الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المرأة في رواية "الحجر والبركة" لعبد الرحيم جيران بقلم:عمر القدري

تاريخ النشر : 2019-07-06
المرأة في رواية "الحجر والبركة" لعبد الرحيم جيران بقلم:عمر القدري
 المرأة في رواية "الحجر والبركة" لعبد الرحيم جيران
  عمر القدري

   رغم أن رواية "الحجر والبركة" للروائي المغربي عبد الرحيم جيران تتناول سيرة يساري هو سليمان الثنائي وترصد مراحل حياته منذ ولادته أواخر أربعينيات القرن الماضي إلى أن أسلم الروح سنة2012، وتَعتبر خيبته خيبة جيل بكامله، إلا أن حضور المرأة في حياة سليمان من قريب أو من بعيد كان حضورا لافتا، ولطالما اعتبر سليمان المرأة قارة من الرموز المحيرة التي تحتاج منا في فهمها إلى بصيرة وتفهم وصبر، وهكذا تحدثت الرواية عن وضعية المرأة في مختلف المجالات السياسية والثقافية والأسرية، فنجد المرأة الفاعلة والمشاركة في الحقل السياسي والثقافي، وتمثلها نجية بلمعلم التي جمعت بين الجمال وقوة الشخصية، وكان سليمان الثنائي يشبهها بالممثلة الأمريكية جون فوندا، وكانت نجية تعشق الأدب والفلسفة التي درستها في كلية الآداب بالرباط، وانضمت إلى المنظمة السرية اليسارية مع مطلع السبعينيات، وقد ورثت هذا الحس النضالي عن والدها "باعروب بلمعلم" الذي كان عضوا بارزا في منظمة الهلال الأسود خلال مرحلة الاستعمار، وسخر أمواله وجهده في تنظيم المقاومة ضد المستعمر، فلم يسلم من الاعتقال والتعذيب، ولما جاء الاستقلال تمت تصفيته من طرف رفاق الأمس، في إطار الصراع الدائر بين الأقطاب السياسية حول طرق بناء الديمقراطية، وتعلقت بأستاذ الفلسفة اليساري على الرغم من أنه كان في عمر والدها، لكنها أعجبت بأفكاره، وكأنها تستعيد من خلاله صورة والدها، وتعرفت على سليمان في إحدى العطل الصيفية وتوطدت العلاقة بينهما، وأصبحت حب حياته، إذ كانت بالنسبة إليه طوق نجاة، ونافذة على الحقيقة، وبوابة إلى ألق الفكرة، وسحر الكتابة، فهي التي نبهته إلى المبدع الكامن في أعماقه، كما أنها لم تكن بالنسبة إليه مجردة أنثى فاتنة، وإنما كانت كائنا يريد أن يعيش التاريخ ويفعل فيه، كائنا مهووسا بأسئلة الوجود والعالم والحياة، واضطر سليمان  الذي كان هو الآخر عضوا  بالمنظمة السرية اليسارية وخاصة "شلة العراة" إلى التخلي عنها تحت التهديد الذي تعرض له من المخبر عيسى البدياني الذي حاول اغتصاب نجية فدافعت عن نفسها وأصابته بجروح، فاتهمها مع سليمان بمحاولة قتله، مما عرضهما للسجن ظلما، وبعد خروجها من السجن اشتغلت مدرسة في إحدى الثانويات بالدار البيضاء، وتزوجت، ثم طلقت، وقد ظلت علاقتها بسليمان الثنائي خنجرا يمزق أوصال قلبها ويشوش تفكيرها، إذ عانت من صدمة عصبية استدعت اللجوء إلى العلاج النفسي، ولم تستطع طيلة سنوات افتراقها عن سليمان نسيانه، لذلك أوصت قبيل وفاتها سنة 2004، أن تمنح مذكراتها لسليمان، كما أن هذا الأخير رغم عجزه عن الحفاظ على علاقته بنجية، فقد ظلت ذكراها تلازمه إلى وفاته.

 وتمثل المرأة الفاعلة في الحقلين السياسي والثقافي أيضا فضيلة مدرسة اللغة الإنجليزية التي انظمت إلى اليسار، فكانت في نظر سليمان أنثى استثنائية، وكان لها أسلوبها المميز في العيش ومشاطرة الآخرين اختلافهم، فلم تكن مجرد مناضلة تنظر إلى العالم من خلال زاوية واحدة، زاوية الفكرة كما تعتنقها، بل كانت تجمع إلى نزوعها النضالي تمتعها بروح رقيقة تطفح بالبشر والدعابة، تعرف عليها سليمان الثنائي بالدار البيضاء في حفل صغير أقامه مدرس الفلسفة اليساري بمناسبة حصوله على شهادة الدراسات المعمقة في الفلسفة، ثم توالت اللقاءات بينهما حيث سيكتشف فيها اهتماما خاصا بالرسم، فكان الرسم أكثر من السياسة ما جعل الصداقة بينهما تتوطد، لكن خلف هذه الرقة والهوس بالفن، ترقد أنثى أكثر صلابة وشراسة، أنثى لا تلين ولا تهادن حين تجد نفسها مقحمة في معترك السياسة، وتعرضت للاعتقال لأنها كانت عضوا بارزا في التنظيم اليساري، ومسؤولة عن القطاع النسائي، اختطفت من بيتها بالأوداية نحو وجهة مجهولة، فتعرضت للتعذيب والتنكيل، وهكذا قضت روزا ألكسمبرغ كما كان يلقبها رفاقها، وكان نبيه العضو البارز بالتنظيم والمناضل المزيف في نظر سليمان يرى أن فضيلة انتمت إلى التنظيم وهي لم تتخلص بعد من إرث عائلتها البرجوازي، لذلك فهي في نظره تمثل الطفولة اليسارية التي يجب أن تحارب بلا هوادة، فهي لا تقل خطورة عن الخصوم على المجتمع.

     ورصدت الرواية وضعية الخادمات في البيوت اللواتي يتعرضن لكل أنواع الاستغلال من خلال عرض قصة رباب ابنة الفقيه البودالي حافظ ضريح الولي الصالح مول البحر مانح الصبيان الذي سجن سبع سنوات، حين كشف أمره، إذ كان يتواطأ مع بائعات المتعة ببيت الحاجة لويز ويطلب منهن أن يجلبن له مني الرجال كي يلقح النساء طالبات الخلف من الضريح اللواتي رجالهن عقيمون، واضطرت زوجة الفقيه وابنتيه بعد اعتقاله إلى مغادرة مدينة الراموزة متوجهين إلى الدار البيضاء، ونزلوا عند سعيد خال رباب الذي يسكن بكريان سنطرال والذي استغل ظروفهم ونصب عليهم، إذ أقنع الفقيه البودالي وهو بالسجن بتوقيع وكالة تسمح له بالتصرف في بيته بالراموزة، فباع سعيد البيت واستولى على المال، وبعد شهور من التضييق والمعاملة السيئة من قبل سعيد وزوجته اضطرت والدة رباب إلى البحث عن مأوى بحي باشكو الصفيحي، واشتغلت رباب خادمة في البيوت وهي لم تتجاوز بعد الرابعة عشرة من عمرها، وكانت تتلقى مقابل العمل الشاق الذي تقوم به أجرا زهيدا، وتتعرض لمعاملة قاسية من أصحاب البيت، ولما بدأت الأنوثة في جسدها تضج تعرضت للاغتصاب من رب البيت الذي كانت تشتغل فيه بحي كاليفورنيا الراقي، ثم طردتها زوجته بعد أن أجهضت حملها، فولجت بعد ذلك رباب عالم الليل والحانات، وليست رباب وحدها من تعرضت للاستغلال والاغتصاب، ولكن هناك أيضا الطفلة شامة التي اغتصبها القائد بوغالب البيدوري قائد قبيلة أولاد بوعزيز وقبائل أخرى من دكالة، والذي كون عصابة مسلحة في زمان السيبة تنهب الفلاحين، وتغير على القبائل الأخرى، واشتهر بخطف الصبايا وبيعهن إماء، فلم تسلم شامة ابنة أحد معاوينه من بطشه، فانتحرت بعد أن اغتصبها، فسكن شبحها الدار الغامضة بمدينة الراموزة، وتحولت قصتها إلى أسطورة  لالة شامة عاشقة الصبايا، فكان سليمان كلما مر قرب هذه الدار في طفولته إلا وتملكه الرعب الشديد، وتحدثت الرواية عن المرأة المعنَّفة من قبل الزوج من خلال عرض قصة والدة منير صديق سليمان التي كانت تتعرض للتعنيف بشكل مستمر من زوجها، وفي إحدى المشاحنات بينهما ووليد لم يتجاوز بعد  السابعة من عمره وبينما كان والده يشدها من شعرها ويجرها ساحبا رأسها نحو الأسفل تحررت منه وفقدت توازنها فسقطت على قفاها وماتت، فأجبر الوالد منير على تقديم رواية أخرى تخفي الحقيقة عن الشرطة، وحتى لما تزوج والده من امرأة ثانية لم تسلم هي الأخرى وأبناؤها من تعنيفه ووحشيته، فقد ضبط منير والده متلبسا باغتصاب ابنته تحت تأثير الخمر، فما كان منه إلا أن قتله. ومن صور استغلال المرأة من قبل الزوج ما تعرضت زوجة الرجل المقامر وهو تاجر خردة من مدينة مكناس كان مدمنا على القمار هو وصديقه الثري الذي يشتغل بالعقار، وفي إحدى الليالي بعد أن لعب الخمر بهما بدا لهما المقامرة بزوجتيهما، والخاسر يتنازل عن زوجته للآخر، ولما خسر التاجر وعلمت زوجته لم تتحمل الوضع ففرت إلى الدار البيضاء لتجد نفسها عالة على أختها، وأمام تضايق زوج أختها من تواجدها حاولت البحث عن عمل فلما فشلت أقدمت على الانتحار برمي نفسها من سطح عمارة.

   وتحدثت الرواية عن المرأة الخائنة، وتمثلها زوجة الصياد الذي كان يعشق الصيد أكثر من أي شيء آخر؛ فكان يخرج في الليل للصيد ويعود متأخرا للمنزل، وذات مرة نسي معدات الصيد في المنزل فعاد ليجد رجلا غريبا في فراشه مع زوجته، ومن ذلك اليوم قرر التخلي عن هواية الصيد التي جعلته يهمل زوجته، وقرر الانتقام من نفسه بحرق جلد ظهر يده راسما ثلاث نقط ترمز إليه وإلى القصبة وإلى زوجته، كما أنه أصبح مدمنا على نوع رديء من السجائر يشبهه في الاسم انتقاما من نفسه، وإحراقا لها، وتجسد المرأة الخائنة أيضا صباح، وكان خال سليمان الثنائي يلقبها بالقنال، وحذر سليمان منها، لأنه كان يراها شيطانا لا يتوانى عن الإيقاع بالناس في حبائله، وكانت صباح ممشوقة القوام يضج جسدها بالشهوة مشرقة الملامح، أدخلت في رأس زوجها أن جنيا قد تزوج بها، ويأتيها في الليل، لذلك تفضل أن تنام لوحدها، فاستسلم زوجها بعد أن فشل المشعوذون والفقهاء في طرد الجني الذي لم يكن إلا عشيقا إنسيا يتسلل ليلا إلى فراش صباح. 

   ورصدت الرواية حياة بائعة الهوى من خلال عرض قصة الحاجة لويز المشرفة على الدار الكبيرة التي كانت تتواطأ مع حافظ الضريح الذي يستعمل مني زبائن بنات الدار في تلقيح زائرات الضريح اللواتي رجالهن عقيمون، وقد تسبب ذلك في سجن حافظ الضريح والحاجة لويز وبعض العاملات تحت إشرافها، كما رصدت الرواية الابتزاز الذي كانت تتعرض له هذه الفئة من قبل رجال السلطة الذين كانوا يداهمون الدار كلما تأخرت المشرفة عن دفع الإتاوة، وحتى لما حاولت الحاجة لويز مشرفة الدار التوبة بعد خروجها من السجن وعودة زوجها الغائب الذي احتال عليها وجعلها تعتقد أنه انتحر لم يغفر زلتها وتشاجر معها شجارا حادا أصيبت على إثره بنزيف في المخ فماتت، ذلك أنه كان يرى أن العاهرة تبقى عاهرة ولو تنسّكت.

   وبناء على ما تقدم يتضح أن الرواية رصدت صورا متعددة للمرأة، لكنها في مجملها بينت أن المرأة كانت خاضعة لسطوة الرجل وهيمنته، وأنها لم تستطع التخلص من هذه السطوة إلا فيما ندر.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف