الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

إلى وطني بقلم: جوانا حسين حجي

تاريخ النشر : 2019-06-15
إلى وطني بقلم: جوانا حسين حجي
إلى وطَني.

تحيّة طيبة وبعد،
كما هو المعروف نحن ننتمي إلى أوطاننا كما ننتمي إلى أُمّهاتنا.

ها قد مرّ خريفٌ آخر، و أنا مجرّدةٌ مِن لقب المواطِنة.
لَم أتخيّل قط أنّه فقط بعبوري مِن تلك الأسلاك الشائكة، سأُعتبرُ عائقًا على كلّ بلدٍ ألجأُ إليه.
لاجئة، هذا ما لُقّبتُ بهِ فور خروجي مِن تِلك المساحة الجغرافية إلى مساحةٍ أُخرى، مجرّد لاجئةٍ فارّةٍ مِن وطنها طالبة للأمنِ و الأمان. لا أُخفي أنّني كُنتُ متأمّلةً بالأمان بالفعل، ولكنّني أخفقت.
لا أمان بعد أمانك يا وطَني. فهنا على هذه الأراضي الغريبة لا حياة، لا حُب ولا وطنيّة.

حسناً اختفت أصواتُ طلقاتِ الرّصاص و القذائف في الخارج، لا اعتقالاتٌ عشوائيةٌ، لا قتلى ولا جرحى، لا مداهماتٌ ليليّة ولا منازل مدمّرة، لا اختطافات ولا مطالباتٌ بفدياتٍ تبلغ الملايين، ولكن هناك ما هوَ أسوأ مِن كلّ هذا.
هنا لا خوف مِن الموت.
هنا الموتُ من نوعٍ آخر.
كلاجئةٍ مُستحقرةٍ مِن قِبل أصحاب الأرضِ الّتي لجأَتْ إليها، لقد متُّ ألف مرّة قبل موتي الجسدي.
لا تتّسعُني الشوارعُ ولا حتّى البيوت، في سنواتي الأولى عِشتُ كطفلٍ حديث الكلام عمرهُ لا يتجاوز الخمسَ أعوامٍ،
كنتُ أرى أُناساً يوجّهون إليّ أبشع الشتائمِ فقط لوجودي على أراضيهم و لَم أكُن أستطيعُ الردَّ حتّى بحرفٍ واحدٍ،
تمّ استبعادي مِن أغلب التجمّعات في الفصل فقط بسبب اختلاف شكلي وديانتي، و مرّةً أخرى لَم يكُن لديَّ حقُّ الرّدِ، لأنني لاجئة.
حتّى الأشخاص الّذين يدّعون أنّهم يتقبّلون وجودي بينهم لا يعرفون معنى العلاقاتِ الحقيقية الّتي نعرفها كلّنا، فهنا لا جلساتٌ مليئةٌ بالضّحكِ وسطَ فناءِ المدرسة، لا شجاراتٌ لطيفة بين
الأصدقاء، لا شراكة في الطعام ولا حتّى في الكلام، هُنا لا شيءَ يحدث جماعة.
لا سهر حتّى الفجر، لا عيد ولا رمضان، و بالتّالي لن تستطيع شراءَ المعروكِ أو عرق السوس قبل الإفطار بنصفِ ساعةٍ، لا شوارع قديمة ينسدلُ على سِوار بيوتها الياسمينُ، هُنا لا شيء كَما في مدينتي.
و هُنا فقدنا البهجة و روحَ الحياة يا وطَني.

قالوا أننا سنحظى بحياةٍ أفضل خارج الوطن، حياةٌ بِلا موتْ. لكنّهم لَم يذكروا أنّ للموت أنواعٌ كثيرةٌ، ففي هذا المكان الّذي لا أملك حقَّ العيشِ فيه أنا مجرّدُ نكِرة، بِلا وطنْ، و كائنٌ حيّ يُنتظَر خروجه مِن هذه البِلاد على أحرّ مِن الجّمر.

عودةٌ إلى آخر أيامي كَمواطِنة، التفتُّ مئاتَ المرّاتِ، تأمّلتُ كلّ حجرٍ في بيتنا كي لا أنسى شكله، قصدتُ بائع القهوة ثلاث مرّات كلّ يومٍ كي أشبع مِنْ تِلك الرائحةِ الّتي لا مَثيلَ لها، دخنت يوميًا ما يقاربُ الأربع علب من السجائر لأنّ لا شيءَ يضاهي التدخين
خِفية على نافذة غُرفتي، سقيتُ زهرةَ الياسمينِ أكثر مِن اللازم فأخاف كثيرًا مِن عطشها في غيابي، تجوّلتُ في الحيّ الّذي ترعرعتُ فيهِ إلى ما بعدَ منتصفِ الليل، استمتعتُ بكلّ الليالي الديسمبرية برفقة فنجان قهوتي وصديقة عُمري وقضيتُها
وكأنّها آخرُ يومٍ في حياتي، استنشقتُ هواءك و تمنّيتُ لو أنني تمكّنتُ مِن حبسه داخل صدري إلى الأبدْ، حاولتُ أن أشبع مِنك يا وطَني لأنني كنتُ على يقينٍ تامٍّ أن غيابي سيطول هذه المرّة،
كلّ محاولاتي بِتخزينكَ داخلي باءت بالفشل، و لم أنتظر يومًا واحدًا كي أشعرَ بالحنينِ لكلِّ شيءٍ متعلّق بك حتّى بائع
الغاز المزعج افتقدتُه.

لم ولن أشعر بالانتماءِ إلّا إليكِ يا أرضَ الياسمين، فأنا على استعدادٍ تامٍّ بأن أنام على أصواتِ القذائف مقابِل فنجانِ قهوةٍ واحدٍ أشربه في أزقّة الشام، لا مشكلةَ لديّ إن كُنتُ سأُجرح أثناء اشتباكاتٍ في طريقي إلى العمل مقابل سماع أغنية " بدي عمر وطني" للقديرة فيروز، مِن شبّاك الجارة أم غسان، أو فطورٍ واحد مثلًا مع الجاراتِ كما كنّا نفعل مِن قبل، لن أمانع إن كُنتُ مِن عداد القتلى اليوميّ الّذي يظهر على قنواتِ الأخبار شرط
أن أُقتل على أرضك يا وطَني! و الآن لقد عرفت جيّدًا أننا نحنُ أبناءُ الياسمينِ لا مفرّ لنا مِنكَ إلّا إليك.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف