الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحاج أمين الحسيني وألمانيا.. تزوير التاريخ بقلم:مهند إبراهيم أبو لطيفة

تاريخ النشر : 2019-06-26
الحاج أمين الحسيني وألمانيا.. تزوير التاريخ بقلم:مهند إبراهيم أبو لطيفة
الحاج أمين الحسيني وألمانيا... تزوير التاريخ

مهند إبراهيم أبو لطيفة

إحتل البريطانيون جنوب ووسط فلسطين (سنجق القدس) في ديسمبر 1917، وأكملوا إحتلال شمال فلسطين في سبتمبر 1918. لم تكن في تلك الفترة، قد إتضحت طبيعة السياسة التي تسعى بريطانيا لتطبيقها في فلسطين. كان لدى الحركة الوطنية الفلسطينية ممثلة ببعض الشخصيات من رجال الصحافة والسياسة والفكر، رؤية عامة خصوصا ما يتعلق بنتائج الحرب العالمية الثانية، والمشاريع الإستعمارية للقوى العُظمى في المنطقة العربية، ولكنهم ركزوا بشكل كبير على مقاومة المشروع الصهيوني الساعي لإيجاد وطن قومي في فلسطين، والتصدي للهجرة التي بدأت تدخل مراحل جديدة.

كانت نسبة اليهود في تلك المرحلة لا تتجاوز 8% من السكان، ولا يمتلكون سوى 2% فقط من الأرض. ومع صدور وعد بلفور المشؤوم، وتكشف السياسات الإنجليزية في فلسطين، التي بدأت تدعم تشكل نواة لكيان صهيوني ، وتقدم له مختلف أشكال الدعم المادية والعسكرية والقانونية ، أحست الحركة الوطنية الفلسطينية بحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها.

كان على النُخبة الفلسطينية آنذاك أن تواجه إمبراطورية عُظمى، وصهيونية عالمية، تتقاطع مصالحها مع الإستعمار الفرنسي في المنطقة ، في حين كان المجتمع الفلسطيني، مجتمع يغلب علية طابع الحياة الريفية، الذي لا يملك لا جيشا ، ولا حكومة مركزية، ولا قاعدة صناعية، ولا حليف قوي، بعد أن إنقلبت الأوضاع في الدولة العثمانية، وتم تقسيم تركة " الرجل المريض " بين القوى العظمى ، وتكشفت ملامح المرحلة القادمة أكثر مع إتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، والتي وصلت أخبارها للعرب عام 1917 بعد إنتصار الثورة البلشفية في روسيا.

قدمت بريطانيا نفسها، حليفا للعرب وحليفا للثورة العربية الكبرى، ثم سرعان ما خذلت كل من راهن عليها، وعلى وعود الإستقلال والحرية، ومارست خصوصا في فلسطين، سياسة البطش والقمع للحركة الوطنية.

ففي الفترة التي إندلعت فيها الثورة الكبرى عام 1936 ولغاية 1939 ، حشدت بريطانيا ما يزيد على أربع فرق عسكرية، حوالي 50 ألف جندي بريطاني، وإنضم إليهم لاحقا عدة ألوف أخرى، ليصل العدد إلى 70 ألف جندي مهمتهم قمع الثورة، يضاف إليها قوات الحدود وقوات شرقي الأردن التي كانت تحت قيادة كلوب باشا.

بلغ عدد الشهداء قرابة الستة آلاف شهيد، منهم 150 حكمت عليهم المحاكم البريطانية بالإعدام شنقا، وبلغ عدد الجرحى عشرات الآلاف، وعدد المعتقلين حوالي خمسين ألف معتقل.

كما قامت قوت الإحتلال البريطاني، بنسف أحياء بأكملها في بعض المدن مثل يافا وجنين وغيرها ، وبعض البيوت في القرى الفلسطينية. وشنت حملة تأديب ، أتلفت فيها المحاصيل والمواد التموينية، ونهبت الأموال والأمتعة، وتعرض الأسرى لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، من تقليع الأظافر والكي بالنار والحبس في الثلاجات ، والتعليق من الأرجل. حتى أن بعض الشهادات تذكر أنهم كانوا يملأون بطون بعض الأسرى بالماء، ثم يجلدونهم بالسياط حتى تنفجر أجسادهم دما.

من الذين أشرفوا على عمليات قمع الثورة الفلسطينية من القادة العسكريين الإنجليز: الجنرال (دل وويفل) ، (ريتشي) ،(هاننج وولسون) ، (السير تجارت) الذي تم إستدعائه من الهند خصيصا كخبير في قمع الثورات والإنتفاضات ، وغيرهم. وكانت عصابات صهيونية تشارك في هذه الأعمال الوحشية مع القوات البريطانية، وورثت فيما بعد جميع ممارساتها.

ركزت بريطانيا في سياساتها القمعية على رموز الحركة الوطنية، ذوي الميول الثورية والقومية الواضحة، والتي إعتبرتهم خطرا على مصالحها ووجودها في فلسطين، ولعل لمحة سريعة على تجربة بعضهم ، تُسلط بعض الضوء على هذه السياسة :

1- عوني عبد الهادي: عضو الوفد الفلسطيني في مؤتمر لندن عام 1939، كان معتقلا خلال الثورة ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد أن وصلت لجنة التحقيق الملكية البريطانية إلى فلسطين عام 1937. حاول جاهدا إقتاع الإنجليز أن يصدروا عفوا عن المبعدين الفلسطينيين دون جدوى.

2- محمد علي الطاهر: صحافي فلسطيني ، أصدر من مصر جريدة " الشورى"، وتعرضت صحيفته أكثر من مرة للإغلاق والمصادرة، وكان يتحايل بإصدارها تحت أسماء جديدة. لم تسمح له بريطانيا بدخول فلسطين إلا على شكل زيارة لوقت محدود. ظل يعيش مدة ثلاثين عاما بعيدا عن فلسطين، وكان صوته عاليا لصالح الحركة الوطنية، قامت السلطات المصرية وتحت ضغط من الإنجليز بإعتقاله وإيداعه في السجن عام 1940، إلى أن تمكن من الهرب .

3- موسى العلمي: خريج جامعة كمبرج البريطانية، وكان موظفا كبيرا في الإدارة البريطانية في فلسطين، فقد وظيفته لمواقفه الوطنية في اكتوبر 1937 بعد قيام الثورة الكبرى . إضطر للجوء إلى لبنان ، وبالرغم من ذلك سافر إلى لندن للمشاركة في مؤتمر لندن، لعله يساهم في تحصيل بعض الحقوق القومية، وكان على إستعداد للقبول بتسوية تضمنها " الكتاب الأبيض " الذي صدر بعد فشل مباحثات مؤتمر لندن عن الحكومة البريطانية بخصوص فلسطين.

وعندما عاد إلى فلسطين في أغسطس 1941 ، أستدعته السلطات البريطانية، وقام المندوب السامي في القدس بتهديده وتحميله المسؤولية الكاملة في حال شهدت البلاد أعمال شغب أو إضطرابات، وطلب منه أن يغادر القدس لأي مكان آخر.

وعندما تم إختيار العلمي من قبل القوى السياسية الفلسطينية، ليمثل فلسطين في مباحثات تأسيس جامعة الدول العربية ، رفضت بريطانيا مشاركته، لولا تدخل الملك فاروق (نكاية بالنحاس باشا)، وبعد أخذ ورد تمت الموافقة على أن يُمثل فلسطين.

4- أكرم زعيتر: غادر فلسطين إلى دمشق في سبتمبر 1937 ، وأسس مكتبا إعلاميا هناك في فبراير 1939، من أجل التعريف بالقضية الفلسطينية وفضح سياسة الإنجليز والصهيونية ، فطلبت السلطات الفرنسية منه مغادرة البلاد تحت ضغط وتحريض الإنجليز. وتمت تسوية الأمر بأن سُمح له بالإنتقال إلى بيروت شريطة أن يثبت وجوده يوميا في دائرة الأمن العام، كنوع من الإقامة الجبرية، وأن لا يزاول أي نشاط سياسي.

لكنه تمكن من تجاوز التعليملات ، وإنتقل إلى العراق بعد أن إتصل بالمفتي الحاج أمين الحسيني، وعمل هناك في ديوان وزارة المعارف. وشارك في نشاط ثورة الكيلاني، ثم ذهب إلى بادية الشام، ثم إلى حلب ، وغادرها إلى تركيا، ولكن السلطات التركية فرضت عليه الإقامة الجبرية.

الظروف التي دفعت بالحاج أمين الحسيني للتوجه إلى برلين:

كان الحاج أمين الحسيني، وعدد كبير من رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، عُرضة للملاحقة والمطاردة والإعتقال والنفي، وعلى رأس القائمة كان الحاج أمين.

لاحقت سلطات الإحتلال البريطاني الحاج أمين عدة مرات ، مما كان يضطره للاختفاء كما حصل عام 1920 حين لجأ إلى الكرك في شرقي الأردن، ثم إلى دمشق، وصدر عليه حكم غيابي بالسجن 15 عاما، ولكن تم إسقاطه بعد أن تولى هربرت صموئيل الإدارة المدنية.

وعندما طوقت قوات الشرطة البريطانية دار اللجنة العربية الٌعليا بالقدس ، إعتصم في داره داخل الحرم لمدة أربعة شهور، وفي عام 1937 طوقت قوات البوليس بيته الكائن في حرم المسجد الأقصى ، بسبب تجدد الثورة بعد قرار التقسيم. وتم خلال هذه الفترة إعتقال عدد كبير من أعضاء هذه اللجنة ونفيهم إلى جزيرة ( سيشل)، ومنهم : أحمد حلمي باشا ، د. حسين الخالدي ، يعقوب الغصين، فؤاد سابا.

بعد حملة من التحريض على الحاج أمين في الصحافة الصهيونية والبريطانية ( التاميز/ مقال بتاريخ 16 يوليو 1937 )، أعدت السلطات البريطانية الطراد (ريالص)، ليحمله منفيا إلى جزيرة " موريشس" في المحيط الهندي.

تمكن الحاج أمين من مغادرة القدس بشق الأنفس، وتوجه إلى لبنان على متن زورق شراعي صغير، في رحلة درامية بكل معنى الكلمة، إضطر خلالها للإختباء في إحدى المغارات للإبتعاد عن أعين السلطات البريطانية، وأرتداء ملابس بدوية بسيطة مهلهلة، خرج من القدس بالسيارة إلى يافا، ثم إلى ميناء تل أبيب.

وعندما وصل إلى لبنان ، التي كان ينوي منها متابعة سفره إلى دمشق، تم إلقاء القبض عليه على شاطيء صور من قبل فوات خفر السواحل الفرنسية، واقتيد إلى بيروت، وخضع للإقامة الجبرية والمراقبة المشددة من قبل السلطات الفرنسية، التي كانت تراقب الوطنيين الفلسطينيين بالتعاون مع المخابرات الإنجليزية، لم ُيسمح للحاج أمين المغادرة إلى سوريا ، وحاولت السلطات الفرنسية إجباره على السفر إلى فرنسا، ولكنه رفض ولقي دعما من بعض الشخصيات الوطنية اللبنانية..

أعدت السلطات الفرنسية معتقلا في قلعة (تدمر) في بادية الشام لقادة الحركة الوطنية السورية ، وإعتقلت عددا منهم، وأعدت معتقلا آخرا في مدينة (بكفيا) في لبنان للساسيين الفلسطينيين. وشددت الحراسة على بيت المفتي في " الذوق"، ولولا حراسه من المجاهدين ودعم رجال " قرنايل "، لربما كان عرضة للتصفية والإغتيال.

أعد البريطانيون والفرنسيون قائمة مطلوبين للإعتقال ، تشمل عدد كبير من رجال الحركة الوطنية العربية ، مما دفع ببعضهم إلى الهرب للأقطار العربية المجاورة. ولم يكن بإستطاعة " المفتي " البقاء بحرية وممارسة نشاطه السياسي في بيروت ، لأن لبنان كان مركزا لجيش الشرق الفرنسي، وبيروت مركزا لقيادة هذا الجيش.

إضطر الحاج أمين لترك بيروت والسفر إلى العراق دون علم السلطات الفرنسية، وبقي هناك من 15 تشرين الأأول عام 1939، ولغاية مايو سنة 1941. كانت بغداد مركز تجمع لعدد كبير من الشخصيات القومية العربية، ووجد فيها عدد ليس بقليل من الشخصيات الوطنية الفلسطينية المجاهدة.

وكانت السلطات البريطانية ترسل المذكرات الإحتجاجية المتلاحقة إلى الحكومة العراقية ، بسبب النشاط التي إعتبرته معاديا لها من قبلهم، وأيضا لوجود الحاج أمين بينهم. حتى أن تشرشل أشار إلى ذلك في مذكراته، عندما كان يتحدث عن أسباب إحتلال العراق.

كان المفتي المُلاحق من قبل إحتلال بريطانيا العظمى، والصهيونية العالمية، وقوات الإستعمار الفرنسي، شاهد عيان، بحكم موقعه السياسي، على الممارسات الإستعمارية الإنجليزية، وكان يراقب السياسة البريطانية في فلسطين، وفي مصر وفي العراق وسوريا وشرقي الأردن ، وكيف تُخلف بوعودها للعرب وتتدخل بشكل سافر بقواتها العسكرية لفرض سياساتها، ولتحقيق مصالحها في المنطقة.

بعد أن قامت بريطانيا بالإطاحة بثورة رشيد علي الكيلاني، في العراق، إضطر المفتي مجددا للبحث عن ملجأ آخر له ولرفاقه. ففكر بالإنتقال إلى السعودية ولكنه لم يستطع ، ثم قدم طلب لجوء للسفارة الأفغانية مع كشف بأسماء من معه، وافق الأفغان على إستقباله وكل من معه، ولكن الخبر تسرب للإنجليز عن طريق موظف هندي يعمل بالسفارة الأفغانية لحساب الإنجليز، فما كان أمامه سوى التوجه إلى إيران مع مجاهدين فلسطينيين وسوريين وعراقيين، وطلب الإيرانيون منهم عدم ممارسة أي نشاط سياسي .

هاجمت القوات البريطانية والروسية إيران في 28 أغسطس 1941، وأعلن المارشال ( ويفل) جائزة قيمتها عشرين ألف جنية إسترليني لمن يُرشد عن المفتي. وكانت العملية العسكرية البريطانية- السوفيتية، والتي عُرفت بإسم عملية " الإحياء" ، تهدف للسيطرة على حقول النفط الإيراني، ومنع الألمان من الإقتراب منه، وكان رضى بهلوي متعاونا مع دول المحور.

بعد أن سيطرت بريطانيا على الوضع، سارع المفتي ورفاقه للإختباء في مخبأ سري اعدوه مسبقا. ثم إلتجأ المفتي إلى السفارة اليابانية، ولكن السلطات الإنجليزية طلبت تسليمه، فسافر في 23 سبتمبر بالسيارة إلى الحدود التركية - الإيرانية، والتي كانت تسيطر عليها القوات الروسية.

حاول الحاج أمين تقديم طلب للحصول على إذن بالإقامة في تركيا، ولكن طلبه تم رفضه لفكره القومي ودعوته للوحدة العربية، ومراعاة السلطات التركية لموقف الإنجليز، وقبلت تركيا بعض من كان معه مثل رشيد عالي الكيلاني. وكانت تركيا في ذلك الوقت قد إبتعدت تماما عن العرب في سياساتها.

مرة أخرى كان على الحاج أمين البحث عن منفى جديد، فقرر السفر متخفيا إلى أوروبا مرورا بعدد من الدول في البلقان، إلى أن وصل لروما، ثم إلى برلين بتاريخ 18 نوفمبر 1941، بصحبة مستشار إيطاليا (ميلليني). حيث أقام هناك طيلة أيام الحرب، وبعد إنهيار ألمانيا، حاول الدخول إلى سيويسرا ولكن تم منعه، فسافر إلى فرنسا حيث تم إلقاء القبض عليه، ووضع تحت الإقامة الجبرية، إلى أن تمكن من مغادرة فرنسا سرا والعودة إلى مصرعام 1946.

ولم تتوقف ملاحقة الإنجليز للمفتي في مصر، وطالبت بإعتقاله ، ولكن السلطات المصرية لم تستجب لهم.

ولاحقا طالبت المنظمات الصهيونية بتقديمه للمحاكمة مع " مجرمي الحرب" " لمحكمة ( نورنبرغ ) ، وحاولت حكومة يوغسلافيا ملاحقته قانونيا، لدعمه مسلمي البوسنة ضد مجاز الصرب الطائفية والعنصرية.

الحاج أمين في ألمانيا:

لم يكن الحاج أمين الحسيني، هو الشخصية الوحيدة التي إنتهى بها المطاف إلى ألمانيا، بحثا عن دعم من قوة كبيرة كألمانيا، نصرة لتتطلعاتها القومية في الحرية والإستقلال، فقد مر على العاصمة برلين عشرات من الطلبة العرب، والشخصيات السياسية والدينية والحزبية العربية وغير العربية ، منهم من زارها لفترة قصيرة ، ومنهم من أضطر للإقامة فترة طويلة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية،على سبيل المثال:

1- غلام صديق خان: وزير خارجية الأفغان الأسبق.

2- الزعيم الهندي الشهير شيهاس شاندرابور

3- زعماء أذربيجان والقوقاز

4- زعماء مسلمين من روسيا

5- زار الزعيم أنطون سعادة روما ثم برلين في عام 1938 ، واجتمع مع قادة ألمان ومنهم منظر النازية " روزنبرغ "، ومسؤولين في دائرة شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الألمانية، وسعادة معروف بأفكاره القومية ، وكل من يقرأ كتاباته، يُدرك كم هو بعيد عن تهمة " النازية " التي وجهت له أيضا .

6- الشيح صالح الشريف التونسي

7- شكيب أرسلان

8- أحمد الشريف السنوسي

9- رياض الصلح

10- رشيد عالي الكيلاني

11- محمد فريد

12- مصطفى باشا كامل

13- بيار الجميل (الجد) الذي جاء إلى ألمانيا لحضور الألعاب الأولمبية، وعبر عن إعجابه بالألمان.

الصهاينة وتهمة نازية الحاج أمين الحسيني:

تعرض الحاج أمين الحسيني، ولكونه رمزا من رموز النضال الفلسطيني ولتشويه تاريخ الحركة الوطنية، لحملات صهيونية شنيعة شهرت به ك " مجرم حرب"، ولكنه في جميع نشاطاته السياسية قبل وصوله إلى ألمانيا، وأثناء إقامته فيها، وبعد عودته من أوروبا، كانت رؤيته الإستراتيجية وفي كل أنشطته وكتاباته ، واضحة تمام الوضوح وتتلخص فيما يلي:

أن الشعب الفلسطيني لا يستطيع دون عُمقه العربي، أن يتخلص من الإستعمار والصهيونية ، وأن أفضل حل هو أن يكون إستقلال فلسطين وتحريرها ، ضمن دولة عربية قوية وموحدة، كما جاء في الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1922 " إستقلال فلسطين ضمن الوحدة العربية"، وهذا ما نص عليه أيضا دستور الحزب العربي الفلسطيني، الموضوع في عام 1935.

كان المفتي على قناعة بعدم جدوى المراهنة على بريطانيا، نتيجة تجربته في الهند التي زارها في عام 1933، طلبا للدعم من أجل عمارة المسجد الأقصى، وعلمه بمراسلات الحسين- مكماهون عام 1916، والوعود التي قطعت للعرب بالدولة العربية الموحدة المستقلة ، وكان يراقب كيف تسعى القوى الإستعمارية بالتعاون مع الصهيونية العالمية، على تجزئة وتمزيق الأقطار العربية، وتقاسم مناطق النفوذ والمصالح فيما بينها.

آمن الحاج أمين، أنه وبالقوة يمكن فقط تحقيق الإستقلال والحرية وهو ما مارسه منذ عام 1920 مرورا بثورة 1936 ودعمه لمقاومة عبد القادر الحسيني و الجهاد المقدس.

ولمجابهة هذه التحديات ومنذ اللقاء الأول الذي جمعه بهتلر بتاريخ 28 نوفمبر 1941 ، كان يأمل في إيجاد حليف قوي يدعمه أو يسانده، وكان يسعى جاهدا للحصول على " وعد " أو تعهد من ألمانيا وإيطاليا واليابان ، لتحقيق التوازن الإستراتيجي ، والحصول على إسقلال العرب، وقف الهجرة اليهودية والإستيطان، وإلغاء وعد بلفور ومشروع الوطن القومي بشكل نهائي.

لم يكن المفتي طوال فترة وجوده في ألمانيا، يمثل مطالب قطرية " فلسطينية" بل كان يتصرف كزعيم سياسي عربي مسلم، تُعتبر كل قضايا العلم العربي والإسلامي قضيته. وأدرك ومنذ إستقبالىه الرسمي وإستعراضه لحرس الشرف الألماني، أنه بات يُمثل حالة عامة وليس مجرد حالة قطرية، وتعامل الألمان معه كممثل للعرب والمسلمين ، واستطاع إقناع السلطات الألمانية بتشكيل لجنة بوزارة الخارجية الألمانية، للإهتمام بالقضايا العربية ومتابعتها خصوصا في عام 1942.

وللرد على الإتهامات التي وجهت للزعيم الوطني الحاج أمين ، ألفت الإنتباه إلى ما يلي:

أولا: ولد المشروع الصهيوني أصلا في حضن الإستعمار الكلاسيكي الأوروبي، الذي مارس أبشع الجرائم وأرتكب المجاز في عدة دول عربية، ونهب خيراتها وقسم أوطانها، وتسبب في مأسي لحقت بشعوبها ما زالت آثارها لحد اليوم. و رغم إدراكها للتنافس الإستعماري على المنطقة وخيراتها، إلا أنها ودون أدنى قدر من الأخلاقية أو الإنسانية ، وضعت نفسها ضمن التنافس الإستعماري، وربطت مصالحها بمصالحه، ووجودها في فلسطين بدعمه وحمايته.

إستنسخت الصهيونية المشاريع الكولونيالية الإسستيطانية، فاحتلت أرض فلسطين العربية ، ومارست التطهير العرقي العنصري الممنهج في حق سكان فلسطين، وشردت شعبها إلى شتى بقاع المعمورة.

ثانيا: كان في فكر قادة الصهيونية ومنذ البداية - خصوصا حاييم وايزمان ، أول رئيس لإسرائيل - نموذجا إستعماريا يقتدون به ، وهو الإستعمار الفرنسي في تونس، وحكم الأبارتيد في إفريقيا الجنوبية،. وفي فكر تيودور هرتزل أيضا كما جاء في كتابه ( الدولة اليهودية) عندما كتب:

" سوف نشكل هناك جزءا من متراس لأوروبا ضد آسيا ، ومخفرا أماميا للحضارة في مواجهة البربرية، وسوف نظل كدولة، على تواصل مع كل أوروبا، التي عليها أن تتكفل بوجودنا ".

و لم تترك دولة الإحتلال نظاما ديكتاتوريا في العالم إلا وتحالفت معه، أو دعمته أو أقامت معه علاقات تعاون وشراكة إستراتيجية. وما زالت تمد الأجهزة الأمنية والقمعية للديكتاتوريات بتكنولوجيا المراقبة والتنصت والتجسس والحماية عبر الشركات الأمنية وغيرها.

سعت الحركة الصهيونية بكل قوتها ، للتوسط لدى إمبراطوريات شمولية أو اوليغارشية تدعي الديموقراطية ، للتحالف معها والحصول على دعمها لإقامة مشروع الوطن القومي ، رغم أن هذه الإمبراطوريات إرتكبت مجاز دموية في حق الشعوب، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ، التي أبادت ملايين من الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين. وشنت العشرات من الحروب في العالم راح ضحيتها ملايين في فيتنام والعراق وأمريكا اللاتينية وقامت بدعم عشرات الإنقلابات الدموية.

ثالثا: كما سعت بريطانيا وفرنسا إلى إقامة تحالفات مع قوى وقبائل عربية ، وتجنيد العرب في قواتها العسكرية، وكذلك تركيا، سعت ألمانيا بدورها لتحقيق نفس الغرض. كان لألمانيا برنامجها الدعائي، واتبعت سياسة التجنيد لعدد كبير من المقاتلين من دول البلقان للعمل مع جيشها الذي كان يحارب على أكثر من جبهة.

رابعا: قبل أن يجتمع الحاج أمين الحسيني بهتلر في برلين، كان هناك ممارسات نازية ضد الوجود اليهودي في ألمانيا، منذ أن تولى هنلرالسلطة في 30 يناير من عام 1933، وبدأ تطبيق ما يُعرف بالتاريخ السياسي لتلك الحقبة : " السياسة اليهودية"، وبدا النازيون بالتدريج يطبقون سياساتهم ضد اليهود.

بمجرد أن تولى هتلر السلطة، أعلن المجلس اليهودي الأمريكي في 13 آذار 1933 مقاطعته لألمانيا. واتسعت المقاطعة لتشمل بريطانيا (التي رفعت فيها لوحات على واجهة المحلات ضد البضائع الألمانية والسواح ) ، وفرنسا، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، بولندا.

ثم جاء الرد الألماني، ففي الأول من أبريل 1933، إنطلقت حملة كبيرة تحت شعار " قاطعوا اليهود "، أعقبتها حملة " إعادة تنظيم الوظائف العامة " والتي تم بموجبها إجتثاث اليهود من الوظائف الحكومية على أسس عنصرية، بل ومورست سياسات عزل لليهود عن النقابات والإتحادات والجمعيات والروابط والمدارس، وتم إقصائهم عن الحياة الثقافية.

أما مراكز الإعتقال النازية، فقد تم إنشاؤها عام 1933، وكانت مخصصة بالدرجة الأولى للمعتقلين السياسين من مختلف التيارات الشيوعية والإشتراكية الألمانية ، دون تمييز ديني أو طائفي. ثم فيما بعد تم إستخدامها لإستقبال اليهود. وكان عليهم العمل بالسخرة لدعم إقتصاد الحرب والمجهود الحربي، بينما كان الألمان يخدمون في الجيش وعلى الجبهات.

في ليلة 9/ 10 نوفمير من عام 1938، شن القائد الألماني ( غونز) والجستابو ، حملة عنيفة على اليهود، بعد مقتل المُلحق الثقافي الألماني في باريس (أرنست فون راس في)، على يد شخص يهودي بولندي- ألماني يُدعى ( هيرشل جرينزبان) ، وسميت تلك الليلة ب " ليلة الكريستال " أو بالزجاج المكسور.

وفي عام 1939 ، أي قبل سنتين من اللقاء، ألقى الزعيم الألماني خطابا في البرلمان بتاريخ 30 يناير 1939 أشار فيه إلى تصميمه على فكرة " الإبادة ". وهذا الخطاب معروف في أوساط المؤرخين الألمان ورجال الصحافة، الذين ردوا بعشرات المقالات على تصريحات نتانياهو وإتهامه للحاج أمين الحسيني بتحريض هتلر. واعتبروا تصريحات نتانياهو" تزويرا مفضوحا للتاريخ" ، وهو ما فعله بعض ما يُسمون بالمؤرخين الإسرائليين الجدد.

وعندما إلتقى المفتي مع موسيليني في إيطاليا، وقدم له مطالب العرب في الإستقلال والسيادة وإلغاء مشروع الوطن القومي الصهيوني، قال للرئيس الإيطالي كما دون في مذكراته :

" إن مقاومتنا للوطن القومي اليهودي، لم تكن بحافز من التعصب الديني، بل كانت دفاعا عن كياننا وذودا عن بلادنا، وأن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، في الأقطار العربية، هي علاقات وثيقة بين مواطنين متحدين متعاونين " .

فأجابه موسيليني: " إني أعلم هذا ، وأعلم الكثير عن أحوالكم ولا سيما دينكم، وقد درست القرآن والتاريخ الإسلامي، وأعرف تسامح الدين الإسلامي ".

خامسا: بالرغم من أن بعض الحاخامات الصهاينة، رحب بوصول هنلر إلى الحكم، لا يجروء أحد أن يشير إليهم، منهم الحاخام ستيفن وايز (Stephen Wise) ، ومن المعروف في تاريخ الحركة الصهيونية، أن تيارا كبيرا كان يرفض سياسة دمج اليهود في المجتمعات الأوروبية، ومساواتهم من الناحية القانونية بباقي السكان، حرصا على ما أسموه الحفاظ على الشخصية اليهودية، وحياة الجيتو، ونقاوة العرق .

وهناك وثائق تثبت تورط بعض القيادات الصهيونية بالتعاون مع النازية ، خصوصا ما يتعلق بالهجرة اليهودية ليهود شرق اوروبا ، عقدت إتفاقيات " ترانسفير " بين الوكالة اليهودية والسلطات الألمانية، لتسهيل نقل اليهود إلى فلسطين، وتم نقل الآلاف منهم عبر الخط البحري المباشر من هامبورغ إلى حيفا.

وقامت الوكالة اليهودية بإنشاء شركات نقل خاصة لنقل المهاجرين ، منها شركة " بالترو " في برلين، وشركة " هافار كومباني " في تل أبيب. وتم التعاون بناء على إتفاقية وقعت في آب 1933، بإسم " هعفارا " ( الترانسفير)، ساهم فيها ( حاييم آرلوزورف ) الأمين العام للوكالة اليهودية.

وعرضت عصابة شتيرن الصهيونية الإرهابية ، التعاون مع ألمانيا النازية، وقدمت عرضا للحكومة الألمانية بهذا الشأن ، ووجد العرض وهو عبارة عن رسالة في إرشيف السفارة الألمانية في تركيا، وأصطلح على تسميته " نص أنقرة "،وهذا محتوى الرسالة أو العرض :

“لقد ألح رجال الدولة الرئيسيون في ألمانيا القومية الاشتراكية، دائماً، وفي جميع خطبهم وتصريحاتهم، على أن إرساء نظام جديد في أوروبا لا بد وأن يتضمن شرطاً مسبقاً هو الحل الجذري للقضية اليهودية عن طريق الترحيل.

إن ترحيل جماهير يهود أوروبا هو المرحلة الأولى في حل القضية اليهودية. وفي كل الأحوال فإن الوسيلة الوحيدة لبلوغ هذا الهدف هي إسكان هذه الجماهير في وطن الشعب اليهودي، أي فلسطين وإقامة دولة يهودية ضمن حدودها التاريخية.

إن هدف جميع سنوات النشاط السياسي وصراع الحركة من أجل حرية إسرائيل والتنظيم العسكري القومي في فلسطين هو حل المسألة اليهودية بهذه الطريقة وتحرير الشعب اليهودي إلى الأبد.

والمنظمة العسكرية القومية التي تعرف حسن النية الذي أظهرته حكومة الرايخ الألماني وممثليها، إزاء الصهيونية، وإزاء البرنامج الصهيوني تطرح للعمل النقاط التالية:
1- هناك مصالح مشتركة بين النظام الأوروبي الجديد المبني على المفهوم الألماني، وبين التطلعات القومية الحقيقية للشعب اليهودي، كما تدافع عنها المنظمة العسكرية القومية.
2- ثمة تعاون ممكن بين ألمانيا الجديدة وبين جماعة يهودية متجددة وعائدة إلى جذورها.
3- إن إقامة الدولة اليهودية التاريخية على أسس قومية وشمولية، وارتباطها بمعاهدة مع الرايخ الألماني، يساهمان في حفظ وتدعيم الوجود الألماني في الشرق الأوسط.
على قاعدة هذه الاعتبارات، وفي حال اعتراف حكومة الرايخ الألماني بالتطلعات القومية لـ”الحركة، لأجل حرية إسرائيل”، فإن المنظمة العسكرية القومية في فلسطين، تعرض أن تساهم بجزء حيوي من الحرب إلى جانب ألمانيا. ويكن أن يتضمن هذا العرض نشاطاً عسكرياً، اقتصادياً، أو استخبارياً داخل فلسطين. – وبعض التدابير التنظيمية- خارجها.

وبالمقابل يتم تدريب يهود أوروبا تدريباً عسكرياً ويتم تنظيمهم في وحدات عسكرية تحت إدارة وقيادة المنظمة العسكرية القومية. وفي حال تحقق جبهة موحدة، تأخذ هذه الوحدات نصيبها في عمليات قتالية لاحتلال فلسطين.

إن المساهمة غير المباشرة لـ”الحركة لأجل حرية إسرائيل” في النظام الأوروبي الجديد، الذي ما يزال في مرحلة تحضيرية، ستدعم بقوة الأسس الأخلاقية للنظام الأوروبي الجديد في عين الإنسانية جمعاء، إذا ما اقترنت بإمكانية إيجاد حل جذري للمسألة اليهودية في أوروبا على أساس التطلعات القومية للشعب اليهودي.

كذلك فإن التعاون مع حركة تحرير إسرائيل سيكون متوافقاً مع خطاب ألقاه مؤخراً المستشار الألماني السيد هتلر، يؤكد فيه دعوته إلى جميع التحالفات التي تهدف إلى عزل انجلترا والانتصار عليها.
تتشكل المنظمة العسكرية القومية من مجموعة من القناصة اليهود في فلسطين ومن الحركة المراجعة (التنظيم الصهيوني الجديد) التي كان للمنظمة العسكرية القومية ارتباط وثيق وشخصي معها عبر شخص جابوتسكي، وحتى وفاته. لكن موقف المنظمة المراجعة في فلسطين المؤيد للانجليز جعل تجديد هذا الاتحاد الشخصي مستحيلاً. وأدى إلى قطيعة كاملة بين الاثنين في خريف هذا العام، وإلى استئناف المنظمة العسكرية القومية لنشاطها بعد هذا الانشقاق.
إن هدف المنظمة العسكرية القومية هو إقامة دولة يهودية ضمن حدودها التاريخية وعلى عكس جميع التيارات الصهيونية، ترفض المنظمة الفكرة القائلة بأن التسلل الاستعماري الاستيطاني هو الوسيلة الوحيدة لدخول البلاد وامتلاكها تدريجياً. كلمة السر لديها هي: القتال والتضحية، كوسيلة وحيدة لتحرير واحتلال فلسطين.

ونظراً لطبيعتها العسكرية وموقفها المعادي للانجليز، والذي يجعلها عرضة للقمع الدائم من بل الإدارة الانجليزية، تجد المنظمة العسكرية القومي نفسها مضطرة لممارسة نشاطها السياسي بشكل سري وكذلك، الإعداد العسكري لأعضائها في فلسطين.
لقد تميزت المنظمة التي بدأت أعمالها المسلحة منذ خريف 1936 تميزت بشكل خاص اعتباراً من عام 1939، بعد نشر الكتاب الأبيض الانجليزي، وذلك بتكثيفها لنشاطها الذي تكلل بالنجاح، في إرباك ومقاطعة المحتل الانجليزي. مما جعل جميع وسائل الصحافة في تلك المرحلة، تورد نشاطها، وتشير إلى بث إذاعتها السرية اليومية، وتعلق عليهما.
وقد كان للمنظمة، حتى بداية الحرب، مكاتب سياسية مستقلة في كل من فارسوفيا، باريس، لندن، ونيويورك. وكان مكتب فارسوفيا يهتم بشكل رئيسي بالتنظيم العسكري وتدريب وبناء الشباب القومي الصهيوني. كما كانت تقيم علاقات وثيقة مع الجماهير اليهودية التي كانت تتابع نظامها بحماس، خاصة يهود بولونيا الذين كانوا يساعدونها بكل الوسائل الممكنة. كذلك أصدرت صحيفتين في فارسوفيا.
من جهة أخرى كان مكتب فارسوفيا يقيم علاقات وثيقة مع الحكومة البولونية ومع الدوائر العسكرية التي كانت تراقب بأكبر قدر من الاهتمام والتفهم جهود المنظمة العسكرية القومية. التي قامت عام 1939، بإرسال وحدات سرية من عناصرها من فلسطين إلى بولونيا. حيث كان ضباط بولونيون، يقومون بتدريبهم وبنائهم العسكري في مراكز تدريب خاصة. لكن المفاوضات التي كانت دائرة بين المنظمة والحكومة البولونية لأجل تطوير مساعدتها بشكل ملموس، توقفت مع بداية الحرب. وهكذا فإن المنظمة، وبطبيعة بنيتها ورؤيتها للعالم هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحركات الشمولية الأوروبية. أما شل قدرتها القتالية، فلم يكن ممكناً، في أي لحظة، وذلك بسبب تدابير الدفاع الجذرية، إزاء الإدارة الانجليزية والعرب وإزاء الشيوعيين اليهود."

الجدير بالذكر أن أحد زعماء شتيرن التاريخيين، وهو (إسرائيل الداد سناب) ، أكد وجود هذه الرسالة، وسبق لصجيفة " هآرتس " الإسرائيلية ، أن تحدثت عن وجودها، ووجود رسائل سرية أخرى، وأكدت صحيفة " حوتام " الأسبوعية أن بعض هذه المراسلات حملت توقيع إسحق شامير وآبراهام شتيرن شخصيا.

ومن المعروف أن شامير كان مطلوبا ومطاردا من قبل الأنجليز بتهمة الإرهاب وعاش فترة كلاجيء في فرنسا. ثم شكل عصابة صهيونية أخرى بإسم " ليحي" ، قامت بإغتيال الكونت برنادوت في 17 أيلول 1948 ، وتم حلها بقرار من بن غوريون.

ولا يحتاج تاريح الإضطهاد الذي تعرض له اليهود منذ الإمبراطورية الرومانية، في معظم الدول الأوروبية الغربية والشرقية وحتى عام 1933، إلى وجود الحاج أمين الحسيني، ليقوم بالتحريض!. خصوصا في ألمانيا النازية القوة العالمية التي واجهت أعتى وأقوى جيوش العالم مجتمعة. وماذا يملك الحاج أمين من سلطة ليكون له هذا التأثير الخطير على صُناع القرار النازيين؟.

سادسا: كان بعض العرب حلفاء لبريطانيا ضد القوات العثمانية ( الثورة العربية الكبرى)ـ وتربطهم بالحاج أمين علاقات طيبة، وفي مصر وفلسطين شارك مئات الآلاف من العرب في صفوف القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى، والثانية، وقاتلوا إلى جانب القوات البريطانية في شمال إفريقيا والحبشة وفي الحملة اليونانية، وكان منهم من وقع في الأسر الألماني واقيم لهم معسكرات كبيرة ، وقبور بعضهم ما زالت موجودة ومعروفة لحد اليوم، على الرغم من وجود تعاطف ورغبة في إنتصار ألمانيا على عدوتهم الإستعمارية بريطانيا وعلى فرنسا.

ففي فلسطين على سبيل المثال، وبالرغم من التجارب المريرة للشعب الفلسطيني مع السياسات الإنجليزية، وجد من تطوع في الجيش البريطاني.

كان العرب يأملون من مشاركتهم في المجهود الحربي إلى جانب بريطانيا، أن يحصلوا على إستقلالهم، وحينما دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب ألمانيا في يوليو 1940، قررت اللجنة العسكرية البريطانية في الشرق الأوسط ، التابعة لمجلس الوزراء، تكوين ست فصائل فلسطينية ( ثلاث لليهود وثلاثة للعرب) ، وعلى أساس أن يكون لهذه الفصائل واجبات قتالية محددة ومنفصلة.

تم جمع المتطوعين وتشجيعهم على الخدمة في الجيش، وكان ممن دعم فكرة التطوع : رئيس بلدية القدس راسم الخالدي ، وسليمان طوقان رئيس بلدية نابلس. وعدد من ممثلي الألوية والمخاتير، مع أن طوقان دعا إلى أن تقتصر مشاركة المتطوعين الفلسطينيين على الدفاع عن فلسطين.

عُقدت إجتماعات عامة لنقاش التطوع في 14 سبتمبر 1941 وقي 20 ديسمبر 1941، في المدرسة البكرية في القدس، بحضور أعيان المدينة وشخصيات عامة، منهم عجاج نويهض وكان مراقبا للبرامج الإذاعية، وحضرها مراسلوا الصحف منها " الدفاع "

و " فلسطين "، وكذلك كبار رجال الإنتداب البريطاني.

إستمرت الإجتماعات للتشجيع على التطوع خلال عام 1942 ، في عدة مدن شملت : بيت لحم ، أريحا ، رام الله ، الخليل . وأخذ الضابط العربي رشيد عبد الفتاح يتجول في القرى داعيا للتطوع .

أعلن حزب الدفاع فور نشوب الحرب، عن دعمه الكامل لبريطانيا ووقوفه معها، وأرسلت بعض الزعامات التقليدية وفودا إلى حكام الألوية، للإعلان عن وقوفها إلى جانب بريطانيا في الحرب ( من القدس، غزة، طولكرم، جنين، بئر السبع...)، وارسلت برقيات من أفراد وهيئات وبعض رجال الدين. وكلها محفوظة في سجلات الإرشيف الإنجليزي.

قُدمت للمتطوعين هدايا رمزية، وتأمين صحي لهم ولأولادهم ، ورواتب لزوجات وأطفال المتطوعين، وفرص عمل لمن خرج من الخدمة لأسباب صحية. وأقيمت بعض الإحتفالات في المعسكرات للمتطوعين. وبالرعم من ذلك كله، كان يتم التمييز ما بين الجنود الإنجليز والعرب في الرواتب والمعاملة.

تراوحت التقديرات حول أعداد المتطوعين الفلسطينيين في الجيش البريطاني ما بين 9000- 12000 متطوع. ولكن معظم الفلسطينيين لم يتجاوب مع حملات التطوع، لأسباب عديدة منها :

ذكريات الماضي المرير مع الجيش التركي، حينما ذهب الشباب إلى المجهول ولم يعد منهم أحد، ونتيجة لسياسات بريطانيا المؤيدة للصهيونية، ومراعاة لموقف الحركة الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها الحاج أمين الحسيني. وللتاريخ وبناء على شهادات شفهية، كان بعض المتعاونين مع الإنجليز يتقاضى مكافئة على كل " فقير وفلاح " فلسطيني يتم تجنيده، وغالبا للقيام بأعمال الحراسة.

في السنوات الأولى للحرب ، كان معظم قادة الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج، أو في المعتقل ( سجناء الحزب العربي الفلسطيني) ، أو مطاردين في دول الجوار العربي.

تشدد الإنجليز في أحكام الطواريء والأحكام العرفية . ولم تترك السلطات البريطانية المجال لأي وطني فلسطيني يعارض التطوع إلا وقمعته، منهم رئيس بلدية المجدل في اكتوبر عام 1941، الذي تم إعتقاله حينما نبه الشباب ، بأنه سيتم وضعهم في الصفوف الأمامية لقتال الألمان، كما فعل الأتراك.

لاحظ الفلسطينيون ، كيف أخلت السلطات البريطانية عدد كبيرا من العائلات البريطانية خارج فلسطين . فأحسوا بأن هناك شيء ما سيحدث ليس لصالحهم.

وخاب ظن كل من دعم بريطانيا وراهن على إمكانية نيل الإستقلال بدعمها، خرجت بريطانيا وتركت خلفها الكابوس العنصري الصهيوني.

سابعا: لم يكن المفتي هو من إخترع فكرة إيجاد قوة أو فيلق عربي، تحت إشراف الجيش الألماني، فمنذ حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، والطلبة القوميون العرب في ألمانيا، يطالبون بإعدادهم وإرسالهم كمتطوعين لقتال الإنجليز في العراق، وتم الإستجابة إلى طلبهم وتشكيل كتيبة منهم وإعداد مركز تدريب في غرب ألمانيا ولم يتجاوز عددهم ال 200 طالب، ثم إنتقل المركز إلى اليونان وإنضم إليه بعض أسرى الحرب من الفلسطينيين في اليونان ، والتحق بهم عدد كبير من الوطنيين العراقين الفارين بعد القضاء على الثورة. وكان يشرف على الكتيبة الجنرال فيلمي.

عندما وصل المفتي نبأ تشكل الإنجليز للفيلق الصهيوني، وسماعه عن العمليات العسكرية التي تقوم بها العصابات الصهيونية في فلسطين، سعى لإنشاء نواة جيش عربي، أو فيلق عربي صغير ، مدرب على حرب العصابات، وكان مخططا له أن يصل إلى فلسطين للتصدي للعصابات الصهيونية. وبالفعل قررت الحكومة الألمانية إنشاء الفيلق العربي في 2 نوفمبر 1944، في إحتفال بمناسبة ذكرى وعد بلفور المشؤوم.

تم تأهيل الفيلق بالمعدات العسكرية والأسلحة اللازمة، ووضعت طائرة تحت تصرفه، وتم إرسال مجموعة من الضباط في طائرة وصلت إلى فلسطين عام 1944 وكان على متنها الشيخ حسن سلامة، وطائرة ثانية بقيادة المجاهد العراقي جاسم كرادي، الذي كان قد قاد في عام 1936 مجموعة المتطوعين العراقيين في جبال جنين. ونزل بعضهم - كا جاء في مذكرات المفتي- بالمظلات في أريحا، وبعضهم شارك في أحداث 1947 / 1948 في فلسطين.

ثامنا: ساعد المفتي مسلمي البوسنة، الذين كانوا يتعرضون إلى حملة تطهير عرقي، شنها الصرب عليهم،حيث قام الجنرال الصربي (مبخائيلوفيتش) بإرتكاب مجازر جماعية ، قتل فيها الرجال والنساء والأطفال، طمعا بالتوسع على حساب أهل البوسنة، وبسبب التعصب الديني.

تلقى الحاج أمين دعوات للمساعدة والنجدة من البوسنة، بعد أن وصل عدد القتلي إلى ما يزيد عن مئة ألف مسلم. وكانت تربط المفتي علاقات قديمة مع بعض زعماء الُبشناق ، فقد إشترك زعماء البوشناق في المؤتمر الإسلامي في القدس عام 1931 دعما لفلسطين.

وجاء وفد من الهرسك برئاسة مفتيها حافظ عمر أفندي، وتحدث عن الفظائع التي يقوم بها الصرب. ولم يكن ممكنا حمايتهم إلا بالتعاون مع السلطات الألمانية. وكان الفيلق الذي تم تشكيله يتكون أساسا من البوشناق أنفسهم، للدفاع عن وجودهم.

تاسعا: تركز نشاط الحاج أمين طوال فترة إقامته في برلين، على العمل الإعلامي والدبلوماسي، والإتصال بالسياسيين والشخصيات الرسمية الألمانية، والعربية، والإسلامية. ساهم في إنشاء مركز الإنماء العربي في 30 مارس 1942، وأصدر نشرة أو مجلة

" الجهير" كان ينشر فيها خطبه. وكان المفتي يتصرف كسفير للعرب والمسلمين لدى الحكومة الألمانية. فكان يمثل مصالحهم ومطالبهم.

كان يقيم حفلات إستقبال للسياسيين الألمان، ويزورهم في بيوتهم ويحثهم لدعم إستقلال العرب، ويشارك في الاعتصامات في ذكرى وعد بلفور وغيرها. ومعظم خطبه ورسائله تم نشرها وتوزيعها وبعضها تم ترجمته للغة الألمانية. كما ساهم في تأسيس "معهد الأئمة" في مدينة " غوين" لنصرة مسلمي البوسنة (البوشناق)، ومعهد آخر في مدينة دوسلدورف.

أرسل مندوبين إلى البوسنة ومقدونيا وألبانيا، وأقام صلات مع المنظمات الإسلامية في شبه جزيرة القرم، وشمال القوقاز ووسط آسيا.

كانت السنوات التي أمضاها في ألمانيا سنوات عصيبة بسبب الحرب ومع إشتداد الغارات على برلين، طلبت السلطات الألمانية من اللاجئين العرب، الإنتقال إلى حدود ألمانيا مع تشيكوسلوفاكيا، فانتقل المفتي منها إلى النمسا. وبسبب منعه من دخول سويسرا، إتجه إلى فرنسا حيث تم إلقاء القبض عليه، وبقي هناك تحت الإقامة الجبرية.

بعد عودته من فرنسا سرا إلى مصر يوم الأربعاء 5.29. 1946. تابع الحاج أمين مشواره الكفاحي في لبنان ، وأصدر في بيروت مجلة " فلسطين " الشهرية، وبقي فيها إلى أن توفي عام 1975. ودفن في مقبرة الشهداء بعد أن بلغ من العمر 79 عاما.

مراجع:

- أمين الحسيني، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان، المجلد الأول، الطبعة الثالثة 1990

- عادل حسن غنيم، محمد عزة دروزة وحركة النضال الفلسطيني، القاهرة 1987.

- مها محمد بن سعود آل رشيد، الوطنية الفلسطينية خلال الحرب العالمية الثانية، كتاب إلكاروني.

- الموسوعة الفلسطينية

- مذكرات الحاج أمين الحسيني، إعداد عبد الكريم العمر، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق، ط1، 1995.

- حياة الحويك عطية، دراسة بعنوان " العلاقات الصهيونية النازية 1933- 1941 "، مجلة المشاهد الإلكترونية، 24 يونيو 2015، إرشيف رقم 22400.

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف