الأخبار
الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفح
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مسرحية البلوكاج: مسرح المرأة بين رؤية التراثي وإبداعية العالم

تاريخ النشر : 2019-07-07
مسرحية اللبلوكاج: لمسرح المرأة بين رؤية التراثي وإبداعية العالم

إنجاز د. الغزيوي بوعلي

إنجاز دة. بن المداني ليلى

إذا كان الفن غاية في ذاته، وأن الجمال له قيمة مطلقة، ولا يعبر ببساطة عن قيمة لغاية أخرى وإن الفن لا يخضع لأي معيار إلا لمعيار الجمال لأن الوعي الجمالي له استقلالية عن أّي مضمون معرفي أو أخلاقي، فهو رؤية ذاتية نجدها في كتاب "نقد ملكة الحكم" لكانط، فهو الذي ربط الوعي الجمالي بحالات ظروف الذات، فهذا التجريد الذي يمارسه الجمال هو نتيجة هيمنة العلم الذي يتناقض مع التجربة الفنية، وحينما نتلقى الفن على أساس التجربة الذاتية وكوعي جمالي نغترب عنه، وننسى أنه مشارك في بناء الحقيقة هنا تكمن أهمية الهيرمينوطيقا في تجاوز الاغتراب لإخراج الحقيقة، كالوعي الجمالي الذي ينظر إلى الأعمال كموضوعات جمالية خالصة، لا يجردها من مضمونها المعرفي والأخلاقي، وهذا لا يتأتى إلى بتحرير منطق اللغة من العلم، ومواجهة النتائج السلبية الناتجة عن اختزال العلوم الإنسانية إلى مجرد مسألة جمالية، فغادامير ينتقد الجمالية الكانطية بنظرة ريبة، ويستبعد صلاحيتها كأساس لفلسفة الفن سواء تعلق الأمر بعلم الجمال الذوق أو العبقرية.

هكذا يتأسس الفن الجمالي عند المخرج حسن مراني علوي بوصفه أرضية مثالية تتجاوز حدود الكون، للدفاع عنه ضد الاغترابات التي واجهها ويواجها، وضد كل الوصايا الأخلاقية والسلطوية التي تمارسها الدولة، حيث أمسى جليا أن الجمال هو الحرية التي تمكن من القضاء على الثنائية الكانطية المتمثلة في هدم الهوة بين الطبيعة والحرية وبين ما هو كائن أو ما ينبغي أن يكون، هكذا انفصل الفن الجمالي عن الواقع ليرتقي بالخيال ليبني مملكة جديدة. وهذا التحقق الخيالي لن يتم إلا بواسطة النقد الظاهراتي للعلم وإبستمولوجية ق 19 والتحرر من المظهر، والوهم، والسحر، والحلم ...

لإدراك نمط جمالي "كمفهوم للواقع وتكييفه[1]  فالوعي الإخراجي الجمالي هو قطب الذي يقاس به كل شيء، يفرض ذاته كخبرة بالواقع وبالوجود وبالحقيقة كفائض الوجود[2] sur croît d’être، فالوعي الجمالي عند المخرج حسن العلوي ينمو بنمو الرؤية الإخراجية وبالعبقرية التي تبدع بطريقة لا واعية، فالمخرج يستمد رموزه من العالم الخارجي، ثم يضفي عليها طابعا شفافا ليفصح عن المعنى بكل جلاء ويجعلها قابلة للفهم والإدراك، وكمجال للتعبير الكلي الذي يجمع بين القوى الحسية والقوى العقلية في لحمة واحدة ويقول شيلر "ومتى تأتي للإنسان أن يحس نفسه من حيث هو مادة، وأنه يعلم من حيث هو روح يحقق حدسا كاملا، واستبصارا تاما بإنسانيته، وأن الموضوع الذي أتاح له هذه الرؤية سوف يفيده كرمز لمصيره المتحقق ومن ثم كتمثل اللامتناهي"[3]. فالإخراج برمزيته لا يزيل بكل بساطة التناقض الموجود بين عالم الأفكار وعالم الحوار، بل يقدم أيضا تفاوتا بين الشكل والمضمون، وأن الحقيقة غريبة عنا حتى أننا نلقاها في اللانظام الذي يتضمنه الواقع أي كاستكشاف واقعنا وإزالة التحجب بأعين وآذان جديدة"[4]. فالإنسان يعيش الصراع المادي والروحي (الصوري)، والحس/ الفكر، فالجمال حسب المخرج هو واسط بينهما في وحدة دافع اللعب، وأنه مركز التوفيق بين المادة والصورة، والطبيعة والفكر كما ندرك قال شيلر في كتابه "رسائل في التربية الجمالية للإنسان" فهذا التوظيف الإيقاعي الجمالي، يجعلنا البعد لجمالي ونشارك فيه (اللغة – الديكور – الجسد – الماكياج – الموسيقى، الإنارة – اللباس) من أجل تجاوز هيمنة العلم على الفن، فهذا الأخير لا يسقط في البساطة، بل يركب بالخيال لمعرفة  اتنماءنا، وروحنا دون تمايز أو تفاضل هذا ما نجده في "الكود"، و"البلوكاج"، إن هذه المسرحيات تأخذ، قدرة إبداعية ركحية، تعملان على توليد أنوية دلالية وتربوية، وتخلقان أمكنة بمنأى عن الواقع المادي، حيث يكون الممثل مثل البوهيمي Bohème يمدنا بالإدراك الغني يحد ذاته، richesse de sèns propre à la perception، إدراك لشيء ما بوضعه كحقيقة بنيوية والتي سماها غادامير "باللاتمييز الجمالي "وهذا يقربنا من منظور هوسرل المعنون "القصدية" لأن المخرج حسن العلوي يدرك حساسية المواضيع برؤية تنظيرية وتجريبية ترتبط بالمضمون دون إلغاء الهوامش التي لها صلة لفهم الشيء الممسرح كوحدة كلية يتضمنه العمل المسرحي، فهذه الاستمرارية التاريخية هي نبع للوعي الجمالي الذي يستخلص من الخصائص المسرحية، وينطوي على خبرة فنية وجمالية غير منفصلة عن المؤثثات، والصفات الأخرى المكملة، لأن ذات المخرج بما تحمله من بصيرة، وخبرة يحس المتفرج بالتحول الجمالي الذي يحدثه العمل الدرامي الممسرح مع طرح السؤال الذي طرحه الباحث جياني فاتيمو "أين تتموقع الحقيقة في كل أعمال المخرج؟ وكيف يتم إدراكها بوعي تاريخي؟[5]. فالسؤال المطروح من فاتيمو يقربنا من الإخراج عند حسن العلوي، لأنه يحاول أن ينتقد الوعي الجمالي الكلاسيكي المجرد لخلق وعي جمالي، يكون فيه الممثل ذا خبرة، وذا حق في المشاركة الجماهيرية قصد تعبيره.

لأن هذا لنص التراثي هو نص إشكالي ينبغي فتح المسارات التي تجعل هذه القراءة أما الفهم والتأويل، لأن النظرية التأويلية بوصفها فن الفهم والممارسة، لا تتردد في مساءلته لما له من قيمة في الوجود الإنساني، وحاضر ككينونة به نستعيد ذواتنا ووجودنا فلا حاضر لمن لا ماضي له، فالتراث الممسرح إذن نسكنه كما نسكن اللغة التي نتلفظ بها.

إذن كيف نعمل على تأويله؟

فإذا كان هذا السؤال مبنيا أساس ومعالم هذه القراءة، لأنها تعيد النظر في التعارضات القائمة بين التأويلات كالمعيارية التي تنقل التراث من حالته غير الحاضرة إلى وضعه الراهن لأن الأمرية تأتي من ضمنية النمذجة المعلقة فوق الأصول في الفراغ، تمارس فعل القسر بالرفض، وهذا التصفية هي التي تجعل التداولية هي الأساس لابد أن تتجرد من سلطة الحاجز الذي يأتي إلى النصوص محملا بالإجابات، فينبغي أن نقرأ قراءة تأويلية، لا فرق فيها بين قديم وجديد، وأن كل تأويل مبناه تجاوز التاريخ ليرفع التراث إلى ركبة فوق الماضي[6].

  فالتراث الممسرح هو وحدة لا يقبل التجزؤ، موجود بذاته ككتلة من الدوال، وسؤال إشكالي (كما يقول الجابري لأنه البحث عن المتغيرات التي صنعته، والعلاقات التي نسجته نحو إمكانية بناء قراءة[7]. فهذه الرحلة الدرامية ما هي إلا يبحث في صميم المعرفة وفضاءاتها التي ترى أنظمة الثقافة الدرامية كما لو أنها كلا لا تقف عند تخومها، بقدر ما هي مساءلة لجميع أصناف هذا البعد الدرامي الذي يتأسس به الفكر المغاير، ويقول طه عبد الرحمن "إن التراث بوصفه كلا متكاملا ووحدة متناسقة من غير انتقاص لأي جزء من أجزائه أو التقليل من وظيفته، فحتى لو سلمنا بوجود ثغرات أو عثرات في هذا القطاع أو ذاك فإن التراث ما كان ينبغي للقارئ أن يعدل عن تقويمه، متوسلا في ذلك بأقصى ما يمكن من الأدوات حتى تظهر كل جوانبه"[8]. فالتراث ناظم معرفي ممتد في المكان والمتحول في الزمان كما يرى جورج طرابشي في (إشكاليات العقل العربي، ص: 280).

فالتراثي لا يلتجئ إلى التراث لاحتماء به، أو الدفاع عن الذات الثابتة، بل ينظر إليه في نموه وتطوره وتحوله في كليته لا في شكله قصد نجاح هذه الذات في أنه تكون مشاركة إيجابيا في الحضارة القائمة ومبدعة فيها"[9]. فالمخرج ثور المفاهيم، وأبدع المعاني وبسط الاتصال اللغوي ليكون العرض المسرحي قابلا للفهم والإفهام.

فهذا التراث حسب المخرج لم يكن حاضرا إلا في خطاب أسلافنا وفي حقل تفكيرهم، كما أنه غير حاضر في خطاب أية لغة من اللغات الحية المعاصرة التي تستورد منها المصطلحات والمفاهيم الجديدة علينا"[10]. فهذا الطرح يجعل الوجداني والمعرفي والإيديولوجي في بؤرة واحدة دون الانغماس في التراث، وهذا ما جعل المخرج يستدعي التراث الفني والثقافي والدرامي كمفهوم ابستمولوجي باعتباره تركيبة تأويلية جديدة، تنظر إليه من خلال مرجعية لتنفذ إلى الفكر والقيم اللغوية الدرامية كبعد جمالي، لهذا عمل المخرج على تجاوز حدود المكان والزمان ليتفاعل من منظور أفقي تأويلي، قصد إعادة إنتاج دلالات ممكنة، وهذا الاختلاف التراثي الدرامي يجعل المتحول كسلطة معرفية لتعتمد أساس التأويل ووصفا يبلغ مرتبة التقويم[11]. والتأويل المسرحي أصبح ضرورة منهجية تعيد كما قال العديد من المفكرين العرب للأنساق الدرامية، تأرختها وذلك من خلال خلخلة مركزية النص وبث الاختلاف في شرايين هذه الأنساق العرضية. بيد أن هذا التأويل يتيح للقارئ الانخراط في العروض ليفتح حوارا مع النصوص الأخرى ومساءلتها بوعي جدلي لا يتعارض مع التاريخ والفكر، بل يقوم على أولية المرجعية لكونه يقوم على أولية التأويل والممارسة الإبداعية، والاهتمام بالزمكانية واللغة الدرامية، والجمالية، والذوقية، وهذا ما نراه في العديد من الكتابات المعاصرة كما عند طه عبد الرحمان، فالقراءة عند حسن العلوي هي امتداد زمني وصياغة فنية وجمالية تفهم التاريخية، وتعرف التألف مع متغيرات العرض القرائي، لأن كل ما يتعالى على النص هو الذي يوجه النص المؤول وليحل محل النص المقروء، وعوالمه المادية والفكرية، كعوامل تفسير الزمني باللازمني، والكائن بالإنساني والوجودي والمعرفي والفني.

فالتأويل حسب الجابري هو محاولة إبداعية جديدة، وتجاوز ما لم يعد واقعي إلى ما أصبح قائما ومشيدا في الواقع وفي الحياة، إذن فالجابري يتميز عن بعض القراءات التي تدعي امتلاك النص ومحاصرته بأدوات التفسير، وبين القراءات التي تنظر إلى النص المفتوح من خلال الفعالية التاريخية في الزمن الراهن والمعاصر، أي تحيينه وجعله ممسرحا مغايرا لا يترك للجمهور ليسكن في عالمه الماضوي، بل يجعل التراث يتحدث عن نفسه بواسطة أسئلة وقطيعة ليصنع تاريخه المتشكل كواقع ثقافي مشروط بالزمان من أجل تحرير خيالهم من سلطة الماضي، لذا يعمد حسن العلوي أيضا على مسرحة وتحيين النص لكي يتخذ امتدادات بجهاز نظري لتحقيق التغيير وبناء نص مضاعف، يحتضن السامع والبصير، والأصم لتحريرهم من الأوهام أو بالأحرى مما يسميه محمد أركون بإيديولوجيا الكفاح Ideologie de combat [12] التي باتت هي الخطاب المهيمن على ثقافتنا العربية، فحسن العلوي يبحث إمكانية نهضة بعد كفاحه مع التيارات السابقة الارتودوكسية من أجل بناء حداثة تمسرحية قادرة على الانخراط في التحرير المتمثل بقراءة نقدية تأويلية لهذا التراث، النصي، إذا يتوقف هذا التأويل على أسس واعية بتحديات العصر التي يواجهه التراثي في الاندماج في الحضارة الكونية دون السقوط في القراءة الدوغمائية المغلقة، لأن كل تأويل هو وعي جديد ورؤية عقلانية متنوعة لا تهدف إلا إلى بناء فهم وإفهام، ويكون القارئ المتفرج هو مركز الوجود ومحور القيم، والجمال، الأمر الذي ساعد المخرج حسن العلوي بدوره على تطوير رؤيته المرتبطة بالتاريخ والإنسان لتكون قادرة على كشف قوانين المجتمع والفن (من نحن؟ إلى أين نسير؟ ماذا نريد، ولمن ... وكيف نؤول ... فهذه الأسئلة تتيح لنا كشف الأنساق الدرامية التراثية التي جعلت الهامش يتخلص من كل سلطة التي تجعله خطابا إيديولوجيا، من أجل فتح حوار لتحقيق حلم الكونية، فالهدف المتوخى من هذا الحوار هو نقض النص مع تجديد آليات القراءة في مقاربته، وإعادة بلورة رؤية تجريبية ترى إلى التراث بعين الموضوعية لا ببعد الخطاب المغلق أو النظرة المذهبية، إذ لا يستقيم البعد التأويلي لدى المخرج إلا بربطه بأدبية الخطاب الحداثي كي يصبح الخطاب المؤول مرتبطا ارتباطا عضويا بتاريخ التأويل المتفاعل مع النص، والمتلقي، واللغة الدرامية التراثية الآنية، وبهذا فتح باب المعاينة والمجادلة في رصد الظواهر التراثية من أجل إنبات الهامش في الواقع كما في الرؤية المهمشة التي تسعى إلى التماهي مع الظروف، لكي يتنسى لها أن تبني موضعها ضمن السياق الاجتماعي الذي نشأت فيه، وهي إذ تفقد ذلك الموقع للبحث عن مبررات تعلل بها صحة تهميشها التي ارتضته كرؤية لتفكيك المركز المهيمن، فالرؤية التمسرحية التراثية لا تمتلك لجهاز المفاهيمي الطبقي الذي يتيح لها فهم موقف الخطاب البورجوازي، دون إحداث التضاد بينهما، فهدفها إنتاج المآل وفق النظام والتصور الاجتماعي الذي ينظر إليها كطقس تدنيسي وسيكولاتيكي وكعلامة أولية تؤسس المعنى اللذوي الذي يراهن على جوهرية الثقافة الجماهيرية كما يرى "أحمد الشراك"، إذن لا يصعب علينا القبض على الخطوات المنهجية نستطيع من خلالها تحديد آليات التي تجعل من منطق الطبقية البورجوازية تفكيكا فكريا، وأسريا وإنتاجا تضاديا: كالخير / الشر، الحقيقة الظلال – الصواب/الخطأ، فهذه الثنائيات المتعاكسة تكشف لنا التفكك الاجتماعي والأسري بما تحمله من صراعات فكرية مناهضة لبعضها البعض، والتي تمتد من مرحلة المرأة إلى لحظة العماء والاكتمال اللذوي، فهذا الخطاب الرجولي يعذب الإيديولوجي ويورط نفسه في الهامش، كما ورط التراث نفسه، وإن اختلفت، فهو الشعار الذي يبحث عنها البطل التراثي لكي يحول الهامش (المرأة) إلى مجاز بالمعنى التقمص الجسدي المتمثل في أداء الشعائر اللذوية (سرير – الليل – الرائحة – الجلسة ...فهذا الجسد يصبح فاعلا متحركا للاقتداء بالمرأة التعويضية، وقد عمقت هذه الفكرة اللاتواصلية مع الزوج العربي كعملية تشخيصية متحركة من خلال استحضار الآخر (المعاكس للبطل والراغب في الطرف الآخر "المرأة" وهذه العلاقة بين البطل وزوجته، وبين البطل "المومس" هي علاقة انفصالية، وتواصلية لا تقف عند باب النظرة الاسقاطية بل برؤية شعائرية تخلق له مجموعة من الحقائق الدالة والتي يمكن للممارس أن يتجاهلها إذا ما أراد أن ينخرط في التواصل أو اللاتواصل، والاختيار الذي يقول الانعكاس المرتبط بالنص الممسرح ليطرح كمشروع منهجي وفكري والجدير بالمتابعة، لاسيما وأنه يبحث عن الإنسان من خلال التراث والعلم، والطبيعة كالسبل والغايات لرؤية تأويلية هي نقد بنية للواقع المغربي، والعربي، وتدمير لكل أجهزة الفكر، والمفاهيم التي ينبث عليها الجذر الأسري والمجتمع الكلي، فهذه القراءة التأويلية كما قلت تعاملت مع التراث تعاملا مفتوحا وليس سكونيا، حيث عمل المخرج حسن العلوي على الحفر من الداخل لنقد المجتمعات، والأسرة، والهامش، فأصبح الهامش أبرز عنصر تكتسب به القراءة لغتها الرمزية، وهذه الرمزية (المرأة) قابلة للتوظيف وللانفتاح من خلال القراءة التأويلية والسيميائية ومن المؤكد أن (المرسل – المرسل إليه – الموضوع – الذات، المساعد المعاكس، كلها تعمل على مخاطبة الوعي الواقعي الذي تحمله المرأة والرجل، وعلامة "الرجل" البورجوازي الذي هو ذاك المتعالي الذي يريد الرغبة لممارسة لا تختلف عن ممارسة فعل التقمص الذي تجسده زوجته. فالبطل (الرجل) كذات علاقته بالموضوع هي علاقة الرغبة، لإشباع الذات، باللغة الدرامية، التي يبدع أنظمتها خارج نطاق اللغة المعيارية، ليترجم طقوسه كخطاب أركيولوجي يستحيل التعامل معه من الخارج كمتناهي، بل نتعامل معه من الداخل كتركيب وتأويل جديد وكنزعة تراثية مركزية مطروحة ضمن الوسط التاريخي الاجتماعي، والفكري، حيث أن التفسيرات تعكس في الغالب رؤيا مركزية التي تنظر إلى الآخر كمهمش من خلال اللغة – الزمان – المكان – والجسد – كمحاولة نقدية لتخليص الإنسان الحداثي من فكره الطبيعي، وتلقيحه بفكر علمي كمحمول جديد، معتقدا أن فعل تحرير الإنسان من هيمنة العلم يحتاج إلى توليفة من الآليات المجسدة في التجارب المتعددة التخصصات، فهذه التركيبة في هذا العالم هي التركيبة سحرية تخترق السياقات الفكرية، واللاشعورية، وتقوم بتفكيكه لإعادة تشكيل الإنسان والأسئلة المحجوزة في اللاواقعي الباطني المريض، فهذا اللامفكر فيه هو رؤية تحفر في الذاكرة الممتدة، كخطاب مركزي مطموس هذا ما جعل المفكر البروفسور يهتم بالرأس الحامل للفكر كبؤرة معقدة ومتعالية تختفي السببية والنسبية، متناولا قضايا العلم نبوءاته وإشكالاته ليس من السهل التعرف على خصوصياته البرغماتية والتميزية، إذ يؤكد أنه الكائن البديل بإمكانه أنه يلج بوابة الحداثة التنويرية دون جعله إنسانا انهزاميا، حيث أن هذا الفكر هدفه إعادة للإنسان الطبيعي، إنسان غير طبيعي فالمسكين الذي يشق حياته في الوجود بحثا عن لقمة العيش، سرعان ما يصاب في جمجمته، حيث أدخلته حالة العمليات تحت إشراف البروفيسور، وهذا عبد العالي فهيم الأخير المريض بعقدة العملية الإكلينيكية والموضوعية العلمية أبهرنا بلغته وبمصطلحاته التي تنتمي لمرجعيات متنوعة.

وتداوله لكل علم جديد، إنه في الواقع يتماهى مع العلم والمرح، بحيث يكشف عن هذا المنحى في التفكير ويعبر عن إشكالية العقل العلمي في مقاربته، لإنتاجه الجديد، حيث يتباهى بهذا الزخم المعرفي والبيولوجي المقنع بالعملية والموضوعية، سرعان ما يخرج من صالة العمليات فرحا، بهذا الإنجاز العلمي الذي تتلاشى أمامه اليقينيات والفكر البسيط، لا يعرف هذا الجسد الطبيعي / الآلي ماذا وقع له، وكيف أخضع للتجربة، وللفروض العلمية الصارمة، إنها ثورة وتمرد ضد ذاته، وضد وجوده، حيث خرج من عباءة العمليات ليتجلى في صيغة الحاضر /العلم، فكيف يبني تناقضاته ويقابل أفكاره عندما يسمع الممثل الزويشي أصوات النساء اللواتي تسبحن معه الألفة على الهامش أو في هذا المركز العلمي الذي ظل البروفيسور مقتنعا بسلطته العلمية، ليجد نفسه مرتبطا بالتعالي، حتى يتسنى لهذه المرأة البدوية (إيمان) تدعوه إلى التواصل معها بأغاني هزلية شيقة من الهامش، أما المرأة المتمدنة فتتواصل معه بالحنان وبالأغاني الملفوفة بالرومانسية لتحرك فيه المشاعر، والعواطف، مما يجعله يعيش الحيرة، والقلق والانفصام والتذبذب، يبحث عن من يعيد له هويته المغترية، يحاول ويحاول الاسترجاع والانفتاح كذات تنتقل من مرحلة اللاواعي إلى مرحلة خصوصية الذات إلى مرحلة التمثل لكن البروفيسور الباحث، لا يريد هذا الاسترجاع، بل يقدم له المسكنات كعملية المحو، والاقصاء ليصبح متبوعا للمطابقة، والتمثيل الواحد لكن الرجل "المركب" الزويشي يستند إلى فرضيات التي تقول بأن الأفكار المترسبة والملهمة هي كائنات غير عقلية وغير مستقلة عن الإكراهات الشعورية واللغة الدرامية ومغايرة لأفكار البروفيسور عبد العالي فهيم.

لأن الاكتشاف العلمي /الممركز حول الأنا (البروفيسور) يفسر بنية الخطاب كمنتج، وكطقس إبداعي مقدس، وبين هذا الهامش الذي يرتبط بالأسرة النووية وبالشعور، والحب، واللذة، والجنس فكلاهما يشكلان نصا مستقلا فالرجل الزويشي ظل محافظا كليا على رجولته وعلى طقسه بالرغم من محاولات التذكر والتدبر، لكن الهامش يظل يزعزع هذه الأنا/الكوجيطي برؤية دوغمائية وبخطاب يعيد مساءلة الحب كاللامفكر فيه، أو ليعيد الذاكرة امتدادها كلحظة وقتية، وديمومة متناهية، أو كولادة جديدة وكمحاولة إفراغ هذا العقل من محتواه المحاكاتي التحرري قصد التشكيك في كل البديهيات التي شيدها هذا العلم من طرف البروفيسور، لينتشر الظلام، فيسدل الليل خيامه فتدخل كل امرأة إلى بيتها، وتظل الرومانسية تنبثق إما من هنا (أ) أو من هناك (ب) فيبقى الزويشي" مرتبطا بالعقل المؤسس للبروفيسور، يبحث عن إطار منهجي يجذبه لكي يحافظ على رجولته كمركزية، لكن سرعان ما يقع في نقاش ومطارحات علمية مع خالقه وصانعه الذي سلب أدميته وحريته، إنه إنسان لم يقذف في هذا الوجود عبثا، كان يحس ويشعر، وأنه متزوج من "صامت" فرغم هذه الاسترجاعات والتمويهات التي جعلته يحسب أنه مرتبط الأول بالعقل العلمي لا في ملفوظه، فهو لا يريد إلا استرجاع إنسانيته الطبيعية ولكن هذا الصانع بواسطة العلم اخترق هذا الاسترجاع ليضع في مكانه "الاستباق" القادر على تحرير العقل من أسر الفكر المغلق، وبأنه يملك الحقيقة التي لا يملكها المهمش "المرأة" أ، حيث غدا وهما من أوهام الحداثة، والعقلانية كما يدعي البروفيسور البهلوان لكن الزويشي لا يقوى على التخلص من أحلامه الوردية، حيث كان صاحب العنجهية، يؤسس لنفسه عن طريق "الخالق" والمبدع الأول البروفيسور كنهضة علمية يعادي فيها أصوله، ومعتقداته، وكل الخصوصيات الفكرية، وهذه القفزة النوعية هي عبارة عن استنساخ جديد لا يشعر الكائن بعذاب الضمير نظرا للهوة الشاسعة التي تفصل أناه الطبيعية، وأناه الاصطناعية، فيبقى السؤال المطروح ما علاقة المهمش بالمركز؟ وما علاقة الممثل الزويشي بإيمان صامت وإيمان الممثل؟

انطلاقا من المرأة البدوية، والمرأة الحداثية أو المعاصرة المتبرجة نرى أن النبش في خطاب المرأة المهمشة ندرك الحضور للاعقل المختلف الذي يعمل على تأريخ التراث المهمش[13] والذي أضحى جليا كخطاب علمي مسكون بهاجس التحرير والتبشير، بالعالم الجديد، الأمر الذي يجعله يتناقض ما يروم بحقيقة من طرف المرأة المهمشة، لأنها تبحث عن حلمها المختفي في جيوب التاريخ الحداثي، لا تعرف كينونة هذا الإنسان، بل هدفها "الزوج" الذي يحميها ويدثرها من أوجاع الزمان، ومن هذا العالم الأخرس كما يقول جان بول سارتر، تعمل على جذبه بألحان تسحر الأشباح والأرواح، فيحس الزويشي بهذا الوصال الذي انقطع في مخيلته، فلم يعد إلا الهذي وعدم اليقين، تطلب الرجل الذي يبين المعنى ويشتت الفواصل في ثوب دافئ وبلغة تكون أشد ضراوة وأبلغ عناق، وهذا الاكتشاف الإيروسي هي إبداع آليات تبقي لهذا المهمش أصالته وفكره وقرادته، وكدليل على إبداع الإنسان وحضوره الوجودي وكذات مختلفة عن غيرها في التفكير المركزي، ذات تعي أفقها، وتظهر تربتها من خلال اللغة، والسلوك. أما المرأة المعاصرة التي تتحدق في المرأة وتتلذذ بالأغاني الرومانسية، وبفصل الشتاء، وترنيماته، ولحنه، تحاول أن تصطنع الابتسامة لتسير أغوار الوصال الذي هو أصل اللقاء، والحب، والعشق تذكره لعله يستحضر الأشياء وتركيبتها لكي يخلع القيمة على ما ليس بمعنى، ولكن هذا الاجتراح الدلالي جعله حمال أوجه، متعدد المخارج، وبحرا بلا شواطئ، تدركه التحولات وهو لا يدركها، إنها لعبة مؤولة من عقدة "الأب" الذي يملك الحرية الجنسية، ولا يملكها الأخرون يملك المعرفة، والمركز، والهامش والمؤتلف والمختلف، والأسطورة والحقيقة، يجد عبرهما فضاءا للتجريب وإثبات نظرية الجنس/والذات، والعلم والخيال، والحقيقة، والأسطورة، والبروفيسور البهلوان/ لا يعدو أن يكون واصلا وفاصلا بين الهامش والمركز بسخرية تريد طرح المشاكل التي تعاني منها المجتمعات المتخلفة دون محاولة السيطرة على "العلم" مادام فعل القراءة العلمية لا تنتهي إلى أثر نهائي، بل يتعين عليها أن تجدد قراءتها لهذا التراث الذي يجعلنا نؤوله ككائنات فيه، وأن نعمل على بناء مرجعية قائمة على المراجعة الدائمة التي تحمل هم الإنسان والوجود، إذ يعتبر البروفيسور أن الإدراك المعرفي العلمي لا يكون إدراكا مطلقا، بقدر ما هو إدراك نسبي في المختلف وإضافة تغني الإنسان وتزيد من عبقريته وهذا ما رأيناه في خطاب الزويشي الذي أدرك كل شيء في ذهنه، وفي شعوره، وأن الصورة التي خلقها العالم لا تؤسس ذواتنا داخل هذا الوجود، إذ تجعل الكائن مقروءا منفتحا على غيره من الذوات المصنوعة دون إحساس، ولا فكر، ولا حب، ولا شعور لذا تجاوز الزويشي هذه الممارسة السيادية التي يفرضها العلم، من أجل بناء مجتمع إنساني، لن ولن تغلغل النزعة العلمية الموضوعية في ثقافة الإنسان المعاصر، الشيء الذي أدى إلى هيمنة الذاتوية على جميع مناحي الحياة، مما نتج عنه تشويه ذلك النوع من الحقيقة الإنسانية وطمس معالمها، وبالتالي أصبح الإنسان يعيش الاغتراب والاستلاب الفكري إزاء عالمه وإزاء الفن والتاريخ، والفكر وأمست الممثلة إيمان صامت، والممثلة إيمان الممثل يتجادلات ويتبادلان الكلام دون جدوى فيبقى البروفيسور عبد العالي فهيم هو البؤرة الجوهرية التي تريد أن يضع الإنسان أمام مخترعات العالم المعاصر.

وأمام هذا الاغتيال الرمزي لم يكن المسرح إلا رؤية تعمل على تقويض العلم وزعزعته غير أن هذا التقويض والرفض يتخذ عنده أوجها متنوعة ربما أنصحها وضوحا ذلك الذي يرفع لواء الخصوصية التي يتميز به الفن الدرامي فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة إدراكنا للوجود بمنأى عن الواقع، والحياة

فالمسرحية إذن عملت على تكسير أفق بناء القارئ، عارضة براعثها الجمالية التي تنم وتتأسس عن قوة تمسرحية، أكثر ما تنم عن قوة فرجوية، فالعرض المسرحي هو استجابة جمالية، وثورة علمية استحضرت التقنيات الحديثة قصد تجاوز بين ما هو فني، وما هو صناعي لذا عمل المخرج حسن العلوي المراني على بلورة هذه الصنعة الفنية والجمالية بوسائل مرأوية كي يصنع لنا رؤية إخراجية التي تحاور السائد والممكن بتقنيات الممثلين، وبوسائل تأثيثية متجذرة في العرض المسرحي، هذا ما يؤكده لنا عبقرية التمسرح، وكذا الممثلين الذين صنعوا لحمة جمالية وصناعة فنية.

إن المسرحية هي تجاوز بين ما هو تراثي وما هو حداثي، لذا نطرح الأسئلة التالية:

هل العرب قادرون على توظيف هذه الحداثة؟ وهل يملكون أدوات للانخراط في الحداثة؟ وهل تملك حداثة أم حداثات؟ وهل المسرحية هي إعلان حول التصدع الذي آلم بالبنية الفكرية العربية؟

وأخيرا لا يسعني إلا أن أشكر الطاقم التقني والفني الذي ساهم في المسرحية

 

ü تشخيص

- خالد الزويشي

- عبد العالي فهيم

- إيمان صامت

- إيمان الممثل

ü السينوغرافيا: عبد المجيد الهواس

ü تنفيذ السينوغرافيا: حميد أيت عبو علي

ü الإدارة التقنية: عبد الفتاح بن عدنان

ü مساعدة التقنية: رشيد الحياني

ü الموسيقى والألحان: رضى العمراني

ü الإدارة المالية: رجاء الركراكي

ü المحافظة: محمد وعمر مراني علوي

ü تصميم الملصق: عبد الكريم إقبال

ü التصور الجمالي والإخراج: حسن مراني علوي

ü تأليف: حميد الطالبي


[1] - غادامير، "الحقيقة والمنهج"، ص: 148.

[2] - نفس المرجع، ص: 150.

[3] - شيلر، "التربية الجمالية للإنسان"، وفاء محمد إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1991، ص: 208 – 209.

[4] -  Jean Grodin, « ind à hans Gearg Gadmer », P : 59.

[5] - جياني فاتيمو، "نهاية الحداثة"، تر فاطمة الجيوشي، منشورات وزارة الثقافة دمشق، 1998، ص: 139.

[6] - مصطفى ناصف، محاورات مع النثر العربي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، 1997، ص: 8.

[7] - محمد عابد الجابري، نحن والتراث، ص: 23.

[8] - طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص: 82.

[9] - الجابري، التراث والحداثة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999، ص: 23.

[10] - برهان غليون، اغتيال العقل محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط 3، 2004، ص: 135.

[11] - أدونيس، الثابت والمتحول، - 1 الأصول – دار الساقي بيروت، ط 8، ج 1، 2002، ص: 12.

[12] -  M. Arkoun, Humainsune et islam, combats et propositions, pari librarie pholo. ………… - 2005, P : 26 – 27.

[13] - جورج طاربشي، من النهضة إلى الردة، ص: 144.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف