحريصة على الدعوة لرعاية بعناية هذا البلاء الخيري في الحياة... فجاءت أبيات الشاعر ذات ائتلاف سياقي تنغيمي بالجناس المفروق (الدواهي الدواهن ** بلاهن والبلاهن) وهذا يدل على قدرة امتلاك الشاعر اللغوية للكلمات، وتكرار حرف النون والألف " الدواهي النساء الدواهن ..." فالصوتان (الألف والنون) مجهوران فالأصوات المجهورة في الكلمة يجعلها أكثر جمالاً وإيقاعية، وأوضح في السمع؛لأنّ الأصوات المجهورة تتميز بقوة وضوحها في السمع؛وذلك راجع إلى النغمة الحنجرية المتولدة من اهتزاز الوترين الصوتيين عند النطق بهذه الأصوات، ومما يصوّر معنى السعة ففي كلمة (النساء) صوت الألف الذي يتميّز باتساع مخرجه واستطالة الصوت به، وصوت النون يخرج من الخياشيم فهو أسناني لِثوي أنفي مجهور ليس شديداً ولا رخواً ، وإنما هو من الأصوات المتوسطة، واتخاذه حرف الروي: فهو صوت خياشيمي نغمي وتكرر النغم النوني في الأبيات...
والأبيات الثانية : صورة شعرية مديحية تبحر في كل معاني التبجيل للرجال، فوقفت الشاعرة على شاطىء مرجان معني كلمات الرجولة، حين وسمتهم بالعلاج المرهمي للمرارة والمر بالتبجيل السياق الثبوتي للجملتين الاسميتين فالمبتدأ - الرجال - وانصهر خبرها بجملة اسمية الثانية - هم المرهم- فهم الدواء من شقاء الحياة بالدواء الرجولي للعليل الوجودي: فهم السند (الأبوي والأخوي والزوجي...) لبؤس تعاسة عدمية الوجود، ثم عطفت مرهمهم الحاني على جلدة الطين بالتكدير والمرارة، فالأشياء الحياتية تكشف وتظهر ببزوغ وانبثاق من تضادها ونقيضها، فلولا الحزن لما كان للفرح معني ولولا التكدير لما كان في زمن الوجود معني لسعادة الإنسانية، فهنا مزج ازدواج وتناقض الأضداد في شغف المعشوقات: حين وصفهم بالمرارة والتكدير للكوني للحياة، وأكدت على عمومية وشمولية الرجال على مر الأزمان – آل التعريف – للرجال ، والضمير- هم - ، كما أنها خاطبت القارئ الشاك في الخبر، فأكدت بالضمير (هم)، ثم بنت الهيكل المديحي بالنفي الاثباتي، للعلاقة بين الرجل والمرأة تلك العلاقة الجدلية الأزلية والأبدية المنبثقة منها نسل العلاقات الانسانية، فلا تطيب الحياة بدون الشق الآخر للنساء فهم حياة سرب النظام الإنساني، وهل أضاءت السماء دون أقمار؟
وأكدت بالباء " باء الالتصاق" أي التصاق وامتزاج النوعي للبشر؛لسعادة الوجود،ثم عطف الطيب الوجودي على البلاء الكائن- الخير والشر- فالبلاء الرجال كبلاء الأموال والأولاد بلاء خيري، فقد حثت وحضت النساء( الأم الأخت الزوجة ...) على هذا البلاء الخيري؛لتحفه وتشحه بأناملها الحانية والرقيقة بتمسيدها على عناءه الحياتي اليومي لأجلها ...وهذا انعكاس على مرآة وأيديولوجيات الشاعرة الحانية لشق الوجودي في الحياة...فجاءت أبياتها ذات ائتلاف سياقي تنغيمي بالجناس المفروق( المرهم المرهم بلاهم والبلاهم ) وهذا يدل على امتلاك الشاعرة لناصية اللغة، تكرار حرف الميم ( هم المرهم بلاهم ...) فهو حرف شفوي: مخرجها باطن الشفة العليا مع باطن الشفة السفلى، وفيه إشراك للخيشوم؛لأن الميم لا تكتمل إلا بالغنّة التي مخرجها الخيشوم، والميم حرف مجهور متوسط, مجهور يعني لا يخالطه نفس متوسط يعني حال وسط بين كمال الشدة و بين كمال الرخاوة يعني صوتها ينقطع انقطاع ضئيل ويجرى جريان ضئيل، فجاءت في نهاية المطاف بالحرف الروي الميمي الشفوي المنبلج من ثغرها المبجل للمعاني الرجولية ...
منذ القدم عرف النقد عند النقاد والمتذوقين بذكر المحاسن والعيوب الأدبية، ومع مرور الزمان تغير مفهوم النقد كتغير باقي المفاهيم الحياتية، وعرف بالقراءات المتعددة، فحين تنقد بعين فاحصة وبحصافة عقلية للأبيات الشعرية أو للكلمات النثرية، تقرأها بروحك المضمونية واللفظية البشرية المختلفة عن بقية القراءات الإنسية لأصحاب الكتابات النقدية.
وفي البداية يجب امتلاكك الذائقة النقدية، والعقلية التحليلية النقدية المنهجية، والألفاظ اللغوية، والقراءات الأدبية الغزيرة، ثم تخطو بقلمك قراءتك النقدية الخاصة المختلفة عن القراءات السابقة، وتكشف عن ثنايا و ثغرات لا يكتشفها الآخر، وهذه ميزة النقد الحديث - القراءات المتعددة - ...
فمثلا: المعارضة الشعرية لهذه الأبيات اعتبرت عند كثيرين من الناس أنها تحمل معاني الازدواج الهجائي والمديحي، وعندما قرأتها قراءة خاصة من وجهة نظري وجدتها تحمل كل معاني المديح ...
قال شاعر:النساء هن الدواهي والدوا هُنَّ
لا طيب للعيش بِلا هُنَّ والبلا هُنَّ
فقالت:والرجال هم المرهَم والمُرُّ هم
لا طيب للعيش بِلا هم والبلا هُم
فالأبيات الأولي : صورة شعرية مديحية تحمل كل معاني التعظيم للنساء، فقد نسج مديحه بإطراء مزية ألا وهي الدهاء،فالدهاء سجية؛لتكسب معركة الوجود وتسود الحياة ، ثم أكد تعظيمه بأن النساء هن الدواء لداء المريض، فهنا بني الصرح لتعظيم النسائي: حين ابتدئها بجملتين ثبوتيتين اسميتين فالأولى المبتدأ ( النساء ) وخبرها الجملة الاسمي الثانية المحتضنة والممزوجة بالمبتدأ الأول (هن الدواهي)، ثم أكدها بالعطف الحناني الدوائي، وحين ابتدأها بالأسلوب الخبري الطلبي لمستمع يظن ويشك بالخبر، فأكدها بالضمير "هن" ، ولا يغيب عن الذهن روعة التعريف – آل التعريف- وذلك للعموم والشمول الوجودي الأزلي والأبدي لنساء، وأثبت ذلك بالجمع في نون النسوة -هن-، ثم بني الشاعر سور من مديح النساء الواقعي بالنفي الاثباتي - لا طيب – أي أنهن سبب الوجود؛لنبض الروح، فلا تطيب دنيا الحياة دون وجودهن، وهل سعدت الأرض دون سماء؟
فهن خلقن من وجود شقها وشقيقها الرجل – ضلع الرجل – فهذا يدل على مدى الامتزاج والارتباط الكائن بين الرجل والمرأة كامتزاج الروح بالجسد، وأكده بالباء -الالتصاق -لكلمة "بالعيش" أي التصاقا وتوحدا كاثنين في واحد، ثم احتضن غزل أبياته بالحض والحث على الجانب الأنثوي الرقيق حين نظمهن بالبلاء، فالبلاء - بالخير والشر- ، وهنا بلاء في الخير كالأموال والأولاد... وهذا مرآة عاكسة لأيديولوجية الشاعر الحانية الحريصة على الدعوة لرعاية بعناية هذا البلاء الخيري في الحياة... فجاءت أبيات الشاعر ذات ائتلاف سياقي تنغيمي بالجناس المفروق (الدواهي الدواهن ** بلاهن والبلاهن) وهذا يدل على قدرة امتلاك الشاعر اللغوية للكلمات، وتكرار حرف النون والألف " الدواهي النساء الدواهن ..." فالصوتان (الألف والنون) مجهوران فالأصوات المجهورة في الكلمة يجعلها أكثر جمالاً وإيقاعية، وأوضح في السمع؛لأنّ الأصوات المجهورة تتميز بقوة وضوحها في السمع؛وذلك راجع إلى النغمة الحنجرية المتولدة من اهتزاز الوترين الصوتيين عند النطق بهذه الأصوات، ومما يصوّر معنى السعة ففي كلمة (النساء) صوت الألف الذي يتميّز باتساع مخرجه واستطالة الصوت به، وصوت النون يخرج من الخياشيم فهو أسناني لِثوي أنفي مجهور ليس شديداً ولا رخواً ، وإنما هو من الأصوات المتوسطة، واتخاذه حرف الروي: فهو صوت خياشيمي نغمي وتكرر النغم النوني في الأبيات...
والأبيات الثانية : صورة شعرية مديحية تبحر في كل معاني التبجيل للرجال، فوقفت الشاعرة على شاطىء مرجان معني كلمات الرجولة، حين وسمتهم بالعلاج المرهمي للمرارة والمر بالتبجيل السياق الثبوتي للجملتين الاسميتين فالمبتدأ - الرجال - وانصهر خبرها بجملة اسمية الثانية - هم المرهم- فهم الدواء من شقاء الحياة بالدواء الرجولي للعليل الوجودي: فهم السند (الأبوي والأخوي والزوجي...) لبؤس تعاسة عدمية الوجود، ثم عطفت مرهمهم الحاني على جلدة الطين بالتكدير والمرارة، فالأشياء الحياتية تكشف وتظهر ببزوغ وانبثاق من تضادها ونقيضها، فلولا الحزن لما كان للفرح معني ولولا التكدير لما كان في زمن الوجود معني لسعادة الإنسانية، فهنا مزج ازدواج وتناقض الأضداد في شغف المعشوقات: حين وصفهم بالمرارة والتكدير للكوني للحياة، وأكدت على عمومية وشمولية الرجال على مر الأزمان – آل التعريف – للرجال ، والضمير- هم - ، كما أنها خاطبت القارئ الشاك في الخبر، فأكدت بالضمير (هم)، ثم بنت الهيكل المديحي بالنفي الاثباتي، للعلاقة بين الرجل والمرأة تلك العلاقة الجدلية الأزلية والأبدية المنبثقة منها نسل العلاقات الانسانية، فلا تطيب الحياة بدون الشق الآخر للنساء فهم حياة سرب النظام الإنساني، وهل أضاءت السماء دون أقمار؟
وأكدت بالباء " باء الالتصاق" أي التصاق وامتزاج النوعي للبشر؛لسعادة الوجود،ثم عطف الطيب الوجودي على البلاء الكائن- الخير والشر- فالبلاء الرجال كبلاء الأموال والأولاد بلاء خيري، فقد حثت وحضت النساء( الأم الأخت الزوجة ...) على هذا البلاء الخيري؛لتحفه وتشحه بأناملها الحانية والرقيقة بتمسيدها على عناءه الحياتي اليومي لأجلها ...وهذا انعكاس على مرآة وأيديولوجيات الشاعرة الحانية لشق الوجودي في الحياة...فجاءت أبياتها ذات ائتلاف سياقي تنغيمي بالجناس المفروق( المرهم المرهم بلاهم والبلاهم ) وهذا يدل على امتلاك الشاعرة لناصية اللغة، تكرار حرف الميم ( هم المرهم بلاهم ...) فهو حرف شفوي: مخرجها باطن الشفة العليا مع باطن الشفة السفلى، وفيه إشراك للخيشوم؛لأن الميم لا تكتمل إلا بالغنّة التي مخرجها الخيشوم، والميم حرف مجهور متوسط, مجهور يعني لا يخالطه نفس متوسط يعني حال وسط بين كمال الشدة و بين كمال الرخاوة يعني صوتها ينقطع انقطاع ضئيل ويجرى جريان ضئيل، فجاءت في نهاية المطاف بالحرف الروي الميمي الشفوي المنبلج من ثغرها المبجل للمعاني الرجولية ...