الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رفاهية ونعيم تحت الحصار!!بقلم:د. رضا محمد جبران

تاريخ النشر : 2019-05-21
رفاهية ونعيم تحت الحصار!!!
مضت السنون ونحن في محيط مجدنا العامر بمدينة طرابلس، وبدأت معالم الطفولة الجميلة تختفي، تلك الطفولة التي كنت تنعمت فيها وسط محيط رائع أفرغت فيه جل أحلامي، حيث مسرح الحياة البريئة والهادئة، الذي لم تختلط فيه أنفسنا بالحياة المادية، ولا العقد البشرية، كنا نسرح ونمرح في الأرض، نبحث عن الحويو، ودودة القصب، لنصطاد بها البوخضير والحمراية، والبوبشير، والحيلي، والقصبي، والحمام البري، ونحن ننصب الأفخاخ والطربيقة، ونلهو بالخدروف( الزربوط)، ونكتسح الأرض بالطقة والحراقة موت، في موسم البطش، ونتسلق شجرة اللوز الخزايني في مزرعتنا لنحصل على ما تبقى من الموسم الفائت لنأكله، ونجري قبل المغرب وفي المساء بين ألعاب السبعة رشادات، وشدني وانشد معاك ، والمقلاع، كانت طفولة تجمع ما بين المرح والشدة والرخاء في أريحية تامة، ونكتفي بالقيلولة في سيارتنا القديمة المتكئة على شجرة التوت اللذيذة الناضجة، وخير طريقة لكسب هدوئنا وعدم الشغب في البيت، حلوة مصنوعة من السكر المحروق على النار الممزوج بالكاكاوية، أو حلوة التحرير، أو شكلاطة الورد، والأرز المقلي، ولا ذنب لنا في الحصول على التنعيم بأكثر من ذلك، فسياسة الدولة قررت عدم تبذير المال في شراء الحلوة والشكلاطة آنذاك !!!، حقا لقد بدأت معالم تلك الطفولة تختفي لتبدأ مرحلة عنفوان الشباب المرهقة التي تفتحت على واقع جديد، وحضارة زاهرة ضاربة في الأصالة والعراقة، حيث الماء والخضرة والوجه الحسن، ففي أوائل التسعينات تحققت لوالدي رحمه تعالى رحلة طال انتظارها كثيرا ليحصل على إيفاد لتحضير درجة الدكتوراه، فحزم حقائبه، ورتب أوراقه وأوراقنا، وقد رزق حينها بشقيقي الأصغر آخر العنقود، وكان متحيرا في تسميته، ما بين محمد لسان الدين الذي كان عنوان أطروحته فيما بعد عن ابن الخطيب، أو عياض، تيمنا بالقاضي عياض اليحصبي، وقد رجح اسم محمد لسان على عياض الذي صار اسم أحد أحفاده أثناء فترة مرضه رحمه الله تعالى، فهو متيم بالأندلس وحضارتها الزاهرة وتراثها الباذخ، ومفتون بالحضارة التي تسربت وتجلت في ربوع المملكة المغربية، الوجهة التي اختارها لتسجيل أطروحته ، وحللنا جميعا في رباط الفتح على متن الخطوط الليبية، في عمارة (أبو عنان)، بزنقة واد زيز، المتفرع من شارع الأبطال بأكدال، وهي من أرقى المناطق حينها في مدينة الرباط، يالها من رحلة جميلة تستدعي مخيلة كل من يزور تلك الديار العامرة بأن يتذكر أغنية عبد الحميد الشاعري وقد قرر مغادرة الوطن فغنى أغنيته المشهورة: (( كنا في جرة اطلعنا برة)) بكل معنى الكلمة، عالم جديد بالنسبة لنا، أو هي صدمة حضارية كما يقولون، فيها تمازج ما بين الحداثة والأصالة، وفسيفساء شعب أصيل ودود طيب، وسحر منتشر في كل بقعة من تلك الأرض، سحر لا كما تخيله أهلنا في ليبيا عن المغرب، إنه سحر الطبيعة الخلابة، والحسن والبهاء، حيث العلم والعلماء، حيث المعالم والآثار التاريخية الشاهدة على عبق التاريخ، أمام كل تلك الأشياء الجميلة الغناء وفقنا مذهولين ومندهشين، ومشلولين، وقد فرض الحصار الجوي على ليبيا وزاد الطين بلة فالحياة زادت بؤسا على بؤسها، حتى ليقول القائل في نفسه هي محاصرة قبل الحصار، فلماذا يحاصرونها؟! فلا يعرف هذا المعنى إلا من كتب له السفر خارجها.
ذهبت إلى المدرسة الليبية بالرباط واسمها وجدة، وكان مديرها الدكتور الفاضل جمعة الزريقي وقتئذ وكان حازما، عادلا، ودودا، تعرفت بداية وأنا في مقاعد الدراسة على أخي حاتم السعيطي صديقي الرائع وطه الزوي، وإيهاب مجبر، وأحمد أبو سنينة، ومحمد مصطفى عمران، وعبد الحكيم العموري، ومحمد قزيط، وصلاح عمار، وخالد الشتوي، وبعض الإخوة العرب أحمد حسنين من مصر، وفلاح من العراق وسلطان قواص من السعودية، وكانت تلك السنة للحصول على الشهادة الإعدادية، وتغير الاتجاه فيما بعد للتخصص في المجال الأدبي ووجدت من أصحابي فيه أخي العزيز لؤي أبو سعد هذا الإنسان الرائع النبيل الذي أعتز بصداقته، وأحمد البشاري، وكذلك الدكتور كمال عبد الحميد الهرامة رفيق الدرب الحبيب الذي ترافقت معه خطوة بخطوة حتى الحصول على الدكتوراه في نفس أرض الخير المملكة المغربية، دخلنا في حياة جديدة عن الحياة الأولى التي رسمت في مخيلتنا عن المدرسين التقليدين في مدارسنا، الذين يقدمون العقاب على الثواب، نعم كل شيء مختلف في هذه المدرسة الرائعة المعلمون أكفاء أخذوا بأيدينا بكل تؤدة وذوق أسماؤهم تكتب بماء الذهب من البلدان الشقيقة الأستاذ جلال مجلوف المعلم المتمكن الأمكن الخلوق الذي عرفنا بفضله أسمى معاني الأخلاق والعلم، والأستاذ صابر الأمير الشهم الخلوق، والأستاذ محمد خبازة صاحب المرح رحمه الله، وسالم العطاونة رحمه الله وحسني أبو المعالي رحمه الله ، والأستاذة فوزية والأستاذة رجعة والأستاذة فاطمة الشحومي فلهم منا كل الشكر والتقدير على حسن تربيتهم وتعليمهم لنا، فلا يعرف الفضل إلا ذووه، وقد كان من نتاج صحبتنا السامية على مقاعد تلك المدرسة أن تولى أخي العزيز د. كمال الهرامة إدارة تلك المدرسة فأعلمني بذلك فأرسلت له هذه القصيدة التي فيها أسماء المعلمين رموزا:
سَلامٌ عَلَى تِلْكُمُ المَدْرَسة
وَعَهدِ التَّصَابِي وَعَيشِ الدَّعَه

وَأَيامِ أُنسٍ بِهَا قَد خَلَتْ
قَضَيْناها مَعْ صَحْبِنَا مُمتِعَه

قَضَينَا الطُّفولةَ فِي حُضْنِها
فَكانَت رَؤوماً بِنَا مُولَعه

تَلَقَّفنا مِنها مَعَانِي الحَياةِ
دُرُوساً تَقَبَّلتها مُقْنعَه

فَأَغفلتُ مِنهَا مَخازي الزَّمانِ
وَتَاريخ يَعربَ مَن ضَيَّعه

وَهَلْ (سَالمٌ) فِيهمُ مَنْ رَوَى
إِلى العَطنِ يُعْزى وَعَى مَن وَعَه

وَكَان ( الصَّريحُ) يُثيرُ الشُّجونَ
وَلَو قَامَ حَدٌّ فَمَنْ يَقطعه؟

وَغَابَ (الجَلالُ) فِصرنا رَعَاعاً
فَمَا أَحصى شَيئاً وَلا جَمَّعَه

وَأَذكى التَّفاعلَ فِينا (فَريدٌ)
وَدَرسٌ (لِصَابرَ) مَا أَرْوَعَه!

وَرَسمُ الحَياةِ بِلَونِ الهُمومِ
تَباشيرُ ( حُسْني) تَفَانَى مَعَه

سَلامٌ علَى أعرقِ الأَصدقاءِ
(لُؤيٍ) (كَمَالٍ) وَمَن جَا مَعَه

سَلامٌ عَلى وَجْدةٍ وَالثَّناءُ
جَميلٌ مِن الَمرءِ أَنْ يُرْجعَه

وانتهى بعدها الحصار وعادت الحياة، ورجعنا إلى وطننا الغالي ونحن نودع ذلك الجمال والصفاء في تلك الربوع الطيبة، التي سرت شعرا بكل أطيافها على لسان أبي وهو يودعها بقصيدته الخمسينية التي عنوانها ( بهجة المغرب) نجتزأ منها قوله:
سَلامٌ عَلَى بَهْجةِ المَغربِ
سَلامٌ عَلَى عَهْدهَا الطَّيبِ

سَلامٌ أَرَقُّ مِن النَّسماتِ
تَمازجَ لُطفًا بِوَجهِ الصَّبي

بِلادِ الحَضارةِ فِي الأَقدمينَ
وَفي الحَاضرينَ بِلا كَذبِ

تَحَلَّت بِوَحدتها فِي الزَّمانِ
تَعُدُّ (الأَمازيغَ) فِي يَعربِ

شُموسٌ أَضاءتْ بِأَنوارهَا
ظَلامَ الحَنادسَ وَالغَيهبِ

وَسَارتْ سَفَائِنُها مَاخِراتٌ
مَسيرَ الكَواكبَ وَالشُّهبِ

فَياَ رَبَّة َ الشِّعرِ هَل مِن خَيالٍ
يُغذي قَصيديَ بِالمُخْصِبِ

لأَذكرَ عَهدي وَأَنسامِهِ
بِأَرضِ (الرِّباطِ) عَلى مَذهبي

وَأُسعدُ حِسِّي بِذكرِ السُّرورِ
فُؤادي يُصَفِّقُ وَآأطربي!!

رحمه الله تعالى وجدد عليه المغفرة وآنسه في قبره بما حبر وعبر، ورزق بلادنا الأمن والاستقرار، ووقاها شر الحصار.
د. رضا محمد جبران
19 / 5 / 2019
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف