إبراهيم جوهر
"تذكرة سفر"
من سمات العمل الأدبي الجيد إحداث المتعة عند المتلقي، والمتعة تأتي بأكثر من طريقة، المضمون، اللغة، السلاسة، طريقة تقديم الأفكار، الأحداث، السرد، في هذه المجموعة نجد السلاسة والمتعة، فرغم قسوة المضمون، إلا أن طريقة تقديم الأحداث والشخصيات أمتعت القارئ وأوصلت الأفكار بأقل الأضرار، وهنا يكمن أبداع القاص "إبراهيم جوهر".
في قصة "الارادة" يتحدث عن الأم واصرارها على تعليم ابنها "علي" رغم ضيق الحال، فتقرر أن تبيع ما تنتجه الأرض من خبيزة وبقدونس، وإذا اقتضى الأمر تستدين المال، فقد كان هدفها ورسالتها تكمن في تعليم "علي" ولكن اعتقد أن تركيز القاص على دور المرأة جعله يهمل دور الابن "علي" الذي كان من المفترض أن يظهر/يقوم بشيء من الفعل أو القول ليشارك أمه في تحمل اعباء دراسته.
ونجد القاص يتناول المكان وتحديدا القدس في أكثر من قصة، كما هو الحال في "قصة الحدود": "...فعادت بذاكرتها إلى مدخل سوق العطارين في القدس القديمة" ص26، "شعرت بحنين دافق للقدس وللسور وباب العامود وسوق العاطرين" ص28، وهذا الحنين للقدس يؤكد ارتباط الفلسطيني بالمكان، فهو والمكان يكملان بعضهما، ولا معنى لأحدهما دون وجود وحضور الآخر.
لكن في قصة العنوان "تذكرة سفر" يتناول "عمان" من منظورين، منظور الحسرة والألم: "عمان ... يا ألما في خاصرتي، أنا من عذبني هيامي بك وشوقي اليك...فمتى يصير المطر سكينا يحز رقاب الأطفال إلا فيك يا عمان يا بنت العم المذبوحة؟" ص92، "عمان وحش مغترس لا رحمه بين فكيه" ص94 ويتناولها من منظور الأمل والفرح:
"...فكنت أراك وطنا يفتح يديه لكل الناس... فتصرين بيتا واسعا لكل الناس وأراك عنوانا في كل مكان... فيك شهر الخير والعطاء الوفير يترقرق بغزارة" ص93، ومثل هذه الرؤية تجعل المتلقي يتوقف عندها متفكرا في أسباب هذا الموقف، وهذا ما يجعل القصة تتجاوز المباشرة، وتعطي المتلقي مساحة ليفكر في مجرى الأحداث متجاوز الحدث القصصي.
قلنا أن علاقة الفلسطيني بالمكان علاقة توحد وتكامل، أحدهما يكمل الآخر، وقد صور لنا القاص علاقته بالمكان قائلا: "عندما أتيت كانت السيارة تسير وكأنها في موكب جنائزي .. أما الآن فهي تسرع مبتلعه الشارع وكأنها تصعد السلم إلى عالم اللهفة والسعادة" صورة مغادرة فلسطين وصورة العودة إليها، مشاعر الحزن ولغضب حين يغادرها، ومشاعر الحب والحنين حين يأتي إليها، تجعلنا نستنتج أن لا حياة للفلسطيني دون فلسطين.
القاص يمتلك قدرة على رسم المشاهد الأدبية بطريقة رائعة، ففي قصة "المتطوعون" يبين لنا قسوة الاحتلال من خلال حديثه عن مشاهد عالم: "القرية متكومة في حضن الجبل بحياء سافر، تشع من عيونها البراءة الطفولية بأوفى صورة للحب والأمل .. فرد الليل جناحه على القرية الوادعة، فأحتضن بيوتها المتآكلة بحنان ورفق كما تحتضن الأم وليدها الوحيد.. ثمة بعض السيارات تسير بأقصى سرعة لها محملة عيونها كعيون التماسيح البليدة .. بكل وقاحة، مثيرة الرعب في نفوس الكبار ... سيارات كثيرة تدفقت هذه الليلة ورابطت في الطرقات ومداخل القرية، رمادية اللون" ص33، مثل هذا المشهد كاف لوحدة لإيصال فكرة الهدوء والحياة السوية التي تنعم بها القرية، والخراب والوحشة والخوف الذي فعلته تلك (السيارات) الرمادية، وهذا ما يجعلنا نؤكد أنه كلما ابتعد الكاتب/القاص عن المباشرة كانت فكرته أجمل وأعمق، لأنها تأتي من خلال إيحاءات ورموز.
المجموعة من منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين، طبعة 1988.
"تذكرة سفر"
من سمات العمل الأدبي الجيد إحداث المتعة عند المتلقي، والمتعة تأتي بأكثر من طريقة، المضمون، اللغة، السلاسة، طريقة تقديم الأفكار، الأحداث، السرد، في هذه المجموعة نجد السلاسة والمتعة، فرغم قسوة المضمون، إلا أن طريقة تقديم الأحداث والشخصيات أمتعت القارئ وأوصلت الأفكار بأقل الأضرار، وهنا يكمن أبداع القاص "إبراهيم جوهر".
في قصة "الارادة" يتحدث عن الأم واصرارها على تعليم ابنها "علي" رغم ضيق الحال، فتقرر أن تبيع ما تنتجه الأرض من خبيزة وبقدونس، وإذا اقتضى الأمر تستدين المال، فقد كان هدفها ورسالتها تكمن في تعليم "علي" ولكن اعتقد أن تركيز القاص على دور المرأة جعله يهمل دور الابن "علي" الذي كان من المفترض أن يظهر/يقوم بشيء من الفعل أو القول ليشارك أمه في تحمل اعباء دراسته.
ونجد القاص يتناول المكان وتحديدا القدس في أكثر من قصة، كما هو الحال في "قصة الحدود": "...فعادت بذاكرتها إلى مدخل سوق العطارين في القدس القديمة" ص26، "شعرت بحنين دافق للقدس وللسور وباب العامود وسوق العاطرين" ص28، وهذا الحنين للقدس يؤكد ارتباط الفلسطيني بالمكان، فهو والمكان يكملان بعضهما، ولا معنى لأحدهما دون وجود وحضور الآخر.
لكن في قصة العنوان "تذكرة سفر" يتناول "عمان" من منظورين، منظور الحسرة والألم: "عمان ... يا ألما في خاصرتي، أنا من عذبني هيامي بك وشوقي اليك...فمتى يصير المطر سكينا يحز رقاب الأطفال إلا فيك يا عمان يا بنت العم المذبوحة؟" ص92، "عمان وحش مغترس لا رحمه بين فكيه" ص94 ويتناولها من منظور الأمل والفرح:
"...فكنت أراك وطنا يفتح يديه لكل الناس... فتصرين بيتا واسعا لكل الناس وأراك عنوانا في كل مكان... فيك شهر الخير والعطاء الوفير يترقرق بغزارة" ص93، ومثل هذه الرؤية تجعل المتلقي يتوقف عندها متفكرا في أسباب هذا الموقف، وهذا ما يجعل القصة تتجاوز المباشرة، وتعطي المتلقي مساحة ليفكر في مجرى الأحداث متجاوز الحدث القصصي.
قلنا أن علاقة الفلسطيني بالمكان علاقة توحد وتكامل، أحدهما يكمل الآخر، وقد صور لنا القاص علاقته بالمكان قائلا: "عندما أتيت كانت السيارة تسير وكأنها في موكب جنائزي .. أما الآن فهي تسرع مبتلعه الشارع وكأنها تصعد السلم إلى عالم اللهفة والسعادة" صورة مغادرة فلسطين وصورة العودة إليها، مشاعر الحزن ولغضب حين يغادرها، ومشاعر الحب والحنين حين يأتي إليها، تجعلنا نستنتج أن لا حياة للفلسطيني دون فلسطين.
القاص يمتلك قدرة على رسم المشاهد الأدبية بطريقة رائعة، ففي قصة "المتطوعون" يبين لنا قسوة الاحتلال من خلال حديثه عن مشاهد عالم: "القرية متكومة في حضن الجبل بحياء سافر، تشع من عيونها البراءة الطفولية بأوفى صورة للحب والأمل .. فرد الليل جناحه على القرية الوادعة، فأحتضن بيوتها المتآكلة بحنان ورفق كما تحتضن الأم وليدها الوحيد.. ثمة بعض السيارات تسير بأقصى سرعة لها محملة عيونها كعيون التماسيح البليدة .. بكل وقاحة، مثيرة الرعب في نفوس الكبار ... سيارات كثيرة تدفقت هذه الليلة ورابطت في الطرقات ومداخل القرية، رمادية اللون" ص33، مثل هذا المشهد كاف لوحدة لإيصال فكرة الهدوء والحياة السوية التي تنعم بها القرية، والخراب والوحشة والخوف الذي فعلته تلك (السيارات) الرمادية، وهذا ما يجعلنا نؤكد أنه كلما ابتعد الكاتب/القاص عن المباشرة كانت فكرته أجمل وأعمق، لأنها تأتي من خلال إيحاءات ورموز.
المجموعة من منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين، طبعة 1988.